فرناندو بيسوا

ترجمة: محمد عيد إبراهيم

فرناندو بيسوايعتبر فرناندو بيسوا المثال الأكثر تطرفا على طبيعة وتحديات شاعر الحداثة الآن: فهو مثال الانطوائي الموضوعي. لم يسع أحد للعثور على شيء غير شخصي في قصائده، كما سيحدث فيما بعد مع معظم شعراء الحداثة المتميزين. وقد تقبل انقسام ذاته بصورة تامة لدرجة أنه فعل شيئا غريبا: كان يكتب الشعر بأربعة أسماء ـ اسمه واسم ثلاثة "توابع" له.
لم يكونوا مزيفين، بل مجرد شعراء متخيلين لكل منهم قصائد واقعية باسمه الخاص. كان فرناندو بيسوا أربعة شعراء في شاعر واحد: ألبرتو كاييرو، ريكاردو رييس، ألفارو دو كامبوس، وهو نفسه، وكل منهم مميز تماما عن الآخرين.
كل واحد يكتب قصائده بشكل مختلف عن الباقي، (كاييرو) شعر حر، ويختلف عنها في النبرة تماما قصائد (كامبوس)، ويكتب (رييس) شعرا موزونا لكنه ليس إيقاعيا، أما (بيسوا) نفسه (عدا قصائده المبكرة) فيكتب شعرا موزونا وإيقاعيا بصورة كاملة. قد يبدو لنا أنه يكتب من اللاوعي، لكن ذلك في الواقع لم يكن مصادفة. كان بيسوا الشاعر يكتب عدة شعراء بقصائد متباينة لكل منهم.
يصنف بيسوا شعراءه الأربعة على النحو التالي: كاييرو ـ هو ما كان يتمناه بيسوا لبساطته الشديدة، ولأنه أقدم هذه الانشقاقات الشعرية، فقد كان يستحوذ على كل شيء، وهو ما اشتاق بيسوا كثيرا أن يكونه ولم يستطع. رييس ـ كان الأقرب إلى بيسوا حين يود أن يصبح كاييرو، ومن بطن كاييرو يعمل رييس بوثنية في تعاليمه الجمالية، أبيقوريّ حسيّ تارة، وأخرى رواقيّ قدريّ، رغم أنه واع، وعلى صلة صافية بالبيئة البشرية المرتبطة بالنزعة المسيحية. أما كامبوس ـ فهو الذي أنقذ بيسوا نفسه من الوقوع في حضن رييس.
بدأ بيسوا على صورة الانبساطي، ثم انتهى انطوائيا. بدأ مصمما على أن "يحس بكل منحى فيه إحساس"، لكنه انتهى بصورة استحواذية مرضية، يتساءل إن كان هو نفسه حقيقيا أم لا. وكشاعر له مثل اسمه، فقد نضج بشكل كامل بمجرد ظهور شعرائه التابعين: كاييرو مثالي، رييس الأفضل في المرتبة الثانية، أما كامبوس فكان يؤدي أسفار بيسوا نيابة عنه، لكن لا مهرب في النهاية من العودة إلى الديار واستكشاف الحقيقة.

جسمي جسوم كثيرة

ولد بيسوا 13 يونيو 1888 في لشبونة، وتوفي في 30 نوفمبر 1935. في عمر الورد فقد أباه، وتزوجت أمه ثانية، وتلقى تعليما إنجليزيا في دوربان بجنوب إفريقيا حيث كان زوج أمه قنصل البرتغال هناك. في سن السابعة عشرة عاد إلى لشبونة من جديد، وظل هناك الثلاثين عاما المتبقية من عمره.
كان يكتب رسائله بالإنجليزية والفرنسية، وقد توظف بشركة تجارية في لشبونة يكسب منها دخلا متواضعا كان يمكنه فقط من تكريس نفسه لكتابة الشعر بإخلاص وإذعان لذلك النداء الغريب في جسمه: "أفرق جسمي في جسوم كثيرة".
في عام 1914 انقسمت فيه شجرة التعدد. كيف حدث؟ يحدثنا بيسوا نفسه في خطابه المرسل 13 يناير 1935 إلى كاسايس مونتيرو، بأنه في طفولته كان يقيم حوارات مطولة مع أشخاص متخيلين، لم يكن يسمعهم فحسب بل يراهم ويسميهم.
في عام 1912 جرب أن يكتب بعض قصائد وثنية، مثلت فشلا ذريعا، لكن تلبّث معه نوع من "الصورة الغامضة" عن كنه كاتبها ـ "وبدون معرفة مسبقة، ولد مني ريكاردو رييس". وفي أقل من عامين، وعلى سبيل التفكه جرب أن يخترع نوعا آخر أكثر تعقيدا من شاعر رعوي. يقول:
"في ذلك اليوم كففت عن فعل أي شيء أخيرا، كان 8 مارس 1914، لكني فجأة ذهبت إلى طاولتي العالية، وتناولت ورقا أبيض، فبدأت أكتب واقفا كما اعتدت الكتابة دائما. أُلهمت ثلاثين قصيدة غريبة في نوع من النشوة لم أستطع تحديد هويتها. كان يوم النصر في حياتي كلها، ولن أنال شبيها له بعد ذلك أبدا. بدأت قصيدة بعنوان "راعي الغنم". وما تلاها كان ينتسب لشبح شخص آخر داخلي، وعلى الفور منحته اسم (ألبرتو كاييرو). وسامحوني على عبث هذه العبارة: لقد ظهر سيدي داخلي. ذلك كان هو الإحساس العاجل الذي نلته".
وبعد أن كتب قصائده الثلاثين الغريبة التي تخص كاييرو، يقول:
"على الفور أمسكت ورقا آخر وكتبت، مباشرة أيضا، ست قصائد تمثل الجانب الحقيقي من فرناندو بيسوا، شخصيا وكاملا. كانت عودة من فرناندو بيسوا إلى ألبرتو كاييرو ثم إلى فرناندو بيسوا من جديد وحيدا مع نفسه. أو من الأفضل أن أقول، كان ذلك ردة فعل فرناندو بيسوا ضد منافسيه المتخيلين أمثال كاييرو".
ويستمر يكشف غريزيا وبدون وعي عن بعض خصائص كاييرو، فيقول:
"لقد قذفت ريكاردو رييس من وثنه المزيف، واكتشفت اسمه، ثم كيفت له نفسه مع نفسه، لأني في هذه المرحلة كنت أراه فعليا. وفجأة، بنوع من الانشقاق المعارض لريكاردو رييس، برز مني شخص جديد كطفح جلدي. على الفور قمت إلى الآلة الكاتبة، ودون مقاطعة أو تصحيف، أنشأت "نشيد النصر" التي انتسبت لألفارو دو كامبوس، قصيدة اخترعت اسمها واسم كاتبها كلا على السواء".

وعندئذ اخترع حلقة متخيلة أخرى، يقول:
"قمت بتثبيت ذلك كله بعفن الحقيقة. صنفت تأثيراتهم، وتعرفت على صداقاتهم، وسمعت بداخلي كل نقاشاتهم وانشقاق حلقتهم، ثم بدا لي أنني أنا مبدعهم جميعا، كنت أدنى شيء فيهم هناك. وكأن هذا حدث مستقلا عني. وكأنه لا زال يحدث على هذا النحو..."
ويقول جوناثان جريفين في مقدمة ترجمته لأشعار بيسوا "قصائد مختارة" التي نشرها في دار "بنجوين" (والتي نترجم عنها هنا) إن هناك حقيقة لم تذكر في تلك الرسالة: هو أن القصائد الست الأولى بتوقيع ريكاردو رييس كانت تحمل نفس التاريخ (6/6/1914)، مما يزعم، لكنه لا يؤكد طبعا، أن القصائد كلها جاءت دفعة واحدة.

الشاعر الأول:
من قصائد "ألبرتو كاييرو":

لو، بعد أن أموت

لو، بعد أن أموت، يودون كتابة سيرتي،
فلا شيء أبسط منه.
لديّ تاريخان محددان ـ لمولدي، ولوفاتي.
فيما بين الشيء والآخر كل الأيام
          تخصني.

سهل عندي أن أصف.
فقد عشت كالمجنون.
وأحببت بدون عاطفة.
لم أنل قط رغبة تشبعني، لأني
          لم أكن قط أعمى.
حتى السماع لديّ لم يكن أفضل
          من مرافقة الرؤية.

فهمت أن كل شيء حقيقي ومختلف كليا عن
          أي شيء آخر،
فهمتُ ذلك بعيوني، لا بالفكر مطلقا.
أن أفهم بالفكر يعني أن أجد كل شيء
          يساوي الآخر.

ذات يوم شعرتُ بالنعاس مثل طفل.
فأحكمت عينيّ ونمت.
وبالصدفة، كنتُ مجرد شاعر الطبيعة.

بداية قصيدة "راعي غنم"
لم أكن راعي غنم،
لكن يبدو أنني كنت أراقبها،
روحي مثلها كالراعي،
تعرف الرياح والشمس،
وتمشي يدا بيد مع الفصول
تتابع وتنصت.
كل سكينة الطبيعة من دون بشر
جاءت لتجلس قربي.
لكني بقيت حزينا كالغروب
كما يظهره لنا الخيال،
حينما تهبط الرعشة على جانب الوادي
وتحس بأن الليل قد هلّ
مثل فراشة عبر نافذة.

لكن حزني هادئ

لأنه طبيعيّ وصحيح
وهو ما ينبغي أن يكون في الروح
حين تفكر أنها موجودة
وتقطف اليدان أزهارا لا تلحظ
          أيها هي.

لدى مشاحنات أجراس الغنم
خلف حنية الدرب،
أفكاري مطمئنة.
فقط آسف من معرفتي كونها مطمئنة،
لأني، لو لم أعرف ذلك،
وعوض أن تكون حزينة وراضية،
من المفروض أن تكون مبهجة وراضية.
أعتقد غير مريح السير في المطر
حين تهب الرياح ويبدو أنها تستزيد المطر.

لا طموحات عندي ولا متطلبات.
أن أصبح شاعرا ليس طموحي.
مجرد طريقة للبقاء وحيدا.

وسط قصيدة "راعي غنم"

هناك ميتافيزيقا واسعة في عدم التفكير على إطلاقها.

بماذا أفكر في العالم؟
أنّى لي أن أعرف بم أفكر في العالم؟
لو كنتُ مريضا كنتُ فكرتُ فيه.

ما هي فكرتي عن الأشياء؟
ما رأيي بخصوص الأسباب والتأثيرات؟
ما الحلول الوسط بين الله والروح
وخلق العالم؟
لا أدري. بالنسبة لي، أن أفكر يعني أن أغلق
          عينيّ.
ولا أفكر. يعني أن أسحب ستائر
نافذتي (لكن ليس فيها ستائر).

ما لغز الأشياء؟ أنّى لي أن أعرف أنني أعرف
          كنه هذا اللغز؟
اللغز الوحيد هو في وجود امرؤ قد
          يفكر في لغز.
إنسان يقف أمام الشمس ويغلق عينيه
يبدأ لا يعرف كنه الشمس
ويفكر في أشياء كثيرة مفعمة بالحرارة.

لكنه يفتح عينيه فيرى الشمس،
ولا يستطيع أن يفكر الآن في أي شيء،
حيث نور الشمس يستحق أكثر من
          مجرد أفكار
الفلاسفة جميعا والشعراء كلهم.
نور الشمس لا يعرف ماذا يفعل
ولذلك فهو يتيه كأنه شائع وطيب.

ميتافيزيقا؟ ما هي ميتافيزيقا الأشجار؟

من كونها خضراء وبها تيجان وغصون
كما تمنح الفاكهة في أوانها، ـ وهي ما لا
          يجعلنا نفكر،
نحن، لا ندري أنها واعية بنا.
لكن ما الميتافيزيقا الأفضل منها،
حيث لا تعرف لماذا تعيش
ولا تعرف أنها لا تعرف ذلك؟

نهاية قصيدة "راعي غنم"

يوم عاصف صاف،
من نوعية حين تتمنى لو أنك أديت كومة أعمال
فلا تفعل أيا منها ذلك اليوم،
أنعمت البصر، مثل طريق للأمام بين الشجر،
فيما يمكن أن يكون "السر الأعظم"،
ذلك "السر الأعظم" هو الذي يتحدث به الشعراء الزائفون.

لم أره في أية "طبيعة"،
"الطبيعة" غير موجودة،
هناك جبال، وديان، وسهوب،
هناك أشجار، أزهار، وأعشاب،
هناك أبخرة وأحجار،
لكن لا يوجد كلٌّ تنتمي له أيها،
أي صلات حقيقية واقعية
هي مرض من أفكارنا.
"الطبيعة" أجزاء دون كلٍّ.
ربما ذلك هو السر الذي يتحدثون به.

ذلك هو ما أدركتُ، دون تفكير
أو حتى سكتة، أنه الحقيقة
التي شرعنا نجدها ولا نجدها
وأنا وحدي، لأني لم أجرب أن أجدها، وجدتها.

رحتُ بنفسي داخل الدار وأغلقت النافذة.
جلبوا لي لمبة ومنحوني ليلة طيبة،
وصوتي الراضي منحهم ليلة طيبة.
قد تدور حياتي على هذا النحو:
النهار مفعم بالشمس، أو رطب بالمطر،
أو عاصف كأن كلمة وصلت نهايتها،
المساء الناعم ومجموعات البشر تمر
أرقبها باهتمام من النافذة،
نظرة ودودة أخيرة منحتني سكينة الأشجار،
وعندئذ، أغلقت النافذة، أضأت اللمبة،
لا أقرأ أي شيء، لا أفكر في أي شيء، ولا أنام،
لأحس الحياة تتدفق من خلالي مثل نهر على سرير،
وبالخارج صمت عظيم كأن رباً نعس.

***

الشاعر الثاني:
من قصائد "ألفارو دي كامبوس":

لديّ أحيانا

أحيانا لديّ أفكار سعيدة،
أفكار هي فجأة سعيدة، ما بين أفكار

والكلمات فيما بينها تهتز حرة بالفطرة...

بعد الكتابة، أقرأ...
ماذا دفعني لكتابة هذا؟
أين كنتُ لأجد هذا؟
ومن أين حطّ عليّ؟ شيء أفضل من
طاقتي...
هل نكون، في العالم، بأحسن تقدير، قلم
وحبر
يكتب بها امرؤ أننا هنا
          مجرد ذرة؟...

(1934)

متعب أنا

أنا متعب، وهذا واضح،
حيث يكون الناس، في مرحلة معينة، متعبين.
مم أنا متعب، لست أدري:
لا يفيدني على الإطلاق أن أعرف
لأن التعب يظل مجرد تعب.
الجرح مؤلم وهو يؤلم
وفي غنىً عن السبب الذي أحدثه.
نعم، أنا متعب،
ومبتسم بشحوب أبدا
حيث يكون التعب هكذا ـ
في الجسم أمنية بالنوم،
في الروح رغبة ألا أفكر
ويتوج ذلك كله، شفافية منعمة

عن تفاهم مستعاد...
ورفاهية حالية أن تختفي مني الآمال؟
إنني ذكيّ: وهذا كل شيء.
لقد رأيت الكثير وفهمت أكثر
          عما رأيت.
وهناك لذة لا ريب حتى في التعب
الذي يشملنا،
لأنه في النهاية يخدم الرأس
          في شيء.

(1935)

عندي برد فظيع

عندي برد فظيع،
ويعلم الجميع أن البرد الفظيع
يبدل نظام الكون كله،
يجهزنا ضد الحياة،
وحتى الميتافيزيقا تعطس منه.
ضيعتُ يومي كله أنفخ بفمي.
ورأسي تؤلمني بغموض.
وضع حزين لشاعر متواضع!
اليوم أنا حقا شاعر متواضع.
ما كنته بالأيام الخوالي كان أمنية، وراح.

وداعا إلى الأبد، يا ملكة الجنيات!
جناحاك من شمس، وأنا أمشي هنا.
لن أبرأ إن لم أذهب لأرقد في فراشي.
لا يشفيني عدا الرقود فوق الكون.

اغفروا لي قليلا... يا له من برد فظيع!...
          فيزيقي!
          أحتاج الحقيقة والأسبرين.

(1931)

الشاعر الثالث:
من قصائد "ريكاردو رييس":

توجوني بالورد

توجوني بالورد،
توجوني حقا
          بالورد ـ
ورد يحترق
على جبين محترق
          فاخرجوا حالا!
توجوني بالورد
والورق الزائل.
          فذلك سوف يجدي.

(1914)

أكرهك، يا مسيح، ولا أكره

أكرهك، يا مسيح، ولا أكره، أو أفتش. أومن
بك وبالأرباب الآخرين، الأكبر سنا.
أحسب أنك لا أكثر لا أقل
منهم، فقط الأحدث.

أكره، نعم، وأمقت بهدوء الناس

الذين ينشدونك فوق الأرباب الآخرين، كلكم متعادلون.
أبحث عنك حيث تكون، لا أعلى
منهم، ولا أسفل، عن ذاتك فحسب.

رب رخو، نحتاجه ربما حيث لا
أحد هناك مثلك: لا زيادة في هيكل الآلهة، ولا شيء
أكثر، لا أنقى: لأن الكلّ مكتمل بآلهة، عداك.

خذ حذرك، أيها الوثني المحصّن بالمسيح: الحياة
متعددة، كل يوم مختلف عن أخيه،
وسوف نكون متعددين فقط
          مع الحقيقة ومنفردين.

(1916)

الشاعر الرابع:
من قصائد "فرناندو بيسوا":

وهي تمرّ

حين أجلس إلى النافذة،
من بين الزجاج، لطّخه الثلج،
أبصر الصور الرائعة، لها، وهي
تمر... تمر... تمر جنبي...

فوقي أسىً ألقى حجابه: ـ
أصغر مخلوق في العالم
ولا ملاك بعد في السماء.

حين أجلس إلى النافذة،
من بين الزجاج، لطّخه الثلج،
أفكر أني أرى صورة، صورتها،
لم تكن تمر... لا تمر جنبي...

(1902)
الكريسماس

مولد رب، ووفاة آخرين. الحقيقة
لا تأتي ولا تروح: تغيّرت "الخطيّة".
لدينا الآن "خلود" آخر،
وكلما رحل أحدهم كان أفضل دوما.

أعمى، يعمل العلم على أرضية غير ذات غناء.
مجنونة، تحيا الحقيقة حلم عبادتها.
الرب الجديد مجرد كلمة ـ أو صوت فحسب.
لا تفنى ولا تؤمن: فالكل تنجيم.

(1922)

أعرف، أني وحيد

أعرف، أني وحيد
كم يؤلم هذا، القلب
دون حقيقة ولا ناموس
لا لحن أو فكرة.

أنا فقط، فقط أنا
ولا شيء من هذا أقول
لأن الحسّ مثل السماء ـ

تُرى، ولا شيء فيها نراه.

(1932)

الحب الأساس

الحب الأساس.
الجنس، مجرد حادثة.
قد يعادل
أو يختلف.
الرجل غير حيوان:
فهو لحم ذكي،
رغم ذلك يمرض أحيانا.

(1935)

يطرق بابك أحد

هل يطرق بابك أحد ذات يوم
يعلن إنه رسول مني،
لا تصدقه، حتى لو كنتُ أنا،
أن تطرق الباب معناه ألا تذهب مع مجدي الغابر
حتى لو كان باب السماء الزائف.

لكن هل ينبغي، طبيعيا ودون سماع
أي امرئ يطرق، أن تأتي إلى بابك، ترفع رتاجه
وتجد شخصا ينتظر (على ما يبدو)
مَن يطرق، يمنحني ذلك فكرة. كان
رسولي وأنا وبطانة مجدي
ذلك يدفعني إلى اليأس وما اليأس.
فارفع رتاجك لمن لا يطرق بابك!

(1934)

هذا

يقولون إنني أدعي أو أكذب
في كل ما أكتب. لا شيء من هذا.
ببساطة فأنا
أحس بالخيال.
لا أستخدم وتر القلب.

كل ما أخسر أو أحلم به،
يسقط سريعا أو يفنى لديّ،
مثل شرفة تطل
على شيء تحتها.
ذلك الشيء هو ما يقودني.

كما أكتب عن الأشياء
غير البعيدة من قدم المرء،
أتحرر من تشوشي،
معنيا بما لا يعنيني.
أحس؟ دع القارئ يحس!

(1933)

عيناك حزينتان

عيناك حزينتان. وأنت لا
تنصت لما أقوله.
تنعسان، تحلمان، تشحبان.
لا إنصات. أصرخ.

أقول ما قيل لي، بعيدا عن حزن
كسول، وغالبا قبل ذلك…
أظن لم تنصت أبدا،
لذلك يمثلك هروبك.

فجأة، نظرة
غائبة، تحدق بي، لا تزال
شاردا بدون حدود،
وتبدأ تبتسم.

أواصل كلامي. وأنت
تواصل إنصاتك ـ أفكارك
هي ما تنصت إليه،
البسمة رائعة كالغياب،

حتى، عبر التسكع
ضياع لحظة بعد الظهر،
الصمت لا يتصفح
بسمتك الضائعة.

(1935)


إقرأ أيضاً: