ألبان جيلليه
(فرنسا)


ترجمة : جمانة حداد

المستحمة - لماغريتألبان جيلليه فرنسية، مولودة عام 1971. من أعلى الغيوم الشعرية الجديدة على متن زورق رامبو. علوّها من خفوتها. اكتشفتُها لشهر خلا عندما كانت تقرأ قصائدها في إطار ربيع الشعراء في باريس. قرأتْ أمامنا كطفلة خجولة تختبئ وراء فستان أمّها. كقمرٍ ينتظر بفارغ الصبر طلوع الندى. "خذوا وكلوا هذا هو جسدي"، كأنّها تقول. في كلماتها اختناق الشاعر المتكئة روحه على نافذة. نافذةٌ يرى منها كل شيء لكنّ زجاجها يحول دون خروج لهاثه الى الحياة. ألبان جيلليه تودّ لو تكسر الزجاج وتنفر كالدم من عروق تلك النافذة.
هي لا تعرف بعد أنها كسرته.

ج.ح.

رجلٌ. لا يقول شيئا. تائه فلِمَ يقول؟ في كلّ الأحوال لا أحد يسمعه حين يتكلّم. جالس على الأرض. حركاته كأنّه غير مدرك حركاته. يتذكّر بعض الأغاني الضاربة التي بطلت موضتها. يدندنها فتزرع زلازل في أحشائه. هذا جلّ ما يعرفه عن نفسه: تلك الهزّات التي تأخذه على حين غرّة. الرجل قادر على النهوض وأحيانا ينهض ولكن نادرا ما. اليوم هو متربّع يصغي الى الشجرة والى الكلب المربوط بالشجرة. نكاد نظنّه الشجرة أو الكلب من فرط الصمت بين الثلاثة. إذا جاءت امرأة طريقه لن ترى منه سوى حركاته وسيُحدث ذلك صوت زجاج فيها. لكننا لا نعرف ما الذي قد يحصل فعلا إذا جاءت امرأة طريقه. لا نعرف شيئا عن الأمور التي لا يمكن أن تحصل التي لا تحصل أبداً.

إمرأة. ننظر إليها ولا نرى امرأة. لا نرى. لا نعرف من هذه الخفيّة الماثلة أمامنا. تقول "عدتُ لا أشبه نفسي منذ بعض الوقت". تعرج وفمها نصف مفتوح على الدوام. هذا كلّ ما يستحضره الناس منها عندما يغمضون أعينهم ليتذكّروها. تودع حزنها راحة يديها فالحزن ثقيل في الجسد. ثقيل هو الحزن يحول دون الإقلاع. تعيش وحيدة بلا رجل وحيدة بلا نفسها. من فرط وحدتها لم تعد تسمع أصوات القلب عندما يعوي كلب الجيران، ولا أصوات الأبواب التي تصفق كلّما اشتعل انتظارها. تشاهد في عيون الناس حدائق سرّية غامقة، حدائق تُضاء من تحت. تنثر اسمها في الحدائق وبسندويشات النوتيللا ترسم وترقص. وترقص.

رجلٌ. والدته تخابره كل يوم عند الظهر. يعيد اختراع أيامه من اجلها لأن ليس لديه ما يقوله حقا. كل يوم ظهرا تخابره أمّه وتحتل مكالمتها المساحة المتبقية من النهار. ينادي زوجته ماما من دون قصد. بدأ ذلك مع ولادة الطفل الأول. ينادي زوجته ماما بينما عروسه الشابة لم تزل معلّقة على الحائط. تتثاءب منسيّةً داخل برواز من عشرين سنتيمترا.

إمرأة. تلفظ اسمها كما لو أنه فاحش. في فمها مومس وطفلة تتنازعان الصوت نفسه. لهذا ربما يبتعدون عنها كلّما تكلّمت. هو الحنان في عينيها الجامدتين هو الحنان ما يُبعدهم حنان عينيها اللتين تطلبان الكثير. المرأة لا تعرف أن عينيها تطالبان ولا أحد يقول لها شيئا.

رجلٌ. يظن ان الوقت ليل لأن لا يعبر رأسه إلا السواد. رأسه يشبه يديه المشدودتين. المضمومتين على يأسه. يشبه يديه المخبأتين في جيبيه. لم يعد رأسه يرى المشهد. "أنا بردان ودائخ" يقول الرجل. الوقت ليلٌ يقول. يكافح البرد والدوار معا. آه ألم تحن النهاية بعد؟

إمرأة. حين تمشي نفهم كم صعب عليها. كم صعبٌ أن تمشي وهي تحمل تلك الأكياس الثقيلة. لا تريد أن تضعها أرضا لا تريد ان ترتاح هنيهة. تقول لا. ترفض مرارا عندما يعرض أحدهم المساعدة. قدماها ترتجفان مع كل خطوة. تترددان في القيام بالخطوة التالية. ربما ما تريده المرأة هو أن تتوقف. أن تتوقف نهائيا أن تكفّ عن حمل تلك الأكياس الثقيلة كلها أن تكفّ عن المضي قدما. آه ألم تحن النهاية بعد.

النهار الثقافي
الأحد 25 نيسان 2004