|
رسم: معتصم هارون |
قد لا تبدو مقدمة كتاب "كل شيء ليس على ما يرام" للكاتب البحريني عبدالقادر عقيل، التي حملت العنوان ذاته، شارحة لكل محتوياته بالطريقة المعتادة لوضع مقدمة كتاب، وإنما محتوى آخر لموضوع الكتاب المهم، ويمكن أن يتم تأجيلها إلى أي مساحة أخرى بين دفتي الكتاب. أما العنوان الفرعي "مقالات وحوارات في الحركة النسوية" فيشير بعلامة سريعة إلى كتاب يمكن أن يكون فارقا في محتواه، إلى جانب شريط طولي لثماني مبدعات في مجالات مختلفة، قد يتعرف القارئ المهتم إلى بعضهن، وظلال صورة امرأة يقوم رجلان بدفنها حية.
التصور الذي وضعته لغلاف الكتاب الصادر أخيرا عن منشورات الدوسري للثقافة والإبداع، محاولة أولى لترجمة محتوياته. استطاع عقيل في ترجماته لمقالات وحوارات في تجارب كاتبات وسينمائيات عانين من سلطة المجتمعات الشرقية أن يقدم مادة حية بلا تزويقات كثيرة، ولا شروحات وتنظيرات في مفهوم النسوية من جانبه التنظيري، بقدر ما وضع أيدينا وأفكارنا على تجارب حقيقية، وما مقدمته إلا نافذة على أفكار متشعبة حول الحركة الأدبية النسوية في المجتمع العربي، وتأثيراتها وصداماتها مع الفكر الاجتماعي والديني عبر خمسة قرون أعقبت مرحلة تأسيس حركة الرواية العربية.
يقول عقيل "هذه المرحلة التي هدمت جدار العيب والممنوع، وتلمست هموم المرأة، وواقعها، ومعاناتها، وطموحاتها، ورفضها للقيم الذكورية المهيمنة، ومع ذلك ظلت إبداعات المرأة العربية تتخذ من (الجسد) محورا مفضلا، وحدودا جغرافية تمارس فيه حريتها، وتعبر عن تمردها".
وعبر نماذج عدة في تجارب الكاتبة العربية والخليجية التي ركز عليها عقيل في المفتتح الأول لما هو "ليس على ما يرام" يخلص عقيل إلى أن "المرأة لا يمكن أن تكون حرة في مجتمع لا تتوفر فيه الحرية للجميع، كما أن حرية المرأة لا يمكن أن تحدث دون الدفاع عن حقوق ملايين النساء المضطهدات في المصانع والمؤسسات والإدارات والمنازل والأحياء الشعبية، ودون تلمس آلامهن وهمومهن ومعاناتهن اليومية من أجل لقمة العيش.
ثمة أمثلة أخرى في عتبة أخرى يفتح عليها الكاتب جملا اعتراضية كثيرة، مهمة، تزيد الوضع "قتامة ورعبا" في "تنامي تيار أصولي طائفي متشدد يجتاح المنطقة كلها، وهو بالتأكيد يمثل خطرا على المرأة والمكتسبات التي حققتها خلال العقود الخمسة الماضية". هذا التيار الذي يمتد ويؤثر في تفاصيل الحياة اليومية للإنسان، وهو بالتأكيد يجد في حياة المرأة مادة أساسية لإبداعه وبدعه.
بعد هذا المشهد البانورامي لسيل من أمثلة "عقدة (الذكورة والأنوثة) ومن سيطرة (الجسد)، ومن تكرار فصول الحرب العبثية الموهومة بين الرجل المتسلط والمرأة المظلومة.." يقدم الكاتب ترجمة مهمة لمقال بريتاني مغواير "مظاهر التمييز ضد المرأة في الحكايات الشعبية.. الحكايات الشعبية الروسية أنموذجا". ثم ترجمة أخرى لحوار الكاتبة الإيرانية آذر نفيسي، أجرته معها نيرمين شيخ حول كتابها المثير "قراءة لوليتا في طهران". ويضيف بعدها حوارا مع الكاتبة التركية أليف شفق المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية أجراه معها جان هندريك باكر ونشر في صحيفة هولندية بعنوان "التنافر الدائم بين الذاكرة والنسيان".
المقالة الأخرى التي وضعها الكاتب كانت بعنوان "لماذا نحب أرونداتي روي" حول حياة وتجربة الكاتبة الهندية أرونداتي روي صاحبة رواية "إله الأشياء الصغيرة" الفائز بجائزة البوكر العالمية لعام 1997. وتحت عنوان "العالم بعين مجردة من المنطق ومفعمة بالعاطفة" يضيف الكاتب حوارا مترجما ثالثا مع المصورة الفوتوغرافية الإيرانية شيرين نيشات أجراه معها الصحافي جون لي كاي حول أعمالها التي تتضمن أبعادا سياسية واجتماعية فيما يتصل بوجهة نظر المرأة المسلمة في بيئة محافظة.
ومن كتاب "بكاء الأطفال في لبنان" للمؤلفة جنيفر برايس، يأخذ الكاتب مجموعة من "شهادات الأمهات في زمن الحرب" المأخوذة أصلا من مقابلات عديدة مع أرامل الحرب في لبنان عام 1986. يتبعها بثلاث قصائد للشاعرة الأفغانية ناديا أنجمن. ومقالة لأندريه ناغورسكي بعنوان "أصوات في الظلام" منطلقا من سؤال جوهري: كيف يمكن أن نفهم إيران؟ وماذا يريد شعبها؟.
الحوار الرابع في الكتاب مع الممثلة الهندية، العضو في البرلمان الهندي، وسفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة شبانا عزمي أجرته معها نيرمين شيخ ويسلط الضوء على حياتها المهنية، والعلاقة بين الفن والسياسة، وتوجهاتها لتحقيق العدالة الاجتماعية. يتبعه بمقال جديد للكاتبة كوميليا رواتي حول المرأة في السينما الهندية بعنوان "رقاص ساعة يهتز بعنف".
وعن حياة الشاعرتين الإيرانيتين سيمين بهبهاني وفروغ فرخزاد يختتم الكتاب بمقالين ونماذج من نصوصهما وكأنما آخر سطر من قصيدة فرخزاد تفتح كل قضايا المرأة في الشرق حين تردد الأبيات الأربعة الأخيرة من آخر صفحات الكتاب:
قلبي، يا قلبي المجنون
يا من تتلظى بنار هذه الغربة
أصرخ، لا تفعل شيئا آخر،
إلهي، أنقذني من هذا الجنون.
الشرق
15-6-2012