المنامةـ “القدس العربي”: ـ ربما لأن قاسم مظلة للجميع.. ـ بالتأكيد هو كذلك.. هكذا كانت تدور الحوارات خارج أروقة معرض “طرفة بن الوردة” الذي قدّمه الشاعر البحريني قاسم حداد مساء الأحد الماضي في صالة “الرواق” الفنية، بمعية ولده الموسيقي محمد حداد، وابنته الفوتوغرافية طفول حداد.
وقدم فيه مجموعة من الأعمال الفنية المتنوعة بخط وتشكيل قاسم حداد نفسه، إضافة إلى كتاب مطبوع بخط اليد للكتاب “طرفة بن الوردة” الصادر مؤخراً للشاعر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والذي يحكي فيه الشاعر سيرة الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد بصورة شعرية مختلفة، أو كما وصفها حداد نفسه بأنها سيرة تحكي قصة طرفة من وجهة نظر الشاعر نفسه لا من وجهة نظر أساطير الأولين.
وربما تكون هي المرة الأولى التي يجتمع فيها المثقفون البحرينيون بعد أن كانت رؤاهم السياسية حول ثورتهم قد فرّقتهم مؤخراً، ولذلك فإن أول ما يحسب لهذا المعرض، هو قدرته على تخطي السياسة في الوضع العربي الراهن الذي تعيش فيه البلدان العربية في ظل ربيعها، لكن هذه القدرة على تخطي السياسة ربما تدخل الجميع في السياسة مرة أخرى، حين نجد حداد يتكلم عن هذه التجربة فيفصل في وصف الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد بالشاعر “المتمرد”.
ولدى حديثه عن التجربة يؤكد حداد على أنه أنجز “مشروع حياته”، مضيفاً أنه لا يعطي بذلك قيمة نقدية فنية أو أدبية للنص الشعري الذي أنجزه، أو للنص البصري في المعرض، لكنه يتحدث عن تجربة رافقته طوال حياته، معتبراً أن إنجازه لهذا المشروع خلال إقامته في برلين ضمن منحة خاصة لمدة عام أتاحت له الفرصة لإنجاز النص، وأن تبرّع عضو مجلس الشورى البحريني جمال فخرو بالتكفل بإنتاج المعرض الفني للعمل، أتاح له المضي قدماً في المعرض.
ويتحدث حداد عن ان الشاعر طرفة بالقول: “لم تقنعني القصة التي تدور بين الشاعر طرفة والحاكم عمرو بن هند” ويصفها قاسم بـ”أساطير الأولين” مضيفاً أنه لذلك اخترع سيرة أخرى للشاعر في هذه التجربة، لتسرد القصة من وجهة نظر الشاعر لا من وجهة نظر الأسطورة.
وخلال تقديمه للأمسية يؤكد الشاعر والإعلامي البحريني حسن كمال على هذا المعنى بالقول ان قاسم حداد يريد إعادة صياغة سيرة الشاعر الجاهلي، معتبراً أنه بدأ ذلك منذ الاسم فاختار للشاعر الجاهلي اسماً جديداً هو طرفة بن الوردة، أولاً لتكريم المرأة التي ربت الشاعر الجاهلي، ثم بعد ذلك ليسقط هذا على نساء أخريات في حياة قاسم حداد، من بينهن زوجته، ويصف كمال هذا الديوان الذي أصدره حداد مؤخراً بـ”السفر” معتبراً أنه ديوان مغاير إن من ناحية الموضوع وإن من ناحية اللغة، مضيفاً: “ومن يقع بين يديه الديوان.. سيعرف أنه الديوان الذي يقرأ مرات ومرات”.
المعرض.. من الموسيقى حتى الضوء
في المعرض يقدم حداد مجموعة من اللوحات الفنية التي أنجزها بنفسه، مستخدماً الورق دائماً والأحبار، متعلقاً بذلك بهويته الأساسية ككاتب وشاعر، ومؤكداً عليها، ولذلك جاء المعرض غالباً مزيجاً بين اللونين الاسود والأبيض، كما أنه لم يبتعد كثيراً عن الحرف في كل حالاته التشكيلية، فكان قاسم يطوي الورق أحياناً، أو يلفه، يفرده أو يثنيه، يقصه ويشكله كيفما يريد، لكنه دائماً يعبّر عن احترامه لهذه المادة، فخرجت اللوحات جميعها، وكذلك الكتاب المطبوع للتعبير عن هذه العلاقة بين الورقة والحبر والشاعر، ربما لأن ذلك هو الأساس الذي تقوم عليه التجربة كلها، شاعر قرأ ولمس حياة شاعر آخر عبر الورق، عبر الحبر والكتابة.
أعمال قاسم في المعرض كانت تؤكد على هذه المسألة، حتى ليشعر زائر المعرض أنه في مكتبة قديمة، أو حانوت لطباعة الكتب، وبما أن حداد ليس تشكيلياً في الأساس، فهو شاعر قبل كل شيء، فقد جاء معرضه تأكيداً على ذلك لا نفياً له.
ترافق حداد في معرضه صور له شخصياً خلال إنجاز العمل، التقطتها ابنته طفول، وتؤكد هذه الصور على ذلك الحب الذي رافق حداد خلال إنجازه المعرض، هذا الحب الموجه إما للشاعر طرفة أو لعملية الكتابة نفسها حيث إنجاز النص الشعري، أو لعملية الكتابة التقنية التي تتبدى في الإمساك بالقلم والإحساس بالاحتكاك السحري بين الورقة والقلم.
رافق هذا موسيقى محمد حداد التي عبّرت بصدق عن “بحرانية” منفذي التجربة جميعهم، منذ الشاعر الجاهلي، للشاعر المعاصر، للفوتوغرافية، للموسيقي، وحفر حداد الموسيقي في تراثه الشعبي لينجز موسيقاه، غير أنه غلّف هذا الحفر بحداثة العصر الجديد للموسيقى الكلاسيكية، مقدماً تجربة قد تكون من بين أميز ما قدمه هذا المعرض.
القدس العربي
2011-10-13