خليل صويلح: «أقدار» الحارس الأعزل

محمد شعير
(مصر)

 خليل صويلح

حاز الزميل والكاتب السوري «جائزة نجيب محفوظ» لهذا العام عن روايته «وراق الحبّ» التي «تنتقد الواقع العربي بقسوة شديدة» بتعبير الناقد جابر عصفور

****

دخل خليل صويلح (1959) عوالم الكتابة من بوابة نجيب محفوظ. الطفل الذي كان يسكن في قرية تقع على الصحراء السورية، لم يكن في بيته سوى نسخة قديمة من القرآن. لكن ذات يوم صيفي قائظ، انتبه إلى «كتاب مهترئ قرب موقد النار، ربما أحضرته أمي لاستعماله في إشعال الحطب». كان الكتاب بلا غلاف، لكنّ عنوانه كان موجوداً على الصفحة الأولى: «عبث الأقدار»، رواية لنجيب محفوظ.

هكذا، قاده صاحب «نوبل» إلى «التهلكة» كما يحبّ الكاتب السوري أن يسمّي الكتابة. ثم دارت الأيام دورتها وكرّت سبحة الزمن، ليحصل خليل صويلح أخيراً على الجائزة التي تحمل اسم صاحب «الثلاثية»، وتمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة كل سنة في مناسبة ميلاد صاحب «أولاد حارتنا» (1911 ـــــ 2006). وهي الجائزة التي يتوقع صويلح أن تجعله «أمام مرمى مكشوف، أنا الحارس الأعزل بكامل رعبه!» كما يصف نفسه.
لم يتوقع صويلح أن يحصل على الجائزة. كانت تسريبات صحافية قد أشارت قبلاً إلى ذهابها هذا العام إلى الكاتبة السعودية رجاء عالم، كما طرح اسم الروائية اللبنانية علوية صبح. لكن لجنة التحكيم اختارت «ورّاق الحب» (دار البلد، 2002 ـــــ دار نينوى، 2008 ـــــ دار الشروق، 2008) باعتبارها «رواية ذكية تعكس براعة مؤلفها في القص، فهو يجيد فنّ الاستطراد والتناص من دون أن يفقد بوصلة السرد». أو كما تذهب رئيسة لجنة التحكيم سامية محرز إلى اعتبار «ورّاق الحب» روايةً فذّة لأنّها مصنوعة أو قائمة في معظم الأحيان على أعمال الآخرين. القارئ يجد دائماً وعداً من قبل الراوي أنه سوف يبدأ روايته وينتظر ليجد رواية مليئة بالبدايات التي لم تكتمل. ومع ذلك، لا توجد لحظة ملل واحدة رغم الاستطرادات التي بنيت عليها الرواية»... أو كما وصفها الناقد جابر عصفور بـ «الرواية التي تنتقد الواقع العربي بقسوة شديدة وتتحدث عن الكوارث التي نعيشها، والتي لا بد من أن ينتهي الحب بسببها ونتيجةً لها. وهي تشير إلى أن الواقع يخنق الرواية ويخنق الحبّ. وأنا أرى أننا نعيش في واقع يقضي على الإبداع ويخنق الحب».

وقال الناقد الأردني فخري صالح إن صويلح «يبدع في تهجين سرده وحكاياته بما يقتبسه جاعلاً روايته، التي تحكي عن الحب وتصنع منه مفارقة ساخرة، لعبة تناصية ذكية تلقي الضوء على موضوع الحب والنوع الروائي وفعل الكتابة في محاولة لإضاءة معنى العيش في عالم مضطرب مسكون بهاجس القمع وثقل السلطة الضاغط في هذه المنطقة التعسة من الكون». أما الناقد المغربي محمد برادة، فرأى أن بناء الرواية الفائزة يعتمد على العديد من الروايات المعروفة، لكنّ المؤلف «جعله يبدو بمثابة تخييل على تخييل يستكمل دلالاته وإيحاءاته من الروايات التي اشتهرت بتناولها لموضوع الحب والجسد».

تضمّ لجنة تحكيم «جائزة نجيب محفوظ»: أستاذ الآداب والفلسفة في جامعة القاهرة عبد المنعم تليمه، والنقاد جابر عصفور وهدى وصفي ومحمد برادة (حلّ بديلاً للناقد المصري إبراهيم فتحي)، وسامية محرز (مصر)، وفخري صالح (الأردن)، إضافةً إلى مارك لينز مدير النشر في الجامعة الأميركية. تبلغ قيمة الجائزة ألف دولار أميركي، وميدالية ذهبية، فضلاً عن ترجمة الرواية الفائزة الى اللغة الإنكليزية. وتعدّ هذه الدورة هي الرابعة عشرة للجائزة. وقد حصل عليها من قبل إبراهيم عبد المجيد، خيري شلبي، إدوار الخراط، أمينة زيدان، يوسف أبو رية، حمدي أبوجليل، سمية رمضان (مصر)، بنسالم حميش ( المغرب)، أحلام مستغانمي (الجزائر)، وسحر خليفة، ومريد البرغوثي (فلسطين)، وعالية ممدوح (العراق)، وهدى بركات (لبنان). كما كرّمت الجائزة عدداً من الأدباء الراحلين، من بينهم يوسف إدريس، ويحيى حقي، ولطيفة الزيات.

الاخبار- الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠٠٩

****

جائزة نجيب محفوظ الى الروائي خليل صويلح

سحر الببلاوي
(مصر)

 خليل صويلح

فاز الكاتب السوري خليل صويلح بجائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي، التي يمنحها قسم النشر في الجامعة الأميركية في القاهرة، عن روايته «وراق الحب» الصادرة في طبعتها الثالثة عن دار «الشروق» في القاهرة، بعد طبعتين في دمشق، وكان تردد قبل نحو شهرين أن الجائزة ستكون من نصيب الكاتبة السعودية رجاء عالم. وتبلغ قيمة الجائزة ألف دولار، فضلاً عن تعهد الجهة المانحة إصدار طبعة جديدة من الرواية الفائزة في غضون عام، بعد ترجمتها إلى الإنكليزية، في القاهرة ونيويورك ولندن. وجاء في حيثيات منح صويلح الجائزة عبر لجنة تحكيم تشكلت من سامية محرز وجابر عصفور وهدى وصفي ومحمد برادة وفخري صالح، أن صويلح كتب «رواية ذكية تعكس براعته في القص، فهو يجيد فن الاستطراد والتناص من دون أن يفقد بوصلة السرد». وتضمنت الحيثيات كذلك أن «هذه الرواية الحاذقة تنفذ إلى ماهية فعل الكتابة ذاته من خلال تضمينها وتوظيفها لجمع من النصوص التي تتواصل وتتعارض معاً في الوقت نفسه مؤكدة بذلك أن الكتابة دائماً ما تكون كتابة على كتابة، فكل كتابة جديدة هي بمثابة تكرار وإعادة وإضافة خلاقة لعملية الكتابة الأبدية».

وألقى خليل صويلح (1959) كلمة عقب تسلمه الجائزة قال فيها :»لطالما كنت أرغب في أن أكون ذلك التاجر البغدادي الذي اخترعت له حكاية في روايتي «وراق الحب». بعد تسعة عشر عاماً وسبعة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً من الترحال والمكابدات بين بلدان متباعدة لجمع ما كتب في الحب، وجد هذا الرجل ميتاً أمام عتبة بيت من أحب، وقد سد الزقاق بقافلة من الجمال المحملة بمئات المخطوطات التي نسخها بخط يده إلى أن أصابه الشلل في الحكاية. كانت هذه المخطوطات حصيلة ما جمعه «زيد بن إبراهيم البغدادي» مهراً لـ «ياسمين زاد». لعل الروائي هو عاشق الوهم، ذلك أن «ياسمين زاد» لم تكن يوماً، ولكن كان علي أن اخترعها واقتفي أثرها في حبر الآخرين، أن أسعى إلى دفع مهرها، ومراودة السر الغامض في الافتتان بها. لنقل بمجاز آخر إن «ياسمين زاد» هي المخطوط الذي لن ننتهي من كتابته أبدا».

وقال صاحب روايات «بريد عاجل»، و «دع عنك لومي»، و «زهور وسارة وناريمان»، إنه سعى في «وراق الحب» إلى «استعادة ضمير المتكلم الموؤد في اختبارات أولية لإعلاء شأن الذات المقموعة، واقتفاء أثر الوشم في المدونة التراثية عبر تناص تجريبي مرتجل إلى حدود الانخطاف، وكنت كمن يتجول بسروال الجينز في سوق الوراقين ويلقي التحية بتبجيل خاص إلى الجاحظ وأبي حيان التوحيدي وابن خلدون وآخرين».
وتحدث صويلح كذلك عن علاقته بنجيب محفوظ: «ذات يوم صيفي قائظ انتبهت إلى كتاب مهترئ قرب موقد النار، ربما أحضرته أمي لاستعماله في إشعال الحطب، وكان من دون غلاف، فقرأت عنوانه في الصفحة الأولى «عبث الأقدار»، لمؤلف مجهول بالنسبة لي هو نجيب محفوظ. لا أتذكر اليوم محتويات هذه الرواية، ولكن ربما كان نجيب محفوظ نفسه هو من قادني إلى التهلكة، لعل جائزة نجيب محفوظ للرواية ستضعني مجدداً أمام مرمى مكشوف، أنا الحارس الأعزل بكامل رعبه».

الناقد جابر عصفور لاحظ أن رواية «وراق الحب»، «تنتقد الواقع العربي بقسوة شديدة وتتحدث عن الكوارث التي نعيشها والتي لا بد أن ينتهي الحب بسببها ونتيجة لها، وهي تشير إلى أن الواقع يخنق الرواية ويخنق الحب وأنا أرى أننا نعيش في واقع يقضي على الإبداع ويخنق الحب».
وتوقفت هدى وصفي عند براعة صويلح في القص، مشيرة إلى أنه «يجيد فن الاستطراد والتناص ويمسك بتلابيب الكتابة من دون أن تفلت منه». وقال فخري صالح إن صويلح «يبدع في تهجين سرده وحكاياته بما يقتبسه جاعلاً روايته، التي تحكي عن الحب وتصنع منه مفارقة ساخرة، لعبة تناصية ذكية تلقي الضوء على موضوع الحب والنوع الروائي وفعل الكتابة في محاولة لإضاءة معنى العيش في عالم مضطرب مسكون بهاجس القمع وثقل السلطة الضاغط في هذه المنطقة التعسة من الكون».
ورأى محمد برادة أن بناء «وراق الحب» على روايات معروفة «جعله يبدو بمثابة تخييل على تخييل يستكمل دلالاته وإيحاءاته من الروايات التي اشتهرت بتناولها لموضوع الحب والجسد».

وذهبت سامية محرز إلى أن «وراق الحب» رواية فذة «لأنها مصنوعة أو قائمة في معظم الأحيان على أعمال الآخرين، فالقارئ يجد دائماً وعداً من قبل الراوي أنه سوف يبدأ روايته وينتظر ليجد رواية مليئة بالبدايات التي لم تكتمل، ورغم ذلك لا توجد لحظة ملل رغم الاستطرادات التي بنيت عليها الرواية».
وفي مستهل حفلة تسليم الجائزة ألقى الناقد رشيد العناني كلمة تحت عنوان «فكر العرب والغرب»، وأعلن صدور روايتين لنجيب محفوظ وهما «السراب» ترجمة روجر آلن، و «أمام العرش» ترجمة ريموند ستوك.
ويعد قسم النشر في الجامعة الأميركية في القاهرة، الذي أنشأ جائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي عام 1996، الناشر الرئيسي لأعمال نجيب محفوظ باللغة الإنكليزية لأكثر من عشرين عاماً.

الحياة- الأحد, 13 ديسيمبر 2009