القاهرة - سلوى عبد الحليم

بهاء طاهر

على امتداد أيام الملتقى الدولي للرواية العربية، تحولت القاهرة إلى مدينة تعجّ بشخصيات فكرية وثقافية اجتمعت من مختلف الدول احتفاءً بالرواية، التي غدت أكثر الأجناس الأدبية أهمية وشيوعاً في العالم، وبخاصة عالمنا العربي. وقد اختتم مساء أول من أمس ملتقى القاهرة الدولي السادس للرواية العربية أعماله بإعلان فوز الكاتب المصري بهاء طاهر بجائزته، وتبلغ قيمتها 200 ألف جنيه (أي 26 ألف دولار تقريباً). وتسلم بهاء طاهر (80 سنة) الجائزة في حفلة ختامية أقيمت في قاعة «المسرح الصغير» في دار أوبرا القاهرة بحضور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة محمد عفيفي، وحشد كبير من المثقفين المصريين والعرب. وغاب عن مراسم تسليم الجائزة وزير الثقافة المصري عبد الواحد النبوي، وحضر بعد انتهائها، لكنه أرجع التأخّر إلى اجتماع طويل لمجلس الوزراء ناقش نتائج المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ. وأكد النبوي أن وزارة الثقافة المصرية «لا يسعها إلا أن تحتفي بالروائيين، علماً أنّ الملتقى هو شكل من أشكال هذا الاحتفاء والتأكيد على حرية الإبداع والمبدعين، بخاصة أن جانباً كبيراً من الأعمال الروائية أصاب حظاً وافراً من الانتشار، حين تحول إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية. وما تسعى إليه وزارة الثقافة هو أن تثري مكتبتنا السينمائية والتلفزيونية بالأعمال الجادة التي ترتقي بالذائقة الفنية، وتسعى إلى إعلاء القيم الإنسانية الراقية، المشبعة بطاقات إيجابية تحض على المحبة والخير والحق والعدل والجمال، لتتحول إلى فعل مقاوم في مواجهة طيور الظلام، لنقف معاً صفاً واحداً في مواجهة العنف والتطرف والإرهاب».

وعبّر بهاء طاهر عن سعادته بالفوز، مشيراً إلى أنه كان ضمن المرشحين للحصول على جائزة الدورة الأولى للملتقى (1998) التي ذهبت إلى الروائي السعودي الراحل عبد الرحمن منيف.
وقال صاحب روايات «الحب في المنفى»، و»واحة الغروب»، و»خالتي صفية والدير» إنه يتمنى أن يكون للشباب نصيب في هذه الجائزة خلال الدورات المقبلة، واقترح أن تُمنح مناصفة بين كاتب «عجوز» وآخر شاب. وأوضح أنه يؤمن بأن الجوائز في ذاتها لا تعطي الكاتب قيمة، وإنما هو يكتسب تلك القيمة من أعماله الإبداعية. وإضافة إلى منيف وطاهر، سبق أن فاز بالجائزة نفسها كل من إبرهيم الكوني والطيب صالح وإدوار الخراط وصنع الله إبراهيم، لكنه رفضها «لأسباب سياسية». وسبق لبهاء طاهر الفوز بـ «جائزة مبارك» في الآداب، وهي أرفع جائزة يمنحها المجلس الأعلى المصري للثقافة، وتغير اسمها بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 ليصبح «جائزة النيل»، إضافة إلى فوزه بجائزة البوكر العربية.
وقد منحت بهاء طاهر الجائزة لجنة برئاسة الروائي الجزائري واسيني الأعرج، وضمّت في عضويتها كلاً من النقاد المصريين إبراهيم فتحي وحسين حمودة وخيري دومة، ومن المغرب سعيد يقطين، ومن سورية بطرس حلاق وصبحي حديدي، ومن فلسطين يحيى يخلف، ومن لبنان نجوى بركات.

وقرأ واسيني الأعرج بيان لجنة التحكيم الذي جاء فيه أن اللجنة اجتمعت لثلاثة أيام ووضعت قائمة طويلة من 11 روائياً، من مختلف البلدان العربية، ثم أتبعتها بقائمة قصيرة من أربعة روائيين جرى اختيار بهاء طاهر من بينهم بإجماع الآراء.
وكانت أعمال الملتقى بدأت صباح الأحد الماضي تحت عنوان «تحوّلات الشكل الروائي وجمالياته»، وأهديت إلى الروائي المصري الراحل فتحي غانم، واشتملت على جلسات وشهادات وطاولات مستديرة، بمشاركة نحو 250 روائياً وناقداً.


تأثير الرواية

وجاءت تلك الدورة بعد مرور خمس سنوات على دورته الماضية، ويفترض أن يعقد مرة كل عامين. وتميّز برنامج هذه الدورة بكثرة المشاركين والموضوعات المطروحة للنقاش. وعلّقت عضو اللجنة العلمية لهذه الدورة الروائية المصرية سلوى بكر على ذلك بقولها: «نحن محكومون بموازنة محدودة جداً، فالثقافة ليست ضمن أولويات الدولة، عكس كرة القدم والمسلسلات التلفزيونية مثلاً، فهي تخصص لها موازنات ضخمة. لقد اضطررنا لاختزال الوقت، فخرج برنامج الملتقى مزدحماً في شكل لا يحتمل».
وضمن محور «شهادات وتجارب روائية»، رأى إبراهيم نصر الله أنّ الأدب هو «الكتاب المقدس الثالث للفلسطينيين. هو تاريخهم وحاضرهم، والمعبر الرئيس عن آلامهم». واعتبر نصر الله أن مشكلة الروائيين الفلسطينيين تتمثل في أنّ كثيرين منهم يمتنعون عن الكتابة عن فلسطين بحجة الانتظار «حتى تنضج القضية الفلسطينية»، على رغم انقضاء أكثر من ستين عاماً على بدء معاناة شعب فلسطين. ورفض نصر الله طرحاً قدمه الروائي اللبناني رشيد الضعيف، بخصوص أن تأثير الرواية في الشعوب غير ملموس. وأشار نصر الله في هذا الصدد إلى أن رواية «رجال في الشمس» لغسان كنفاني، والصادرة عام 1963 «لا تزال نبراساً يستلهم الفلسطينيون منه معاني قضيتهم»، ولاحظ أن الأدب عموماً «بلور هوية الفلسطينيين وخلق الوعي وهو العنصر الأهم لتحرير الأرض».
وقال الروائي التونسي الحبيب السالمي إن كل روائي معني بتيمة أو تيمات محددة يشتغل عليها، وأضاف: «في ما يخصني أنا كاتب مهووس بالواقع أو ما أسميه «لحم الواقع». وتساءل عن جدوى الانشغال الدائم بقضية الحداثة «في مجتمعات كل ما فيها قديم؟». وذهب السالمي إلى أن الكتابة عن الواقع «لا تعني بالضرورة أننا (واقعيون) وإلا فإن كل الكتاب - بمن فيهم التجريبيون والسورياليون - هم واقعيون لأن كل كتابة، حتى رواية الخيال العلمي، تصدر بمعنى ما عن الواقع».
ورأى المغربي بنسالم حميش أن من أهم المهمات الملقاة على عاتق الروائي العربي هي أن يكون في طليعة القيمين على حماية اللغة العربية وتطويرها؛ «فهي ليست مجرد وسيلة تعبيرية في خدمة غاية مضمونية بل هي فضاء في ذاته».

دور الرقابة

وتساءلت الروائية الكويتية ليلى العثمان خلال حديثها عن روايات السيرة الذاتية: «لماذا يخشى الكاتب العربي أن يعلن عن عيوبه كما يفعل الكتاب في الغرب الذين يكتبون عن عيوبهم ومشاكلهم تماماً كما يكتبون عن محاسنهم ومنجزهم»، معتبرة أن شهادة الكاتب عن نفسه «لا تمنحنا الشيء الكافي لنتعرف عليه جيداً». وأضافت العثمان: «الكاتب الرجل عندما يكتب السيرة يصور نفسه دائماً على أنه (دنجوان عـصره) تقع النساء في غرامه».
أما سلوى بكر فرأت أن الكتابة العربية النسائية «تجاوزت مرحلة الصراخ، كما تجاوزت أشياء أخرى كثيرة، ولكن علينا أن نضعها في بؤرة الاهتمام بعيداً من حداثة زائفة، أو حداثة ماضوية». بينما تناولت الروائية السورية سلوى النعيمي موضوع الرقابة والرواية قائلة: «الرقابة ليست منعاً مباشراً وعقوبات فورية دائماً لكنها تسلك طرقاً أكثر التواء وأعمق تخربياً». وفي الإطار نفسه، طرحت الروائية المصرية سهير المصادفة تساؤلاً مهماً حول القمع والحرية، فقالت: «عمّ نكتب إذا لم يكن عن الدين والسياسة والجنس؟ إن ما يسمى بالتابوات الثلاثة هو محور الوجود وهو سؤال الكون الأكبر. ببساطة هو الكتابة وليس الحرية أو التمرد في الكتابة».

ورأى الروائي الليبي أحمد إبراهيم الفقيه أنّ شرط الكتابة هو الإجادة، وقوة الأسلوب والمعالجة، وليس بالضرورة وجود قضية سياسية أو غيرها معتبراً الرواية «فضاء للحرية».
وكان الروائي والناقد المغربي محمد برادة ألقى في الجلسة الافتتاحية كلمة المشاركين، وجاء فيها: «لا تستطيع الرواية أن تقفز على الحاضر أو أن تتناساه، بدعوى أنها تلجأ إلى التاريخ وأحداث الماضي. الراوية مشدودة دوماً إلى حاضر الكاتب الروائي، وإلى الأسئلة المتحدرة من صلبه. وهو حتى عندما يختار زمناً تاريخياً وأجواء تبعث ملامح الماضي، فإن الروائي يبحث ضمناً عن أجوبة تسعفه على مواجهة ما يعيشه هو ومجتمعه في سيرورة الحاضر واحتمالات المستقبل».
وكان مشاركون في الملتقى قد التقوا وزير الثقافة المصري السابق جابر عصفور خلال حفلة غداء نظمتها الدار المصرية اللبنانية، إلاّ أنّه رفض التحدث في موضوع التعديل الوزاري الذي ترك بموجبه منصب وزير الثقافة يوم 5 آذار (مارس) الجاري، وقال إنه عاد للكتابة في جريدة «الأهرام» القاهرية، وإن مقالاته في هذه المرحلة لن تقتصر على نقد الإبداع الروائي، بل ستتجه إلى تناول قضايا ملحّة تمور بها الحياة المصرية اليوم، وفق ما أورده الصحافي مصطفى عبدالله على صفحته الفايسبوكية.

الحياة- 20 مارس 2015