سميرة عوض
(الأردن)

مهرجان جرش 27ثلاث عشرة أمسية شعرية تضمنتها فعاليات الشعر المقامة ضمن مهرجان جرش للثقافة والفنون 2012 في دورته 27، خمس منها كانت حصة مسرح ارتميس الحجري الذي يطل على شارع الأعمدة في المدينة الثرية جرش، الذي ظل يردد أصداء الشعر، ويستقبل الشعراء بحنين عتيق، فيما شهد مقر رابطة الكتاب الاردنيين الجديد في اللويبدة، والذي أفتح قبيل اسابيع أمسيتتين، فيما كانت حصة المركز الثقافي الملكي أمسيتين أيضا، فضلا عن امسية في مادبا/ جمعية الشابات المسيحيات، وثلاث أمسيات شعرية أقيمت لشعراء جرش في قاعة بلدية جرش الكبرى.
برنامج الشعر الذي أشرفت عليه ـ بشكل كامل - الرابطة لاول مرة منذ انطلاق المهرجان، طاله بعض الخلل في تغيير ترتيب أسماء الشعراء وأيام مشاركتهم، فضلا عن تغيب بعضهم، 'القدس العربي' توجهت بسؤالها عن سر غيابهم للشاعر مؤيد العتيلي نائب رئيس الرابطة/ منسق جرش الشعري فقال: جاء تغيب الشاعر الفلسطيني المقيم في سورية خالد أبو خالد بسبب الاوضاع السائدة الان في سوريا وتعذر خروجه، في الوقت الذي شاركت فيه السورية قمر صبري الجاسم، كونها مقيمة في الاردن منذ شهرين، كما تغيب الشاعر خالد محادين عافاه الله بسبب المرض، وكان المرض أيضا وراء غياب الشاعر المصري فاروق شوشة، فيما غاب الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد بسبب سفره لخارج الأردن في هذا الوقت، كما غاب الفلسطينيان مراد السوداني ويوسف المحمود بسبب وفاة الفلسطيني هاني الحسن.

'الرابطة' تستحدث يوما للشعر العربي

فاجأت رابطة الكتاب الأردنيين الجسم الثقافي في الأردن، بتكريس يوم الثالث عشر من شهر تموز 'يوليو' من كل عام، والذي يصادف ذكرى استشهاد الشاعر العربي الفلسطيني الشهيد عبدالرحيم محمود ليكون يوما للشعر العربي، بحسب نائب رئيس الرابطة/ منسق جرش الشعري الشاعر مؤيد العتيلي، منوها أنه سيتم ابلاغ الهيئات والمؤسسات الثقافية في العالم العربي بهذا الأمر، لتكريس يوم 13 تموز 'يوليو' من كل عام يوما للشعر العربي.
اختتم مهرجان الشعر في جرش بالإعلان عن ميلاد مهرجان الشعر العربي الذي سينطلق خلال مهرجان جرش للعام 2013، تلا ذلك تقديم كلمات إحتفالية قبيل الاستماع لشعراء الأمسية الختامية التي أقيمت بأجواء كرنفالية في المركز الثقافي الملكي بمشاركة 15 شاعرا من المشاركين في مهرجان جرش الشعري: وهم: حميد سعيد/ العراق، محمد لافي، مها العتوم، راشد عيسى، صلاح أبو لاوي، موسى حوامدة، أحمد الخطيب، خالد ابو حمدية، مهدي نصير، غازي الذيبة، أحمد أبو سليم، عبد الكريم أبو الشيح، مهند ساري، تركي عبدالغني، وجلال برجس، وتجيء هذه الأمسية ختام مهرجان جرش الشعري.
عريف الحفل الكاتب هشام عودة، قرأ إحدى قصائد الشاعر الشهيد عبدالرحيم محمود، مثمنا جهود اللجنة الوطنية العليا لمهرجان جرش التي قدّمت صورة مشرقة للمشهد الثقافي في الأردن.
فيما اعتبر المدير التنفيذي لمهرجان جرش، محمد أبو سماقة 'أن مهرجان هذا العام كان ناجحا بكل المقاييس، وكان له مذاق خاص، وتقدم بالشكر الصادق العميق لرابطة الكتاب الأردنيين التي أدارت بكفاءة عالية، وأداء مشرّف، فعاليات المهرجان الثقافية على مدار أيامه الحافلة. وحضر المهرجان الشعري، عدد من المثقفين والإعلاميين والشعراء البارزين، وحرصت الرابطة على أن يكون المهرجان العام الحالي مناسبة لإحياء ذكرى الشاعر الشهيد الراحل عبدالرحيم محمود، الشاعر الفلسطيني الذي ولد العام 1913 في قرية عنبتا التابعة لقضاء طولكرم، والذي كان أوّل عربي يستشهد العام 1948 بعد التحاقه بصفوف المقاتلين في جبل النار، للدفاع عن وطنه والبندقية في يده'.
وفي كلمة لرئيس الرابطة موفق محادين أشاد بجهود محمد أبو سماقة، المدير التنفيذي لمهرجان جرش لما قدّمه للمهرجان، ولأمسيات الرابطة الثقافية الثرية، من أمسيات شعرية، وندوات، ودعم بلا حدود. كما شكر رئيس الرابطة وزير الثقافة الدكتور صلاح جرار لاحتضان الوزارة الشعراء والمثقفين، ولجهودها المتواصلة في رفع الشأن الثقافي في الأردن، وشكر الحضور، وكافة المبدعين، مثمناً كافة الجهود التي بُذلت من أجل توفير المشاركة أمام قامات إبداعية كبيرة ظلت محجوبة لسنوات طويلة.

حميد سعيد وأوجاع بغداد

الأمسية الشعرية الجرشية الأولى استهلت بكلمة لهشام عودة، الذي أكد أن الثقافة تأخذ حصتها الواسعة في مهرجان جرش للثقافة والفنون لهذا العام، 'في تحصين الوعي وتكريس ملامح الهوية، وهي المهمة التي تتشرف رابطة الكتاب الأردنيين بقيادة دفتها. وأول الشعر كان مع الشاعر العراقي حميد سعيد الذي حاز جائزة القدس من اتحاد الأدباء والكتّاب العرب، الذي اختار وضع أصبعه على جراح العراق ووجعها، قديمه وحديثه، فقرأ لجمهور مدرج ارتميس قصيدة 'رسالة اعتذار إلى أبي جعفر المنصور' ومنها: 'أورثتنَا حُلماً جميلاً/أيها الحلمُ الجميلُ/ مُذ جاءَ عبد اللهِ يحملها الى الضفتينِ .. شَمساً/ وهي في ماء الصباحاتِ الجميلةِ تستحمُّ/ ولا يَمسُّ ظِلالها البيضَ .. الأصيلُ/ تَتَبغَددُ الأقمارُ../ كُلُّ قصيدةٍ حَملت غُرورَ صبا نداءٍ جامحً/ جاءت اليها/ خَرجَ النُوا سيونَ من أَسرارها الأولى/ هُنا ..حيثَ استظلّ النورُ بالجوريّ والدفلى.. وأسرارُ الندامى بالنخيلْ/ مُذْ كانَ عبدُ اللهِ.. أطلَقَ في ملاحمها الوعولْ/ تَتَعلّمُ الأنهار من لألاء فضتها../ وتصهل في مواسِمها الخيولْ/ حُلُمٌ جميلٌ.

لافي: والحكايا التي لا تموت

واختار الشاعر محمد لافي قصيدته المشهورة 'البيوت' (إلى الشاعر رشاد أبو شاور) ومنها: 'البيوتُ البيوتْ/ البيوتُ دخان الطوابين، سرُّ القرى/ نايُها المتجدّدُ في الزّمن العنكبوتْ/ والبيوتُ البيوتْ/ ساحلُ الليلِ، جدّاتنا، والحكايا التي/ لا تموتْ/ والبيوتُ أعالي السّهَرْ/ والبيوتُ السطوحُ التي فوقها/ يستريحُ القمرْ/ والبيوتُ الكلامُ المراهقُ بين حبيبين/ حبّاتُ توت'.

'يوميات ميدان التحرير' على 'ارتميس'

بقصيدته 'مواويل من الحارة' المستوحاة من يوميات ميدان التحرير/ القاهرة، اختتم الشاعر المصري سيد حجاب قراءاته الشعرية في أمسية جرشية شهدها مسرح ارتميس بمشاركة الشعراء مهند ساري وسعد الدين شاهين، قدمها الروائي هزاع البراري لامس فيها الوجع العربي، مجسدا الواقع المصري بخاصة.

وكان الشاعر مهند ساري أستهل الأمسية بثلة من القصائد فقرأ على جمهور جرش الشعري قصيدته ' دفتر ابيض للطبخ'، 'هناك شيءٌ ما سيحدث' ليلامس الجرح السوري في قصيدته المعنونة ' أزور دمشق' ومنها:

أَزوْرُ دمشْقَ لأَضْمَنَ لي مَقْعَداً
في الفراغِ المُطِلِّ على الأَبديّةِ:
كُنْ واحداً من ضحايا الدّفاعِ عنِ الحَقِّ/
قلتُ: وما الحقُّ؟
قالَ: بَداهةُ عُشْبٍ يَجيءُ ويَمْضي
ويَجْهَلُ مِنْ فَرْطِ ما ظَلَّ يَحْلُمُ
أَنّ الرّبيعَ السّريعَ امتحانُ الحقيقةِ
في أَبديّةِ بِذْرَهْ...
أَزوْرُ دمشقَ لأَوّلِ مَرّهْ.
فيما قرأ الشاعر سعد شاهين قصيدة 'وطن'، وقصيدته' أحد ما سيرحل' ومنها:
لا بد ان البحر سئم الركود
ولنا على كل البحار دلال صهوتها ومفتاح المضائق حين تنغلق الموانىء
وامتعاض الموج من صخر السواحل
هاربا من لجة الطوفان
ان ازف الرحيل'.

خمس قصائد قدمها الشاعر الشعبي المصري سيد حجاب مواجها الجمهور بعيدا عن المنصة، أولها 'لو كنت امير'، 'أراجوز' التي رددها الجمهور معه وهي الاغنية التي قدمها الفنان عمر الشريف في الفيلم السينمائي الذي يحمل الاسم ذاته، 'قانون هذا العصر'، 'سلو قلبي' التي عارض فيها قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي والتي تحمل العنوان عينه، مختتما بقصيدته ' مواويل من الحارة' ومنها:

'في الحارة.. دايرة الخناقة بين فتوة بليد وحاج بزبيبة أجر فيها كشك جديد والخلق في الحارة وسط الغاغة والغارة بيقولوا يا جماعة.. لا انتو أسياد ولا احنا عبيد وفتوة الحارة.. نبوته الغشيم موروث وحكمه في إيد فتوة قديم وعند فلوس وفتوة من برة.. أكبر منه.. واكله السوس بالنهب مهووس، وفتونته بقت هرابيد' في الحارة صحبة ورود مولودة في يناير أقوي كتير م الفتوة المفتري الجاير وانبه قوي م الكهين الفاجر الداير شباب نور.. روح وفكر جديد.. وقلب حديد ما احناش ضعاف.. يا شباب الورد ولا يائسين لاتنين ذوي بأس.. بس مهكعين بائسين واحنا بلا فخر.. انبه.. واقوي.. ومقايسين وكففنا طابة ف ميزان الحارة بس نريد إلى أن يقول: 'ح ننزل الساح وح نوحد سوا صفوفنا وكلنا دسنا خوفنا، وزاد مدي شوفنا واحنا من الحارة.. واحنا الأدري بظروفنا قادرين نجيب بكرة بدري، ونسبق المواعيد ومن الساعة دي.. يا سادة.. سيد حارتنا الوحيد احنا وشبابنا العدالي المرصوصين ايد في ايد والخلق في الحارة.. طاقة الخلق جبارة لا يغرها وعد حد ولا تخاف من وعيد'.

أيقاعات ثمودية واحلام فائضة

في الأمسية التي أدارها الدكتور زياد أبو لبن على مدرج ارتميس، اختتم الشاعر مهدي نصير قراءاته الشعرية بقصيدة 'إيقاعات ثمودية' وفيها: 'لماذا ذهبتِ إلى النومِ باكرةً، وحملتِ إلى الليلِ ورداً صغيراً، غفا في انتظارِ رياحٍ، تدقُّن/ تهبُّ، على بابِ شُبّاكِكِ الحجريّ. في السَّهلِ/ خلفَ العشبِ/ خلفَ الماءِ، ترتعُ ناقةٌ من حجرٍ، وتشربُ الغمام. وقعتُ مغشيّاً عليَّ، كانتِ الرِّياحُ تزأرُ، والحجارةَ كانَ يقذفُها بكفّينِ من النُّحاسِ'.

كما قرأ نصير قصيدة 'اليمامة'، وهي في ذكرى أمل دنقل: 'ما من شًتاءْ غاضبْ، يُغسًّلُ الدَّمَ الذي توشَّحتْ، بهً، ممرّاتُ الحديقةً. كنتُ خائفاً ـ مُحاطاً، بالدَّمً المُراق. أُنقًّلُ أقداميَ اللزجاتً، حافياً، وفوقَ رأسيَ اللاهثً كانتً السَّماءُ، تستحمُّ بالغُبار'.
كما قرأ الشاعر أحمد أبو سليم ثلة من القصائد منها: 'عبد الله'، و'أحنَ إليها'، و'أحلام بلا قيمة فائضة' ومنها: 'حُلُمٌ، الكَلامُ المُدَجَّجُ بالحُبِّ وَالمَوتِ، صارَ يُعَلَّبُ كَي يُشتَرى وَيُباعَ عَلى الطُّرُقاتِ بِخِتمٍ، يُحَدِّدُ لِلشُّعَراءِ صَلاحيَّةَ الانتِهاءْ، حُلُمٌ، الَّذينَ يَمُرّونَ مِن سَمِّ، إبرَةِ خَيّاطَةٍ، لا تَرى الَّذينَ رَسَوا بالسَّفينَةِ فَوقَ الحَصى، عُلِّبوا في المَدينَةِ دَهراً بِمِلحٍ وَماءْ'.
واستحضرت الشاعرة مها العتوم ' الشاعر محمود درويش' بقصيدة تحمل اسمه: 'تحدثت في الموت أكثر مما تحدثت عنكْ، وواريتَ جثّته في كلامك، حتى أرادك للنّيل منكْ. مواعيد بينكما.. كلما جئتَ متّشحاً بالقصيدة قال: أغيبُ وآتيك بعد القصيدة، كيلا أخيّب ظنّك'.
كما قرأت العتوم قصيدتها 'بيننا شارع لا ممر لسيارة'.، أو لأقدام ناس حقيقية، بيننا خضرة العشب لا العشب، أو رقة البحر لا البحر، ما بيننا شارع أو أقل، شارع واحد يتلفت فيك وفيّ: تغني لعبد الحليم يغني، تصفر لحنا حزينا فيعلق بالسّروِ، تطلقه ضحكة عبثية شكل، عميقة طير ومعنى، بيننا شارع، يتعلم مزج الروائح منا، من العطر فوق القميص، وتحت الكلام، يلخص عمان في شارع واحد'.

نشيد الضوء بالضوء

كما شهد مدرج أرتميس، في موقع المهرجان بجرش، أمسية شارك فيها الشاعر أحمد العجمي/ البحرين، ،عبود الجابري/ العراق، وصلاح أبولاوي، أدارها الشاعر سلطان الزغول، كانت اول القراءة للبحريني احمد العجمي الذي قرأ قصائد تأملية تعكس فلسفة الشاعر ومنها: 'نشيد الضوء بالضوء'، و'أنا والوردة'، و'تشكيل رائع'، و'في عالم الحب'، و'كتابة القصيدة'، و'حتى الآن'، و'عباد الشمس'، و'بعيدا أرى'، و'يحدث أن أحلم، والقصيدة'.
من قصيدته 'نشيد الضوء بالضوء'، نقرأ: 'نعم أنا الضوء/ الواحد المتدفق في الكثرة/ الكثرة النابعة من روح اللامتناهي/ أنا الحلم الذي مازال يغري الشمس/ بالزواج من الأرض/ أكون أكثر عذوبة/ حين أجلس على لوح السديم عاريا/ ثملا أقرأ كف الآلهة/ الغابة، الحقل، الثلوج، جميعها، رموشي'. الشاعر صلاح أبولاوي الذي قرأ 'نم'، ومن قصيدته 'لا أرى أزرق'، نقرأ: 'لا أرى أزرق في المدى/ الظهيرة باكية ٌ/ والسماءُ امتطتْ فرَسَاً أسودا/ كل شيءٍ هنا غاضبٌ/ الأكفُّ التي ارتجفتْ بالدعاءِ سدى/ الطريق التي أدركت لونها/ الرّياح التي عصفت فجأةً/ الأنام/ُ الهوامُ/ السحابُ/ الترابُ/ الورودُ/ الندى/ كل شيءٍ هنا غاضبٌ/ فإلى أين يأخذك الذاهبون/َ ومنْ سيفكُّ جدائلك الهادلات على بردى/ من يعيد الغزالات من صرصر الرّيحِ/ إنْ خطفتها الزوابعُ'. واختتم القراءات الشعرية الشاعر العراقي عبود الجابري الذي حمل جمهور الشعر نحو العشق، فقرأ: 'مناجيات'،و'أو نتخذ بلدا'، و'حديث النهر'. من قصيدته 'مناجيات'، نقرأ: 'قل لها ياربّ أيضا/ أنّ غيابي عنها/يشبهُ غمغمةَ الأخرس/ حين يحاولُ/ ترميمَ ما يتكسَّرُ في حنجرته من الأغاني/ وكما يكحّل البناء/ المسافة بين حجرٍ وحجر/ علّمْها يا ربُّ/ كيف تكحّل عيونَ الغياب'.

شاهد عيان في أجواء رومانسية

الأمسية التي حضرها الشاعر علي البتيري في رابطة الكتاب، استهلها الشاعر أحمد الخطيب الذي قرأ قصيدة 'يموت الذئب أو تفنَى الغنم'، وقصيدة 'الجهات' ومنها: 'أكرمي جملتي، ثم خيطي الندى، فالمرايا على سنّها العبقري، تنادي على وجهةِ الأرض فينا، وفينا، أنا والجهات عقارب وقتٍ تقصّتْ يد الأشقياءِ، وهرّت على منزلي، رمل أيامنا السّود، لم تتكئ مثلَنا، جمرة، أو حنينا، لهذا، رحلْنا من الوقتِ حتى غروب الرواسي، وعشنا، أنا والجهاتُ'.

الشاعر خالد أبو حمدية قدم ثلة من قصائده ناقلا الجمهور نحو الرومانسية، ومنها قصيدته 'تعلّقت خّجْلى'، و'أشواق' يقول فيها: 'نذرت لسحر ملمحك اندهاشي، وذوّبت المتون على الحواشي ففي تسنيم عينك لي مزاجٌ، وفي شفتيك علّقت ارتعاشين.. أصوغكِ طائرًا ورؤايَ عشا!، وأعكف فيهما والخطو ماشي أفيض صبابَة يا بنت قلبي، وأرثي دفْقهُ بكِ وانتعاشي، كسرت بلهفتي خيلاء كسرى، وسقت إليك أشواق النجاشي، لتبقى دمعتي ناموس وجدٍ، يقلب جمر نأيك في فراشي'.

وبقصيدته 'حيث انتهيت' حافظ الشاعر محمد العزام على الجواء الرومانسية التي سادت الأمسية، ومما قاله: 'سأعود من حيث انتهيت، وأطارد الكلمات، تهرب فوق أرصفة القصيدة، مثل قط، خائف من قَفْلة المعنى، هنا، ويفرّ من بيتٍ لبيت، سأعود من حيث انتهيت، إلى يديكِ، أُؤَنث الأشياء باسمك..'.
ولكنه ما لبث العزام أن انتقل إلى اجواء مغايرة تماما في قصيته: 'شاهد عيان: 'كنت المسجى فوق شاشتكم، فلا تستغربوا، قدَماي في وجه الرصيفِ، ورأسي المُلقى على كتفين من أسفلتْ، يتناوبان على رواية قصتي، طعمُ الرصاص المرَ، يزعجني..، ويفتح
ألف نافذة، على وجه انتظاري!، هل سيكفي الموت؟!،(...) سأجعل روحي، طريدتكم، في سفوح المساء، فمن كان منكم، على وطن، في الحقيقة، فليرمها، بحجر!'.
من جهتها جسدت الشاعرة والإعلامية السورية قمر صبري جاسم والمقيمة في الأردن منذ أكثر من شهرين، حال بلادها وشعبها الثائر وما يعاني من عنف بقصيدتها 'رعب رمادي' تصف فيها مأساة شعبها وذويها في سورية الثائرة. 'رعب رمادي، وما أدراك ما الرّعبُ الرمادي، حلمٌ تغرغرت العيونُ بطيِفِه، عند انغلاق الجفنِ فوق شقيقِه، في لحظةٍ بين التفكَر والسهاد، ذاك السرابُ إذا تعثَرت القوافلُ، ذلك الشَّفقُ المُندَّى بين خط الفقر، والأحلام والقلق المُعادي، مطرُ الأرزّ على الأراملِ والثكالى، حيث يتحد البياضُ مع السوادِ، رعبٌ رمادي، يمرّرُ لونَه، عبر الصليبِ من الهلال، إلى الطوائفِ والفئاتِ، من السهول إلى الجبال، على مفارق شيبِنا في سعينا نحو المُحالِ، إلى التوحُّد والتحرّر تحت نيرِ الاحتلال، وحين تُخبرنا المذيعة إننا مُتْنا، ويصدُقُ حَدْسُها، يرتدّ منا، بين قهوة مأتمٍ والعرسِ..، بين تصوّف الأحلام والإلحاد، عند اتحاد الإصبع المنشقّ عن أقرانه بالزر، أو يهوي على شَفةِ الزناد'.

حزنا يجف له العشب

أمسية أخرى شهدتها اروقة المركز الثقافي الملكي أدارها حسين نشوان، استهلتها الشاعرة مريم الصيفي بقصيدة أهدتها للشاعرة الراحلة شهلا الكيالي: 'غيابٌ تمادى امتداداً، فحاورتُني: قلت: هذا الذي أشعل الروح ناراً، وأوقد قلبي اضطراماً، وحزناً يجف له العشبُ، في سهل ذاتي، فناديتُ: يا أم خالد، ماذا أقول إذا ما الصباح، أطلّ على مشهدٍ من رؤاي، إذا ما استفاق على بيدر الوهم، زهرُ الأمل...، وأشرق في موسم الليل نجمٌ أفل، أتدرين أنّني أراود، أحلاميَ الدافئات، أراك.. أراك..، أتدرين أنّي أضمك للصدر، في كل حلم، أقبّل يا حلوتي وجنتيك، وأرثو لعينين صافيتين، وأنكر أنك غبتِ، وتنكر روحيَ أنّا افترقنا، ويدفعُ قلبي وعيني..، فهذا الذي كان، حقٌّ علينا ونرضى'.
ونثر الشاعر غازي الذيبة الأمسية بقصائد قصيرة منها: 'خزف'، 'أعمى'، دعاء الثورة'، 'الشعب والروح'، 'حكمة عمياء'، 'غياب'، ليختتم بقصيدة طويلة 'زرافيل عتيقة'، حملها حنينه وتوقه لأمه ومنها: 'وأنا أرى قرب اليمامة صوت أمي، أسمع الأبواب تضحك، والمفاتيح القليلة وهي تصرك في الزرافيل العتيقة، ... لا تغيبي عن حقول القمح، عن كرم السؤال، ولا تروحي عن زوايا التوق لي، سأعود من بدء الغناء، إلى تراويد المودة، سوف أمسح قامتي بالزيت، ثم أمر من باب الجلال إليك، عطرا، أو نبيذا، لا تغيبي، قولي لظلي تحت جميزات جدي، يا حبيبي، قولي لصمتي وهو يجرح بحة الكلمات، أنت تورُّدي، وصدى ابتساماتي القليلة في غروبي، ودَعِي يدي تتلمس الشجرات في سحر الذهاب، إلى الجنوب، لأرى ظلالك في ظلالي، وهي تصفن في السهوب، هل جئت قبل مطالع الفجر المعلق في الهواء، وطيور قلبي كلما لفح الهواء جديلة، في حوش دارك، يضحك الحنون للولد الغريب؟ هل أثملتني لهفة الصاد القصيرة من شفاهك، وهي ترقص في صباح الخير، يا ابن الهبوب؟ أنا صنو جدي وهو يحمل قامة السنوات في عينيه، في سهو الحبيب، أنا طفلك العفوي يركض في الشوارع، والمخيم واللهيب، أنا كلما عنّت على بالي طيورك، قلت: يا محلى الدروب'.
وشارك الشاعر مهدي نصير بقصيدة طويلة 'في وجهها كان المتوسط يغسل كل صباح جدائلها'.
كما أهدى الشاعر أحمد أبو سليم قصيدة للراحل غسان كنفاني بمناسبة مرور أربعين عاما على رحيله ومنها : 'يَفِرُّ مِن وَحيِ الغِيابِ، كَأَنَّني نُتَفُ السَّحابِ، كَأَنَّني أَسرَجتُ رُوحي واهِماً، وَنَفَحتُ في الجَسَدِ الجَوابَ، وَقُلتُ كَنْ مِثلَ التُّرابِ إذا ارتَوى، كُن لَيِّناً يا صاحِبَ الماءِ المَشاعِ، فَلَم يَكُنْ إلاّ الحَجَرْ، كانَ السَّريرُ يَضُمُّ فاتِحَةَ الكِتابْ، كانَ الحَمامُ بَريدَ عِشقٍ غابِرٍ بَينَ القِبابْ، وَالرّيحُ كانَت ثَوبَ عاشِقَةٍ تُغَنّي لِلتُّرابْ، وَأَنا التُّرابُ، أَنا التُّرابُ، أَنا التُّرابْ، في أَيِّ وَجهٍ تاهَ وَجهي خَلفَ عَكّا، مُنذُ عامِ الحُزنِ تَنأى، وَالمُخَيَّمُ يَحتَمي بالشَّيءِ شَكلاً، هَل تَعَلَّمَ آدَمُ الأَسماءَ مَعنىً، أَم مَجازاً؟ وَالمُخَيَّمُ، ما المُخَيَّمُ بَعدَ آدَمَ؟ ضِلعُ أُنثى؟ شاةُ راعٍ؟ لَعنَةُ السَّردينِ في بَحرٍ مَشاعٍ؟ صُورَةُ الطِّفلِ الَّذي ما خُنتُهُ، وَأَنا أُرَمِّمُ بِالطَّحينِ أَسى وَداعٍ؟ما المُخَيَّمُ؟مِيسَمُ النّارِ الَّذي وَسَمَ الوُجوهَ، بِدَمعِ ' أُوديسَ ' المُخَبَّأ في شِراعٍ؟ ما المُخَيَّمُ؟ لَم يَكُنْ مَوتُ السَّريرِ سِوى سِتارٍ وَانتِظارٍ'.

على ضفاف المرحلة

أمسية اخرى شهدتها رابطة الكتاب الأردنيين، بمشاركة الشعراء: رفعة يونس وعبد الكريم أبوالشيح واسلام سمحان وتركي عبد الغني، وأدارتها القاصة نهلة الجمزاوي، استهلتها الشاعرة رفعة يونس بمجموعة من: 'على ضفاف المرحلة'، و'حضرة الدار'، و'ذاكرة البحر'، 'حكاية مقدسية'، مستحضرة الوجع الفلسطيني في قصيدتها 'ذاكرة البحر': 'في المساءاتِ العابرة/ ألقوا ناياتٍ فماجتْ غيومُ الحزنِ بِعيْنيْهِ/ لا شيءَ يُدمي القلبَ/ كَحُزنِ البحرِ/ يمدُّ ذراعيْهِ..نحوَ المنافي/ وغرْبةِ هذا الليلِ/ وظُلمةِ هذا الأفقِ/ ولاشيءَ إلا غمامٌ/ سَرابٌ يلوحُ/ يُفجّرُ حسرَةَ هذا القلبِوخلفَ القوافي ..ينوحُ/ وفي زَبَدِ الرّوحِ/ يطوي حكايا.. منْ رَحَلوا'. الشاعر عبد الكريم أبوالشيح، قرأ 'صبّ لي وطنا'، و'صور في صباح الوطن'، و'يا سيدي الجوع'، و'لا أعرف العزف.. لكن'، و'السفر في مدرات الوجود'.
وكلها قصائد انتقد الفساد في الوطن العربي، والهم الانساني ومعاناة الناس، 'يا سيدّي الجوع قد أعجزت شُكراني/ هذي عطاياكَ جلّتْ فوق حُسباني/ هذي عطاياكَ أدنى نورها ثمَرٌ/ قد أشبعَ الناس من عِزٍّ وإيمانِ/ قد أشبع الناسَ ثُمْ وحّدتَ موقفهم/ ضدَّ الطغاةِ وضدَّ الفاسد الجاني/ أنّى لغيركَ أن ترقى لِسُدّتهِ/ كفٌّ تَقلقلَ منها كلُّ بُطلانِ/ كفٌّ تخطُّ على قلب السماء دماً/ أن لابقاءَ لجلادٍ وخوّانِ/ يا سيدي الجوع، قفْ، هذا الغفاري لقد/ أمَ الجموعَ يمانياً ولبناني'. واختار الشاعر اسلام قصيدته 'مسغولة النسب' ومنها: 'أنا بخير، لا ألمَ يباغتني كالعادة، ولا شيء يوجعني، لا عِطرَ الصبية ولا ضياع البلد، أنا بخير لأنني أشعر بأنني لا أشعر، ويد اليوميّ لن تمسني بسوء بعد اليوم، انا بخير ويعجبني الموت أكثر، والقبر لائق بهذا الجسد، والقبر بلا ملائكةَ عذاب، والقبر كل القبر لي، فلا دولة هاهنا ولا احتلال ولا سيدة بيت ضجرة ولا ولد، أنا وحدي في اللاوجود إلى الأبد!'.
واختتم الشاعر تركي عبد الغني القراءات بمجموعة من قصائده من مثل: 'حرائق الرحيل'، و'الشيء'، و'إغتراب'. قصائد قرأت حالات الشاعر وخصويته، وعاين الاغتراب وتوجعات الروح وفيوضاتها، بلغة عالية البناء. قصائد تواكب اللحظة الراهنة وتقف في سياقاتها على مجريات الحياة وتفاصيلها. من قصيدته 'حرائق الرحيل'، نقرأ: 'كَفى بِكَ أنْ يَمُرَّ عَليْكَ طَيْفي/ لِتَلْمَحَ في مَرايا الرّيحِ نَزْفي/ أعيشُكَ ما انْثَنَيْتُ..وَكُلُّ لَحْظٍ/ يُطِلُّ عَلَيَّ مِنْ عَيْنَيْكَ حَتْفي/ فَقَدْ كُنّا الٌتَقَيْنا ذاتَ حَظٍّ/ على جَسَدَيْنِ مِنْ مَنْفىً وَمَنْفي/ تُلَوِّحُ فَوْقَ كِتْفيَ ألْفَ عُمْرٍ/ كَأنَّ المَوْتَ مُلْقىً فوْقَ كِتْفي/ أَتَحْتُ لَهُ العُبورَ إلى عُيوني/ مَخافَةَ أنْ أقولَ لَها اسْتَعِفّي/ أَدارَ حَديثَنا فازْدَدْتُ خَوْفاً/ وَخَيَّمَ صَمْتُهُ فازْدادَ خَوْفي'. وكالعادة شهدت أمسيات الشعر تناوبا بين رئيس الرابطة الدكتور موفق محادين ونائبه مؤيد العتيلي في تكريم الشعراء بدرع المهرجان، الدروع على الشعراء المشاركين في الأمسية.

لا معايير سياسية وراء اختيار شعراء جرش

نفى نائب رئيس رابطة الكتاب الأردنيين الشاعر مؤيد العتيلي وجود أي معايير سياسية وراء اختيار الشعراء والنقاد الأردنيين والعرب المشاركين في الفعاليات الثقافية لمهرجان جرش لهذا العام، مؤكدا أن المعايير الوحيدة التي تقف وراء الاختيار هي الرغبة في مشاركة أكبر عدد ممكن من الشعراء الاردنيين والحرص على عدم تكرار أسماء المشاركين في دورات سابقة والتنوع في الأشكال والأجيال الشعرية، مع حصة كبيرة للشعراء الشباب، دون التنازل عن
السوية الفنية العالية للمشاركات.
وأضاف العتيلي في مؤتمر صحفي عقده في مقر رابطة الكتاب الأردنيين ان الرابطة حريصة على تقديم الجانب الإيجابي في المشهد الثقافي، بجانبيه الأردني والعربي، من خلال المشاركة المتميزة لأبرز الرموز العربية في هذا المهرجان، مؤكدا أن الفعاليات الثقافية في مهرجان جرش في هذه الدورة تحمل بعدا تنويريا وتسعى من خلال دقة اختياراتها الى تحصين وعي المواطنين وتكريس مبدأ الانتماء لهوية الأمة ومعاناة أبنائها، من خلال الرسالة القومية العروبية التي تتجلى في عناوين البرنامج الثقافي، من خلال الحرص على تأكيد الانتماء لمطالب الجماهير العربية في الحرية والديمقراطية
والتعددية والإصلاح.
وقال العتيلي، إن الشعراء المشاركين في الأمسيات الشعرية يمثلون مختلف أشكال الشعر العربي، 'وقد حرصنا على مشاركة أجيال مختلفة من الشعراء'.

وردا على ما يقال أن الرابطة اختارت شعراء حسب موقفهم السياسي مما يحدث في المنطقة، نفى العتيلي ذلك، مؤكدا أن بعض الشعراء الذين وضعت الرابطة أسماءهم للمشاركة في الأمسيات تظاهروا ضد موقف الرابطة مما يجري في سورية، مبينا أن هذا الاختلاف مؤقت ومشروع، لكننا جميعا نتفق على المبادىء الأساسية والقومية في الدفاع عن هويتنا وأمتنا العربية. وأكد العتيلي أن الرابطة لم تتلقَ أي دعم مالي من إدارة المهرجان، كونها جزءا منه وحريصة على نجاحه لما يمثله من وجه حضاري وثقافي للوطن. وحول تهمة تهميش بعض الزملاء من التيارات الأخرى قال العتيلي: إن معظم لجان الرابطة يديرها زملاء ليسوا من تيار القدس، ومعظم النشاطات واللقاءات يمثلها اعضاء في الرابطة من غير التيار الذي يرأسها. وبيّن في المؤتمر الذي حضره عضو الهيئة الإدارية في الرابطة الكاتب هشام عودة أن بعض المشاركين في البرنامج الثقافي الذي أشرفت عليه الرابطة ليسوا أعضاء فيها حرصا على العدالة بين المثقفين كافة. وأشاد العتيلي بالتعاون الملحوظ الذي أبدته اللجنة الوطنية العليا لمهرجان جرش مع رابطة الكتاب الأردنيين التي أشرفت هذا العام بشكل كامل على البرنامج الثقافي للمهرجان.

القدس العربي- 2012-07-24