يحسب أن محمود درويش الشاعر الثاني بعد منتصف القرن العشرين ممن كان شعره حاضراً بقوة عبر الكتاب مقروءاً ومسموعاً، والحنجرة ملحناً ومغنى بعد نزار قباني.
عرف أول عمل لدرويش مع مرسيل خليفة في شريط: وعود من العاصفة - 1976م، واشتهرت قصيدة: "خبز أمي" و"ريتا والبندقية" ثم تناول قصائد درويش كل من خالد الهبر وأحمد قعبور ثم ماجدة الرومي وأخيراً أصالة.
ويجهل كثيرون عن تجربة غنية للأغنية السياسية والإنسانية والاجتماعية والعاطفية ضمن إطار أغنية القيم التي مثلها كثيرون منهم خالد الشيخ وعارف الزياني وفرقة أجراس بأعضائها الكبار: سلمان زيمان وهدى عبدالله ومريم زيمان وفوزي الشاعر وسلوى.
لقد اختار خالد الشيخ من قصائد محمود درويش خلال مجموعاته الغنائية فترة الثمانينيات الميلادية ثلاث قصائد فيما كان يحضر أكثر من قصيدة في خزائنه التلحينية، ومن تلك القصائد، التي ظهرت بألحانه وغنائه، منذ ثاني مجموعة غنائية "يا عبيد" قصيدة: "عندما كنت صغيراً 1984م" ثم في مجموعته الثالثة: "مدير الراح" قصيدة: "أبيات غزل 1985م" وفي مجموعته الخامسة: "أغنية حب 1987م" - منعتها الرقابة المحلية - وبرغم غنائه قصائد شعراء كثر مثل: علوي الهاشمي، سميح القاسم ونزار قباني.
عاد الشيخ بعد استئنافه إنتاج مجموعات غنائية نهاية التسعينيات الميلادية ليغني قصائد درويش بعد عمله الكبير: "وجوه - 1997م" مع قاسم حداد فغنى في مجموعته "رحلة الغجر: لهم حصة في الولع" قصيدة: "لحن غجري 2003م" ثم في مجموعته اللاحقة "صباح الليل" قصيدة: "مول 2005م" شاركته الغناء هدى عبدالله.
تميزت ألحان خالد الشيخ لقصائد درويش وبما فيها تطور مفاهيم وفكر تلحين القصيدة العربية عند خالد الشيخ مع درويش وسواه، بأنه انطلق من المدرسة التعبيرية، التي تصور المعاني وتكرس مشاعر الطفولة والفرح، تمثل مشاعر المنفى والضياع وجعل البناء حراً في تراكيبه، واستطاع التنقل المقامي والايقاعي معتمداً على موهبة كبيرة تقرأ الشعر بالتلحين.
ففي قصيدة: "عندما كنت صغيراً" ذهب إلى التعبير عن حالة الحلم، وتذكر مرابع الطفولة، والحنين إلى وطن "الهي أعدني إلى وطني عندليب - على جنح غيمة. على ضوء نجمة - أعدني فله ترف على صدر نبع وتل - عندما كنت صغيراً وجميلاً - كانت الوردة داري - والينابيع بحاري - صارت الوردة جرحاً - والينابيع ظماً".
وفي قصيدة: "أبيات غزل" ذهب خالد الشيخ إلى تكريس حالة المعشوق وسيماً وشاعراً، وكل ما توحيه علامات الزهو بالنفس، وكأنها استعادة لنرسيس رمز العاشق نفسه، وعمق الشيخ في ذهاب اللحن إلى حالة تمثيلية ليجلو عن عمق حالة مقابل نرسيس المعجب بنفسه إلى رمزية الأنثى والخصوبة: "وانت خلود النبيذ بصوتي وطعم الأساطير والأرض انت".
وأما في قصيدة: "أغنية حب" يصل خالد الشيخ ذروة الفكر التلحيني فترة الثمانينيات عندما يعيد تسجيل لحظة الفقد إبان كتابة قصيدة درويش على أعقاب هزيمة 1967م المنتهية باحتلال القدس كاملة.
منح الشيخ القصيدة كل قدرته على وضع حالة رامية قصوى متجهة نحو السواد والحداد، عن الاغتراب والمنفى، الدمار والسقوط، يخاطب القدس التي سوف يموت من أجلها ويخلده حبه لها.
"مدينة كل الجروح الصغيرة - الا تخمدين يديّ - الا تبعثين غزالاً إلي - وعن جبهتي تنفضين الغبار - حنيني إليك اغتراب - ولقياك منفى - أدق على كل باب أنادي واسأل: كيف تصير النجوم تراب؟".
حمل خالد أوجاع درويش وطفولته وشبابه وجماله وانهياره..
الرياض
21 اعسطس 2008