والمشهد العربي فقد صوت الكلمة المقاتلة

جريدة العرب اليوم

محمود درويشعبد الرحمن الابنودي: لا يعوض غياب محمود درويش في حركة الشعر الحاضرة أحد
احمد عبد المعطي حجازي: استطاع عبر 30 عاما الصمود في وجه القهر الصهيوني لبلاده

احمد الشهاوي: ستظل كلماته تؤرق اسرائيل وتشكل خطرا على وجودها
خيري شلبي: يظل شعره نفساً عربياً خالصاً, ولا يقبل جسماً غريباً.
سيد حجاب: رحل درويش والشعر, والقضية الفلسطينية ما زالت في حاجة اليه..

القاهرة - العرب اليوم - فتحي خطاب

برحيله فقد الشعر العربي واحدا من اعلامه وقاماته.. صوت المقاومة والكلمة المقاتلة التي استطاع بها على مدار اكثر من 30 عاما ان يهز ضمير العالم ويزرع الخوف في قلوب مجتمع الاحتلال.. قدم بعدا آخر للنضال, شق قلب عدوه بقلمه وخط بكلماته خريطة الكفاح العربي الفلسطيني.. اعطى بعدا ثقافيا للقضية الفلسطينية..

وبأشعاره وكلماته والبعد الثقافي الذي منحه للقضية, اصبح الشأن الفلسطيني حديثا للعامة والبسطاء وبإعلان رحيله فقد الشعر العربي واحدا من اهم وابرز رموزه.. وحيله كما يقول وزير الثقافة المصري فاروق حسني اكبر واهم خسارة يمكن ان تتعرض لها القضية الفلسطينية التي خسرت صوتا ليس فقط في النضال ولكن في السلام ايضا.
وقال حسني: كان مناضلا ورجل سلام, يتعامل مع الجميع حتى "اسرائيل" لأنه شاعر تخطى العنف وجسد بشعره القضايا القومية والعربية, كان واحدا من اهم شعراء العصر الحديث ووفاته خسارة فادحة للعرب لأنه مناضل شريف, ورجل مليء بالخيال والخبرة الحياتية, وهو ما اعطى شعره الصدق والعمق الشديدين وجعله مختلفا عن شعراء المنطقة.

واضاف" كنا صديقين على مدى خمسة وعشرين عاما مضت, عندما كان مقيما في باريس, وكنت انا في روما, كنت محبا لشعره وكان محبا لفني واعتدنا تبادل الفن, فكنت اهديه لوحاتي وهو يهديني شعره, جمع بين المتناقضات كان رقيقا جدا, وقويا في الوقت نفسه.

وقال الشاعر عبد الرحمن الابنودي: محمود درويش هو اهم شاعر عربي معاصر, وهو الشاعر الذي حمل على كتفيه حملا وطنيا وقوميا ثقيلا, ولم يتراجع عنه لحظة اذ رفض كل عروض السلطة والمناصب التي حاولت استدراجه ليتبوأ موقعا في السلطة الفلسطينية لانه يعرف ان قيمة الشاعر اعلى بكثير من قيمة السياسي, وبدأت علاقتنا قبل ان يخرج درويش من فلسطين الى مصر وليس سوى مصر فمصر عبد الناصر في السيتينيات, كانت بستان وطنية ذلك انه حين سافر الى الاتحاد السوفيتي, سأل درويش مراسل الاهرام هناك وقتها "عبد الملك خليل" واذا كان يعرف عبدالرحمن الابنودي قبل ان ازور ايا من المثقفين المصريين, وبالفعل حين جاء الى مصر كانت اول رحلة له بصحبة الكاتبة صافيناز كاظم وانا, ومنذها لم يكف درويش عن زيارتي في منزلي وكان يعتبره مكانا يملكه, وكثيرا ما كان يدعو اصدقاءه الى هذا البيت.

واضاف الابنودي: قبل ان يسافر في رحلته الاخيرة الى هيوستن هاتفني في بيتي الريفي بالاسماعيلية, حيث اقيم وقال لي انهم يريدون منه اجراء عملية وكان قد اجرى من قبل عمليتين في القلب, وقال هذه المرة: لن ادعهم يعبثوا بجسدي, خاصة انهم يريدون 25 سم شرايين, ولم يعد بامكان جسدي التحمل اكثر من ذلك, وسوف لن اتركهم يكشفون على جسدي ولن ادعهم يجرون العملية وكانت هذه المكالمة خلال الاسبوعين الماضيين وكانت الاخيرة. ومن عجيب الامر ان قصيدته الاخيرة "لاعب نرد" قصصتها بيدي من الجريدة وعلقتها على الجدار امامي, وهو امر لم يحدث لي من قبل اي شاعر ولم اكن اعرف انها اخر قصيدة لدرويش الشاعر الفذ الذي لا يعرف من متع الحياة سوى القصيدة, ودرويش هو اكثر عطاء ولا يقل نثره عن شعره عظمة وابداعا وهو صاحب رؤية حقيقية وعالية لقضايا بلاده والامة العربية, وقد استطاع حين غمرت موجة الحداثة الشعر العربي ان يختطف هذه اللعبة وان يوظفها لادائه الخاص مما اكسب شعره عمقا ابعد, ووضوحا لم يملكة شعراء الحداثة, وحين ذهبت الى تونس العام الماضي فوجئت بانهم يقصون حكايات حول درويش حين سئل عن الشعراء الذين يحبهم وكان على رأس القائمة عبدالرحمن الابنودي, ووجدت لذلك اثرا عميقا في الضمير التونسي.. لا يعوض غياب محمود درويش في حركة الشعر الحاضرة أحد, وان كنا نتمنى ان تهبنا الأمة نموذجا فريدا وشاعرا عظيما مثل محمود درويش.

واضاف نجم قائلا: على كل من يريد ان يتعرف جيدا على الشاعر الكبير محمود درويش الذي خدم قضية بلاده اكثر من زعمائها ان يقرأ اشعاره, عند ذلك فقط سيعرف من هو دريش محمود الذي لا تكفي الكلمات مهما كانت كثيرة وكبيرة لاعطائه حقه كشاعر كبير, فقدنا رمزا من رموز الشعر العربي الحر, واحد المناضلين ضد الاحتلال, فقد كان صوتا للكفاح الفلسطيني ومعبرا عن المجاهدين في فلسطين, كلماته امضى من السيف واقوى من جنود الاحتلال وبرحيله اصبحنا من دون صوت الوطن.

وقال الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي: إن رحيل محمود درويش ليس الا خسارة كبيرة للشعر العربي الحديث وللثقافة العربية بشكل عام, لقد استطاع عبر 30 عاما الصمود في وجه القهر الصهيوني لبلاده والاستعمار الامريكي للمنطقة بأشعاره التي كانت تؤكد معنى الصمود والمجابهة. مجابهة المحتل والصمود امام غطرسته. فان الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية خسرت شاعرا كبيرا ما زالت في أمس الحاجة اليه والى اشعاره.

وقال الشاعر احمد فؤاد نجم: ان محمود درويش هو متنبي هذا العصر وان الشعر افتقده بلا ادنى شك وما نأسف ليس لرحيله فقط, انما رحيله في الغربة لان " الموتة في الغربة وحشة".

وقال الشاعر احمد الشهاوي: لقد عاش درويش السنوات العشر الاخيرة - وهي سنوات التجريب والتحديث - في صرح داخلي بين محمود الذي كان ومحمود الذي يريد ان يكونه هو لا الفلسطينيون, حيث يريدون منه ان يكون شاعرا سياسيا فقط, بينما يريد هو ان يكون شاعرا انسانيا وكونيا لا يغفل حق شعبه, وقد بقيت القضية الفلسطينية مهيمنة على نصف شعره, وسيظل شعره لسان حالها, وستظل كلماته تؤرق اسرائيل وتشكل خطرا على وجودها, وسيظل الفلسطينيون حائرين اين سيدفن بعد ان محيت قريته "البروة" من الوجود الفلسطيني تماما عام .48

وقال الروائي خيري شلبي: الشعر هو وطن محمود درويش الحقيقي, ذلك ان الوطن قد بات شعره منذ نعومة اظفاره كما يقول التعبير القديم, بشعر محمود درويش ترتفع قيمة الوطن, الدليل على ذلك هو شعر محمود درويش فيه يبقى الوطن حيا الى ما لا نهاية. تلد القصائد كل يوم. قديما جديدا معا, تلده كلاما غير منقوص تلده كبيرا متطورا مطهرا, وشعر محمود درويش هو التطور الامثل للشعر العربي القديم, تجد فيه الملك الضليل والنابغة, وجرير وابن الفرزدق وابن ابي ربيعة وبشار بن برد وابا نواس والمتنبي والمعري, والبحتري, وابن الملوح, وابن الرومي, والحمداني, وابن زيدون, وشوقي, والرصافي, والجواهري, علي محمود طه, ومحمود حسن اسماعيل, تجد كل هؤلاء وغيرهم, لكن في صورة جديدة متطورة ومزودة بالثقافة الحديثة منصهرين جميعاً في بوتقة تغلي بنار المحنة اسمها محمود درويش.. هو شاعر واضح الاصول والانساب, في شعره هويته العربية الاصيلة, تتعرف فيه على ابائه واجداده واعمامه واخواله. ربما كان على رأس هذه القلة القليلة من فرسان الشعر العربي الحديث الذين نجوا من الرطانات الاجنبية, فرغم استفادته من الشعر العالمي- والفرنسي خاصة يظل شعره نفساً عربياً خالصاً, ان عروبية شعره لا تقبل جسماً غريباً..

وقال الشاعر سيد حجاب: ان الشاعر الراحل محمود درويش هو احد مؤسسي الثقافة الفلسطينية واحد رواد التجديد في الشعر العربي الحديث.. ان درويش تجربة شعرية كبيرة, تمثل اشعاره قمة النضال والتحدي والصعود, ورغم ان من ان هناك شعراء كثر يكتبون عن قضايا كبرى الا انهم لم ينجزوا ما انجزه درويش الذي فقدت القضية الفلسطينية رمزا من رموز نضالها برحيله.. رحل درويش والشعر, والقضية الفلسطينية ما زالت في حاجة اليه.

العرب اليوم- الأردنية
12 اغسطس 2008

***

وداع عاطفي مؤثر لدرويش في عمان وفلسطين تشيع شاعر المقاومة والقضية

العرب اليوم - اسعد العزوني واسلام سمحان

وداع عاطفي مؤثر لدرويش في عمانرام الله - وكالات
اجرى جلالة الملك عبدالله الثاني اتصالا هاتفيا أمس مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس عبر جلالته فيه باسمه وباسم الشعب الاردني عن اصدق مشاعر التعزية والمواساة برحيل الشاعر العربي الفلسطيني الكبير محمود درويش .

وقال جلالته ان درويش خلد في قصائده واشعاره كفاح الشعب الفلسطيني ولفت انظار العالم الى مسيرته الطويلة نحو التحرر والاستقلال .
وكانت عمان قد ودعت الشاعر الكبير على وقع اناشيد مارسيل خليفة واحزان المشاركين , وفي مراسم وداع نظمت في مطار ماركا حضرها مندوب جلالة الملك عبدالله الثاني الامير علي بن نايف وبمشاركة وزيرة الثقافة نانسي باكير التي ترأست الوفد الاردني .

وحضر المراسم رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض وامين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه , كما انشد الفنان اللبناني مارسيل خليفة الذي اختارته اليونسكو سفيرا للسلام عام 2005 قصيدة " امي " في اجواء من الحزن وهي من القصائد الاكثر شهرة للشاعر محمود درويش .

وبعد انتهاء المراسم تم نقل جثمان الشاعر درويش الى رام الله في طائرة مروحية اردنية حيث كان محمود عباس والمشيعون في استقبال النعش المغطى بالورود والعلم الفلسطيني بينما عزفت الموسيقى العسكرية الحانها الحزينة في وداع الفقيد وفي مراسم رسمية عبرت عن مكانة الشاعر .

وقد القى الرئيس عباس كلمة عاطفية مؤثرة تحدث فيها عن مناقب الفقيد ومكانته في الثقافة الفلسطينية والعربية .
كما أبّنه ورثاه الشاعر سميح القاسم بكلمة سياسية ساخنة حملت رسائل عديدة موجهة الى الحكومة الاسرائيلية والقيادات الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة .

وبعد انتهاء التشييع الرسمي ودعت الجماهير الفلسطينية الشاعر الفقيد حيث طاف الموكب المهيب بالنعش المحمول على عربة عسكرية شوارع وميادين رام الله الى ان انتهت حيث رقد الشاعر محمود درويش فوق تلة مشرفة على القدس.


14/8/2008