ديوغين-بيت من قصيدة مفقودة
أذكر جيداً بأني وبعض الأصدقاء في السنة الثانية من الجامعة، كنا نتسابق في البحث عن قصيدة لمحمود درويش وأخرى لأحمد مطر. كنا كغيرنا من الطلبة مأخوذين بالبحث عن السياسي الممنوع، ذلك في سياق مراهقتنا السياسية وبداية تشكل الوعي لدينا باللغة، بقضايانا العربية، بالأشياء والعالم من حولنا لا أقل بل أكثر. نتبادل قصائدهم، دوواينهم المنسوخة من هنا وهناك. كان ذلك في التسعينات، عندما ذهبت وبعض الأصدقاء لمعرض الكتاب، وكان الجيب مخروماً ويسقط منه كل شيء، إلا ٧ دنانير بقيت ممسكة بأطرافه، اشتريت بها المجلد الأول-الطبعة الرابعة عشرة لديوان محمود درويش، الصادر عن دار العودة ببيروت. قرأت تلك الليلة »وعاد في كفن، أغنية، رسالة من المنفى، التي أحببت آنذاك إيقاعها : » تحيةً .. وقبلةً وليس عندي ما أقول بعدْ، من أين أبتدي؟.. وأين أنتهي؟ودورة الزمان دون حدْ وكل ما في غربتي بزوادةٌ، فيها رغيفُ يابسُ، ووجْدْ. ودفترُ يحمل عني بعض ما حملت. بصقتُ في صفحاته ما ضاق بي من حقدْ من أين أبتدي؟.
بعدها قرأت، حبيبتي تنهض من نومها، أنا آت إلى ظل عينيك، كتابة على ضوء بندقية، سرحان يشرب القهوة في الكفتريا، موت آخر ...وأحبك: أجدد موتي أودع هذا الزمان وأصعد عيناك نافذتان على حلم لا يجيء وفي كل حلم أرمم حلماً وأحلم.
لكن وللأسف لم أقرأه حاضراً، في زيارته الأخيرة للبحرين، خانني وغدر بي الحظ، لهذا كنت خارج البلاد، و ما أسعفني أن تلفزيون البحرين، قد أعاد بث الامسية مسجلة كاملة خلال الأيام القليلة الماضية، ختاماً لكل الشيء، إلا خاتمة درويش لن تكون أبداً، ونحن نقرأ أشعاره، ولغته الحية دائماً، لم ياخذنا أبداً إلا أنه ذهب بعيداً وترك الحصان وحيداً.
*****
الأسئلة.. إنها قوتك الوحيدة:
ثمة يومٍ سيطرق الموتُ بابك
- إلى محمود درويش –
لا تغمض عينيك، ليس الآن وقت الرحيل،
أمواج الخوف تتزاحم على أبوابنا،
وجنازات الوقت تتراكض في صدورنا.
لماذا ينبغي لكَ أن تترجل الآن،
وتترك حصانك وحيداً،
وتمتطي عربة من ذهبٍ تجرها الحمائم البيضاء،
واضعاً علي شعركَ أكاليل الغار،
تداعبُ مثل أورفيوس قيثارته المذهبة،
فتختلج من عذب صوتكَ الحياة بالأحجار.
لا تغمض عينيكَ الآن،
ولا تغبْ أكثر مما ينبغي،
فالسماءُ تهطلُ الشوك والثلج الحار،
والنجومُ تلوذ بالفرار،
فلا نسمعُ في الليل إلا حفيف القصب النحيل،
ولا نلمحُ أحداً سوى حلكة الظلام،
الموتُ يخذلنا، والحياة تخذلنا،
بينما نرقبُ السنين العجاف،
نتوسدُ سريراً من رملٍ وأمواج متجعدة،
مثل مسنٍ يائسٍ تِعبَ من انتظار أن تنخسهُ صبيةٌ صغيرةٌ بنظرة من عينيها الوقحتين.
بأمرٍ من الليل،
نحكمُ الرتاج،
نغلقُ علينا أبواب الصمت،
نتسلقُ الوقتَ درجاً درجاً،
بانتظار نجمة الصباح.
نحن وليناكَ أن تكونَ صوتنا،
أين ستأخذ عنا لهب الشعر المتموج المندفع عالياً،
أين ستأخذ صوتنا،
ماذا ستفعل بنفوسنا الطافحة بالدمع؟
كيف نمتطي في شِعركَ صهوة أحلامنا ونرى أنفسنا:
في الجب مع يوسف،
في الصلب مع الحلاج،
في زهرة الدم مع لوركا،
في بيروت مع صبرا،
في تل الزعتر مع أحمد،
في فلسطين مع الحجر،
لا تغمض عينيك الآن،
صوت الأمل سوطٌ يلهب أيامنا،
وبحر اليأس حبرٌ يُسطر تاريخنا،
لا تغمض عينيكَ الآن، ليس الآن وقت الرحيل،
فما أقل ساعات اللقاء، وما أقصر كلمات الوداع.
****
لأنّك، أيها العرّاف، مُسْتَعْصٍ على النسيان
رؤى - حسين السماهيجي:
مع قوله:
تمثالٌ رخامي هوالنسيانُ.
تمثالٌ
يحملقُ فيكَ: قفْ مثلي لتشبهَني.
وَضَعْ وردًا على قدمي
ّ
كان محمود درويش يفتش عن مقامات لوطن يلوح بين ذاته، وبين وطنه المادي الذي لا حدود له إلا ما تتاخم به لغتُهُ أقاصي المنافي التي لم تعد منافي على النمط التقليدي في تجربة إنسانية تستعصي على النسيان،
قل هي الرؤيا، إذن.
الرؤيا حيث الإقامة في وطن حقيقي، يُلَوح له/لنا، بلغة لم تكن ماكرة قطّ، ولم تكن واهنةً قطّ، وبشعريةٍ لم تلب رغبة ناقد أو شاعر أو جمهور بقدر ما كانت تلبّي حاجة الذّات إلى معناها الذي أُقْصِيت عنه؛ وهكذا، لم تكن تأخذ من البلاغة إلا ما كانت تتعالى به على السّائد، وتهزأ بالمكرر الفَجّ.
هذا أحد معاني الشاعر الذي خسرناه للتّو. إن خسارة »الرؤيا« هي الأفدح من بين كلّ الخسارات في زمنٍ عربي يتهيّأ لخسارات تُراكِم ما نتفرج جميعًا على شُرب أنخابه.
لعلّ »الرؤيا« التي أخذ محمود درويش في التعالق معها في نتاجاته الأخيرة، هي ما أخذ به إلى هاجس »الموت / النسيان«؛ فكان إلحاحه على الذات، وعلى اكتشاف مساحات »الأسطوري« المغنّى في تاريخها. ومن هنا، تمامًا، يمكننا الرّكون إلى صوره ومفرداته وإيقاعاته باعتبارها »السيرة / الذاكرة«. ها هو يقول، ثانيةً:
أمشي على هَدْي البصيرة،
ربما أعطي الحكاية
سيرةً شخصيةً.
فالمفرداتُ
تسوسُني وأسُوسُها.
أنا شكلها
وهي التجلّي الحُر.
لكنْ قيل ما سأقول.
يسبقني غدٌ ماضٍ.
أنا ملِكُ الصدى.
لا عرشَ لي إلا الهوامش.
والطريقُ
هو الطريقةُ.
ربما نسي الأوائلُ وَصْفَ
شيء ما،
أُحركُ فيه ذاكرةً وحسّا
إلى هناك يأخذنا محمود درويش،
إلى هذيانٍ لا يشبهه إلا رمادُ ما نقتات عليه من نصوص مبللة بذاكرة تمعن في ضراوتها، وتتجاوز في فتكها بنا فعلَ كلّ أشكال السلطة التي جعلت الإنسان العربي يتيمًا حقيقيا...
يتيمًا هو، بدون أبٍ نبي
وبدون أبٍ متناسلٍ من سلالة شعراء شاهقين، هم إلى الأنبياء أقرب.
ها أنت يا محمود تقول، مرة أخرى:
الأنبياءُ جميعهم أهلي
ولكنّ السماء بعيدةٌ عن أرضها
وأنا بعيدٌ عن كلامي
إنها الرؤيا،
حيث تنزع الروح إلى معانقة الكلّي، ومبارحة الآنيّ المدجّج بسلطة يتوارثُها الساهرون على حراسة الأنظمة، ورعاية القطيع.
نحن، يا محمود، إذ نرثيك إنما نرثي كل ما نرى، وما نراه لا نريده،،،
فاذهب أنت، وَقَر في نومك
أنت الذي رأيتَ ما تريد،
أمّا نحن فسنخالفك في قولك:
تُنسى، كأنّكَ لم تكنْ
تُنسى كمصرع طائرٍ
ككنيسة مهجورة تُنْسَى،
كحبّ عابرٍ
وكوردةٍ في الليل... تُنْسَى
لأنّك، أيها العرّاف، مُسْتَعْصٍ على النسيان
*****
حصانك الذي أسقطنا مضرجين بقصيدته، سيأخذنا اليوم إلى سقوط آخر
مدوِّنو البحرين في رحيله .. صورة سوداء، نصوصٌ وصمت
رؤى-المحرر الثقافي:
صورة سوداء فقط، لا يتوسطها درويش، ولا هي صورة لمشيعيه الذين ملؤوا ساحات رام الله مساء الأربعاء الماضي. صورة سوداء فقط، كانت التعبير الأنسب في إحدى المدونات البحرينية عن حالة الحزن الكبير الذي رافق رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي وافاه الأجل في التاسع من أغسطس الجاري بمستشفى هيوستن في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبدأت العديد من المدونات البحرينية، ومنذ اللحظة الأولى لإعلان رحيل صاحب »جدارية«، بنقل خبر الرحيل والتعازي برحيل الشاعر الذي خلف عبر ٧٦ عاماً من حياته العديد من القصائد التي تغنّى بها جيله ووصلت كما هي أول الخلق، إلى جيل الشباب العربي منذ »سجل أنا عربي« وحتى »سيناريو جاهز«.وشكل رحيل درويش صدمة »مباغتة« للعديد من المدونين البحرينيين، وأيقظ سكون مدوناتهم الذي استمر لفترة طويلة منذ بداية الصيف.
ومنذ لحظة إعلان نبأ الرحيل كتبت المدونة »ملاذ« في مدونتها »ثورة سلام«: »هو الموت / ينغرس كالنصل في أحشائنا / لا يدرك السكينة و لا تفاصيل البراءة، هو الموت / يباغتُ القلب / يزخُ الخوف / ينضح بالآه/ ينثُر الترابَ، هو الموت/ يعبرُ النوافذ هائجاً/ يُدثر الفرح بأوجاعِ القيامة / اخمد أيا موت / متى تُحرر الياسمين؟ وأضافت ملاذ: »درويش، ابن عكا، أفاق ذات يوم طفلاً، مخترقة آذانه الصغيرة أصوات المدافع الغاشمة، يومها انتفض الشعر بدمه و عانق وجدانه وفرض نفسه جنباً إلى جنب والأدب بأنواعه متمثلاً بإصداره العديد من الكتب و الدواوين الشعرية«.
وتابعت ملاذ: »قبيل أيام فقط كنت قد شرعت بقراءة نص »في حضرة الغياب« لمحمود درويش، و لم أنته منه بعد حتى يجرني ذاك الغياب لغياب حقيقي يسلبني ثورة درويش و انتفاضته التي لا تهدأ«.
وكتبت باسمة القصاب في مدونتها »أثر الفراشة« تنعى درويش: »لا أدري لماذا صباح يوم أمس السبت بالذات، استللت ديوانك أنت بالذات، من بين رفوف مكتبتي. لم أكن أعلم حينها يا درويش، أن قلبك المولع بالطيران البعيد، كان يتأهب في هذا اليوم بالذات، للتحليق أبعد..أبعد..أبعد، ولا أدري لماذا كان ديوانك (لماذا تركت الحصان وحيدا؟) هو ما وقع بين يدي، وأنا لا أعلم حينها، أن حصانك الذي طالما أسقطنا مضرجين بقصيدته، سيأخذنا اليوم إلى سقوط آخر..آخر..آخر«. مضيفة: »لم أكن أعلم، أن اليوم (السبت)، سيقرر قلبك أن يعلن انفلاته الأبعد.. والأبعد.. والأبعد، بعد أن بقى في الهجرة والتشرد والتيتم والغربة والغياب والنضال طويلاً.. طويلاً.. طويلاً. لم أكن أعلم، أن ماءك الذي يحن دوماً إلى الطيران، ماءك الذي توزع فينا كنبض شريانك المفتوح، سيقرر اليوم، مغادرة كل ما صممه الحرفيون من صناديق، سيغادر حتى صندوق القلب المفطور، سينفلت من عَرَق الأرض، لينبت في غيمة مكثفة بالقطرات التي لا تموت، لم أكن أعلم يا درويش.. يا أخا الجناح«.
وفي مدونته papillonpath, كتب محمد فاضل بعنوان »اذهب عميقاً في دمي«: »لنتصور الحياة بدون محمود درويش؟ هل يحتاج درويش إلى كلمات مني؟ عن شعره؟ قليلون هم الشعراء الذين يجعلونك تصغي لهم بقلبك، درويش على رأسهم«. ويضيف: »لا تحصى هي أبياته التي ارددها بأجمل النغمات، تدفعني لطقس أشبه بالصلاة، صلاة تتخطى السماوات السبع محاطا (بملاك وشاعر) مثلما قال ذات قصيدة« متابعاً: »غداة اجتياح لبنان عام 1982 وعندما كنا نجرع المرارات شهورا، لم تكن سوى كلماته التي رفعتني من حضيض كنت أقاوم الاستقرار فيه، أيقنت أن الشعر يهزم الرصاص والدبابات«.
ويسرد فاضل ذكرياته عن زيارة الراحل للبحرين: »يحتشد الحضور مثل أولئك الذين احتشدوا لسماع أشعارك ورؤيتك، فيما تنتظر محفوفاً بقلوبنا في غرفة انتظار صغيرة، وما أن تحين اللحظة، تحملك قلوبنا للدخول لا من الكواليس بل من باب القاعة تشق طريقك وسط الجهور من آخر القاعة صعوداً نحو المنصة على وقع ذلك المقطع الأسر من قصيدتك المغناة بألحان رفيق شعرك مارسيل خليفة »....« تسير على وقع الكلمات ودقات القلب فيما الجمهور واقفا يحي فلسطين فيك ويحي الشعر فيك. يحيى محمود درويش وكفى.
واكتفى المدون الزميل حسين مرهون بقصاصات ورق كتب عليها بخط يده رثاء لدرويش في مدونته »مداس آية الله« قال: »مات محمود درويش مباغتاً كان الخبر لم ينتظره أحد. جاء فجأة. خطف أحمد العربي. أحمد الزعتر. لم ينتظره أحد لذا أتت الأنباء بالتقسيط. ثمة مشيئة كانت وراء تقسيط النبأ. ربما، حتى لا نهلك أسىً وتجلداً«. وأضاف: »العاشق الفلسطيني هزمه قلبه. شريان ينفتح فينفتح معه جرح العالم. لن يكتب أحد جدارية الوجود السريري هذه المرة. أو عن قطن المستشفيات الأبيض. أو الموت الذي تهزمه مسلة المصري، والفنون جميعها. من يكتب عن من أصلاً!. العاشق الغجري صار بعيداً الآن. بعيداً جداً.. »كزهر اللوز أو أبعد«!..
وفي حين نقلت أكثر من مدونة خبر الرحيل بتدويناتها اكتفى البعض، بتشارك المدونون في تقديم كلمات الرثاء في تعليقاتهم، فكتبت زينب عبدالأمير صاحبة مدونة »أيها المستحيل المستحيل الرابع ترفق بي«، في تعليق على تدوينة الصورة السوداء للمدون حسين عبدعلي: »محمود درويش هو روما التي لم تمت، وهو حبوب السنبلة التي ملأت وادي »الشعر«. وتساءلت: »ماذا يكتب محمود درويش الآن في البعد الآخر؟ وهل وجد إجابات على أسئلته؟«.
وكتبت المدونة ابتهال سلمان »لقد حظينا بجمال لا دوافع له ولا استحقاقات تبرره، أن نعرف هذا الدرويش المرهف، وربما حذرنا مسبقاً وودعنا دون أن ننتبه، تفاجأنا برحيله ولا أظنه فوجئ به«.
حسام أبو اصبع يرثي درويش، »أحقاً مات الولد الموزع بين نافذتين وحقيبتين وثلاثين ساحلاً، ومائة محطة انتظار، وألف عاصمة زبد، ومليون وطن، وبعض زعتر وقهوة؟، حقاً مات، اللعنة!!«. ويضيف: »لا أعرف هل ستشتعل العنادل بعد اليوم، وهل سيبقى احتمال الياسمين قائماً، وأي طعم سيبقى للبرتقال والحنطة وأي مذاق ؟، مات درويش ومات معه الشعر. والآتون لن يولدوا إلا من غباره.. هكذا باختصار«. وكتبت المدونة أنين الروح: »أنا حزينة !مات هو؟! يقولون مات ولازلت في دهشة!، كيف؟ ولكنه كان هنا! إنهم لا يعرفونه .. أنا لم أعد أعرفه .. إذن مات!«.
و كتب حسين المحروس بدهشة الأديب ذات تعليق: »آخ.. كنت متأكداً جداً جداً، أن الأطباء أصغر بكثير من أن يحيطوا بقلب شاعر«.
*****
نداءٌ لدرويش الراحل وآخرٌ لشعبه المتنازِع في فلسطين .. أدباء البحرين في تأبين صاحب ’’جدارية’’
ما الذي تكتبه الآن، وأنت في الجهة الأخرى .. في البعد الآخر لكينونتك؟
رؤى - المحرر الثقافي:
لم تكن لتمضي أيام رحيله الثلاث الأولى، قبل أن تفتح البحرين ذاكرتها على الوجع، على الحضور الذي تمكن تماماً من قلبها في ذات مساء من مارس 2006
كل الأشياء حاضرة لتعزيه، أبهة الشعر، و سرد الرواية، و عظمة النقد، والصورة كذلك.
هكذا كانت البحرين حاضرة لتودع شاعر الحب والمقاومة الراحل محمود درويش في أمسية حميمة أقامها الملتقى الأهلي مساء الثلاثاء الماضي وشارك فيها عدد من المؤسسات الثقافية والمثقفين الذين أشعلوا 67 شمعة حب-حياة أمام مدخل الملتقى الذي تزين بصورة، وغلاف لديوان درويش »حالة حصار«.
وبدأ الحفل الذي أمّه جمع من المثقفين والأدباء، بوقفة حداد على روح الشاعر الذي غادرهم في الولايات المتحدة الأمريكية بعد صراع مع مرض القلب في التاسع من الشهر الجاري، وبدا لافتاً غياب العديد من الأسماء والقامات الأدبية أمثال الشاعر قاسم حداد والناقد علوي الهاشمي والشاعرة إيمان أسيري بسبب وجودهم خارج البحرين.
وفي كلمة ألقاها باسم أسرة الأدباء والكتاب نقل الناقد والروائي فهد حسين العزاء والمواساة »إلى عائلة المناضل والشاعر محمود درويش، وإلى اتحاد كتاب فلسطين في الداخل وإلى اتحاد كتاب فلسطين في الخارج، وإلى أصدقائه ومحبيه، وإلى كل المثقفين من كتاب ومفكرين ومبدعين من العرب وغير العرب« برحيل الشاعر »الذي فارقنا بإنذار شفوي سريع، وتقرير طبي مؤلم، فلم تنتظر احتفالات القدس بوصفها عاصمة للثقافة العربية في العام القادم«.
واعتبر حسين العام 2008 عام رحيل المبدعين مستعرضاً عدداً من الأسماء الأدبية والإبداعية التي رحلها الموت في هذا العام.
وقال حسين في كلمته التأبينية »أصبحت يا محمود في كل البقاع شموعاً وأغصاناً معطرة بالأمل وإصرار البقاء، لذلك راحت الأمهات تتوهجن بين ثنايا بسمتك وهي تلدن زعفراناً برائحة الحنين إلى الخبز المعجون بالقدس والعواصم العربية والغربية التي تشرفت بك، حتى ارتميت على يم لا تقوى العوم فيه إلا وأنت تسبح في فضاء الموت«. وأضاف: »أنت يا درويش تعرف أن كل الصفات والأسماء والطرق باتت عاجزة من قول لا، إلا هذا الطفل الذي ولد فيك، وفي شعبك كان ولا يزال يصلي بتلاوة قصيدتك في مدح ظلك العالي، ودهشة الطائرات المعدنية التي لا تقف عند حدود المكان حتى خرج الحصان تاركًا أشلاء العبارة طعامًا للكسالى الذين يتقمصون بسمتك في صالونات الشعر وهم يعرفون أنك راض عليهم كخوفك من ضيوفهم«.
وتابع حسين : »في عام 2005 كانت أمهاتنا ونساؤنا وكتابنا في البحرين مستبشرين مجيئك ضيفًا على أسرة الأدباء والكتاب لتقول لهم أن الشعر والنضال مجدنا في عالمنا العربي لكن ظروفك أطالت هذا الانتظار. وخلخلت المواعيد، أنت تعرف أن حقد قارورة الذاكرة ورائحة الخذلان لن تقفا عند موتك أو موت شعراء الأرض المحتلة أو أي شاعر يتألم لألم الجياع، إنه حقد يمارس الوشم على جدار الأفق، فلا تكترث وأنت في غرفتك المضيئة بشموع نصوصك، وحروف أشعارك من الذين يحيكون الخيوط برغوة القهوة، فهناك أيضًا من يرتب الأيام ويرتل الحروف ليشيد تمثالك الأبدي«. مردفاً: »ستصل يا درويش إلى ديارك التي غرقت في حبها، وأرضك التي بنيت من خلالها عالمك الشعري، لا تخف وأنت في سماء الكون قادمًا بثيابك البيضاء، فإذا كان توفيق زياد ينتظرك في غرفته، فعالم القدس ورام الله والجليل ينتظرك في قاعة سميح القاسم وعز الدين المنصرة وغيرهما«.
وخاطب حسين مشيِّعي الشاعر الكبير الذي ووري جسده الأربعاء الماضي على تلة برام الله تطل على القدس قائلاً : »تمهلوا واتئدوا في مشيتكم وفي خطواتكم لكي يستقر الجسد في نومه مستقيمًا، لكي تظل دموع أمه في محجريها، لأنه يخجل أن تسقط دمعة واحدة من عيني أمه إلا في الفرح، خذوا من هذا الجسد حروف الاسم وسطروها على جدران بيوتكم علكم تكتبون قصيدة من دموع الفرح الذي خبأه في قميصه طوال سنوات ترحاله، الواضعون الجسد في مثواه الأخير كونوا رحماء به حين ترفعونه، وحين تنزلونه، وحين تقرأون عليه حتى لا يحاكمكم نصه الذي اخترق الآفاق«.
الشاعر علي عبدالله خليفة الذي يبدو أنه قطع سفره ليؤبن درويش في الملتقى الأهلي الذي يرأسه، سرد شيئاً من ذاكرته مع درويش بعد أن قرأ شيئاً من ديوان الراحل »كزهر اللوز أو أبعد« من قصيدة »الآن في المنفى«.
سيري ببطء، يا حياة
لكي أَراك
بِكامل النقْصَان حولي.
كم نسيتكِ في
خضمٌكِ باحثا عنٌي وعنكِ
وكلما أدركت
سرا منك قلت بقسوة:
ما أَجهلَكْ!
قل للغياب: نَقَصْتَني
وأَنا حضرت... لأكملك!
وقرأ الشاعر علي الجلاوي من قصيدة الراحل »جدارية« والتي كانت نتاج الراحل الشعري من تجربته في العام 1998 مع الموت، قبل أن تبعث أنيسة فخرو رسائل متقطعة للفلسطينيين عبر نص كلمتها تدعوهم من خلالها إلى رص الصفوف من أجل تحقيق حلم الراحل الذي كتب لوحدتهم كثيراً.
وقالت فخرو مخاطبة الفلسطينيين: »إن كنتم فعلا تكنون الحب لشاعركم العظيم وإن كنتم فعلا تعرفون قيمة شاعركم الكوني، وإذا أردتم أن تردون له شيئاً من الدين والتقدير، وإن كنتم تريدون أن ينام قرير العين، فأوقفوا الاقتتال الداخلي، أوقفوا سفك الدماء بين الإخوة، أوقفوا المهزلة، وحدوا صفوفكم، وجهوا سيوفكم وحرابكم إلى صدر العدو الصهيوني المحتل، فهو العدو الأول والأخير، محمود درويش مات غصة وألما وحرقة، فإذا أردتم أن ينهض من قبره شاهراً القلم صادحا بالنصر من جديد، فلتعودا إلى رشدكم ولتوحدوا صفوفكم«.
قبل أن توجه خطابها لدرويش الراحل: »كبرنا على حرفك واستطعت أن تحفر كلماتك في دمنا، فلقد ذهبت أيها الدرويش عميقا في دمنا مثلما ذهب احمد العربي عميقا في دمك، ومثلك نحن ذهبنا في السؤال حتى تاه ولم نجد الجواب« مضيفة » أنك الآن تعانق البروة وحيفا وبيسان، أعلم أنك لم تلفظ أنفاسك إلا من القهر، لم يعد قلبك يطيق أن ينبض من هول الفجيعة، لم يستطع العدو الصهيوني قتل روحك، ولم يهزمك التشرد والعذاب، لكنك تمنيت أن تموت، قبل أن ترى سفك الدماء بين هابيل وقابيل، كنت الشاهد الذي لا يصدق ما يشهد، ولا يريد أن يشهد هذا المشهد في مسرح اللامعقول«.
وألقى الموسيقي سلمان زيمان عن فرقة البحرين للموسيقى قال فيها إن شعر الراحل »كان خنجراً، وغناءاً للبلابل، ولكل من عاد ولم يعود، ضمد به الجراح وأشهر به السلاح، كانت كلماته غضباً مناضلاً وعملاً مقاوما وأضاف زيمان: » كتب من أجل الخبز الذي يمثل أماناً للإنسان، كتب من أجل السلام وحق الكلام، لم يختصر في الكتابة ولم يبعثر، كل ماكتبه غناء، لم يترك للموسيقى معنى للمساومة«.
وشمل حفل التأبين معرضاً فوتوغرافياً مصغراً لذكريات زيارة الراحل للبحرين، وعرض فيه المصور دشتي صوراً تذكارية جمعت الراحل بعدد من الأدباء في منزل الشاعر علي عبدالله خليفة خلال زيارته تلك.
وألقى الشاعر علي الشرقاوي في رثاء درويش قصيدة قال فيها:
يا محمود
ياماء السؤال ينط من أحلامنا الأولى
ويكرز بالطفولة في توغلها
وراء طلاسم الأيام
يامحمود
يازيتونة المعنى تهز خواطر الدنيا
ووجهت الروائية فوزية رشيد سؤالاً فلسفياً إلى درويش الراحل، وقالت في كلمة ألقتها في حفل التأبين: »ترى ما شكل الذي رأيته وتراه؟! أي طلسم جديد تفتق أمام كثافة شعرك على نصال المعرفة بعد الموت، وقد كنت تحاوره بعمق في الحياة؟! هل وأنت في شفافية اليقين وقد دخلت ممر العبور الأخير، من دون رمز أو استعارة أو استفاضة، ومن دون كثافة اللغة ومكابدات الروح، ومن دون مصايد الكلمات الخارجة من محدودية الحواس، هو أنت كما كنت؟! وحيث أنت الآن في الخفة والكثافة معا، في العمق وفي الفضاء معا، في الشعر والشاعرية معا، في السؤال والجواب وفي اليقين اليقين، حيث لا شكوك هناك بعد، وحيث لا سؤال ولا لغز ولا غموض أو مجاهيل أبعد، أو لربما هناك مجاهيل أبعد،ماذا رأيت؟«. وأضافت رشيد: »ما الذي تكتبه الآن، وأنت في الجهة الأخرى، وفي البعد الآخر لكينونتك، وأنت الذي لا تستطيع الاستمرار في أية كينونة من دون لغة؟! هكذا صرحت مرة حين اعتقدت انك بعد الجراحة الثانية قد فقدت اللغة. ثم هل وجدت أخيرا حلاً للغز الألغاز التي حيرتك في شعرك وفي سؤالك وحيرت قبلك كل العقول؟! أم أن تلك النجوم التي أشعلتها في دروبنا، غفت بعد الموت عن إشعال دربك وتركتك في غموض آخر وربما أكبر، وحتما لا نعرف هذه المرة حتى ماهيته؟!«.
وأردفت: »كل الذين يرحلون لا يعودون ليخبرونا الإجابات عن الأسئلة المؤرقة لولا يقين الروح في الإيمان. كنت تحاور الحياة في كل قصائدك، وكنت تحاور الموت أيضا بذات العنفوان. لم تكن شاعرا لقضية واحدة، بل كنت شاعر كل القضايا، حتى إن ارتبطت قضية فلسطين بصوتك وبإيقاعك وبرسمك للكلمات. حتى إن ارتبطت أنت بها بالمشيمة السرية ناشدا من غيابها الحياة لك والحياة لنا«.
متابعة: »درويش الذي استكان إلى سلطة الشعر، فناهض المناصب الوزارية وناهض سلطة السياسة، ليخلص إلى صوت شعره ووطنه فقال »ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة، ما أوسع الثورة!«، هو ذاته الذي شعر بنكبة الانقسام الفلسطيني ما بين »إمارة غزة وحاكمية الضفة الغربية« »......«، درويش الذي كان لابد أن يرحل في موته بعيدا، ليعود إلى أرضه ووطنه وقبره، كأنه يذكر الجميع في مهرجان وداعه: ماذا خسر الفلسطينيون، ليس فيه فقط، وإنما في أنفسهم، وهو يجمعهم من كل الفصائل ليودعوه كأنهم يستقبلون الشعر الذي فيهم«.
وأبّن رئيس تحرير دورية »التراث الشعبي« المغربي محمد النويري الراحل درويش في كلمة له، ثم عرض ممثل السفارة الفلسطينية في البحرين محمد رباح لسيرة حياة الراحل، قبل أن يداخل عضو الملتقى عيسى هجرس لرثاء الفقيد وختم الشاعر الجلاوي مجدداً الأمسية التأبينية بمقطع آخر من الجدارية.
*****
خليفة يسرد ذاكرة اللقاء بدرويش
محمود .. لا يخطيء الأصدقاء
يستذكر الشاعر علي عبدالله خليفة في حديثه عن الشاعر الراحل، تاريخ عريض من الذكريات التي تجمع الأخير بمملكة البحرين، ويتذكر له العديد من المواقف الإنسانية التي »توازي مواقفه السياسية والأدبية« على حد قوله.
وقبل أن يسرد خليفة هذه الذاكرة يقول »خسراننا كبير بفقد درويش الذي اعتبره شاعر جيل وأمة«، ويضيف »كان شاعر قضية كُتب لها أن تكون قضية العرب، كان شاعر مبدأ، شاعر ملء الدنيا وصاحب اقتدار لغوي كبير«.
ويعتبر خليفة منجز درويش الشعري، »منجزاً حضارياً وتراثياً يجب أن ينضم للمنجز الحضاري والتراثي للأمة في جمال الشعر والمجاز و اللغة والصورة والتوحد والالتزام بالظرف الزماني الذي التزم به الشاعر«. ويردف: »في الوقت ذاته هو مشروع شعري، وأي شاعر بدون مشروع شعري سوف ينساه الزمن ويتعداه، والمشروع هو الذي يحقق للشاعر الخلود، وحين يصل لتحقيق أمنية يعود للتأمل في الحياة والحكمة كما يذهب محمود«.
وفي سرده لذاكرة لقائه بدرويش يقول خليفة: »التقيت به لأول مرة في أكتوبر من العام 1970 في نيودلهي، وكنا في بداية مشوارنا بينما هو وصل حد كبير من الشهرة في ذلك الوقت، وكنت برفقة الشاعر الراحل ابراهيم العريض و الصديق أحمد المناعي نمثل أسرة الأدباء والكتاب في ملتقى الكتاب الآسيويين«.
مضيفاً »وجدنا في شخصه الذي كنا نحلم بلقائه، إنساناً عفوياً وبسيطاً«.
»اغتنمنا الفرصة في اللقاء بدرويش من أجل دعوته لحضور البحرين والمشاركة في الأمسية، الأمر الذي لم يرفضه الراحل بل كان مسروراً جداً به، ولكنني بعد أن عدت للفندق تذكرت بأننا لا نملك سعر تذكرة للشاعر، و لا مبلغاً لتوفير سكن ملائم له في حال وصوله البحرين، وخاطبته في ذلك خجلاً، وفاجأني رده«، يقول خليفة ويوضح: »قلت له لا نملك ثمن تذكرة على الدرجة الأولى فهل يمكن أن نرسل لك تذكرة سياحية؟ فوافق على ذلك، وحين قلت له أننا لا نملك ثمن دعوته للسكن في فندق، سألني: وفي أين سأسكن إذاً؟. قلت له: في منزلي. ابتسم الراحل وقال: بالتأكيد سيكون منزلك أفخم و أكثر اتساعاً من خيمة!! «.
ويضيف خليفة: »كانت دعوتنا له تتكرر عدة مرات، وفي العام 1998 وحين قبل الدعوة للقدوم للمملكة، كان لا بد أن يُجري عملية القلب في باريس، مما أخّر قدومه للبحرين حتى العام 2006، حين لم يخف رغبته في زيارتها منذ زمن«.
******
كان حذراً جداً في قصيدته ..
ولم يكن حذراً مع جسده
يستهل حديثه عنه، بعبارة »قالوا له لاتدخن«، وبها يعبر الروائي والكاتب أمين صالح عن ثيمة العناد التي يمتلكها درويش في شعره كما في شخصيته كإنسان، ويضيف في حديثه عن درويش: »ميزة الشاعر محمود درويش، أنه الشاعر الوحيد من بين »شعراء المقاومة« الذي اهتم بالناحية الجمالية الشعريّة في قصائده، واهتم كثيراً بتهذيبها وابعادها عن المضمون السياسي البحت للقصيدة كآخرين مثل الشاعر سميح القاسم ممن اهتموا بالجانب السياسي في القصيدة النضالية«، ويضيف »كان درويش حذر جداً من أن ينحاز لتوظيف القصيدة سياسياً أكثر من انحيازه لشعريتها وكانت تلك ميزة مهمة جداً في شعره منذ بداياته واستمرت في ذلك حتى رحيله«.
ويكمل صالح: »مع الوقت كان درويش يستفيد من منجزات الحداثة ولا يتوقف عند إطار معين، وكان في ذلك أكثر مرونة من غيره من الشعراء الذين كانوا يصرون على نمط معين«. مضيفاً : »بالنظر لجماهيريته الكبيرة فإن درويش مارس بالتأكيد تأثيراً كبيراً على الذات الشعرية العربية وبالأخص على الجيل السبعيني من الشعراء، لذلك نجد في الكثير من الشعراء صورة شعر محمود و محاكاة كبيرة لصوره و مفاهيمه و مفرداته بالإضافة للرؤية النضالية التي خلقها في الشعر منذ ذلك الحين«.
مختتماً حديثه بالقول: »يظل رحيل درويش خسارة كبيرة للشعريّة العربية، وكم هو حدثٌ صادم ذاك .. أن يرحل الادباء والفنانون والمفكرون بينما الوضع العربي آخذ في السوء أكثر فأكثر«.
*****
لبلادنا
1
ها أنت في دروب المجرات تكبو
ها أنت في مس الوحشة تمضي
حيث لا أرض هناك ،
نجوب خارطة الأرض
ذلك موطنك القريب من روح السماء
أنىّ لك السّكنى وأنت طريد التاريخ والقبيلة
لن تهجرك الغربة
ولك فيها النرجس و أكسير الحياة
أين بلادك يا هذا وقد قادتك هواجسك إلى عنوسة النهوض
أين بلادك ياهذا ؟!
أين وجهتك ؟!
»لبلادنا ،
وهي القريبة من كلام الله،
سقف من سحاب
لبلادنا،
وهي البعيدة عن صفات الاسم ،
خارطةالغياب«
٢
هل تهمس في وجع الهوية،
أم إليك يحتمي البعد لتسكن في غور التراب ؟!
هل راودتك خشية التذمر،
أم تراك أودعت رائعة الوطن قميص العودة والذهاب ؟!
حلّق بأجنحتك صوب البأس
و عُد
علّنا نلتقي في الرحيل
لبلادنا وردة الأزل
فكيف هي بلادك ؟
»هي الصغيرة مثل حبة سمسم،
أفق سماويٌ ... و هاوية خفية
لبلادنا،
وهي الفقيرة مثل أجنحة القطا،
كتب مقدسة ... وجرح في الهوية«
٣
أين تلك التلال؟
هل سبيت بلادك وأنت في الأصقاع تجول ؟!
تغفو كالقطا المذعور
في ذلك الانتظار الطويل
كلما رفعت رجلك من شرك،
أصابك كمين آخر
هكذا كان
بلد مهجّر، مقطع الأوصال...
ابحر
وبلّغ
فبموتك ظلال للوطن يكون
» لبلادنا،
وهي المطوقة الممزقة التلال
كمائن الماضي الجديد
لبلادنا ، وهي السبية
حرية الموت اشتياقا واحتراقا«
٤
تبيت في ليل طويل كأن نجومه شدت إلى أطراف النهار
منك تصيب الفناءات الفاغرة
وعليك يتكالب العسكر
هل ما زلت تعانق هفوات الرجوع ؟!
أم تراك انزويت مطأطأ الهامة لا يستحثك النداء
هيا اخرج من سجنك والبس لامة حربك
لبلادك مساحات الفضاء
أين أنت ؟!
»وبلادنا ، في ليلها الدموي
جوهرة تشع على البعيد على البعيد
تضيء خارجها ...
وأما نحن داخلها ،
فنزداد اختناقا
*****