ملف جريدة الرياض

(عائلته ترغب في احتضانه والقيادة الفلسطينية تميل لدفنه في رام الله)

رام الله - عبدالسلام الريماوي:

خيم الحزن والوجوم على ابناء الشعب الفلسطيني حزنا على رحيل الشاعر الكبير محمود درويش، فيما تحولت منازل والدته واشقائه في قرية الجديدة الجليلية شرق عكا الى مزار للحشود من ابناء مناطق فلسطين المحتلة عام
48.وفي مناطق السلطة الفلسطينينة عم الحداد ونكست الاعلام ولمدة ثلاثة ايام، وبدأت القيادة الفلسطينية اتصالات مكثفة مع كافة الجهات من اجل نقل جثمان الفقيد الشاعر الى عمان ومنها الى فلسطين لمواراته الثرى في ترابها.

وكان ياسر عبد ربه امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اعلن في تصريحات له صباح امس ان جثمان درويش سوف يوارى الثرى في مدينة رام الله يوم الثلاثاء.

وعلمت "الرياض" ان القيادة الفلسطينية ترغب بدفن جثمان الشاعر الراحل في رام الله لرمزيته ومكانته الخاصة، حيث تم اقتراح ثلاثة امكنة لذلك وهي ساحة المقاطعة بجوار ضريح الراحل ياسر عرفات، او منزل خليل السكاكيني الذي اسسه كمركز ثقافي، او بجوار قصر الثقافة الذي احيا فيه درويش اخر امسية له في الاول من تموز الماضي لمناسبة الذكرى المئوية لاقامة بلدية رام الله.

غير ان عصام مخول سكرتير الحزب الشيوعي واحد قيادات الجماهير العربية داخل اراضي 48، قال ل "الرياض" ان مكان التشييع لم يتقرر بعد (حتى ظهر اليوم الاحد) امس، وان الامر لا يزال محل مشاورات بين عائلة درويش والقيادة الفلسطينية في رام الله.

واوضح مخول في اتصال مع الرياض من داخل بيت عائلة الشاعر الراحل في قرية الجديدة، ان مكان الدفن سيتقرر في ضوء ما يتم الاتفاق بانه يخدم القضية الفلسطينية التي طالما ناضل من اجلها درويش وكرس ابداعه ونفسه في خدمتها.

واضاف: القيادة الفلسطينية لها حصة كبيرة في الشاعر الراحل كما كان له حصة كبيرة فيها، لافتا الى وجود اتصالات بينها وبين العائلة بهذا الخصوص، "مع اننا نتمنى ان تغلق الدائرة التي انطلق منها محمود درويش بعودته الى الجليل، مع ادراكنا ان محمود ليس ملكا لاحد ولا لعائلة ولا حتى لنفسه".

وتحدث مخول عن الاجواء التي سادت قرية الجديدة التي لجات اليها عائلة درويش بعد تدمير قريتها الاصلية البروة في العام 1948، مشيرا الى سيل من البشر يتدفقون باستمرار على منزل العائلة لتقديم واجب العزاء وسط حالة من الحزن والالم والاحساس بخسارة فادحة لرحيل درويش الذي يعتبر رحيله خسارة ليس لاهله ووطنه فحسب بل للانسانية بأسرها.

ولم تعلن اسرائيل موقفها من السماح بدفن درويش في الجليل في حال تم التقدم اليها بطلب بهذا الخصوص، فيما ابدى اعضاء كنيست باجراء التحرك اللازم مع السلطات الاسرائيلية في حال طلب منهم ذلك.

وعلمت "الرياض" ايضا ان عملية نقل جثمان الشاعر درويش الى فلسطين مرورا بعمان لن تكون قبل 48ساعة بسبب عدم وجود حركة طيران من مدينة هيوستن الاميركية الى عمان خلال تلك الساعات، فيما وضعت عدة جهات مثل الامارات وعمان ورجل الاعمال الفلسطيني صبيح المصري طائرات خاصة تحت تصرفه لنقله، فيما تجري اتصالات حثيثة لتسريع الامر.

ومن المقرر ان يتوجه وفد فلسطيني رفيع صباح اليوم الاثنين الى عمان لاستقبال الجثمان وقد سبقه وفد اخر الى الولايات المتحدة برئاسة مديرعام ديوان الرئاسة رفيق الحسيني.

الى ذلك، نعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومختلف الاحزاب والمؤسسات وشخصيات ثقافية وسياسية عديدة في الاراضي الفلسطينية الشاعر الراحل محمود درويش، واعتبرت رحيله فاجعة وخسارة لا تعوض للثقافة العربية والانسانية جمعاء.

وعلى الجهة الاخرى لارض فلسطين التي اجبر درويش على مغادرتها بعد مضايقات وعمليات اعتقال عدة من قبل اسرائيل، اعتبر أدباء إسرائيليون ان درويش أصبح بعد خروجه من البلاد في العام 1972الشاعر الوطني للفلسطينيين، شاعر المنفى واللجوء.

ودعا الشاعر الإسرائيلي التقدمي إسحق لاؤور، في مقالة نشرها في صحيفة هآرتس، إسرائيل للموافقة على دفن محمود درويش في قريته، البروة. وقال: يتحدثون كثيرًا في العالم عن الاعتذار تجاه ضحايا الاحتلال والاقتلاع والتهجير، في أميركا وأستراليا وجنوب أفريقيا. وهنا لم يتحدثوا عن ذلك بعد. وربما في إمكان تشييع جثمان درويش إلى قريته أن يمثل بداية رحلة طويلة من التكفير عن الذنوب.

وراى لاؤور أن التاريخ كلّف درويش أن يؤدي دورا وهو أن يكون الشاعر الوطني.

وقال الأديب الإسرائيلي أ.ب. يهوشواع، في مقالة نشرها في صحيفة معاريف، امس الأحد، ان درويش، كان بالنسبة للإسرائيليين الصديق والخصم.

واضاف يهوشواع: أولاً وقبل كل شيء، كان محمود درويش شاعراً كبيراً، وامتلك عظمة شعرية حقيقية. حتى أن إنساناً مثلي قرأه عبر ترجمات أشعاره لا باللغة الأصلية كان في إمكانه أن يعجب بشكل عميق من مخزون الصور والأفكار الغنية لديه، ومن الحرية الشعرية التي سمح لنفسه بانتهاجها.

واعتبر محرر الشؤون العربية في هآرتس تسفي بارئيل ان عظمة درويش الأساسية هي في البلورة الشاعرية الثاقبة للذاكرة التاريخية الفلسطينية، خصوصاً فيما يتعلق بقضية اللاجئين، موضحا "في قصيدته الشهيرة (لماذا تركت الحصان وحيداً) أحيا العلاقة بين التهجير والآثار الحية التي أبقاها اللاجئون خلفهم وعنفوان حق العودة بواسطة رمزه، الحصان الذي بقي في الخلف، والبئر المتروكة ومفتاح البيت المهجور الموجود في جيب كل لاجئ.
وخلص بارئيل إلى القول: إن درويش المريض ترك أمس الفلسطينيين وحدهم ومضى من دون أن يرى اتفاق سلام بين الشعبين.

*****

شخصيات ومؤسسات وفعاليات رسمية وشعبية تنعى شاعر الثورة الفلسطينية محمود درويش

غزة - مها أبوعويمر:
فيما يبدو أنه الشخص الوحيد الذي يملك اجماعاً فلسطينية حوله في ظل الخلافات والصراعات الدائرة بين الفلسطينيين في الوقت الراهن، استقبل الفلسطينيون خبر وفاة الشاعر الفلسطيني العربي الكبير "محمود درويش" مثلما استقبل قصائده التي كانت تذهل وتبكي من شدة وقعها، فبكى البعض واستذكر البعض الآخر بعض كلماته وبات درويش الغائب الحاضر حديث الشارع الفلسطيني على اختلاف اطيافه.
وفور سماع نبأ وفاة "درويش سارعت الشخصيات الوطنية ورجالات العلم والادب والسياسة والمؤسسات والفعاليات الرسمية والشعبية إلى نعي فقيد فلسطين وشاعر ثورتها محمود درويش الذي وافته المنية مساء اول من امس السبت.

وزارة الثقافة الفلسطينية نعت الفقيد بالبيان التالي: "بقلوب دامعة نودّع الشاعر الكوني محمود درويش، الصائغ الأمهر، والمبدع الإستثنائي.. صاحب النشيد الهوميري، على هذه الأرض.. الذي منح بلادنا فضاء الحياة.. فأينعت كلماته على ترابنا سياقاً معرفياً تجاوز الأقاصي والأمداء.. ليحمل صوت شعبنا إلى حيث يكون العدل والحرية والإبداع".

"لاعب النرد.. الذي رأى موته مراراً.. وحاوره وداوره، بعناد الشاعر وبصيرة الرائي الفذّ والبليغ الكفّ.. ليؤكد قوة الإبداع في منازلة الطاغي الرجيم- الموت الناهب.. ولكنها لحظة الغياب والسفر في مرايا البياض.. "

ونعت مؤسسة الشهيد ياسر عرفات ومجلس أمنائها وإدارتها ورئيس المؤسسة "شاعر الثورة ورائد الثقافة الفلسطينية محمود درويش رفيق درب الرئيس الشهيد الخالد ياسر عرفات أبو عمار الذي انتقل إلى جوار ربه بعد رحلة مع المرض لم توقف مسيرته وعطاءه وظل يستمد من الحياة أجمل معانيها حاملا هموم شعبه وقضيته يطوف بها المنافي وذلك عن عمر يناهز 67عاماً قضى جلها دفاعا عن استقلال وحرية شعبه ومتمسكا بثوابة وعدالة قضيته".

كما ونعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" إقليم قلقيلية، بمزيد من الأسى المناضل الفلسطيني الكبير وشاعر المقاومة الاخ محمود درويش، الذي انتقل الى رحمة الله تعالى عن عمر ناهز 67عاما، بعد صراع مع الموت وتردي حالته الصحية بعد عملية جراحية معقدة في القلب.

وقالت الحركة يعد الشاعر محمود درويش أحد أهم الشعراء الفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، منوهة الى أن الشاعر الفقيد درويش هو من قام بكتابة إعلان الاستقلال الفلسطيني التي تم إعلانها في الجزائر.

اليوم ينضم محمود درويش الى كوكبة من عشرات ألوف الشهداء من المناضلين والشعراء والفنانين الذين جمعهم حبهم لفلسطين وقضية الوطن، فإن خسارة الشعب الفلسطيني لا تعوض.

وابرقت حركة "فتح" تعازيها ومواساتها الى عائلة وذوي الفقيد الكبير ونجم فلسطين الراحل محمود درويش"، سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا اليه راجعون.

كما ونعت الشرطة الفلسطينية امس في تصريح صحفي صادر عن مكتبها الإعلامي وفاة الشاعر الكبير محمود درويش والذي وافاه الأجل عن عمر ناهز 67عاما.

الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تنعى شاعر فلسطين الكبير محمود درويش

بقلوب يعتصرها الألم والحزن العميقين تنعى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين شاعر فلسطين والمقاومة، المناضل الوطني الكبير، محمود درويش، الذي غادرنا عن عمر يناهز ال 67عاماً بعد عملية جراحية في القلب.

لقد كان صوتاً إبداعياً وفكرياً، وسيبقى شعره وأدبه وكفاحه مدرسة تلهم الملايين من أبناء شعبنا؛ انطفأ النجم الأكثر إشعاعاً، وانتصر الموت على شاعرنا الكبير ابن فلسطين، قصيدة الوطن التي حفظناه عن ظهر قلب؛ نفتقد بعد اليوم شاعرنا الكبير وسنبقى نشير له بالبنان في كل ما كتب وكافح من أجله.

سيبقى إعلان الاستقلال الذي خطه درويش ببراعة سياسية ملهماً لنا في نضالنا وعلى العهد نواصل نحو الحرية الديمقراطية والاستقلال والعودة والعدالة الاجتماعية.

نتقدم من شعبنا وأسرة فقيدنا الكبير ومحبيه بأحر التعازي. ومعاً نحو النصر القادم ومهما طال الزمن ورغم الألم، فآخر الليل نهار.

اللجنة القيادية العليا لحركة فتح في قطاع غزة تنعى الشاعر الوطني الكبير درويش

نعت اللجنة القيادية العليا لحركة فتح وكافة كوادر وأعضاء ومناصري الحركة في المحافظات الجنوبية بمزيد من الحزن والأسى شاعر الثورة الفلسطينية محمود درويش الذي وافته المنية بعد عمر يناهز 67عاماً قضاها دفاعاً وخدمة عن القضية الفلسطينية بالكلمة في كافة المنابر والمواقع عبر العالم.

كما تتقدم بواجب العزاء والمواساة من الأخ الرئيس محمود عباس "ابومازن" رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية رئيس اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف ومن الإخوة قيادات وكوادر العمل الوطني ومن رفاق دربه الكتاب والشعراء والمثقفين ومن ذويه وأسرته وعائلته بأحر التعازي والمواساة،راجين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.

الجبهة العربية الفلسطينية تنعى رحيل المناضل الكبير وشاعر الثورة "محمود درويش"

بمزيد من الحزن والأسى تنعى الجبهة العربية الفلسطينية إلى الشعب الفلسطيني والى امتنا العربية المجيدة والى كافة مناضلي وأحرار العالم المناضل الوطني وشاعر فلسطين الكبير محمود درويش.

إن شعبنا الفلسطيني وقضيتنا الوطنية خسرت اليوم بفقدان شاعرنا الكبير محمود درويش رجلاً فذا ورائداً ومناضلاً كبيراً، فكان درويش وبحق صوت المقهورين والمناضلين والمدافعين عن حقوقهم وكرامتهم وكان صوت الثورة وشاعرها وزاد مقاتليها الذين حملوا البندقية بأيديهم وديوان شعر لمحمود درويش في قلوبهم وعقولهم يتغنون بأشعاره لتزيدهم قوة وبسالة وتمنحهم الأمل بنصر آت لا محال.

إن قلوبنا اليوم تعتصر ألماً برحيل الشاعر محمود درويش الذي قضى حياته مناضلاً من اجل فلسطين التي كانت حاضرة في قلبه وشعره ووجدانه يجول فيها العالم مدافعاً عن عروبتها وحقوق شعبها، متسلحاً بكلماته التي لا تنضب والتي تحولت على مر السنين إلى لازمة يرددها كل مثقفي العالم وبكل لغاتهم، فكانت قصائده وأشعاره وبحق احد أهم ميادين المواجهة مع العدو، وصوت الثورة الحقيقي المعبر عن إرادة الأمة وصلابة عزيمتها. ولعل عزاءنا الوحيد هو هذا الإرث الكبير الذي تركه لنا والذي يبقيه حياً في قلوبنا ووجداننا وعلى مر الأجيال.

إننا اليوم ونحن نودع شاعرنا الكبير محمود درويش فإننا نعاهده على مواصلة النضال من اجل تحقيق كامل أهداف شعبنا التي آمن بها وكرس حياته من اجل تحقيقها وفي مقدمتها حق العودة للاجئين الفلسطينيين وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، مؤكدين لروحه الطاهرة إن الأسس التي أرساها خلال حياته ومسيرته النضالية والثقافية ستبقى مناراً لكل المناضلين والمثقفين من اجل الحرية والكرامة الإنسانية.

كما نعت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فقيد الشعب الفلسطيني الشاعر الكبير محمود درويش الذي سخر إبداعه الأدبي والشعري للدفاع عن قضية شعبه العادلة.

وأكدت حركة الجهاد الإسلامي أنها ستبقى تذكر الراحل درويش بمداد الفخر والاعتزاز الذي سخر إبداعه الأدبي للدفاع عن قضية شعبه العادلة والذي تمكن من خلال ما انعم عليه الله من بلاغة وعقل أن يوصل عدالة قضية فلسطين للعالم. ونعى الأسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي بكل انتماءاتهم وأطيافهم السياسية والحزبية الشاعر الكبير محمود درويش، سائلين الله أن يلهم أسرته الصبر والسلوان وأن يكون عزاءهم بما قدم الشاعر الراحل لقضيته العادلة وشعبه الفلسطيني.

وأشار الأسرى إلى تأثر أدب السجون بدرويش وإبداعاته التي تؤكد أن الراحل درويش موهوب وصاحب فضاء واسع ويعيش في كل قصائده ويملك صدق التعبير والعاطفة لقضيته وشعبه الفلسطينيين.

بدورها؛ نعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على لسان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل الشاعر الفلسطيني درويش، معتبراً أن الأدب الفلسطيني فقد بوفاة درويش احدى ركائزه الأساسية، وأن الشعب الفلسطيني قادر على إنجاب المزيد من المبدعين في كل مجال لخدمة قضيته.

بيت عزاء

أما جمعية أفنان للثقافة وتنمية المجتمع دعت إلى اعتبار الشاعر الراحل درويش شهيد الثورة الفلسطينية وشهيد القلم والبندقية وحامل هموم الوطن، مؤكدة أن وفاته يعد "جرحاً عميقاً في صدر الشعب الفلسطيني الذي اعتاد عليه شاعراً مقاوماً بكل معنى الكلمة". ودعت أفنان كافة الشعراء والأدباء والكتّاب واليافعين والمثقفين والمهتمين وعامة الناس للمشاركة في تأدية واجب العزاء في "بيت عرس" شهيد القلم الشاعر محمود درويش والذي ستقيمه بمخيم النصيرات على مفترق شارع صلاح الدين.

*****

شعراء ونقاد سعوديون: درويش جزء من كل شاعر عربي

جدة - محمد باوزير:
"ثقافة اليوم" سجلت دهشة وانطباعات النخب الشعرية والثقافية بهذه الفجيعة التي تمثلت في رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش، فكانت هذه العبرات:
يتساءل الشاعر فيصل أكرم عن حال الشعر بعد رحيل درويش فيقول:

(لأن موتاً طائشاً ضل الطريق إليك)

هو حزن كبير يصطدم بقلب كل عربي يعرف قدر الشعر والشعراء.. حزن يدك قلوب الشعراء العرب جميعاً، على شاعرهم الأكبر والأشهر والأكثر أصالة وتطوراً..

محمود درويش لم يكن شاعراً يحمل الرقم (1) في قائمة الشعراء العرب فحسب، بل كان الممسك بلواء الشعر العربي في عصرنا الحديث، وهو جزء من كل شاعر عربي في عصرنا.

أما الشاعر محمد ابراهيم يعقوب فيقول:

لقد فجعنا جميعاً بخبر وفاة الشاعر الكبير محمود درويش، إن موت شاعر يقلل من منسوب الجمال في الحياة، ان درويش لم يكن قامة شعرية متفردة فحسب بل كان رمزاً إنسانياً وكان شعره يتلمس حالة الكون في كل لحظة.

لكن الناقد والاكاديمي عبدالله باقازي فيصف تجربة درويش بظاهرة شعرية، لكونه شكلها بتميز ضمن نسيج الشعر العربي بعامة، والشعر الحديث بخاصة واستطاع بموهبته الشعرية النادرة، أن يرسم ببراعة لهذه الظاهرة، لقد أتى درويش في ما بعد النصف من القرن العشرين وتجاوز العديد من الشعراء الذين سبقوه أو جايلوه، وانطلاقاً من المبدأ الفني الصانع للشاعر الحقيقي: (الشاعر من تجد عنده ما لا تجده عند غيره)، ويواصل باقازي قائلاً: جاء محمود درويش بالجديد في التشكيل والمضمون حتى عُد أفضل شاعر في الثلث الأخير من القرن العشرين، وبذا رسم لنفسه مكانة في خارطة الشعر العربي الحديث، وكانت القضية الفلسطينية هاجسه الأكبر وكان التشكيل المتجدد همه الأول حتى انه ليصعب رسم قاموس شعري محدد له إذ ان قصائده لا تشبه أي واحدة منها الأخرى بخلاف شاعر مثل نزار قباني قال قصيدة واحدة ومضى يكررها في مساره العام الشعري.

الشاعر والناقد الدكتور عبدالله الفيفي يصف تجربة درويش بأنها مدرسة مهمة في تاريخ الشعر العربي، ولعل من أبرز مميزاته أن الجماهيرية التي حظي بها لم تجرفه غالباً إلى التنازل عن لغة القصيدة وطموحاتها العليا إرضاء للمتلقي، وذلك ما وقع في غيره.

ويضيف الدكتور الفيفي حول وفاء محمود درويش لذاكرته الموسيقية فيقول: وعلى الرغم من تقبل درويش لتجربة قصيدة النثر - بوصفها شعراً - وخوضه في التنظير الخطابي لمفهوم "الشعرية"، كما يتضح من كلمته البيانية في الذكرى الأربعين لرحيل محمد الماغوط في دمشق 2006، فقد ظل أميناً لذاكرته الموسيقية الشعرية. ومع هذا فإن المتتبع لتجربة درويش سيلحظ أنه - بعد مشواره الطويل من القصيدة البيتية، إلى شعر التفعيلة، مروراً بما أسميته لديه ولدى غيره ب "شعر التفعيلات"، حيث المزج بين بعض الأنساق التفعيلية المتجاورة في دوائر العروض العربي - قد سار في أعماله الأخيرة إلى تنثير اللغة الشعرية. مثلما كان قد أخذ في أعماله الأخيرة يعتمد على شعرية المواقف، لا شعرية اللغة.

ويختتم الشاعر إبراهيم الوافي هذه الكلمات بعد أن صعقه خبر رحيل محمود درويش فقال:

كانت شاشة التلفاز صاعقة.. والخبر رعد التواريخ..
لقد رحل درويش فضاعت عناوين القصائد.. هكذا كان الصديق محمد الهويمل يقول.. فقلت
وكيف سنقرأ شعراً بعده..
يا الله!..
الموت هذا الغامض الكوني.. هذا الرابض الساديّ في ظلي
تقزز منه أطفال الحنين.. وعاهدته الناس في سلف القرى حزني!..
أمر ببابه الحجريّ يدخلني إليه فلا أعود!..
كانت رمال الله قبل مجيئه الأنهار والأشجار..
كانت لا تقايضنا الملوحة بانهمار الماء
كنا لم نضع في معجم الأسماء تفسير الوجود!.. الموت آخره الخلود!..
لا تغفو هذه الرؤيا في ردهة الذاكرة إلا كي أتذكرها كلما أموت..

أو حين أحيا بعدها!..
تماماً كما أن الموت ولادة تاريخ لا يعتني به كل من يموت قبله!..
علينا نسيان قصائد الرثاء عندما نموت!

عندما يرحل درويش هكذا فجأة على الأقل بالنسبة لكثير من الشعراء الذين لا يرغبون بمعرفة شيء عنه إلا ريادته، ولا يسألون عنه إلا قصائده.. سنتوقف كثيراً أمام ما يبدو للكثيرين آخر الجمال وآخر الأصالة، فدرويش النص المموسق.. ذاك الذي موسق الشارع، والمدينة، وحمامات الرواشين، هو ذاته من نثر رؤيا الشعر على أرصفة المارة، فاجتمعت عليه التيارات الشعرية وتنازعه الإعجاب المطلق..
وتبرز فلسفة الموت في حديث الوافي ليقول: حتى وإن تباكى الشعراء من الفقر، أو ترنّحت الظلال من دوخة الرقص، ودُوار التذكر!..

الرياض
11 اغسطس 2008