جريدة الوطن الكويتية

أكدوا ارتباطه بالأرض والقضية الفلسطينية محمود درويش باق في الذاكرة الجمعية العربية.. وشعره فوق النسيان

كتب هشام صلاح الدين وهنادي البلوشي:

أسلم الشاعر الفلسطيني محمود درويش الروح إثر تدهور حالته الصحية بعد اجراء عملية في القلب في مستشفى «ميموريال هيرمان» في الولايات المتحدة الامريكية.
كان الشاعر الراحل قد خضع لعمليتي قلب مفتوح عامي 1998/1984 وفي العملية الأخيرة احتاج الى اصلاح ما يقارب من 26 سنتميترا من الشريان الأورطي الذي تعرض لتوسع كبير تجاوز درجة الأمان الطبيعية.
ولد درويش عام 1941 في قرية البروة قضاءعكا التي تم تدميرها عام 1948 ليهاجر مع عائلته الى لبنان قبل أن تعود العائلة للاقامة في الجليل.
أجبر محمود درويش على مغادرة البلاد اثر اعتقاله عدة مرات، وعاد بعدما تم التوقيع على اتفاقيات السلام المؤقتة.
عرف درويش بقصائده الوطنية ومنها «سجل أنا عربي» و«وطني ليس حقيقة» و«لا تعتذر عما فعلت» وغيرها وصدر له مؤخراً كتاب يجمع بين الشعر والنثر عنوانه «أثر الفراشة» ما جعله أحد أهم الشعراء الفلسطينيين المعاصرين الذين امتزج شعرهم بحب الوطن وترجمت أعماله الى ما يقرب من 22 لغة وحصل على العديد من الجوائز العالمية.
لقب بشاعر المقاومة لتصويره حياة المعاناة للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي المخيمات والمنافي وقد استمع له الجمهور الفلسطيني في يوليو الفائت بعد غياب دام ثلاث سنوات في افتتاح مهرجان «وين ع رام الله» وقرأ مجموعة من قصائده الجديدة ومنها: «سيناريو جاهز» و«لاعب النرد».

تكريم

كرمت بلدية رام الله الشاعر الراحل باطلاق اسمه على احد أهم الميادين فيها في مايو الفائت وقد قال: «ليس من المألوف أن يكرم الاحياء، وهذه سابقة لا اعرف كيف استقبلها؟».
كما اصدرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية في يونيو الفائت طابعاً بريدياً يحمل صورة الشاعر الفلسطيني ودوره الكبير في احياء القضية الفلسطينية بمختلف انحاء العالم حيث ارسى لتجربته الابداعية خاصة في المشهد الشعري العربي والعالمي.
وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الحداد لمدة ثلاثة أيام في الاراضي الفلسطينية ناعياً عاشق فلسطين ورائد المشروع الثقافي الحديث واشاد عباس بانجازات الفقيد ومنها صياغته لوثيقة «إعلان فلسطين» التي صاغها عام1988 حيث قال: «ان هذه الوثيقة ستبقى مرشداً لنا ونبراساً لكفاحنا حتى يتحقق الحلم باقامة الدولة الفلسطينية ودحر الاحتلال».

تقول الاديبة والكاتبة د.فاطمة يوسف العلي رحيل هذه القامة العالية في الادب والشعر خسارة كبيرة.. فمحمود درويش احد رموزنا الثقافية.. لقد كان محمود صوتنا كلنا في القضية ومحمود درويش مدرسة بحد ذاته في الشعر العربي الجاد والجميل في حبه لوطنه ولامته.. محمود درويش الصامد الجميل، بحضوره وشعره لا يرحل فتنزف قلوبنا دما لا دمعاً وتتحجر دموعنا في المآقي فمثله قليل في الشعر العربي. نحن حزانى وجداً حزانى رحمة الله عليه فقد كان أمة، كان مدرسة، وبحرا من الشعر المتدفق لم ولن ينضب في ذاكرة الامم والشعوب والعزاء لمحبيه ومريديه.
أما المبدع والكاتب د.سليمان الحزامى فيقول: كشاعر متمكن اثرى الساحة بلسان فصيح ومعبر عن مسيرة الثورة الفلسطينية وهو مجدد في الشعر العربي الحديث وابرز من جدد الشعر، ويسجل له دوره الحماسي في القضية الفلسطينية وسيظل رمزاً من رموز الادب العربي والفلسطيني وانا أقرأ اشعاره وكنت اتمنى ان يستمر في عطائه ولا استطيع اعطاءه حقه بكلمات محدودة.. والبقاء لله وحده.

تجديد وتأثير

ويقول الاديب والشاعر د.خليفة الوقيان: لقد فقدت الحركة الشعرية العربية بغياب الراحل محمود درويش واحداً من رموز التجديد ونموذج من نماذج الشعر الفلسطيني وقد ظل طوال العقود المنصرمة مؤثرا في جماهير الشعر ومحل اهتمام الناقدين والباحثين ولعل السبب يرجع الى اهتمامه بتطوير تجربته الفنية من جهة والتزامه بقضية وطنه فلسطين من جهة ثانية ويعد رحيله خسارة كبيرة اذ لا يزال في قمة عطائه ونضوجه.
أما الاديب ورئيس رابطة الادباء حمدالحمد فيقول: يفتقد المرء مثل هذا الشاعر في زمننا، وقد فقدنا في الآونة الاخيرة عدداً من ابرز الاسماء في مجال الثقافة،إنها خسارة للادب والمثقفين وقد كان الراحل صوت فلسطين في المحافل الدولية، واشعاره يتداولها العامة قبل الخاصة، الصغار قبل الكبار ورابطة الادباء الكويتية بدورها تأسف لفقدانه وترجوا ان تستمر اشعاره لتحيي ذكراه.

القضية

ويقول الشاعر الشاب ماجد الخالدي: محمود درويش كان سببا من اسباب التفاؤل في بقاء الادب على قيد الحياة، والكثير من الناس يحسون بأن قراءاتهم له دليل على انهم مرتبطون بالثقافة ويعتبرون قراءتهم لاشعاره فخرا لهم ووساماً يزين صدورهم.
وقد كان محمود درويش جبهة كبيرة لمواجهة الادب الهابط، وقد راهن على الحداثة ونجح بشهادة الالاف ممن يحضرون امسياته ويكفي انه حمل لواء القضية الفلسطينية العربية بطريقة واعية ناضجة حضارية ويبقى الكبير كبيراً في حياته ومماته ويحضرني بيت الشاعر القائل:

علو في الحياة وفي الممات
بحق أنت إحدى المعجزات
كأنك واقف فيهم خطيباً
وهم وقفوا قياماً للصلاة
... وما ضل الموت طريقه

أما الشاعر والكاتب مختار عيسى فيقول هل يموت الشعراء؟ من المؤكد ان الموت سيف مسلط على كل حي، ومن المؤكد كذلك ان محمود درويش شأنه شأن كل الاحياء لم يكن بقادر على الفرار من الموت الذي اتهمه أكثر من مرة بانه ضل الطريق اليه.
لكنه -الموت- لم يكن ليضل طريقا الى الشاعر الذي ظل طوال عمره باحثا عن الحياة، يرفض ان يكون كغيره مجرد سطر في دفتر الذاكرة العربية المثقل بالملايين من القصائد والشعراء الذين حملوا على عواتقهم مغازلة فتاة الخلود الماردة المتمردة، القصيدة الحلم.
لم يكن درويش شاعرا عابرا، ولن يكون شعره كذلك، فالرجل الذي صار منذ قصائده الاولى علامة على قدرة الشعر والشعراء على احياء الذاكرة واشعال الهوية، وتأكيد الحضور الفردي والجمعي في آن عبر قصيدة لا تشبه الا نفسها ولا ترتدي الا عباءتها لا يمكن ان يمر على الذاكرة الشعرية والنقدية العربية دون أن يحمل مروره مأساة وطن، وقيامة شعب، وحضور قضية.
ومن المؤكد ان القصيدة الدرويشية صناعة فلسطينية محض، اخذت من تراب وطنه السليب عجينتها الاولى، وارتوت بدماء شهداء دفعوا اعمارهم ثمنا لحرية هي الكون كله عند شرفاء يدركون ما للاوطان من قيمة، وما للمقاومة من حضور. واستطاع درويش عبر دواوينه المتعددة ان يكون مدرسة شعرية ظلت تخرج -كالعفريت- لكل من حاول اللعب على اوتار المأساة الفلسطينية، بل ولمن رفعوا الغناء سلاحا شعريا والدراما طريقا فنية عبر نص غني بالحضور الشعبي العالي رغم ذاتية كادت تغلقه على «الانا» الدرويشية العالية.
كان درويش شاعرا للقضية، وغيابه دون شك سيصبح الى حين قضية الشعراء.
رحم الله الشاعر الكبير، وعزاؤنا ان قصائده ستظل على وهجها -رغم انطفاءات فردية وجمعية- املا في غد اكثر اشراقا وأمنا، وانسان تحرر من سيطرة الجيوبوليتيكا على مقدراته الحياتية، وفخاخ تنصبها كل يوم أبواق الدجل الثقافي والنقدي العربي الاختزالي وأصحاب الكليبات الثقافية!

من قصيدة الآن.. في المنفى

الآن.. في المنفى.. نعم في البيت،
في الستين من عمر سريع
يقدون الشمع لك
فافرح، بأقصى ما استطعت من الهدوء،
لأن موتا طائشا ضل الطريق إليك
من فرط الزحام... وأجلك
قمر فضولي على الأطلال،
يضحك كالغبي
فلا تصدق أنه يدنو لكي يستقبلك
هو، في وظيفته القديمة، مثل آذار
الجديد... أعاد للأشجار أسماء الحنين
وأهملك.
فلتحتفل مع أصدقائك بانكسار الكأس،
في الستين لن تجد الغد الباقي
لتحمل على كتف النشيد.. ويحملك
قل للحياة، كما يليق بشاعر متمرس:
سيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهن
وكيدهن. لكل واحدة نداء ما خفي
.. هيت لك/ما أجملك!
سيري ببطء، يا حياة، لكي أراك
بكامل النقصان حولي. كم نسيتك في
خضمك باحثا عني وعنك. وكلما أدركت
سرا منك قلت بقسوة: ما أجهلك!
قل للغياب: نقصتني
وأنا حضرت... لأكملك!

الوطن
الاثنين 11/8/2008

***

جريدة الوطن الكويتية

أكدوا ارتباطه بالأرض والقضية الفلسطينية

محمود درويش باق في الذاكرة الجمعية العربية.. وشعره فوق النسيان
كتب هشام صلاح الدين وهنادي البلوشي:

أسلم الشاعر الفلسطيني محمود درويش الروح إثر تدهور حالته الصحية بعد اجراء عملية في القلب في مستشفى «ميموريال هيرمان» في الولايات المتحدة الامريكية.
كان الشاعر الراحل قد خضع لعمليتي قلب مفتوح عامي 1998/1984 وفي العملية الأخيرة احتاج الى اصلاح ما يقارب من 26 سنتميترا من الشريان الأورطي الذي تعرض لتوسع كبير تجاوز درجة الأمان الطبيعية.
ولد درويش عام 1941 في قرية البروة قضاءعكا التي تم تدميرها عام 1948 ليهاجر مع عائلته الى لبنان قبل أن تعود العائلة للاقامة في الجليل.
أجبر محمود درويش على مغادرة البلاد اثر اعتقاله عدة مرات، وعاد بعدما تم التوقيع على اتفاقيات السلام المؤقتة.
عرف درويش بقصائده الوطنية ومنها «سجل أنا عربي» و«وطني ليس حقيقة» و«لا تعتذر عما فعلت» وغيرها وصدر له مؤخراً كتاب يجمع بين الشعر والنثر عنوانه «أثر الفراشة» ما جعله أحد أهم الشعراء الفلسطينيين المعاصرين الذين امتزج شعرهم بحب الوطن وترجمت أعماله الى ما يقرب من 22 لغة وحصل على العديد من الجوائز العالمية.
لقب بشاعر المقاومة لتصويره حياة المعاناة للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي المخيمات والمنافي وقد استمع له الجمهور الفلسطيني في يوليو الفائت بعد غياب دام ثلاث سنوات في افتتاح مهرجان «وين ع رام الله» وقرأ مجموعة من قصائده الجديدة ومنها: «سيناريو جاهز» و«لاعب النرد».

تكريم

كرمت بلدية رام الله الشاعر الراحل باطلاق اسمه على احد أهم الميادين فيها في مايو الفائت وقد قال: «ليس من المألوف أن يكرم الاحياء، وهذه سابقة لا اعرف كيف استقبلها؟».
كما اصدرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية في يونيو الفائت طابعاً بريدياً يحمل صورة الشاعر الفلسطيني ودوره الكبير في احياء القضية الفلسطينية بمختلف انحاء العالم حيث ارسى لتجربته الابداعية خاصة في المشهد الشعري العربي والعالمي.
وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الحداد لمدة ثلاثة أيام في الاراضي الفلسطينية ناعياً عاشق فلسطين ورائد المشروع الثقافي الحديث واشاد عباس بانجازات الفقيد ومنها صياغته لوثيقة «إعلان فلسطين» التي صاغها عام1988 حيث قال: «ان هذه الوثيقة ستبقى مرشداً لنا ونبراساً لكفاحنا حتى يتحقق الحلم باقامة الدولة الفلسطينية ودحر الاحتلال».

تقول الاديبة والكاتبة د.فاطمة يوسف العلي رحيل هذه القامة العالية في الادب والشعر خسارة كبيرة.. فمحمود درويش احد رموزنا الثقافية.. لقد كان محمود صوتنا كلنا في القضية ومحمود درويش مدرسة بحد ذاته في الشعر العربي الجاد والجميل في حبه لوطنه ولامته.. محمود درويش الصامد الجميل، بحضوره وشعره لا يرحل فتنزف قلوبنا دما لا دمعاً وتتحجر دموعنا في المآقي فمثله قليل في الشعر العربي. نحن حزانى وجداً حزانى رحمة الله عليه فقد كان أمة، كان مدرسة، وبحرا من الشعر المتدفق لم ولن ينضب في ذاكرة الامم والشعوب والعزاء لمحبيه ومريديه.
أما المبدع والكاتب د.سليمان الحزامى فيقول: كشاعر متمكن اثرى الساحة بلسان فصيح ومعبر عن مسيرة الثورة الفلسطينية وهو مجدد في الشعر العربي الحديث وابرز من جدد الشعر، ويسجل له دوره الحماسي في القضية الفلسطينية وسيظل رمزاً من رموز الادب العربي والفلسطيني وانا أقرأ اشعاره وكنت اتمنى ان يستمر في عطائه ولا استطيع اعطاءه حقه بكلمات محدودة.. والبقاء لله وحده.

تجديد وتأثير

ويقول الاديب والشاعر د.خليفة الوقيان: لقد فقدت الحركة الشعرية العربية بغياب الراحل محمود درويش واحداً من رموز التجديد ونموذج من نماذج الشعر الفلسطيني وقد ظل طوال العقود المنصرمة مؤثرا في جماهير الشعر ومحل اهتمام الناقدين والباحثين ولعل السبب يرجع الى اهتمامه بتطوير تجربته الفنية من جهة والتزامه بقضية وطنه فلسطين من جهة ثانية ويعد رحيله خسارة كبيرة اذ لا يزال في قمة عطائه ونضوجه.
أما الاديب ورئيس رابطة الادباء حمدالحمد فيقول: يفتقد المرء مثل هذا الشاعر في زمننا، وقد فقدنا في الآونة الاخيرة عدداً من ابرز الاسماء في مجال الثقافة،إنها خسارة للادب والمثقفين وقد كان الراحل صوت فلسطين في المحافل الدولية، واشعاره يتداولها العامة قبل الخاصة، الصغار قبل الكبار ورابطة الادباء الكويتية بدورها تأسف لفقدانه وترجوا ان تستمر اشعاره لتحيي ذكراه.

القضية

ويقول الشاعر الشاب ماجد الخالدي: محمود درويش كان سببا من اسباب التفاؤل في بقاء الادب على قيد الحياة، والكثير من الناس يحسون بأن قراءاتهم له دليل على انهم مرتبطون بالثقافة ويعتبرون قراءتهم لاشعاره فخرا لهم ووساماً يزين صدورهم.
وقد كان محمود درويش جبهة كبيرة لمواجهة الادب الهابط، وقد راهن على الحداثة ونجح بشهادة الالاف ممن يحضرون امسياته ويكفي انه حمل لواء القضية الفلسطينية العربية بطريقة واعية ناضجة حضارية ويبقى الكبير كبيراً في حياته ومماته ويحضرني بيت الشاعر القائل:

علو في الحياة وفي الممات
بحق أنت إحدى المعجزات
كأنك واقف فيهم خطيباً
وهم وقفوا قياماً للصلاة
... وما ضل الموت طريقه

أما الشاعر والكاتب مختار عيسى فيقول هل يموت الشعراء؟ من المؤكد ان الموت سيف مسلط على كل حي، ومن المؤكد كذلك ان محمود درويش شأنه شأن كل الاحياء لم يكن بقادر على الفرار من الموت الذي اتهمه أكثر من مرة بانه ضل الطريق اليه.
لكنه -الموت- لم يكن ليضل طريقا الى الشاعر الذي ظل طوال عمره باحثا عن الحياة، يرفض ان يكون كغيره مجرد سطر في دفتر الذاكرة العربية المثقل بالملايين من القصائد والشعراء الذين حملوا على عواتقهم مغازلة فتاة الخلود الماردة المتمردة، القصيدة الحلم.
لم يكن درويش شاعرا عابرا، ولن يكون شعره كذلك، فالرجل الذي صار منذ قصائده الاولى علامة على قدرة الشعر والشعراء على احياء الذاكرة واشعال الهوية، وتأكيد الحضور الفردي والجمعي في آن عبر قصيدة لا تشبه الا نفسها ولا ترتدي الا عباءتها لا يمكن ان يمر على الذاكرة الشعرية والنقدية العربية دون أن يحمل مروره مأساة وطن، وقيامة شعب، وحضور قضية.
ومن المؤكد ان القصيدة الدرويشية صناعة فلسطينية محض، اخذت من تراب وطنه السليب عجينتها الاولى، وارتوت بدماء شهداء دفعوا اعمارهم ثمنا لحرية هي الكون كله عند شرفاء يدركون ما للاوطان من قيمة، وما للمقاومة من حضور. واستطاع درويش عبر دواوينه المتعددة ان يكون مدرسة شعرية ظلت تخرج -كالعفريت- لكل من حاول اللعب على اوتار المأساة الفلسطينية، بل ولمن رفعوا الغناء سلاحا شعريا والدراما طريقا فنية عبر نص غني بالحضور الشعبي العالي رغم ذاتية كادت تغلقه على «الانا» الدرويشية العالية.
كان درويش شاعرا للقضية، وغيابه دون شك سيصبح الى حين قضية الشعراء.
رحم الله الشاعر الكبير، وعزاؤنا ان قصائده ستظل على وهجها -رغم انطفاءات فردية وجمعية- املا في غد اكثر اشراقا وأمنا، وانسان تحرر من سيطرة الجيوبوليتيكا على مقدراته الحياتية، وفخاخ تنصبها كل يوم أبواق الدجل الثقافي والنقدي العربي الاختزالي وأصحاب الكليبات الثقافية!

من قصيدة الآن.. في المنفى

الآن.. في المنفى.. نعم في البيت،
في الستين من عمر سريع
يقدون الشمع لك
فافرح، بأقصى ما استطعت من الهدوء،
لأن موتا طائشا ضل الطريق إليك
من فرط الزحام... وأجلك
قمر فضولي على الأطلال،
يضحك كالغبي
فلا تصدق أنه يدنو لكي يستقبلك
هو، في وظيفته القديمة، مثل آذار
الجديد... أعاد للأشجار أسماء الحنين
وأهملك.
فلتحتفل مع أصدقائك بانكسار الكأس،
في الستين لن تجد الغد الباقي
لتحمل على كتف النشيد.. ويحملك
قل للحياة، كما يليق بشاعر متمرس:
سيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهن
وكيدهن. لكل واحدة نداء ما خفي
.. هيت لك/ما أجملك!
سيري ببطء، يا حياة، لكي أراك
بكامل النقصان حولي. كم نسيتك في
خضمك باحثا عني وعنك. وكلما أدركت
سرا منك قلت بقسوة: ما أجهلك!
قل للغياب: نقصتني
وأنا حضرت... لأكملك!

الوطن- الاثنين 11/8/2008