جريدة اليوم السعودية
مثقفون: محمود درويش شاعر القضية والالتزام بالألم الإنساني
ألباب كاظم - الدمام
نَعَى الشعر العربي مساء السبت الماضي شاعره الكبير محمود درويش المولود في قرية البروة في فلسطين عام 1942م بعد إجراء عملية له في القلب في أمريكا، ويُعدٌّ درويش من أهم الشعراء الذين ارتبط اسمهم بالثورة وحب الوطن والانتصار للمقهورين ،حمل قضية الشعب الفلسطيني وقضية الأرض المغتصبة في شعره وثقافته ولغته فكانت قضيته هي الينبوع الشعري التي غرفت منه مجمل قصائده... تفيد المصادر أن الشاعر الرائد والمجدد سبق وأجريت له عمليتان في القلب في عامي 1984و1998 والتي كتب على إثرها قصيدته الشهيرة المسماة «جدارية»،جاءت وفاته غير متوقعة عن سبعة وستين عاما حافلة بالعطاء في ميدان الثقافة والأدب ...ترجمت أعماله إلى ما يقرب من اثنين وعشرين لغة وحاز على العديد من الجوائز العالمية وتقلّد خلالها مناصب متنوعة.
استطلعت (اليوم) آراء بعض المثقفات والمثقفين حول رحيل هذا الشاعر الكبير فطالعنا القاص جبير المليحان بقوله: «محمود درويش هو الشاعر الأول في لغة الضاد،الشاعر المجدد والبارز الذي استوعب الهم العربي البائس في جلّ قصائده...وقصيدته الأخيرة حكت عن نفسه وعن الموت وكأنه رأى نهايته قد اقتربت،فرحيل هذا الشاعر العالمي خسارة لا يمكن التعويض عنها بما يمثله من تطلعات وآمال تمسّ الشعوب العربية».
وفسّر المليحان جماهيرية درويش ومكانته الشعرية المرموقة بما حمله ونادى به في شعره من قضايا هامّة وما طرحه من أحلام تطلعت إلى حرية الإنسان وتقدّمه... وأضاف: «وسيبقى هذا الشاعر رمزًا ورسالةً،خاصّةً في قصيدته القديمة المتجددة «سجّل أنا عربي».
بينما رأت الشاعرة ثريا العريض في رحيله مفاجأة مؤلمة،وفيه شاعرها المفضل وقالت: «وكأني لم أقرأ قصائده الأخيرة وحواره العميق مع الموت بعد أن ظل يحاور الحياة عن معنى وجوده المستلب،وربما نحن نرفض أن نتوقع حدوث ما لا نود،عشقت شعره وهو الوحيد الذي شعرت ببصمته العميقة في تأثري بالشعر بعد نضجي كشاعرة،وكتبت قصيدة مهداة له بعد ديوانه(لماذا تركت الحصان وحيدا)رحمه الله،كان فعلا يتواصل مع مشاعره الحقيقية دون أقنعة أو ستار أو رتوش» وتساءلت العريض عن متى سيأتي شاعر حقيقي آخر يُبقي الفرق بين الشعر والتشاعر واضحًا ومحسوسًا ويتنفس شعرًا دون أن يشغله المتلقي أو الناقد...
وعبّر القاص والناقد أحمد بوقري قائلاً: «الشاعر محمود درويش وقد اختطفه القاتل «البرئ»:الموت،بعد أن عاد منه قبل سنوات وسطّر فيه جداريته الفذّة،ماذا بوسعنا أن نقول عن محمود درويش الذاهب توَّا إلى «حضرة الغياب»؟ هل نقول إنه الشاعر الذي لم يستحقه شعبه المنكوب وحده بل استحقه أيضًا الإنسان المبتهج باللحظة الشعرية وانبثاقاتها في كل مكان،في كل صقع إبداعي؟هل نقول:إنه الشاعر الذي تجاوز معنى الالتزام بالمكان والقضية وطور معنى الالتزام السياسي الضيق؛ليكون في سعة الالتزام بالألم الإنساني المتوحد والمتعدد؟» لافتًا إلى صورة الالتزام الفني الشعري التي طورها درويش ليكون بمثابة قصيدة مطلقة يتوسع بين جنباتها مشهد الآلام البشرية كلها ويصعد فيها صورة المكان الضيق والمنكوب إلى صورة الكون المتشظي في اللغة والتخييل الشعري،وتابع بوقري: «هل نقول إنه المنشد الملحمي الذي أخذ العالم الشعري كله إلى ساحات البروة ليصغي إليه وهو ينشد تغريدته الأخيرة «لاعب النرد»التي قال في ختامها: ومن حسن حظي أن أنام وحيداً/ فأصغي إلى جسدي/وأصدق موهبتي في اكتشاف الألم/ فأنادي الطبيب قبيل الوفاة بعشر دقائق/عشر دقائق تكفي لأحيا مصادفة/ وأخيب ظن العدم/من أنا لأخيب ظن العدم؟/ من أنا؟ من أنا؟».
ووجد الشاعر عبد الوهاب الفارس في الشاعر محمود درويش رمزًا شعريًا حيث رحيل الرمز يُشكّل فقدًا وفراغًا كبيرًا في ميدان الشعر،خاصّةً إذا كان ذلك الشعر أصيلاً،ومناضلاً،ورائعًا، ووجّه الفارس رسالة إلى الشعراء بقوله: «أتمنى من الشعراء الذين ينعون اليوم محمود درويش ويمتدحونه أن يأخذوا ولو قليلاً من مسيرته وكفاحه وشعره ونضاله» وبيّن أن الشعراء يعزّون أنفسهم قبل كل شيء برحيل درويش الذي يعلم الناس عدم المساومة ومستشهدا من شعره قال: «إنني عدت من الموت لأحيا/فدعيني استعر صوتي من جرحٍ توهج/لأغنِّي/إنني مندوب جرحٍ لا يساوم/علمتني ضربة الجلاّد أن أمشي على جرحي/وأمشي ثم أمشي وأقاوم».
في حين وصف د. ظافر الشهري الشاعر محمود درويش بأنه شاعر النضال وأضاف: «عاش فترة طويلة من حياته وهو يغرّد بشعره في سماء الحديث عن الوطن والقضية،وأفنى ردحًا من الزمن في هذا الجانب،فهو الفلسطيني الذي عاصر القضية الفلسطينية في أحلك ظروفها وفي أسوأ فتراتها،فلا شكّ أن رحيله يمثّل خسارة كبيرة للشعر العربي في عصرنا الحديث». وأوضح الشهري أن عزاءنا فيه هو ما تركه لنا من نتاج شعري كبيرولعل من أجمل ما قرأت له قصيدة(ريتا)ويقول فيها:»آه،ريتا/أيّ شيء ردّ عن عينيك عينيّ/سوى اغفاءتين/وغيومٍ عسليّة/قبل هذي البندقية».
بينما لفت الناقد محمد بودي إلى كون محمود درويش يمثّل مدرسة شعرية وأكمل: «حملت على عاتقها الدفاع عن قضية شعب ومصير أمة حملها بين جوانحه وطاف بها في أرجاء المعمورة فبرحيل درويش فقدنا ديوانًا عربيًا قلمّا يتكرر في هذا الوقت الذي أخذ فيه العديد من المبدعين التخلي عن الكلمة الصادقة وعن الشعر الذي يُحلِّق بالهموم وقضايا الأمة،فلاشكّ أن المصاب كبير،وأن الخسارة لا تعوّض سيّما على عُشِّاق الشِّعر».
****
الجامعة العربية تنعى الشاعر الفلسطيني محمود درويش
محمد إسماعيل – القاهرة
نعت الجامعة العربية بمزيد من الأسي والحزن على لسان الأمين العام المساعد للشئون الفلسطينية السفير محمد صبيح، إلى المثقفين العرب والشعب الفلسطيني والعالمين العربي والإسلامي، وكل محبي السلام والحرية في العالم،، الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش « 67 عاما «، الذي وافته المنية أثناء خضوعه لعملية قلب مفتوح في مستشفى بولاية تكساس الاميركية. قال صبيح: يعز على النفس أن تنعى غياب أحد أبرز رموز الثقافة الإنسانية المعاصرة ، الشاعر الكبير محمود درويش، شاعر الوطن والثورة، شاعر الأرض والحياة، عاشق فلسطين، فارس فرسانها، ورائد المشروع الثقافي الفلسطيني الحديث، والقائد الوطني اللامع والمعطاء، مؤكدا أن رحيله سيترك فراغا كبيرا في حياتنا الثقافية والسياسية والوطنية، لن يملأه سوى أولئك المبدعين، الذين تتلمذوا في مدرسته، وتمثلوا أشعاره وكتاباته وأفكاره، وسيواصلون حمل رسالته الإبداعية لهذا الجيل وللأجيال القادمة، مشيرا إلى أن الشاعر الراحل محمود درويش، كان وسيظل عنوانا لإرادة شعبه في الحرية والاستقلال، وسيبقى إعلان الاستقلال الفلسطيني، الذي صاغه شاعرنا العظيم عام 1988 مرشدا لنا ونبراسا لكفاحنا، حتى يتحقق حلمه في أن يرى وطنه مستقلا ومزدهرا بعد أن يرحل الاحتلال عن أرضه.
وأوضح صبيح أن الفقيد الكبير ناضل وأمضى سنوات عمره مدافعا عن الثقافة الوطنية التقدمية للشعب الفلسطيني، في مواجهة محاولات التبديد والطمس للهوية والثقافة الفلسطينية، ورغم انحيازه الواضح وكفاحه الطويل من أجل تجسيد هوية شعبه وحقه في الحرية والاستقلال، إلا أن إنسانيته العميقة التي ملكت الأرض وأبعادها ظلت دوما هي الرابط بين درويش ابن فلسطين البار ودرويش شاعر الإنسانية المعاصر، لافتا إلى أن أشعاره ظلت تحمل قضية ومعاناة وطموحات شعبه وبلاده، بوديانها وجداولها وسهولها وجبالها، إلى كل أرباع الكون، وكل اللغات، لترسم صورة الإنسان الفلسطيني.
والشاعر محمود درويش الذي يعد من الشعراء العرب القلائل الذين كتبوا نثرا لا يقل في صفائه وجماله عن الشعر ولا تخلو نصوصه من روح الشعر ، ولد عام 1941 في قرية البروة إلى الشرق من ساحل سهل عكا، ثم لجأ عام 1948 إلى لبنان وبقي هناك عاما واحدا ثم عاد وبقي في قرية دير الأسد شمال مجد كروم في الجليل لفترة قصيرة استقر بعدها في قرية الجديدة شمال غرب قريته البروة.
أكمل درويش تعليمه الابتدائي بعد عودته من لبنان في مدرسة دير الأسد، والثانوي في قرية كفر ياسيف، ثم انضم إلى الحزب الشيوعي داخل الأراضي المحتلة، وبعد إنهائه تعليمه الثانوي، انخرط في كتابة الشعر والمقالات في الصحف لاسيما صحيفة « الاتحاد « والمجلات مثل « الجديد « التي أصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها، كما اشترك في تحرير جريدة « الفجر « . . وقد اعتقل الراحل أكثر من مرة منذ عام 1961 بتهم تتعلق بنشاطاته السياسية، حتى عام 1972 حيث نزح إلى مصر وانتقل بعدها إلى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وقام الراحل بكتابة إعلان استقلال فلسطين في الجزائر عام 1988، كما شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين ، وقد ترجمت أعماله لاكثر من 20 لغة ، وكرم في دول عربية وأجنبية ونال جوائز منها جائزة لوتس عام 1969 ، جائزة البحر المتوسط عام 1980 ، ودرع الثورة الفلسطينية عام 1981 ولوحة أوروبا للشعر عام 1981 ومن الاتحاد السوفيتي جائزة ابن سينا عام 1982 وجائزة لينين عام 1983، كما فاز عام 2007 بجائزة ملتقى القاهرة الاول للشعر العربي.
ومن مؤلفات درويش: عصافير بلا أجنحة « شعر « ، أوراق الزيتون « شعر «، عاشق من فلسطين « شعر «، آخر الليل « شعر « ، مطر ناعم في خريف بعيد «شعر» ، يوميات الحزن العادي « خواطر وقصص « ، يوميات جرح فلسطيني « شعر « ، حبيبتي تنهض من نومها « شعر « ، محاولة رقم 7 « شعر « ، احبك أو لا احبك « شعر « ، مديح الظل العالي « شعر «، هي أغنية ... هي أغنية « شعر «، لا تعتذر عما فعلت « شعر «، عرائس، العصافير تموت في الجليل، تلك صوتها وهذا انتحار العاشق، حصار لمدائح البحر « شعر « ، شيء عن الوطن « شعر « ، وداعا أيها الحرب وداعا أيها السلم « مقالات».
اليوم
11 اغسطس 2008