منذ ستين عاما "يرى" كل ما سيجيء
وكنا نرى معه حلمنا وكوابيسنا
منذ ستين عاما
عصافيره في الجليل بلا أجنحة
بعد ستين كأسا تجرعها واحدا واحداً
بين سجن ومنفى
ترجل هذا الفتى
مثل ما يترجل فرسان ملحمة
يذهبون إلى ساحة الموت
كي لا يباغتهم موتهم نائمينْ
منذ ستين أغنية
ظل يرفع مملكة الشعر
في وطن الأنبياء
ويرفع مملكة العشق
في وطن العاشقين المجانين
سار على الماء
من بئر قريته في البنفسج
والزعتر البلدي
وحتى فنادق باريس
سار إلى أمه:
خبزها ودفاتر قهوتها
ساخر خاسر
ساحر
بالغموض يخبئ أنفاسه
أين يذهب هذا المغامر
في رحلة ستطول
وهل عاد عوليس
يسكن أرض الحضارات؟
"أرض البدايات/ أرض النهايات"
أرضا تسمى فلسطين
أرض القصيدة
أرض الأساطير
أرض الخلودْ
لم يهيلوا الظلام على قمر الشعراء
فهاهو يجلس بين قصائده
ساطعا
يحتسي قهوة العمر ممزوجة بالمزاج الإلهيّ
هاهي أرض قصيدته
ترتوي من نبيذ الإلهات والشعر
كي تمطر الشعرَ في أرضنا شجرا وعصافير
تشعل نارا ونورْ
وأنا من شربت رحيق قصائده
من ثلاثين عاما
أظل أرى شاعرا حاضرا في الغيابْ
وأظل أرى أثرا لفراشته
أتجول في حقله
وسنابل أشعاره
وهو يمضي،
بخفة ظل وحيد،
بضربة نرد،
ونص رماه إلينا
وقال لنا:
أكملوه،
فمن سوف يجرؤ
أن يكمل النص،
نص النصوص،
وأن يضع القافيةْ
سأظل أراه غماما وشعرا
على عرشه في سماء الزمنْ
وأرى في خزائنه ذكريات الدهور
أرى ذكريات الوطنْ
أتذكره في صباح الفنادق
بين صباحات عمان
أذكر قهوته وهو يشكو الزمان
ويشكو برودة هذا المكان وغربته
كان يهذي قرى في فلسطين
يذكر بيروت
يهذي دمشق وبابل، تونس، باريس، والقيروان
وقرطاج،
طنجة، والقاهرة
كان يهذي رماد الفنادقْ
كان يهذي بخمسين عاما من الشعر والأغنيات
كأنْ لم يقل ما أرادْ
- أنت قلتَ الكثير،
أقول له،
أنت قلت الكثير الذي لم يقُلْه سواكْ
• رغم ذاكْ
فأنا لم أقُلْ ما أريدْ
لم اقل قصتي
لم أقل رحلتي
لم أقل غير بيت صغير عن الأم
قلت الكثير عن الموت
لكنني لم أقل غير سطر قصير عن الحب
قلت النساء جميعا
وما قال شعري سوى امرأة واحدة
لم أقل غير بعض الذي كنت أرغب في قوله
لم أقل غير بيت صغير من الملحمةْ
كان ملحمة من ملاحمنا
كان يطلب صدرا ليرضعه من حليب البلادْ
ومضى ليقيم، وحيدا، طقوس روايته الخالدةْ
20-8-2008