(مقالاتٌ مجهولةٌ لم يَنْشُرْها في كِتَابٍ)

أَحْمَدُ الشِّهاوي

[1]

يَذْكُرُ رجاء النقَّاش في مقالٍ لَهُ نَشَرَهُ في مجلة "المصوّر" المصرية بتاريخ 22 من ديسمبر 1967 ميلادية أنَّ لمحمود درويش ديوانًا أوَّل عنوانه "للعصافير أجنحة"، ويشير في المقال التالي – بعد أسبوع - أنَّ عنوانه "عصافير بلا أجنحة"، وأنه منشورٌ في إسرائيل، وأنَّ ديوانه الثاني هو "عَاشِقٌ من فلسطين"، بينما محمود درويش يُثْبِتُ دائمًا في ثَبْتِ كُتُبِهِ "أَوْرَاقُ الزيتون" ديوانًا أوَّل لُهُ، و"عَاشِقٌ من فلسطين" ديوانًا ثاَنيًا، فَهَل شَطَبَ محمود أو أَلْغَى عَمَلَهُ الشِّعْريُّ الأوَّل، مثلما فعل ذلك عَدَدٌ من الشُّعراء بعد ذيوعِ صوتهم، وانتشارِ اسمهم، وعلى رأسهم أدونيس، عِنْدَما تخلَّى عن ديوانِهِ الأوَّل "قالت الأَرضُ".

[2]

لديَّ حنينٌ جَارِفٌ لأَِنْ أَعُودَ إلى البداياتِ.

وكم من مرَّةٍ عُدْتُ إلى بداياتِ محمود درويش الشعرية والحياتيةِ عبر مَلَفِّه في مؤسَّسة الأهرام، والذي يحملُ رقم 19788، ويتكوَّن من ثلاثة أجزاء حتَّى أواخر 2008 ميلادية. ويبدأ من 22/12/1967، حيث مقال رجاء النقاش المنشور في مجلة المصوّر بعنوان "مطلوب محاولة عالمية لإنقاذ هذا الشَّاعر".

أمَّا مقاله الثاني فقد جاء بعد أسبوعٍ واحدٍ من نشر الأول، وعنوانه "لماذا لا تتحدَّثُ الدوائرُ الأدبيةُ والفنيةُ في العالم عن: الشاعر المسجون في إسرائيل؟ مطلوب من المجلس الأعلى للفنون ترجمة دواوين الشاعر الفلسطيني إلى الُّلغات الأجنبية".

ومن المؤكّد أن هُنَاكَ أشياءً نُشِرتْ عن محمود قبل 1967، لكنْ لأنه – كما يبدو – لم يكن اسمه قد ظهر أو برز أو اشْتُهِرَ بالقدرِ الكافي، فلم يفتح له الأهرام "مَلَفًّا"، إذ اعتاد قسم المعلومات بالأهرام، ألا "يهتم" بأحدٍ، إلاَّ بعد أن ينال "قسطًا" من الشهرةِ والذيوعِ.

عمومًا، أكدت مجلة "الطليعة" – التي كان يصدرها الأهرام – في أبريل 1969 أن محمود درويش حتَّى عام 1969 كان قد أصدر أربعة دواوين آخرها "آخر الّليل"، وهذا ما يرجِّح مسألة الديوان الأوَّل المشطوب أو المحذوف "عصافير بلا أجنحة".

[3]

بعد عامين – تقريبًا – من مقاليْ رجاء النقاش في مجلة "المصوّر"، نشر رجاء كتابه "الشهير" والأول عن محمود درويش في يوليو 1969، بعنوان "محمود درويش شاعر الأرض المحتلة" عن دار الهلال، وهو الكتاب الذي أرسى دعائم حضور ووجود محمود في مصر، وكذا في بعض البلدان العربية، نظرًا لشهرة رجاء، ومكانة دار الهلال، التي كانت الكتب الصادرة عنها، توزَّع في كل البلدان العربية وأغلب البلدان الأجنبية (حتَّى في أمريكا اللاتينية).

وهذا الكتاب – ويا للمفارقة – ما تزال توجد منه نُسخٌ تُبَاع حَتَّى 2008 في دار الهلال.

والكتاب خلا "من تقييمٍ فَنِّيٍّ لشعرِ محمود درويش". وهو يأتي بعد دراستين لشعره – وقتذاك – كتبهما غَسَّان كنفاني ويوسف الخطيب.

[4]

حتى أواخر الستينيات كان محمود درويش يعيشُ وحيدًا في غرفةٍ استأجرها في أحد شوارع حيفا.

[5]

وكان محمود أَسِيرَ غرفتِهِ، بعد أن قام القائد العسكري الإسرائيلي لمنطقة الشَّمال، الجنرال دافيد اليعازر باعتقاله منزليًّا وتحديدِ إقامتهِ جبريًّا حتَّى الأول من فبراير من عام 1970.

وجاء هذا التجديد في الأول من أكتوبر عام 1969، والذي يقضي بأن يخضعَ محمود لمراقبةِ الشرطةِ الإسرائيليةِ دائمًا، ولا يغادرُ حيفا إلى أيِّ مكانٍ آخر، وَيُثْبِتُ وُجُودَهُ في مركزِ الشرطةِ في السَّاعةِ الرابعةِ من عَصْرِ كُلِّ يومٍ، ولا يغادرُ مَنْزِلَهُ (غرفته) بعد غروبِ الشَّمْسِ بساعةٍ وحتَّى الفجرِ، بحيث تتمكَّن الشرطةُ من "تَفَقٌّدِهِ" في أيِّ وقتٍ تَشَاء.

ولم تَلْبَثْ هذه الإقامةُ الجبريةُ، وهذا الاعتقال المنزليُّ، أن صار اعتقالاً في السادس والعشرين من أكتوبر 1969 ميلادية، إثر الانفجاراتِ التي وقعت في مدينةِ حيفا.

[6]

قصيدةُ "غَزَالٌ وَدَمّ"، كتبها محمود درويش في مايو عام 1970 في موسكو ونشرها أَوَّل مَرَّةٍ في جريدة الأهرام بتاريخ 31 من مايو 1970، حيث استطاع عبد الملك خليل (مراسل الأهرام في موسكو وقتذاك وإلى سنواتٍ طويلةٍ) أن يحصلَ منه على القصيدةِ.

[7]

إضافةً إلى قصيدة "غَزَالٌ ودم"، نَشَرَ محمود درويش في الفترة من 12 من نوفمبر 1971 وحتى الخامس من أكتوبر 1973 تسع قصائد هي: 4 مزامير (وكانت الرسوم بريشة يوسف فرنسيس)، أغنية البطل اليائس (بريشة يوسف فرنسيس)، سرحان يشربُ القهوةَ في الكافتيريا (بريشة يوسف فرنسيس)، عودةُ الأسيرِ المصري – إلى الأسيرِ الشهيدِ سعيد نصَّار (بريشة مكرم حنين)، حوارٌ مع مدينةٍ (بريشة مكرم حنين)، الخروجُ من ساحلِ المتوسط (دون رسمٍ)، كأنِّي أُحِبُّكِ (بريشة مكرم حنين)، تأملاتٌ في لوحةٍ غائبةٍ (بريشة مكرم حنين)، النهرُ غريبٌ وَأَنْتِ حبيبتي (بريشة مكرم حنين).

ولم أر في الملفِّ قصائدَ أُخْرى لمحمود نَشَرها في الأهرام خلال إقامتِهِ في القاهرة، وعمله في جريدةِ الأهرام (حيث كان يتقاضى راتبًا قدره مئة وخمسون جنيهًا حسبما قال لي).

وأرجِّح أنَّ هذه القصائد (الأهرامية) أو (المصرية) كتبها – جميعًا – في القاهرة. وقد توفَّرت ريشتان لرسَّامَيْنِ من الأهرام لتجسيد شعرِهِ وَهُما : يوسف فرنسيس ومكرم حنَيْن.

[8]

يمكن القول إذن إنَّ أوَّل قصيدة نشرها محمود درويش في مصر وفي جريدة الأهرام هي "غَزَالٌ وَدَمٌ".

[9]

أما القصائد التي نشرها محمود في مجلة "المصور" فهي ثلاث فقط (وفقًا لما جاء في ملفِّه)، وهي: أغنيةُ حبٍّ فلسطينية (19/3/1971)، قصائد جديدة لمحمود درويش: عازفُ القيثار المتجول – عابرُ سبيلٍ – خطواتٌ لا تصلُ- المدينةُ المحتلةُ – رباعياتٌ (16/4/1971)، تقاسيمٌ على الماء (18/6/1971).

وقد نشرت القصائد دُونَ رسومٍ. ولكنَّ واحدةً منها (تقاسيم على الماء) صاحبتها صورةُ محمود درويش، مثلما حَدَثَ في الأهرام إِذْ نُشِرَتْ صُورتُهُ مرَّةً واحدةً مع قصيدتِهِ "غَزَالٌ وَدَم". فقد كان "الأهرام" – على ما يبدو – يُفَضِّلُ نَشْرَ الرسومِ المصاحبةِ للشِّعْرِ على نَشْرِ صُور الشُّعراء.

[10]

ثلاث عشرة مقالة نشرها محمود درويش بالأهرام، في الفترة من 2 من ديسمبر 1971 وحتَّّى 2 من فبراير 1973 (وظنِّي أن هُنَاكَ مقالاتٍ أُخْرى فُقِدَتْ أو ضاعت من مَلَفِّ محمود درويش وأَنَا بصددِ البحثِ عنها لتوثيق (سنوات محمود في القاهرة مثلما وَعَدْتُهُ يومًا في الإسكندرية). وَأُثْبِتُ هُنَا عناوينها، وهي تتفاوتُ في حجمها بَيْنَ مئتي كلمة تقريبًا إلى حوالي ثلاثة آلاف كلمة: غزة كل يوم، أسئلة بريئةٌ.. إلى الأدباءِ العربِ على هامشِ مؤتمرِ الأدباءِ في دمشق، صورةٌ إسرايليةٌ – الأبيضُ والأسودُ، صورةٌ إسرائيليةٌ: لماذا انتهى المؤتمرُ الصهيونيُّ الأخيرُ بالانشقاقِ والتضاربِ – لماذا يلتذذُ الإسرائيليُّ بغشِّ الأمريكيين في المطعمِ والتاكسي والمتجرِ – المنفى – الاضطهاد – التوراة الثالوث الذي يشكِّل ملامحَ الشخصيةِ اليهوديةِ، معنى القلقِ في الأدبِ الإسرائيليِّ بعد حرب يونيو – أنا وأنتِ .. والحرب القادمة، عزفٌ منفردٌ فَوْقَ القانون، وَضَاعَ الشِّعْرُ في البصرة (مع رسمٍ مصاحبٍ لمكرم حنين)، رسالة بيروت: نحن نستمعُ ولا نقرأُ (مع رسمٍ مصاحبٍ لمكرم حنين)، رسالة بيروت: ظاهرةٌ تثير القلقَ.. من الانغلاق التام إلى الانفتاح التام (مع صورةٍ مصاحبةٍ لجولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وقتذاك)، في السَّابع من يونيو ذكرى سقوط القدس – تنويعاتٌ على سورة القدس، رسالة من هولندا: الشِّعر يعلن حضوره (مع رسمٍ بريشةِ يوسف فرنسيس) رسالة بيروت: حتَّى تصبحَ يا وطني وطني (مع رسمٍ ليوسف فرنسيس)، شباب عربيٌّ وإسرائيليٌّ في قفصِ اتهامٍ واحدٍ – مقاومةٌ لا تجسُّس.

إضافةً إلى أنَّ "الطليعة" المجلة الشَّهرية، التي كان يصدرها الأهرام، كانت قد نشرت في عددها الذي صدر في الأول من سبتمبر عام 1969 مقال محمود درويش الشهير: "خطابٌ مفتوحٌ إلى النقادِ والأدباءِ العرب – انقذونا من هذا الحبّ القاسي".

إضافةً أيضًا إلى رسالةٍ من موسكو كتبها الشَّاعر الفلسطينيُّ الراحلُ معين بسيسو، ونشرها بجريدة الأهرام في الخامس والعشرين من ديسمبر 1970 على مساحةٍ كبيرةٍ عنوانها:

"القبعة هي الكأس والحقيبة هي الوطن" محمود درويش، وفي الحادي عشر من فبراير 1970 ينشر الأهرام - كما ذكر - "أولُ حديثٍ مع محمود درويش شاعر الأرضِ المحتلةِ في القاهرة" أجراه معين بسيسو وكان عنوانه: " غيَّرتُ موقعي.. ولم أُغَيِّر موقفي".

[11]

"حتَّى ديواني الذي يحمل اسم "آخر الليل" أضافَ الناشرُ كلمةً جديدةً إلى عنوانه الذي أصبح "آخر الَّليل نهار".. هل القارئُ العربيُّ ساذجٌ إلى تلكَ الدرجةِ التي يحتاجُ فيها إلى أن نشرحَ له ونقول: إنَّ آخرَ الليلِ لابد أن يكون نهارًا..

ظنَّ الناشر أن آَخِرَ الَّليل مطر".

"لقد أخذوا يكتبونَ بالنيابةِ عنِّي في الوطنِ العربيِّ، فأنا أكتبُ القصيدةَ الواحدةَ، وإذا بي أقرأها في الصحفِ العربيةِ، وقد جزَّأوها إلى عدةِ قصائد، والديوان الواحد يتحول فجأةً بلمسةٍ من عصا الناشرِ السحريةِ إلى عدَّةِ دواوين". محمود درويش ديسمبر 1970.

[12]

حسبما أشارت مجلَّةُ "المصوّر" في عددها الصَّادر في التاسع عشر من مارس 1971، فَإِنَّ قصيدةَ "أغنية حب فلسطينية" هي "أوِّلُ قصيدةٍ لمحمود درويش يكتبها من القاهرة". وأشارت "المصوّر" في تقديمها: "هذه أول قصيدة كتبها شاعرُ المقاومةِ الفلسطينيةِ محمود درويش منذُ وصوله إلى القاهرة، أعطاها "للمصوّر" وقد بدأ الأستاذ محمد عبد الوهاب في تلحينِ هذه القصيدةِ لكي تغنيها نجاة لأول مرةٍ في الحفلةِ التي تُقام لصالح المقاومة الفلسطينية".

ولم نعرف أغنيةً لنجاة بهذا الاسم، ويبدو أنَّ محمد عبد الوهاب لم يتم اللحنَ، أو يشرع في التلحينِ، وكانت رغبة منه أو أمنية لا أكثر، ولم تتحقَّق.

[13]

وَوِفْقًا لأرشيف الأهرام، فإن محمود درويش كتب ثلاث مقالات في مجلة المصوّر في الفترة من 9/4/1971 إلى 7/5/1971، بعد أن أعلنت المجلة انضمامه كاتبًا بها. والمقالات هي: هل تسمحون لي بالزواج؟ وهو المقال الأوّل لمحمود منذ حضورِهِ إلى القاهرةِ، نظرةٌ إلى إسرائيل عبر قناةِ السويس.. في الزرقة والأنقاض والمستقبل، قراءةٌ عابرةٌ في دماغِ الصُّقور.

[14]

في التاسع من فبراير 1971. وصل محمود درويش إلى القاهرة أول مدينةٍ عربيةٍ تطأها قدماه. وعقد ظهر الخميس 11 من فبراير مؤتمرًا التقى فيه بالكتَّاب والأدباءِ والشُّعراءِ والفنَّانين والصحفيين والمراسلين العربِ والأجانبِ في مبنى الإذاعةِ والتليفزيون بالقاهرة. وقدَّمه محمد فائق وزير الإعلام المصري وقتذاك.

ويومها قال محمود في إطار "بَيَانٍ" كَتَبَهُ: "ولكنَّ عذري أنني أصبحتُ أُحسُّ أنني أقتربُ يومًا بعد يومٍ من نقطةِ العجز عن القيامِ بالواجبِ كمواطنٍ أولاً وكشاعرٍ ثانيًا.. لقد أصبحتُ تمامًا مشلولَ الحركةِ والحريةِ تمامًا في بلادي من ضراوةِ الكبتِ والتعصُّبِ.. وأصبحتُ لقمةً سَهْلَةً في فَكِّ العنصريةِ الإسرائيليةِ.

وأصبحتُ مُعَلَّقًا على مطاطِ الصيغِ الدبلوماسيةِ لكي أنجوَ من القانونِ الإسرائيليِّ. إنني لا أشكو ولكنَّ شعرةَ معاوية بيني وبين القانون الإسرائيلي قد انقطعت وطاقتي على الاحتمال قد نفدت.

[15]

مُحَمّد فائق وزير الإعلام، يُعَيِّن محمود درويش مستشارًا ثقافيًّا لإذاعة "صوت العرب" عقب وصوله إلى القاهرة بأيَّامٍ.

نُشِرَ القرار في الرابع عشر من فبراير 1971.

[16]

عقب وصولِهِ إلى القاهرةِ، صدر بيانٌ من سكرتارية منطقة حيفا جاء فيه:

  1. بحثت سكرتاريةُ منطقة حيفا للحزبِ الشيوعيِّ الإسرائيليِّ في تركِ الشاعرِ محمود درويش – عضو الحزبِ الشيوعيِّ الإسرائيليِّ – البلاد وانتقاله إلى القاهرةِ، الأمر الذي جرى بدونِ معرفةِ الحزبِ.
  2. إنَّ الحزبَ الشيوعيَّ الإسرائيليَّ ينتقدُ هذه الخطوةَ التي قام بها محمود درويش، ويعتبرها خطوةً غيرَ صحيحةٍ ومخالفة لواجباته.
  3. تقرّر سكرتاريةُ منطقة حيفا للحزبِ الشيوعيِّ الإسرائيليِّ فصله من الحزب.
  4. إنَّ الحزبَ الشيوعيَّ يُنَاضِلُ ضد سياسةِ التمييزِ القوميِّ والاضطهادِ البوليسيِّ الذي تقومُ بِهِ الأوساطُ الحاكمةُ في إسرائيل والموجهة ضد المثقفين العربِ الديمقراطيين، هذه السياسة التي قاسى منها محمود درويش بشكلٍ خاص، فلمدةٍ متواصلةٍ فُرِضَ عليه الاعتقالُ المنزليُّ والإقامةُ الجبريَّةُ في حيفا، كما اعْتُقِلَ من وقتٍ لآخر، بشكلٍ تعسفيٍّ إلى حَدِّ عدم الاعتراف بأنَّه ذو جنسيةٍ إسرائيليةٍ. ولكنَّ هذه السياسةَ وهذه الإجراءات التعسفية، التي تقومُ بها الأوساطُ الحاكمةُ لا تُبِّررُ خطوتَهُ هذه، وهي هجر البلاد وترك ساحة النضال داخل إسرائيل.

[17]

في الرابع والعشرين من مارس عام 1941 ولد محمود. وفي الرابع والعشرين من مارس 1971 احتفل محمود درويش بعيد ميلاده الثلاثين في القاهرة.

[18]

نشرت الأهرام في 18/4/1971 أن "الشاعر الشاب محمود درويش يكتب الآن قِصَّةً سينمائيةً عن الأرضِ المحتلةِ، رشح لبطولتها سعاد حُسني، ولإخراجها شادي عبد السَّلام. درويش: سيؤلِّف أيضًا أغاني الفيلم".

وطبعًا لا قصة كتبها محمود ولا أغنيات ألَّفها.

كانت مجَّرد أمنية، أو حوار ذات مساءٍ قاهريٍّ مع رفقائِهِ وأصدقائِهِ.

[19]

في يناير من عام 1973، أُلْقِي القبض على عضوٍ بالحزبِ الشيوعيِّ الإسرائيليِّ لاتصاله بمحمود درويش، وتفاصيل الخبر أنَّ البوليسَ الإسرائيليَّ ألقى القبضَ على حازي أحمد عضو اللجنةِ المركزيةِ للحزبِ الشيوعيِّ الإسرائيليِّ الموالي لموسكو (ركاح) حيث احتجزه لاستجوابه.

والتهمة التي وُجِّهَتْ إلى حازي أحمد، هي أنه أجرى اتصالاتٍ عام 1970 أثناء وجودِهِ في موسكو بعددٍ من العناصرِ المعاديةِ لدولةِ إسرائيل وأمنها. وتقول صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أنَّ التهمةَ تتعلَّق بصفةٍ خَاصَّةٍ بعددٍ من اللقاءاتِ التي عقدها حازي أحمد مع الشَّاعر محمود دريش عضو حزب (ركاح) السابق الذي غادر إسرائيل للتوجُّه إلى مصر، حيث سافر من هناك إلى الاتحاد السوفيتي، وتقول الدوائر القيادية لحزب (ركاح) إن هذا العمل ليس إلاَّ استفزازًا بوليسيًّا، يستهدف النَّيْل من حزب (ركاح) عشية الحملة الانتخابية.

[20]

في الخامس من نوفمبر عام 1984 نشرت جريدة الأهرام خَبَرًا، أشارت فيه إلى أن محمود درويش أمضى خمسة أيام في القاهرة، عقد خلالها قرانه على حياة ابنة عصام الحيني وكيل وزارة الثقافة المصرية. وأتمَّ عددًا خاصًّا من مجلته "الكرمل" عن الأدبِ المصريِّ الحديثِ، وعاد بعدها إلى باريس حيث كان يقيم وقتذاك.

[21]

لأمريكا سوابق في رفض محمود درويش دخول أراضيها، ومنحه تأشيرة الدخول. ولم تكن المرةُ الأخيرةُ "أغسطس 2008" هي الأولى في الرفض، رغم تدخُّل كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، والرئيس الفلسطيني محمود عبَّاس، برغم علم السلطات الأمريكية أنه ذاهب إلى مدينة هيوستن للعلاج. وجاءت الموافقة بعد سجالٍ وجدالٍ، ونكدٍ عاشه الشَّاعر، منتظرًا في باريس التي سافر منها لإجراء جراحته الثالثة في القلب، والتي مات على إثرها.

ففي نوفمبر من عام 1982، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا إعطاء تأشيرة دخول للشاعر محمود درويش، الذي كان من المقرر أن يشترك في أمسيةٍ شعريةٍ بنيويورك لصالحِ منظمة اليونيسف "صندوق غوث الطفولة التابع للأمم المتحدة".

وكان محمود قد تقدَّم بطلب تأشيرة دخول إلى السفارة الأمريكية في باريس (وهي الجهةُ نفسها التي تقدَّم إليها محمود يطلبُ تأشيرة السَّفرِ للذهابِ إلى أمريكا لإجراء الجراحة) مع ثلاثة عشر شاعرًا عربيًّا وإسرائيليًّا وأمريكيًّا في حَفْلٍ تُلْقَى فيه القصائد الشعرية، بهدفِ جمعِ أموالٍ لصالحِ برنامج اليونيسف المخصَّص لمساعدةِ لبنان.

ووقتها أكد متحدثٌ باسمِ وزارةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ أنَّ طلب تأشيرة الدخول الذي تقدَّم به الشاعر الفلسطيني رفض استنادًا إلى قانونِ الهجرةِ الذي يبيحُ لوزارةِ الخارجيةِ رفض دخولِ بعض الأشخاصِ إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأسبابٍ أيديولوجيةٍ .. ولم يقدم المتحدِّث أَيَّ إيضاحاتٍ أُخْرَى.