أحمد شافعي

في عشرينيات القرن الماضي، تحدى إرنست همنجواي أصحابه أنه قادر على كتابة قصة قصيرة مكتملة الأركان في ست كلمات فقط، وراهنهم على ذلك. وبقصته "معروض للبيع: حذاء أطفال، لا يبلى" حصل منهم على عشرين دولارا.

لعل هذه النادرة هي التي دفعت مجلة سميث الأمريكية الإلكترونية إلى مطالبة قرائها بكتابة سير حياتهم في ست كلمات فقط. وبرغم أنه تحد أصعب من الذي واجهه همنجواي، فالطلب هذه المرة لا يتعلق بقصة، أي قصة، بل بسيرة حياة إنسان منذ سيره على أربع في الفجر وحتى سيره على ثلاث عند الغروب، برغم صعوبة التحدي، أثمرت المواد التي وصلت إلى المجلة، لا عن موضوع صحفي، بل عن كتاب "ليس بالضبط ما كنت أخطط له" ـ عنوان من ست كلمات أيضا، لعله مساهمة أحد القراء.

في يونيو من عام 2007، استضافت (بي بي سي) محرر المجلة والكتاب "لاري سميث" لقراءة مقتطفات من الكتاب:

ثلاثة أبناء، إحدى عشرة قطة، وإيفون
رأس بين الكتب، قدمان بين الزهور
صدقوني، بذلت أقصى ما في وسعي
أربع زيجات، ثلاثة أطفال، ثم سرطان
لم تنته للآن، أكلمكم فيما بعد
مللت، مللت جدا، مللت جدا جدا
حياتي أنا؟ ست كلمات؟ الله أعلم
أيام سعيدة، أيام حزينة، أيام خاوية
ضحكت بصوت عال، بكيت في صمت
لو أنني فقط كنت استدرت يسارا
بطاطين، كتب، زجاجات، كتب، بطاطين

***

مؤخرا، في مطلع هذا الشهر، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية إعلانا في موقع مدوناتها الإلكترونية عن مسابقة، تساءل فيه ليندساي إرفين عن كيفية "ضغط حياة في ست كلمات". مضيفا أن "هذا هو تحدي مسابقة الكلمات الست التي بدأت تتوافد عليها المشاركات".

كان أول ما فكرت فيه عند قراءة الإعلان هو أن أشارك، ثم تبين أن شروط المسابقة لا تنطبق علي، بما أنني غير مقيم في المملكة المتحدة. ثم فكرت في ترجمة الإعلان لقراءات مع نماذج من المشاركات الطريفة التي وصلت بالفعل إلى الجارديان ("حتى اليوم، حب واحد، لا وفيات" ـ "أحببت، هذا كل ما في الأمر" ـ "أبي مات، أمي ماتت، أنا التالي" ـ "أصابني السأم، دخنت الحشيش، لم ينفع" ـ )، وأخيرا فكرت في نقل المسابقة، وطرح هذا السؤال على الشعراء؛ أليسوا الأكثر انشغالا بذواتهم بين كل من يمارسون الفنون الكتابية (قارنوا، إن شئتم، عدد الروايات المروية بضمير المتكلم بعدد القصائد المروية بنفس الضمير)؟ أليسوا ـ أفترض ـ الأكثر سيطرة على اللغة وانشغالا بها؟ أليسوا أخيرا الأقرب إلى فنون شبيهة للغاية بـ "الكلمات الست" كالهايكو مثلا، أو الإبجرام؟

وبالفعل:
"الشاعر ...
إذا طلب منك أن توجز سيرة حياتك في جملة من ست كلمات. فماذا تقول؟ هذه مسابقة تجريها إحدى الجرائد الغربية، وبدلا من ترجمة الموضوع لملحق قراءات، قررت أن أسرق الفكرة ..."

وبدأت الرسائل تتوالى:
موسى حوامدة طلب أن أمهله حتى الغد.
أحمد يماني طلب إمهاله حتى آخر موعد ممكن.
هاتف جنابي قال "إذا كان ولا بد من الإجابة ... ".

جاكلين سلام اعتذرت لأن "هذا يحتاج إلى عبقرية لا أملكها والحياة تحتاج إلى ثرثرة في الجوهر" ثم عادت فراجعت نفسها.
يوسف رخا قال لي "أنا أبارك هذه السرقة وأحييك عليها"
أما جوخة الحارثي فـ "مع أني لست مع السرقات من الجرائد الغربية". عماد فؤاد كتب إليَّ قائلا: "حين وصلتني رسالتك، لم أجد إجابة أستطيع أن أرد بها على سؤالك الصعب سوى مقطع من قصيدة لي ... رغم أنه ليس ست كلمات، بل ثماني"، وكان من السهل أن أحذف من عماد فؤاد أناه المكررة، لولا أني تساءلت: ما الذي يبقى من الشاعر إن حذفنا أناه؟ وكيف يمكن أن ننظر إلى شاعر يوافق على حذفها؟

سيف الرحبي رأى السؤال عبثيا، ورأى ـ أيضا ـ أنه لا يمكن لشاعر إلا أن يرحب بالإجابة عليه. وكان بوسعه في كلمات ست ـ لعلها مثلا "ذلك السقوط النبيل في هوة الحياة" ـ أن يوجز سيرة حياته، لو أنه رأى أن يلزم نفسه بالحدود التي يفرضها سؤالي، ولكن متى كان الخروج على الحدود مستغربا من الشعراء؟

أحمد الشهاوي منحني خمس جمل، أقصرها من ثماني كلمات، وأطولها من إحدى عشرة.
أما تحسين الخطيب ففي أربع كلمات فقط كتب سيرة حياته، فلا أدري أهذا أيضا خروج على الحدود أم اقتراح لتحقيق قادم.

***

شخص يبحث عن أشياء مستحيلة بسعادة
ابراهيم داود

شاعر يحاول أن يحفر في روحه ليحيا وتحيا قصيدته
شاعر يكتب الفقدان ويرثي ذاته واصلا عشقا بعشق
شاعر يصل إرثه عبر روحه وما وقر في قلبه ليكتب حياته
شاعر كتب سيرته شعرا وجاءت كتبه بين العتمة والنور
شاعر نال منه الموت والعشق لكنه نجا بكتابة ترى
أحمد الشهاوي

من رماد البيت الأول إلى الثاني
أحمد يماني

ولدت فى الحزن الشعبى وسأظل أسعى
أمجد ريان

دقت طبول على رأسي فتعلّمت الرقص
إيمان مرسال

أنا شهوةُ أمّي وَأبي
تحسين الخطيب

أسيرُ ملتصقةً بحياتي، يتعمقُ منفى القلب
جاكلين سلام

في القصيدة .. أكتشف حريتي وخبزي وضوءا آخر في العتمة
جمال القصاص

ملأى بالحب والسفر، جميلة، لم تبهرني
جوخة الحارثي

أنظر للحياة من شباك طائرة ولا أقيم
رنا التونسي

أنا حبة نفتالين بين ملابس شتوية
ريمة البعيني

شاعر مصري يحاول اختراع أرض مجهولة
رفعت سلام

هذه الحياة التي ما كان لها أن توجد أصلا كي نستعرض التعبير عن شقاء وسعادة .. لكنها وقد وجدت فليس أسمى من تأمل ذلك السقوط النبيل إلى حفرتها السحيقة ..
سيف الرحبي

حياتي ليست أقل من ست كلمات
عبد الله حبيب

أنا مَنْ ضَيّعَ في الأوهام عُمرَه
عماد أبو صالح

وأنا أنا
ابنٌ للمصادفةِ
مَكْمَنُ القنْصِ
وغزالةُ الشَّاطر
عماد فؤاد

حلمت بالنبوة فشببت عاشقا واستويت شاعرا
علي منصور

هل كنتَ موجوداً معنا في الصورة؟
عيد الخميسي

ذاكرة كفكفتني، ونص يكتبني، وأحلام أربيها
فاطمة الشيدي

أَوَدُّ مِنَ الأَيّامِ ما لا تَوَدُّهُ
كريم عبد السلام

بلَغت الخمسين ولم تكتبني قصيدتي بعد
محمد حلمي الريشة

منذ ولدتُ وأنا أكتبُ لترويض الفاجعة
موسى حوامدة

سيناريو تراجيدي ـ كوميدي أكتبه أنا والحياة
هاتف جنابي

شبح عاشق ينتظر الذروة بصبر نافذ
يوسف رخا

عن ملحق قراءات
يصدر كل أحد منع جريدة عُمان