يحيى القيسيعمان ـ 'القدس العربي' :
من سميرة عوض انتقد الروائي يحيى القيسي الذي فوجىء بوعي قراء روايته 'أبناء السماء'، غياب رابطة الكتاب الأردنيين عن حضور أو إقامة أنشطة لأعضائها، متسائلا: 'لماذا تغيب الرابطة، وأنا عضو فيها منذ 21 سنة، ولم أشارك إلا بندوة يتيمة واحدة العام 1993؟'، منتقدا 'غياب الحركة النقدية وغياب النقاد في الأردن، فروايتي هذه لم تحظ باهتمام النقاد، باستثناء مقالتين نقديتين، إحداهما نشرت في جريدة (الرأي)، والأخرى في جريدة (القدس العربي (اللندنية'. كما انتقد جائزة البوكر، مؤكدا 'أن روايته غابت عن البوكر، لأسباب لا علاقة لها بالإبداع، وأن ماهر الكيالي ناشر الرواية / مدير عام المؤسسة العربية للنشر، والحاضر للندوة، يعرف دهاليز جائزة البوكر، وتفاصيلها وأسرارها، ولماذا تصل أو لا تصل هذه الرواية أو تلك، لقوائم البوكر الطويلة والقصيرة'.

وكان القيسي استهل أمسيته الحوارية التي أقامها منتدى التنوع الثقافي الأردني في مركز الحسين الثقافي وسط العاصمة الأردنية بالقول: 'لم آتيكم مدججا بالنقاد عن يميني وعن يساري، كما جرت العادة. جئتكم لأستمع لكم وأنتم الذين قرأتم روايتي، جئت أتعرف عليكم بطريقة غير تقليدية'. ذلك أنها المرة الأولى التي يقام بها لقاء غير تقليدي بين روائي أردني وبين القراء بعد قراءتهم للرواية، وجلهم من أعضاء أو أصدقاء منتدى التنوع لمناقشة رواية 'أبناء السماء'. القراء أنفسهم يمثلون فئات مختلفة من حيث الثقافة، والعمر، والمهن، والذين كشفت أسئلتهم وملاحظاتهم عمق 'القراءة' لرواية صعبة تناقش موضوعاً جدلياً وتبحث العوالم الخفية.

ونوه القيسي في معرض رده على أسئلة القراء: 'روايتي (أبناء السماء) امتداد من نوع ما لروايتي الأولى (باب الحيرة)، و(أبناء السماء) خلاصة عشرة أعوام مررت فيها من مرحلة اللا إيمان إلى مرحلة الإيمان. رحلة روحية خضتها نحو الإيمان عبر العلم الحديث، وعلى الكاتب ألا يتورط بقول روايته المكتوبة بطريقة شفوية، فالرواية تقول ذاتها، وللقارئ أن ينظر لها من وجهة نظره الخاصة، أيا كانت. وكانت قد وصلتني ردود فعل ايجابية من القراء بوسائل مختلفة، سواء مباشرة، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفيسبوك، وإن كنت سمعت الكثير حولها مما يقال أنها شعوذة، أو خيال علمي، فمن شاء أن يعتبرها هكذا فله ذلك، فهي مليئة بالخيال، والبحث قادني إلى الاحتكاك مع العالم الخارجي، وإلى التأمل الصوفي، والاتصال بمن لهم تواصل مع العوالم الخارجية، وإذا كنا نعرف أن أكثر من عشرة ملايين شاهدوا الأطباق الطائرة فهل ننكرها؟ وهل يكذب هؤلاء؟'.

رحلة روحية خاصة

وزاد القيسي أن علينا أن نطرح على أنفسنا الأسئلة الجوهرية الأربعة التي يطرحها الأوروبي على نفسه ويحاول الإجابة عليها، وهي: من نحن؟ من أين أتينا؟ ما'دورنا في الحياة؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ فهل يطرح أحد منا هذه الأسئلة على نفسه!!'، لافتا إلى أن القدرات الاستثنائية أو الخارقة التي يتمتع بها بعض الناس، ليست مصادفة، إذا علمنا أننا نستخدم 3 ' فقط من خلايا عقولنا، و 7 ' من قوة بصرنا، فأي فرق يحدث لو استخدم الإنسان 100 ' من خلايا عقله وبصره الخ....
ويذهب القيسي إلى القول 'شخصيات روايتي تتسم باللا يقين، فهي تبحث عن وجوديتها، ذلك أن بنيتها الفكرية تستند إلى الماركسية التي تشجع الإلحاد وبالتالي تخوض رحلتها الخاصة بحثا عن الإيمان من خلال العلم الحديث والبحث في الظواهر الخارقة، ذلك أن الرواية تتضمن الكثير من الأسئلة دون محاولة توجيه القارئ لإجابات محددة، إنما تفتح الآفاق للتساؤل والبحث ليخوض في النهاية رحلته الروحية الخاصة'.

مفارقة تتعلق بتسمية الرواية

وأشادت الكاتبة ليلى الأطرش بـ 'حرص يحيى الشديد على عمله واهتمامه بالصوفية والتراث العربي، وروايته رواية العلم، وهي قليلة في الأدب العربي، وتحتاج إلى البحث والعلم والدراسة المعمقة، وقلة من الروائيين العرب يقومون بالبحث، ذلك أن الرواية لم تعد مجرد (حدوتة)'، لافتة إلى 'أنه لا يحق لأي إنسان كان أن يملي على يحيى ما يكتب'، وذلك في إطار أسئلة طرحها القراء عن صيرورة الرواية وشخصياتها وأحداثها وتفاصيلها، كاشفة ـ أي الروائية الأطرش - عن مفارقة تتعلق بتسمية الرواية، التي اطلعت على مخطوطتها الأولى، كونها كانت تنوي إطلاق الاسم على روايتها، معللة ذلك بالقول: 'انه التخاطر أو توارد أفكار الكتاب، لكن بقي الاسم (أبناء السماء) للصديق يحيى، كونه صاحب السبق فيه'.
لماذا أبناء السماء؟؟
من جهتها تساءلت الكاتبة هيام ضمرة، لماذا أبناء السماء، مستعيدة كتاب 'القادمون من السماء' للمصري أنيس منصور، ليس من حيث التشابه في الاسم فقط، وإنما من حيث الموضوع أيضا، مشيدة بالصورة الايجابية للمرأة في رواية القيسي، ولغته الرائعة.

وبيّن القيسي في رده عليها: 'أنيس منصور كتب كتاباً جمع فيه مجموعة من مقالاته، ولا مقارنة بين كتابه وروايتي. طبعا اطلعت على الكتاب وأنا في مرحلة الدراسة الإعدادية - أي في عمر (13- 16) سنة. مصادري في كتابتها متعددة، لقاءات مع معلمين وشخصيات، وبحث طويل وقراءات كثيرة، وأرى أن الرواية العربية الجديدة يجب أن تقدم المعارف الجديدة، وليست حكاية للمتعة، وأنا هنا استفدت من تجارب باولو كويلهو، وداروين، كما أن شخصيات الرواية معقدة ومركبة'.

غير معني بالفصل بين الواقع والخيال

وتساءل الكاتب تيسير النجار عن المسافة بين الواقع والخيال، في الرواية، معتبرا أن الرواية 'تشكل أهمية استثنائية على صعيد الرواية الأردنية لولوجها للروح البشرية بحميمية وطريقة خرجت عن المألوف'، ليرد القيسي: 'إنها تجربتي الخاصة وقراءاتي المكثفة، وأنا غير معني بالفصل بين الواقع والخيال، واعتقد أن على الرواية أن تدافع عن نفسها، وأظننا كلنا متصلون بعوالم أخرى. وبحثي قادني إلى الاتصال بالعوالم الأخرى، فالكون طاقة ومادة، ويمكن تحويل احداهما للأخرى، وإن كانت الطاقة لا تفنى ولا تستحدث'.
وعبرت قارئة عرفت على نفسها بأنها مشروع كاتبة، أنها سعيدة بوجود كتاب يبحث في علم الباراسيكولوجي، باللغة العربية وغير مترجم، فيما عبر عدد من القراء المشاركين في الحوارية عن سعادتهم لاحتفاء الرواية بالمكان الأردني.

منتدى التنوع الثقافي الأردني

من جهتها بينت د.فاطمة جعفر رئيسة منتدى التنوع الثقافي الأردني، أن الاهتمام بالرواية جاء كونها تحتفي بالتنوع الفكري، وتنوع العرقيات، والاثنيات، والتنوع المكاني، فضلا عن أن الزميل يحيى القيسي عضو مؤسس في منتدى التنوع، وكان منتدى التنوع قد تأسس العام 2009، ومقره في الشميساني، ويضم زهاء 100 عضو، منطلقا في فكرته من تنوع المجتمع الأردني، من خلال التنوع الجغرافي، والثقافي والعرقي، والمتجانس في الوقت ذاته عبر الثقافة الإسلامية العربية. وكان من أبرز نشاطاته عقده لمؤتمر آفاق التنوع الثقافي في الأردن، عبر 12 ورقة، تناولت ست منها الهويات الفرعية وهي:، الشركس، الشيشان، السريان، الأرمن، الأكراد، والدروز، فضلا عن ست أوراق ناقشت التشريعات المتعلقة بالتنوع، ووسائل الاتصال والتواصل، والأغنية الريفية والبدوية في المناسبات الأردنية، وغيرها من القضايا، ويشار إلى أنها قيد الطباعة في كتاب بدعم من وزارة الثقافة.

عن القيسي وروايته

والزميل القيسي روائي وإعلامي، أصدر روايتين ومجموعتين قصصيتين وكتابا حواريا، كما أنتج 25 فيلما توثيقيا عن الأردن ومبدعيه، وعمل في وزارة الثقافة والصحف الأردنية كما راسل جريدة 'القدس العربي' في لندن لعشر سنوات، وهو يقيم ويعمل حاليا في الإمارات، رئيسا لتحرير موقع 'الفجيرة نيوز' الإخباري.
صدرت رواية 'أبناء السماء' العام 2010 عن 'المؤسسة العربية للدراسات والنشر' في بيروت، وتتناول شخصيات حائرة وغير مؤمنة إلا بالأشياء المحسوسة، وهي تخوض طريقها في سبيل البحث عن الإيمان والله، كما تنشغل بالبحث العلمي والفكري حول الظواهر الخارقة أو غير المألوفة في الكون والعالم اللا منظور والروحانيات والتصوف، ولهذا تبدو 'أبناء السماء' واحدة من الروايات العربية القليلة التي تناولت هذه المسائل بحسب ما كتبه الناشر على غلافها الأخير.

2011-06-22