ميريام أمينيفي غاليري "Running Horse"، تقيم الفنانة الإيرانية ميريام أميني (1977) معرضها الفردي الاول في بيروت بعنوان "أساليب الصمت". أحد عشر عملا أنجزتها اميني المقيمة في طهران خصيصا لهذا المعرض. نلتفت إلى لغتها التشكيلية المكثفة، التي تنطوي على خطوط تبدو بدائية، ومستقلة وحرة، ما يجعل من السهل إحالتها على وجود طفولي. أعمال الفنانة ممنوعة من العرض في العاصمة الإيرانية منذ خمس سنوات. حول معرضها في بيروت هذا الحوار.

* تستخدمين لغة مكثفة بشكل طبقات، وبرغم تعددية الصور المتضمنة والإيحاءات اللونية، والتراكيب، إلا أن نص اللوحة يقع في مساحة تخاطب الأنثى وتحاول إضاءة السلطة الذكورية واستهجانها. ألا ترين في هذا الموضوع مخاطرة، وخصوصاً أن الكثيرين تطرقوا إليه، وقد بات بمثابة كليشيه في بعض الأحيان؟

- لا أعتقد أن ما تقوله صحيح، فليس هناك في الفن من عمل على موضوع الانوثة يستخدم اللغة التي أنجز بها لوحاتي.

* لم أعن اللغة، بل الموضوع. ففي الشرق الاوسط، العديد من الفنانين يعملون على مجال السلطة الذكورية التي هي سبب أهم المشكلات في مجتمعاتنا.

- لا شك أنها حياتي في إيران، واضطراري للتعاطي أحيانا مع هويتي كأنثى بحسب الظروف الاجتماعية والقيود المفروضة هناك. لا نية لديَّ كي يكون عندي خطاب عام ضد الذكورة. اتعاطى في لوحاتي مع شأن خاص بي وحدي. وقد لا أتشابه تماما مع حالة أي أنثى أخرى. لكن هذا الموضوع يمثل فقط طبقة واحدة ضمن أعمالي. لا أقع مطلقا فريسة هذا الموضوع، ولا أسمح بأن يسيطر على اللغة الفنية المستخدمة. هذه الطبقة المتعلقة بالأنوثة والذكورة هي نتاج ما عشته في طفولتي ومراهقتي في إيران.

* ثمة مسحة سوريالية واضحة. هل تعتقدين أنه لا يزال في الإمكان استخدام العمق السوريالي في وقت مختلف تماما عن زمن ولادة السوريالية؟

- لا أتقصد أن أكون سوريالية او لا أكون. لا أخطط في أعمالي بالاعتماد على هذا المفهوم. حياتي الخاصة في إيران هي التي تؤثر في أعمالي، ومن هنا ينطلق البحث في اللوحة. تتخذ اعمالي طابعا شخصيا جدا وهي ذات مرجع ذاتي وليس مفهومياً بالمعنى النظري. هناك العديد من التفاصيل اليومية أتقاسمها مع سكان إيران، واعني الصعوبات على الصعيد الحقوقي المدني والاجتماعي، غير أنني أتشارك بصورة خاصة هموم الكثير من النساء في طهران مثلا. الحياة هناك منقسمة كثيرا، بين داخلية وخارجية. ولا تقاطع بينهما على الإطلاق. يكون على المرأة أن تعيش حياتها الداخلية بصورة مختلفة تماما عما تعيشه باعتباره حياة خارجية. حين تدعى امرأة إلى حفلة في منزل أو قاعة خاصة، تكون نوعا ما حرة، ظهورها يأتي مختلفا، فيكون لها مساحتها الخاصة كأنثى. لكنها عندما تخرج إلى العلن، يكون عليها أن تغطي نفسها كما تفرضه القوانين الموضوعة من السلطة الرسمية. حين تكون المرأة مسلمة يتحتم عليها ارتداء حجاب. وهناك لا تكترث السلطة بديانتك، فلو كانت المرأة أرمنية، فعليها ارتداء الحجاب. في لبنان لا مشكلة في هذا، فالمرأة تخرج من منزلها مرتدية ما تريد، لذلك فإن هويتها تبقى واحدة نوعا ما. الحياة الخارجية في إيران مسيطر عليها بدرجة كبيرة، وهذا ما يجعلها سوريالية بشكل أوتوماتيكي. من هنا، لا ليس عندي لانتهاج السوريالية، فهي تبسط نفسها على سطح الأعمال متدفقة من داخلي. ما اختبره في حياتي الخاصة والشاملة، ينعكس تلقائيا أثناء صناعة اللوحة، وهذا ما يجعلني قريبة أكثر من أعمالي التي تعلن حميميتي. في مرسمي، أكوِّن الفضاء الفني والإنساني الذي أتحرك ضمنه. هذا الفضاء هو الذي يجعل لي لغة تشكيلية خاصة فريدة وبعيدة عن المدارس المتعارف عليها. ما أصنعه على سطح اللوحة، هو نوعا ما لغة مكثفة تتضمن في الوقت نفسه مستوى سردياً محدداً يحكي شؤوني الذاتية. أشير إلى أن ما تراه في بيروت ما هو إلا مرحلة من مسيرتي، وبعد شهور قد تراني أنجز مواضيع اخرى وربما بلغات مختلفة. ليس عندي اتجاه ثابت في الفن، بل مجموعة من الخطوط يمثل كل منها ثيمة مستقلة. اللوحات الإيرانية التقليدية أو المنمنمات هي أكثر سوريالية من اي سوريالي آخر بعض الأحيان. بدأت مسيرتي كفنانة إيرانية تقليدية، كنت أشتغل بأسلوب المنمنمة، ثم انفصلت عن هذا الفن، إلا انني لا انفي انه لا يزال يسري في دمي. أما السرد فله تاريخ طويل. الفنان كان في زمن ما رهنا بأصحاب السلطة، فكان الرسم يتحول ليخبر قصصا دينية، أو مقدسة بناء على رغبة جهة سياسية أو سلطة ما.

* هل ما تحدثت عنه في شأن وجود حياة داخلية وأخرى خارجية يتعلق بواقع وجود طبقات صورية ولونية عدة في لوحاتك؟

- لا شك أن هناك علاقة بين هذا وذاك. لكن ما يشدني اكثر هو الطبقات الداخلية في اللوحة التي تشكل لي مصدرا خاصا للارتباط بنفسي، لقراءة خصوصياتي كفنانة وكإنسانة. هذا يشكل درجة واحدة في سلّم عمق الأعمال. فما انجزه يحتوي على الكثير من العناصر والطبقات التي قد لا تكون شخصية وإنما تعبر عن حالة مجتمعية عامة. لا يمكنني أن أقدم أعمالي في إيران، أنا ممنوعة من العرض هناك منذ خمس سنوات. إلا أن ذلك لا يدفعني مثلا لأغيّر في وجهتي، ففني هوالأهم، وأنا ماضية فيه مهما تكن الظروف والمعوقات. يحق للناس ان تصنّف اعمالي على انها سياسية او انثوية أو مناهضة لهيمنة الذكورة. هذا طبيعي حينما يتعلق الأمر بالفن، أما أنا فأريد إفراغ ما في داخلي من شحنات، وأن اتواصل مع أعماق ذاتي وأن اكتشفها. أسعى لإكتشاف العناصر المتناهية الصغر في ذاتي، الميكروسكوبية، وليس صورتي الكبيرة.

* تحيلني أعمالك المعروضة على هويتي الجنسية، من خلال تكديسها إشارات ذكورية...

- تنطوي أعمالي على ثلاث طبقات. هناك الفنان، وهناك العمل الفني، وهناك المشاهد، الذي هو جزء من العمل ولا يمكن أن يتم تخليص اللوحة إلى العلن دونما أخذ المشاهد في الاعتبار. أنا مهتمة بالتفاعل الذي يصدره العمل الفني ككل. هو تجاوز للجمود، وهذا ما أسعى إلى تأكيده عبر زيادة طواعية اللوحة من جهة، وتأكيد المرونة من جهة أخرى. السطوح العاكسة هي جزء أساسي من العمل. وإذ أجرّ المشاهد نحو اللوحة، فإنما أريده ان يدخل في الدينامية التي أردتها. أن يصبح جزءا نشطا منها. في بعض الأعمال، استخدمت المرآة بشكل مباشر. كنت أريد أن يرى المتفرج صورته كاملة كمكوِّن فني. في أعمال أخرى، تحضر المرآة متشظية، ضبابية.

* كيف تعرفين أن لوحتك أصبحت جاهزة للعرض؟

- هناك مخاطبة دائمة بيني وبين عملي. أقف أمامه خلال اشتغالي عليه، وأسأله فيجيبني، واعاود سؤاله مجددا فيجيب. يستمر الوضع على هذه الحالة حتى تصبح اللوحة غير قادرة على الإجابة. عندها اعرف أنها أصبحت جاهزة للعرض.

النهار
19 اكتوبر 2011