شعرت بكل أم تعطي وتبتسم مهما كانت مصائبها..

سميرة عوض
(الأردن)

هيلدا الحياري'أسجل إعجابي على سطح لوحاتي بهذا الصمود والشموخ لدى كل أم فقدت ابنا لها في حرب، وكل امرأة عاملة أرهقتها السنون في دعم أسرتها، ولكل سيدة ضحت بالعديد من الاحتياجات بداخلها لتستمر الحياة وليستمر العطاء'.. هكذا تقدم الفنانة التشيكلية هيلدا الحياري لمعرضها في مطويته، على هامش معرضها الذي يحتضنه 'غاليري المشرق' في العاصمة عمان. كان لـ 'القدس العربي' معها هذا الحوار:
يذكر أن الحياري المولودة في عمان العام 1969 حازت جوائز من بينالي القاهرة وآسيا والهند وغيرها، شاركت في عشرات المعارض الجماعية، وورش العمل، وجابت بأعمالها دولا عدة. وإلى ذلك تجربة خاصة مع فن الفيديو آرت.
وإضافة إلى حصولها على بكالوريوس علوم سياسية من الجامعة الأردنية، فإن الحياري حصلت العام 2003 على بكالوريوس فنون جميلة من جامعة الزيتونة.

جميعهن من حولي شاهدات زمننا..

* لنبدأ من الاسم 'الشاهدات'.. لماذا هذا العنوان؟

- هو عنوان معرضي الأخير، والذي اشتغلت عليه ما يقارب السنة لإتمام الأعمال بالكامل، حيث كان الموضوع محصورا في الشاهدات من النساء، اللواتي شهدن العديد من الويلات والانتصارات في الآونة الأخيرة، أحببت أن أطلق عنوان 'الشاهدات' على لوحاتي لأني بكل فترة استراحة أخذها لأتأمل الأعمال، كنت أراهن جميعهن من حولي شاهدات زمننا، والمرأة الشاهدة كانت بعيني عظيمة وقوية ومتماسكة فلم ارسم نساء غزة اللاتي فقدن أبناءهن في الحرب بمشهد النساء الضعيفات، بل على العكس كن بنظري شاهدات عصرنا وجيلنا، المتماسكات العفيفات والصابرات، وهذا كله يحتاج إلى شخصية قوية ومميزة، فالمرأة وخاصة العربية التي اعتادت على كل مفاجآت الحياة المختلفة كنساء العراق والأردن ولبنان والخليج.. ولا احدد منطقة معينة هنا فالضغوط كبرت وازدادت بزمننا هذا على المرأة بشكل عام وبقضايا مختلفة.

شعرت بهن كأم

* لكن الحرب والظلم والمعاناة تطال الرجل تماما كما تطال المرأة؟

- لست متحيزة للمرأة حتما، لكنني عشت الحالة في الفترة الأخيرة، وشعرت بكل أم تعطي وتبتسم وتحافظ على توازن أسرتها مهما كانت مصائبها.. شعرت بهن كأم، فأنا لا اختلف عن الشاهدات اللواتي رسمتهن وبهذه الفترة تأثرت بالنساء اللواتي مددنني بالقوة والإلهام والاندفاع للرسم، والخروج بالتالي بمعرض مكون من 38 لوحة.

اللوحة تفاجئني أحيانا

* وصفت معرضك بقولك 'أفتح صفحة جديدة في مسيرتي الفنية، لأقدم تجربة تبدو مختلفة نوعاً ما عن تجاربي السابقة بالشكل والمضمون وحتى في تكوين اللوحة'. أتفق معك أنها تجربة مختلفة، ولكن ما أسرار هذا الاختلاف؟

- لا توجد أسرار بمعنى الأسرار، فانا أعيش كل يوم بيومه، وأتأثر بكل ما هو حولي من أحداث، وللإعلام تأثير كبير علي بالعادة، حيث استمد أفكاري من الأخبار! والتغيير لم يكن كليا كما ذكرت لكن أصبح الشكل عندي أوضح للمشاهد من السابق، فأعمالي التجريدية الأقدم لم تختلف في الطرح، ولا في المواضيع، حتى أني استخدمت الفيديو لأخرج عمل فيديو أرت قبل سنتين بعنوان (خطوط) ويتحدث بشكل عام عن النساء أيضا، ومشروع طرابيش 2006 لم يختلف عما اطرحه الآن، لكن أدواتي تختلف من فترة لأخرى، وتكوين اللوحة يختلف، وصدقا اللوحة تفاجئني أحيانا حين تبدأ بالتغيير، وهي ما بين أصابعي لاعتقادي أنني أنا التي أسيطر عليها، واكتشف العكس بعد ذلك! لا يوجد سر فالفنان حر بأي مرحلة انتقالية، وهي متوقعة دائما وإلا لدخلنا بمراحل تكرار تقتلنا أولا نحن كفنانين/ ولن ترضى بالتالي عين المشاهد.

لم ارسم المرأة الضعيفة

* بعض لوحاتك، وتحديدا الجدارية الثلاثية، فيها امرأة فرحة، متفائلة، معطاءة. هل هي هيلدا حياري الإنسانة؟

- كما ذكرت أنا لم ارسم المرأة الضعيفة، بل سجلت إعجابي على سطح لوحاتي بكل امرأة صامدة ومتفائلة. أما أنا فاعتبر نفسي مزيجا من كل التناقضات والتجانسات، وصدقا لا افهم نفسي أحيانا، ولا حتى أعطيها الوقت لأفهمها، لان معظم وقتي منصب على شغلي، وبالتالي أكون فرحة ومعطاءة إذا رضيت عن نفسي وعما أقدمه بأعمالي، وإذا لم ارض عن عملي، ترين جانبا آخر من الصمت والمزاج السيئ، الذي أحاول جهدي دائما أن لا أريه لأحد، واحتفظ به بداخلي فقط، كي لا يتأثر به غيري! لكن إجمالا أنا متفائلة ومحبة.

نظام مريح للفنان..ولك!!

* اخترت قاعة دار المشرق لمعرضك الأخير.. وقبلها كنا تابعنا معرضك مع فيلم فيديو أرت وكتاب، في غاليري رؤى.. بداية لماذا يغير الفنان القاعة؟ أنت شخصيا ماذا تفضلين؟

- لا أحب تغيير القاعات حتما، لكن النظام في الأردن يختلف عن أوروبا وأمريكا ودبي، وغيرها، فما زلنا في الأردن غير ملتزمين تماما مع صالة العرض، لان التزام الفنان بجهة واحدة يتطلب من هذه الصالة التركيز فقط على الفنانين الملتزمين معها، وما يحصل في الأردن لغاية الآن، أن الصالات مفتوحة للجميع، ولم يطبق نظام، أو عقد التزام بين الطرفين! وبما أنني تربطني صداقة بأكثر من قاعة في عمان، فلم يكن هناك مانع لدى أي من غاليري 'رؤى' أو 'المشرق' أن اعرض فيهما، إلا أنني في ايطاليا ملتزمة بغاليري واحد، ولدي 'أرت ايجينت' في لندن، لا استطيع أن اعرض الآن في انكلترا إلا عن طريقها، وفي أبو ظبي لدي عقد لمدة سنتين يحتم على الالتزام بغاليري يسوق أعمالي بكل منطقة الخليج ويعرضها، وبالتالي لا استطيع أن اعرض الآن في البحرين، مثلا، إلا عن طريق غاليري أبو ظبي وهكذا! انه نظام مريح للفنان، وله ايجابيات عديدة لكنه لم يطبق للآن في الأردن.

التكنيك لم يختلف أبدا!

* يبدو جليا أنك تستخدمين تكنيكا مختلفا في اللوحة الحالية، حيث استخدمت الأكليريك، على القماش، وعلى الورق. فبماذا اختلف؟ كما أن حجوم اللوحة كبيرة نوعا ما؟

- لا أرى أي اختلاف في تكنيك اللوحات الجديدة، بل الاختلاف في تكوين اللوحة، أي اختلفت الأشكال عندي، وتم تحديدها بشكل شخص بالنهاية، لكن التكنيك وهو متعتي حقا لم يختلف أبدا. بالنسبة لأحجام اللوحات ففي كل معرض شخصي أقدمه لدي أعمال كبيرة جدا، ولدي أحجام صغيرة، وقد عُرفت بأنني أقدم دائما أعمالا ضخمة، حتى في ورش العمل خارج الأردن اختار اكبر حجم لأبدأ الرسم عليه، ودائما تستفزني المساحة الكبيرة باللوحة أكثر من الصغيرة.

موضوع يستفزني

* هذا هو معرضك الشخصي التاسع، هل على الفنان أن يعالج ثيمة معينة في كل معرض؟

- أنا مع الثيمة المعينة، ولا أحب أن احضر افتتاح أي معرض بدون موضوع يستفزني أو يناديني لأحضره، وللأسف معظم المعارض تحمل عنوانا عاما ومكررا ليست له علاقة بالمعرض في تجارب عديدة حولنا، والهدف منه يكون تجاريا فقط، وهذا لا يلفت انتباهي صدقا، ولا يعجبني، ولا أحب تضييع الوقت فيه، لان الفنان الحقيقي والمثقف بشكل عام يحمل رسالة وينشر الوعي بين الناس، ضمن فلسفته وقناعاته الخاصة، فأنا لا أريد أن أشاهد معرضا بألوان جميلة وبراويز أجمل فقط لأقتني أعمالا بدون قيمة فكرية واتجاه معين للفنان الذي أنجزها..

ما بعد غياب سنتين

* حشد كبير حضر افتتاح معرضك.. فهل هو تصالحك مع الفن ومع الفنانين.. بصراحة ما سر هذا الحضور النوعي؟

- نعم كان ثمة حضور لافت، وربما دائما بمعارضي الخاصة هناك جمهور، لكن معرضي الأخير كان الأكثر حضورا.. معظمهم كانوا من المثقفين والأصدقاء المبدعين، علما أنني لست اجتماعية، ودائمة متهمة بالغياب، والعتب عليّ كبير، لكن المحبة موجودة بيننا والاحترام الدائم والصداقة الحقيقية التي تربطني بمعظمهم، بالإضافة إلى أنني أقيم معرضا شخصيا كل سنتين مرة فقط بالأردن، يعني غير متواجدة دائما، وبالتالي الناس تحب أن تشاهد انجاز ما بعد غياب سنتين.

أتمنى اقتناء متحف كامل

* هيلدا بصراحة أيضا، من هم الفنانون الذين تقتنين أعمالهم؟

- 'كتار'! أتمنى اقتناء متحف كامل، ولدي مجموعة مهمة لفنانين عرب وأجانب، وأحيانا تعجبني لوحة لفنان، وعمل آخر لا يعجبني لنفس الفنان، لكني أحب أن اقتني عملا الآن لمحمد القاسمي من المغرب (رحمة الله عليه)، والذي يدهشني كلما أرى أعماله.. فنان مهم جدا رحل قبل الأوان، وقبل أن أتعرف عليه شخصيا، لكني عرفته من خلال أعماله.

لا مجاملات بالفن

* كيف يختار فنان لوحة فنان آخر.. اقصد بهدف الاقتناء؟

- أنا شخصيا لا اقتني إلا إذا أصبت بدهشة كبيرة من العمل الذي أمامي! فلا مجاملات بالفن ولا بالمال.

الجوائز بشكل عام لا قيمة لها...

* نلت العديد من الجوائز.. ما أثرها عليك؟ هل هي تحد؟ أم عبء؟ أم ماذا؟

- في وقتها كانت فرحة، لأننا نشعر أن جهدنا لقي تقديرا وتميزا عن جهد فنانين آخرين، لكن الجوائز بشكل عام لا قيمة لها وخاصة في وقتنا الحاضر، ولا ألحقها ولا أسعى إليها.. الفن الآن دخل مسارات جديدة، والسياسة تلعب دورا كبيرا في تسييس الفن، وأصبحت الجوائز تمنح للدول، وليس للفنان وجهده بل من أين هو! موضوع طويل نفهمه نحن من دخلنا بهذه المنافسات سابقا، لكن لم تعد هذه الجوائز تقيم الفنان وخاصة الذي قطع مراحل مهمة من مسيرته الفنية.. ربما في البداية الجوائز ضرورية لتشجيع الفنان واستمراريته لكنها لاحقا لا تعني شيئا.

2011-01-04