حاوره‮: ‬نور الدين بازين
(المغرب)

عدنان معيتيقعدنان بشير معيتيق،‮ ‬من جيل الفنانين التشكيليين الشباب في‮ ‬ليبيا البارزين على الساحة الفنية الراهنة‮..‬درس الفن بشكل شخصي،‮ ‬عضو رابطة التشكيلين الليبيين،‮ ‬شارك في‮ ‬مهرجان المحرس الدولي‮ ‬للفنون بتونس ‮2005‬،‮ ‬لوحاته سيرة فنان لم تكتمل‮.. ‬فهو‮ ‬يمتزج بين المدرسة الواقعية والتأثيرية التي‮ ‬يعتنقها بحب أفلاطوني‮ ‬غير محدود،‮ ‬متخذا فان جوخ وغوغان وهنري‮ ‬ماتيس ناموسا له،‮ ‬يتعامل مع الألوان بوحشية جميلة تمتزج بين الصراخ والصراحة المفرطة‮.. ‬رسوماته تخلق انفصاما لدى المتلقي‮ ‬الذي‮ ‬يتيه بين الأسطورة التاريخية والحياة الخاصة الفردية‮..‬
كل أعماله توحي‮ ‬أنك أمام شاعر تاه الطريق وحملته ريح الألوان إلى عالم‮ ‬يعتقد هو انه أقرب إلى التعبير المباشر والتلقائي‮.. ‬وفعلا هذا ما توضحه راهنية أعماله التي‮ ‬تميل إلى الشاعرية المتأثرة بشعراء مثل رينيه شارل و ت س إليوت و أمل دنقل‮... ‬وعن حيثيات ومجاهل سيرة الفنان التشكيلي‮ ‬الليبي‮ ‬عدنان بشير معيتيق،‮ ‬كان لنا هذا الحوار الذي‮ ‬خصه لصحيفة الحقائق الثقافية،‮ ‬لنكشف‮ - ‬ولو بعض منها للقراء والمهتمين بجسد الفن التشكيلي‮ ‬الليبي‮ ‬خاصة،‮ ‬و العربي‮ ‬عامة‮- ‬جزءا منها وهذا ما سعينا له‮....‬

‮- ‬سؤال‮: ‬لواحاتك هي‮ ‬سؤال حول معنى ضائع في‮ ‬ظل الألوان والرموز المفتوحة،‮ ‬ماهي‮ ‬الدلالة الرمزية التي‮ ‬تكونها في‮ ‬عالمك التشكيلي‮..‬؟

أعمالي‮ ‬تعكس ذاتها،‮ ‬وتنأى عن كل شيء رمزي،‮ ‬يمنعها من الحضور والتواصل بكل قوة في‮ ‬وجه المتلقي،‮ ‬فجماليات اللوحة،‮ ‬هي‮ ‬الولوج إلى عالمها والتواصل معها،‮ ‬من خلال التأمل الذي‮ ‬يقود إلى معاني‮ ‬كثيرة،‮ ‬وتفسيرات مختلفة،‮ ‬والاهتمام بالحالة التعبيرية،‮ ‬والعلاقات اللونية،‮ ‬دون التشبث بالدلالات،‮ ‬والمعاني‮ ‬والابتعاد عن التهويل،‮ ‬والإبهار وعدم الاهتمام بالحلول التقليدية في‮ ‬العمل‮.‬
فالعيون،‮ ‬القطط،‮ ‬الأسماك،‮ ‬الثيران،‮ ‬والأجساد المتراصة المبتورة الأطراف،‮ ‬وغيرها من المفردات هي‮ ‬لم تعد رموزا،‮ ‬بل أصبحت قيم تشكيلية،‮ ‬فالثور مثلا‮ ‬يصبح حاملا لأنفاس الماضي،‮ ‬وهو‮ ‬يتجول بكل خفة في‮ ‬شوارع عارية تحت إضاءات كهربائية،‮ ‬وكأن التاريخ‮ ‬يلتف حول نفسه ليلتقي‮ ‬العصر الحديث بكل ما فيه من‮ ‬خوف وفزع وقبح بالعصور الأولى،‮ ‬حيث البدايات البريئة الجميلة في‮ ‬الاسكتشات والرسومات الغرافيكية‮.‬
‮ ‬كنت اجنح دائما إلى الأسطورة بكل ما فيها من معاني‮ ‬ودلالات في‮ ‬اللوحة،‮ ‬فاهتم بالقيم التشكيلية على حساب تلك الدلالات والمعاني‮..‬

‮- ‬في‮ ‬لواحاتك نعيش أمام خارطة من الخيالات أبدعتها في‮ ‬لحظة مسروقة من واقعك‮.. ‬ماهي‮ ‬العلاقة التي‮ ‬ينتشي‮ ‬بها الفنان عدنان معيتيق مع الرشة ثم اللوحة‮..‬؟

‮ ‬علاقتي‮ ‬مع اللوحة والرسم أبدية،‮ (‬أنا ارسم إذا أنا موجود‮) ‬فالرسم‮ ‬يقتل أشباح الخوف والتصحر الروحي،‮ ‬ويبعث على الأمل وتجدد الحياة،‮ ‬فحالة الرسم متلازمة معي‮ ‬حتى في‮ ‬الأيام المعدودة،‮ ‬التي‮ ‬اترك فيها الألوان والفرشاة إما في‮ ‬عقلي،‮ ‬أو بالرسم الفعلي‮ ‬بالحبر،‮ ‬أو أقلام الحبر الجاف،‮ ‬فتلك‮ ‬يوميات عابرة،‮ ‬أدونها بالمواضيع التي‮ ‬أصبحت تتشكل على أرضية الورقة بكل تلقائية دون أي‮ ‬ترتيب مسبق‮..‬

‮- ‬الصورة تنطق في‮ ‬صمتها لدى عدنان معيتيق وهي‮ ‬تابثة على اللوح والجدران،‮ ‬هل هناك أحاسيس سرمدية،‮ ‬تلم فيها لغة الشعر بالفن التشكيلي‮..‬؟

‮ ‬الشاعرية هي‮ ‬الأساس،‮ ‬لكل فن لحظة السحر التي‮ ‬من خلالها اعُبر عن ما‮ ‬يدور في‮ ‬داخلي،‮ ‬الطريقة المثالية لترجمة اللامرئي‮ ‬إلى مرئي،‮ ‬واعتبر اللوحة قصيدة،‮ ‬والعمل النحتي‮ ‬الجميل قصيدة،‮ ‬والصورة الفوتوغرافية أو المسرحية أو السينمائية قصيدة،‮ ‬فلولا الشاعرية لانعدم الحس لدى الفنان،‮ ‬وأصبح آلة جامدة تنتج أعمال ميتة بدون قيمة‮. ‬

‮- ‬هناك صرخة‮ ‬يهتف بها الفن كما‮ ‬يقال‮..‬هل هناك محاكاة‮ ‬يرسمها الفنان بين الفكرة والشعور‮.. ‬وهل بإمكان عدنان معيتيق أن‮ ‬يجسد لنا هذا المفهوم الثنائي‮..‬؟

إن علاقة الفكرة والشعور في‮ ‬نظري،‮ ‬هي‮ ‬علاقة متلازمة،‮ ‬أي‮ ‬أن الشعور والإحساس‮ ‬ينتقل عبر فكرة تختزل إلى لون معين،‮ ‬مثلا هواجس الوجدان العميقة تمثل اللون الأزرق العميق،‮ ‬إذا الشعور لا‮ ‬ينتقل إلا عبر الوسائل التشكيلية‮ ( ‬اللون والتكوين‮ ) ‬بواسطة فكرة معينة‮ ‬يتم تنفيذها على اللوحة‮. ‬

- ‬عندما‮ ‬يطوف المتلقي‮ ‬حول رسوماتك لأول مرة‮ ‬يجد نفسه أمام أشكال مكدسة‮ ‬يصرخ فيها اللون بصراحة عميقة‮..‬ماهي‮ ‬المدارس التي‮ ‬لحمت ريشة الفنان عدنان معيتيق‮..‬؟‮.‬

‮ ‬المدارس،‮ ‬هي‮ ‬المحطات الفنية التي‮ ‬يمر بها كل فنان‮ ‬يبحث عن ذاته،‮ ‬فانا قمت بمرحلة تجريبية بدأت من الواقعية السحرية‮ (‬السريالية‮ - ‬الواقعية الفائقة‮)‬،‮ ‬والانطباعية والتأثيرية والتعبيرية التجريدية،‮ ‬ومدرسة اللاشكل أو التجريد المطلق،‮ ‬وتجارب مارسيل دو شان لفن الفكرة أو الفن المفاهيمي،‮ ‬والتركيبية والبوب آرت،‮ ‬والفن البصري،‮ ‬ومائيات علي‮ ‬الزويك،‮ ‬وكهفيات عمر جهان،‮ ‬وفضاءات علي‮ ‬العباني،‮ ‬وعوالم محمد الشرقاوي،‮ ‬وتخطيطات ضياء العزاوي،‮ ‬ولكن أجد أني‮ ‬قريب من التعبيرية التجريدية،‮ ‬التي‮ ‬فيها من الحرية في‮ ‬التعبير،‮ ‬والمسافة الممتدة ما بين التجريد والتشخيص،‮ ‬والأساس السريالي‮ ‬القوي‮ ‬لهذه المدرس‮.‬

‮- ‬من الملاحظ أن أعماك تميل لشاعرية تزحف نحو الخيال برق‮.. ‬هل هناك علاقة بين أشكالك المرسومة وبين ما‮ ‬يبدع من شعرية على الساحة‮..‬؟‮.‬

‮ ‬أقول إن الشعر هو احد مصادر الحيوية في‮ ‬الرسم عندي،‮ ‬فانا اقرأ الشعر الغربي‮ ‬والشعر العربي،‮ ‬مثال على ذلك رينيه شارل،‮ ‬ت س ليوث،‮ ‬و لووركا،‮ ‬وسوران،‮ ‬وفاضل العزاوي،‮ ‬شاكر لعيبي،‮ ‬وأمل دنقل،‮ ‬وبدر شاكر السياب،‮ ‬ومحمود درويش،‮ ‬وغيرهم من الشعراء،‮ ‬فالصورة الشعرية الجميلة تتشكل في‮ ‬ذهني،‮ ‬وتكون حاضرة بقوة في‮ ‬أعمال كثيرة،‮ ‬فمثلا قرأت قصيدة بعنوان السحابة الصفراء لرينيه شارل،‮ ‬فأصبحت تلك السحابة موجودة في‮ ‬أعمال كثيرة لي،‮ ‬و بأشكال متباينة،‮ ‬فربما مفردة واحدة تبنى عليها لوحة كاملة،‮ ‬وما‮ ‬يهمني‮ ‬دائما المعنى التشكيلي‮ ‬في‮ ‬القصيدة،‮ ‬أي‮ ‬الصور والخيال الخصب‮.‬

‮- ‬إذا كان الشعراء أنبياء كونيون بدون رسائل‮..‬ماذا‮ ‬يمكن أن نقول على الفنانين التشكيليين‮..‬؟‮.‬

للفنان التشكيلي‮ ‬رسالة‮ ‬يجب أن‮ ‬يقوم بها،‮ ‬وهي‮ ‬ترقية الذوق العام ونشر القيمة الجمالية‮ ( ‬الحق‮ - ‬الخير‮ - ‬الجمال‮)‬،‮ ‬وترسيخ هذه المبادئ من خلال أسلوب المدرسة الاجتماعية،‮ ‬ليس المدرسة التي‮ ‬تدعو للمبادئ الثورية وأحلامها وشعاراتها ذات الخطاب الرسمي،‮ ‬كما هو الحال في‮ ‬المكسيك عند الفنان ريفيرا مثلا،‮ ‬ولكن أن تكون صوت الشخصيات المهملة المسحوقة المعزولة والمحاصرة،‮ ‬حتى تسترد حقوقها وتأخذ مكانها الذي‮ ‬تستحق في‮ ‬منظومة المجتمع الذي‮ ‬تعيش فيه،‮ ‬وهذا‮ ‬يندرج تحت الفنون كافه‮ (‬التشكيل‮ -‬الشعر‮- ‬الرواية‮- ‬المسرح‮ - ‬السينما‮..)‬

الأيام
السبت - 15 أبريل 2006