لم يَدُرْ في خاطرِ القاهرةِ الليلُ الذي نعرفُهُ...
إنّ سماءً أُثقِلَتْ بالنَّفَسِ الساخنِ آناءَ النهارِ
استسلمتْ لِلّيلِ كي تنسى قليلاً وطأةَ الأرضِ،
وكي تشربَ نوراً مُسْكِراً يحملُنا حتى الصباحِ الباردِ...
القاهرةُ
البيتُ الذي لم ينقسمْ بيتَينِ
والغصنُ الذي لم ينقصِفْ فَرعَينِ
والعَينُ التي تَنْعَمُ في بحبوحةِ الجَفنَينِ...
والقاهرةُ
المعنى الذي ظلَّ يُطِلُّ :
الوردُ والمِسْكُ
وغصنُ البانِ والشوكُ...
وتلكَ النعمةُ السابغةُ :
البسمةُ والنيلُ !
..............................
..............................
..............................
ونأتي القاهرةْ
مثلَ ما نأتي إلى جَدَّتِنا بعد طوافٍ خائبٍ
أيتُها الجَدّةُ :
كم أرهَقَنا العالَمُ !
يا أيتها الجَدّةُ :
ضُمِّينا إلى أحفادِكِ المنتظِرين...
لندن 27.02.2007
ربما شاغلتْنا الجسورُ التي حملتْ عرباتِ الملوكِ عن النهرِ. أعمقَ كالرملِ
ينسربُ النهرُ، يبلغُ واحاتِ مصرَ البعيدةَ، حيث التواريخُ مكتوبةٌ باللغاتِ
التي تتناسى تواريخَها. النهرُ يدخلُ في وجنةِ الطفلِ طَمْـياً وخِصباً، ويدخلُ
في نَهدَي البنتِ. يدخـلُ من عتْبةِ البيتِ. مصرُ المعابدِ حيثُ التماسيحُ آلهةٌ
والملوكُ ينامون في الغُرَفِ الـمُذْهَباتِ وفي مَرْكَبِ الشمسِ. مصرُ التي لم تجدْ
ما تُسَمّى بهِ غيرَ مصرَ. انـتبذْنا من الليلِ رُكناً قريباً من البحرِ. كانت
تماثيلُ من مرمرٍ غابرٍ تتراءى وترحل في الموجِ. كانت شفاهٌ تسيلْ.
لندن 27.02.2007
حانة ستيلاّ
لم تكن حانةً.
ربما قبـل قرنـينِ كانت.
ورُبّتَما وُجِدَتْ قبلَ أنْ تُعصَرَ الخمرُ.
أعني كأن موائدَها
رُكِّبَتْ من ضلوعِ سفائنَ غارقةٍ من زمانِ البطالسةِ.
الضوءُ يدخل كالمتردِّدِ.
لا شمس َ
في مصرَ.
كان الزجاجُ القديمُ ثخيناً بفعلِ الترابِ الثخينِ.
الزوايا محدّدةٌ لذويها.
زوايا
السجونِ الـتي تتعتّقُ فيها الجواربُ.
ماذا ؟
القبارصةُ ارتحلوا منذ قرنٍ،
ولكنهم يسكنون
القناني التي احتفظت باسمِهِم :
إنه القبرصيُّ. الشرابُ الذي يترنّحُ بين العَمى والبروقِ.
ولكنها الحانةُ
الحانةُ الحقُّ...
فيها انتظرْنا الزمانَ الجديدَ،
وفيها شهِدنا معاركَنا،
والقصائدَ تولَــدُ مُشْـرَبةً بالتمرُّدِ.
كنّا إذا ما ترنّحَ منتصفُ الليلِ، نرفعُ سقفَ الأغاني.
سيأتي إلينا المُغَنّونَ من كل فَج ٍّ
عميقٍ.
ويأتي إلينا السقاةُ وقد أصبحوا الشاربِينَ.
بلادٌ مؤقّتةٌ بين منتصفِ الليلِ والصبحِ.
لا بارَ في الحانةِ.
البارُ يشبهُ أولى المتاريسِ.
حصنٌ حصينٌ له حارسٌ واحدٌ.
لن يمرَّ الهواةُ...
إذاً، فلنكنْ مثلَ من دخلوا حانةً.
ولنكنْ مثلَ مَن لم يرَوا حانةً.
نحن في البرزخِ.
الصبحُ جاءْ.
لندن 27.02.2007
مقهى البستان
لا أعرفُ مَن سمّى هذا المقهى، 'البستانَ '
و لا أدري سبباً...
أعرفُ أن المقهى يحتلُّ تقاطُعَ دربَينِ ذَوَي وِرشاتٍ للميكانيك
وأكشاكٍ تَعرِضُ أضغاثاً متناثرةً بين السجّاد وأجهزةِ الهاتفِِ
والخبزِ البلديّ،
وأعرفُ أن الفحمَ هو اللونُ هنا في هذي الزاوية الدكناءِ من العالَمِ...
أعرفُ هذا، وأُسائِلُ نفسي : مَن سمّى البلقعَ بستاناً ؟
مَن جاءَ بما يفترضُ البستانُ : زهوراً، شجراً، وطيوراً، وإلخ... ؟
الأشياءُ هنا متداعيةٌ
حتى لم يَعُد المرءُ ليأمنَ كرسيّا.ً
والشايُ هنا أسودُ كالفحمِ
إذاً أين البستانُ ؟
................................
................................
................................
أقولُ لكم : إن ' البستان ' هو الحُلمُ الأوّلُ بالبستان !
لندن 28.02.2007
ستكونُ لي بيتاً ô
تلُفُّ رداءَها القطنَ المهفهفَ حولَ أضلاعي الرميمِ :
ألم تجيءْ لتنامَ ؟
كم طوّفتَ في الآفاقِ حتى لم تَعُدْ تدري بأيّ سقيفةٍ انتَ !
البلادُ وسيعةٌ أبداً
وضيّـقةٌ ô
وأنتَ تدورُ
كالخذروفِ أنتَ تدورُ
ترمي حبْلَكَ امرأةٌ إلى امرأةٍ إلى امرأةٍ
وأنتَ تدورُ ô
فلْتهدأْ !
أقِـمْ حيثُ النواقيسُ الغريقةُ في مياه النهرِ
حيثُ الصبحُ شمسٌ
حيثُ اللوتُسُ الأبديُّ تمضَغُهُ الجواميسُ ؛
اقترِبْ مني ô
ولا تجفَلْ
ألم تشعرْ بأن ردائيَ القطنَ المهفهَفَ حولَكَ ؟
الأبقارُ في الوادي
وأنت على جلاجلِها تنام ô
لندن 28.02.2007
2012-06-22