سعدي يوسف
(العراق/لندن)

هل نتعلّــمُ؟

سعدي يوسف ماذا ترى من كوّةٍ في جسمِ طائرةٍ تحَـــلِّقُ عالياً، أعلى من النجمِ ؟

الغيومُ تكادُ تعرفُها لأنك ساكنٌ فيها
وما يبدو من البحرِ انعكاساً، أنتَ تفهمُهُ من الفيزياءِ
أمّا لُعبةُ الأشجارِ فهي من الأعالي غيرُ واضحةٍ ...
لقد فعَلَ الـعُـلُــوُّ الفِعلةَ الشنعاءَ
ليتكَ لم تُحَـلِّقْ
لم تَطِرْ
لم تمتلكْ يوماً جناحَينِ ...

الغيومُ جميلةٌ
والبحرُ
والأشجارُ .
فافهَمْ يا بُنَيّ ...
افهَمْ
ولا تذهبْ بعيداً في العمــاء !

طنجة 19.10.2011

لستُ أدري ما سأقول ...

أوَ ليسَ خيراً أن يقولَ المرءُ :
إني لستُ أدري ما أقولُ ؟
وكأنّ ما قد قيلَ إنْ صدقاً وإنْ كذِباً ...
سبيلٌ آنَ يلتاثُ السبيلُ .
فلْـتفتحِ العينينِ واسعتَينِ
ولْتُرهِف مسامعكَ الرخيّةَ
ولْـتُجَرِّبْ، مرّةً ، لغةَ الأصابعِ ...
ثمّ حاوِلْ
مرّةً أخرى
وحاوِلْ
سوفَ يتّضحُ السبيلُ !

طنجة 20.10.2011

غيرَ بعيدٍ عن البحر

طيورُ السنونو تَـخاطَفُ فوقَ سطوحِ البناياتِ
في الفجرِ .
أفتحُ نافذتي :
صرَخاتُ النوارسِ تأتي مُـكَـتّـمةً .
أوّلُ العابرين إلى السوقِ
أولى البنات اللواتي يُبَـــــــكِّـــــــــــرْنَ نحو المواعيدِ
أوّلُ صيحةِ ديكٍ ...
كأنّ الصباحَ بطنجةَ يرسُمُ صورتَه، قطعةً قطعةً.
ولْـيَـكُنْ !
إنّ كلَّ المرافيءِ تَنْـشــــــــــدُ أن تَطمَـئِــنّ ...

طنجة 21.10.2011

الأزِقّـــــــــــــــةُ

أُحِبُّ أن أَطَّـوَّفَ النهارَ والليلَ بما تَكْـنِزُهُ طنجةُ من أزقّــــــــــــــــــــــــــــــةٍ
أزِقّةٍ منحدِراتٍ
تحملُ سَيلاً دافقاً من بشرٍ نحوَ تخومِ البحرِ
نحوَ الضفةِ الدنيا من الأندلسِ ...
الــــــمُــــــــــــــــــــوَشَّـحُ النائمُ يستيقظُ
والزيتونُ
والبابُ التي تنتظرُ المفتاحَ، سِـرِّيّـــاً، حديداً، فضّةً
مَن أنطَقَ الخطّافَ ؟
مَن أطلقَهُ ؟
الأزقّةُ المنحدِراتُ ازدَدْنَ في الفجرِ انحداراً .
سوف يأتي السيل !

طنجة 21.10.2011

نومُ الهناءةِ

لو كنتُ مشتاقاً إلى بلدٍ لَطِــــــرْتُ إليهِ
أو حاولتُ أن أمضي إليه سِــــباحةً ...
لكنني، وأقولُها صِدْقاً، سئمْتُ الشوقَ
والذكرى
ولم يَعُد الحنينُ لديّ أغنيةً .
تشابهَت البلادُ
وصرتُ أعرفُ ما سألقى ههنا أو ههنا
حتى كأني راحلٌ في راحَـتَــيّ ...
كأنني في الهضْـبةِ الصلعاءِ إيّاها .
وعاماً بعدَ آخرَ، صرتُ أمشي في شوارعَ قد مشَيتُ بها
وإنْ أدركتُ أني لم أكُنْ فيها ولو يوماً ...
أُطِلُّ الآنَ :
هذا شارعٌ يمضي إلى بحرٍ
وهذا شارعٌ يُفضي إلى نهرٍ ...
وهذا شارعٌ قد كان طوَّحَ بي إلى قفْرٍ
وماذا ؟
سوف، أسحبُ، هانئاً، طرَفَ الـمُـلاءةِ
أُغمِضُ العينينِ
ثمّ أهيمُ، وحدي، كي أنامْ ...

طنجة 21.10.2011

حــــــــــــــــــــــانة أزْمِرالْـــــدا

في شارع موسى بنِ نُصَير
حيثُ الأشباحُ تسيرُ مع الأحيــاء
وحيثُ نساءٌ يستعرِضْنَ صباحاً ما لايُستعرَضُ
والعمّالُ بلا عملٍ ...
في زاويةٍ من هذا الشارعِ تَكْمُنُ حانةُ أزمِرالدا .
كيف دخلتُ ؟
أيُّ رياحٍ دائخةٍ دفعَتْني عبرَ البابِ الضيّقِ ؟
في حانةِ إزمِرالدا
أغانٍ من مصرَ، أغاني أشباحٍ قرونٍ سلَفَتْ
في حانة إزمرالدا
صحنٌ من سمكٍ خيطيٍّ، وبقايا رُزٍّ
حبّاتٌ من زيتونٍ يقطُرُ ملحاً
وحديثٌ يخفُتُ ...
...............
...............
...............
حانةُ إزمِرالدا
يملكُها منذُ ابتدأَ الخَلْقُ يهودٌ أندلسيّون .

طنجة 22.10.2011

بعدَ أن انتصفَ الليلُ

لك، أن تهدأَ الآنَ ...
لا تَقُل : الليلُ في طنجةَ اليومَ، كالليلِ في لندنَ.
الناسُ في المرفأِ المغربيّ يحبّونَ
والناسُ في منتهى لندنٍ يكرهونَ ...
لو أقمتَ بلندنَ قَرناً فلن تنظرَ امرأةٌ ملءَ عينيكَ
لن يسألُ الجارُ مَن أنت؟
ما اسمُكَ ؟
من أيّ أرضٍ ...
ورُبّـتَـما فكّرتْ مَن حسِبْتَ الحبيبةَ أن تقتلَكْ !
إذاً،
لك أن تهدأَ الآنَ ...
قُلْ : إن طنجةَ، والـمُلْكَ، لكْ !

طنجة 23.10.2011

الأنـــــيــــنُ

من الغرفة التي تجاورك
سمعتَ الأنينَ العالي لامرأةٍ تضاجَعُ ...
ربّما استمرَّ الأنينُ المتلذِّذُ نصفَ دقيقةٍ
نصفَ دقيقةٍ ، حَـسْـبُ
لكنّ ليلَ الفندق
لم يَعُدْ كما كان .
هاأنتذا تعود إلى سنةٍ مضتْ
سنةٍ في فندقٍ كهذا الفندق
في ليلةٍ ليستْ كهذه الليلةِ الموحشــةِ
وهاأنتذا تتذكّرُ
كيفَ حاولتَ أن تكتمَ براحةِ يدِكَ
أنينَ ضجيعتِكَ الذي اصّاعَدَ صُراخاً !

طنجة 23.10.2011

لَـيـلــِــــيّـــــــــــةٌ

في السبتِ مساءً
توقِدُ طنجةُ مصباحاً أحمرَ،
مصباحاً يصبغُ أغوارَ البلدةِ والحاناتِ بلونٍ أحمرَ
ليس مهمّاً أن تدخلَ في هذا البارِ
أو الدربِ ...
اللونُ الأحمرُ سوف يظلُّ اللونَ الأحمرَ
يطفحُ في الكأسِ
ويطفحُ في خدِّ البنتِ
ويطفحُ حتى في أشجارِ الشارعِ ...
لكنك لن تمضي أبعدَ في اللونِ الأحمرِ
اللونُ سيمضي بكَ
نحوَ نهايتِكَ :
النومِ، عميقاً، في الشارعِ
تحتَ المصباحِ الأحمر !

طنجة 23.10.2011

مقهى الحافة
(تأسّسَ سنة 1921 )

مثلَ مصاطبَ في تلٍّ
ينحدرُ المقهى نحو البحرِ ...
ويوشكُ أن يسقطَ في البحرِ
ليأخذَ فتيانَ المقهى والفتَياتِ إلى الضفةِ الأخرى .
إسبانيا تتبدّى في الأفقِ المتلبِّدِ
لكنّ المقهى
سيظلُّ يخَدِّرُ مَـن يدخلُــهُ بروائحَ من جنّتِهِ :
نعناعٍ
وحشيشٍ ريفيٍّ
ودخانٍ بلَديٍّ ...
وعطورٍ داكنةٍ من آباطِ الفتَياتِ .

طنجة 23.10.2011