حسين حبش

صعود

حسين حبشالطفل الذي صَعَدَ السُّلم
ليخبرَ الجيران بمجيء الطائرات
وبدء القصف
أكملَ صعوده إلى السماء!

نجاة

من الرَّعبِ وهولِ المذبَحة
انعقدَ لسَانُ الطفل.
بيديه المُرتجفتينِ
رَوَى قصَّة نجَاته العَجيبة
كاملةً.

تَمويه

قبلَ أن تَلفظَ أنفاسَها الأخيرة
صَبغت الأمُّ بدمها النَّازف
جَسَدَ طفلها!
نَجا الطفل من المَذبحة!

عصافير بابا عمر

أينَ أنتَ با بني؟
في الجنَّة يا أبي!
وكيفَ وصلتَ إلى هناك يا بني؟
طرتُ مع أصدقائي الصغار من بابا عمر
ووجدتُ نفسي هناكَ يا أبي!

غضب

لماذا أنتَ غاضبٌ يا أبي
أطفالُ الحُولة يا بني!
ما بهم يا أبي؟
كانوا يَلعبونَ مثلكَ
واليومَ نُحروا يا بني!
ومن فعلَ ذلك يا أبي؟
غداً ستعلمُ بكلِّ شيء،
بكلِّ شيء يا بني!

حمزة الخطيب

لم يُمهلوه أن يمشّط شعره
ويضحك للمرآة
ويقولُ: كم أنتَ جميلٌ أيها الولدُ الشقيُّ.

لم يُمهلوه أن يقبِّلَ أمه
ويقولُ لها: كم أحبكِ يا أماه.

لم يُمهلوه أن يفتلَ شاربيه
ويقولُ لأبيه: يا أبي لقد صرتُ رجلاً قوياً
فلا تخف علي.

لم يُمهلوه أن يلتقي بحبيبته الصغيرة
ويقولُ لها: قلبي يخفق كجناحيِّ عصفور حينَ أراكِ.

لم يُمهلوه أن يودِّعَ أصدقاءه
ويقولُ لهم: انتظروني يا أشقياء
سنذهبُ سوية إلى المدرسة.

لم يُمهلوه أن يركلَ كرته
ويقولُ لها: سأصيبُ هدفاً آخر حينَ أعود.

لم يُمهلوه أن يكبرَ ويتزوج وينجب
ويسمِّي طفلته الأولى
درعا أو حوران...

دمية!

نَسيَ القاتلُ أن يَطعنَ
دُمية البنت الصَغيرة معها أيضاً.
استيقظت الدمية من الصَّدمة،
تشبَّثت بصَاحبتها
وأبَتْ إلا أنْ تُدفنَ معها!

بول

أليسَ البوْلُ
الذي تبوَّله الأطفال منَ الرُّعب
قبلَ أن تَطالهم الفؤوس
والسكاكينُ بهنيهةٍ
أطهرُ منَ الدَّم الذي يَجري
في عُروقِ القاتل؟

سباق

الأطفالُ الذين كانوا
يقفونَ في صفٍّ واحد
لم يُمهلهم الرصَاص
أن يبدأوا سباقهم...
الآن لا خوف،
لا رصاص
ولا قتل...
يقفونَ في صفٍّ واحد
ويتسَابقونَ في الأبديَّة!

كاميرا

الكاميرا التي كانتْ تُصوِّر
جثثَ الأطفال
ارتعبتْ من المشاهد المروِّعة،
تَراجعتْ خَطواتٍ مرتبكةً إلى الوراء
وانهمرتْ دمُوعاً غزيرة
من العَدَسَة!

رضيع

الرَّضيعُ الذي أخْرجوه
من تحتِ الأنقاض
لم يَطاله الأذى كثيراً
ببراءةٍ متناهية
كانَ يتشبَّث بصَدر أمه
ويَرضعُ ما تبقى من الحليب
المُتَخثِر في الثديِّ البَارد!

بكاء

المَرأة التي كانتْ تبكي بحِرقة
لم تكنْ تبكي على زوجها المفقود
ولا على بيتها المُتَهَدم
ولا على مُلكها الضَّائع...
كانتْ تبكي فقط
لأن طفلها الرضِيع
كانَ يبكي من الجوع، دون انقطاع
والمسكينة لا تعرفُ حَلَّاً
ولا سَبيل!

مشط!

جلسَت الطفلة الصغيرة
تُمشط شعر لعبتها
وتُدندنُ لها بأغنية.
جاءَ رصاص الغدر
مشَّطَها
مشَّط لعبتها
مشَّط عائلتها وبيتها
وقطتها وحديقتها
وأرجوحتها وأحلامها ودندناتها
مشَّط جيرانها
وصَديقاتها
........!

أطفال التريمسة

أطفال التريمسة يقولونَ الآن
لا نريدُ حليباً
لا نريدُ خبزاً
لا نريدُ ألعاباً
لا نريدُ ثياباً جديدة
لا نريدُ ألقاباً
فقط انزعوا هذا الرصَاصَات
والسكاكين عن أجسَادنا الطَّرية
ودعونا نرقدُ بأمانٍ
في رحلتنا الأبديَّة!

ابتسامة

الطفل الشهيد الذي كانَ يبتسم
لم يكنْ يبتسم لأجل الابتسام فقط!
كانَ بذلك يُهدئ من روع أمه
ويحفِّفُ من حُزنها الشَّديد عليه.

حسين حبش
www.husseinhabasch.com