سعدي يوسف
(العراق/لندن)

سعدي يوسف صحيحٌ أنني في روما، وأني أفعلُ ما يفعل الرومانيون، سعيداً.
وصحيحٌ أن فيليبو بَتيني ينظر إليّ مبتسماً.
وصحيحٌ أن كريستيانا موتو تشعر بأنها أكملتْ مهمّتَها حين جاءت بي، قاطعةً معي الطريقَ كلَّه، من بستويا إلى هذه القلعة في فيرونيا.
وصحيحٌ أن فوزي الدليمي مرتاحٌ لأن ترجمته الرائعة جعلت شِعري متاحاً للناس في هذا البلد مرتينِ.

هذا كله صحيحٌ.

لكن ثمّة أمراً، عميقاً ومشَرِّفاً، لا بدَّ لي من أن أنوِّه به، وأشير إليه، هو: المشاركةُ.
المشاركة في القلق على المصائر، مصائر كل الشعوب، ومصير كلِ فردٍ.
أحسستُ بأن الناس لا يريدون أن يقضي القرنُ الواحد والعشرون على أحلام وأفكار القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. لا أحد يريد أن يرغَمَ العالَمُ على الرجوع إلى ما قبل ثورة 1789 الفرنسية، حين كان الغيبُ والظلامُ والذهب، ثالوثَ الحياة الثقيل.
المشاركة، أيتها الصديقات، أيها الأصدقاء، تعني أن يرتفع الصوت الإنسانيّ بكلمة الحقّ والعدل والشجاعة، حتى في أقسى الظروف والشروط.
هكذا ارتفع صوتُ جوليانا سيغرَينا، وهي الخارجة، للتو، من محنة الترجُّحِ بين الحياة والموت . سيغرَينا هي التي قالت إن الشعب العراقيّ مختطَف، لا مختطِفٌ...
هي التي جهرت بالحقيقة، ناصعةً في شجاعتها، مثل شهابٍ في ليلٍ بهيمٍ.
وما كان لقولها أن يجد الصدى، لولا روح المشاركة السامية، النابضة في قلوب الإيطاليين جميعاً.
الأفراد، كالأمم، لهم الحقُّ في التفرّد، والسيادة، والكرامة.
وإنْ كانت للشعر من رسالة، فهي إدامةُ تفَرُّدِ الفردِ وكرامتِه.
الشعرُ، إذ يفعل هذا، يدافع عن إنسانية الإنسان المهدَّدة.
يدافع عن حواس الإنسان، حين يمنحها المزيدَ من الحساسية.
ويدافع عن أحلام الإنسان، حين يمنحها المزيدَ من المسافة.
ويدافع عن لسان الإنسان، حين يمنح اللغةَ المزيدَ من الرنين.
نحن الشعراء
نحيا على الطريق
ونموت على الطريق
ونحن ندقُّ الصنجَ العالي ...

***

شكراً أيها الأصدقاء الإيطاليون، لأنكم منحتموني فرصةَ أن أدقَّ الصنجَ العالي في هذه القلعة!

نصُّ الكلمة التي ألقاها سعدي يوسف في حفل تسلُّمه جائزة فيرونيا، مساء 16 تموز 2005

السفير
2005/07/22


إقرأ أيضاً:-