(ضيفاً على الصالون الفكري لجمعية خريجي جامعة هارفارد)

حكيم عنكر
(دبي-الإمارات)

أدونيسحل الشاعر العربي الكبير علي أحمد سعيد (أدونيس) مساء أول أمس ضيفا على الصالون الفكري الذي تنظمه في دبي جمعية خريجي جامعة هارفارد في الإمارات مرة على رأس كل شهر، وتأتي هذه المبادرة من قبل الخريجين في إطار السعي الى توسيع دائرة الحوار حول القضايا الآنية ذات الاهتمام المشترك والتي تعنى بالوضع العام للثقافة العربية وقضاياها الفكرية والمعرفية المستجدة، وبالتحديات التي يواجهها العالم العربي في ظل متطلبات العولمة والإرغامات التي تدفع بالعقل العربي الى مزيد من بذل الجهد وتجاوز حالة الاحتباس التي يعيشها.
ويهدف الصالون الفكري الى الانفتاح على الفعاليات والطاقات الفكرية المحلية والعربية والعالمية من مختلف تخصصات المعرفة الإنسانية، وتوسيع دائرة الجدل وتبادل الآراء والأفكار ومد جسور الحوار الانساني بما يعمق النقاش حول المعضلات التي يواجهها عالم اليوم.
جلسة افتتاحية يحضرها الشاعر أدونيس تعني الكثير بالنسبة لهذا الصالون الفكري الناشئ، الذي يطمح من خلال سلسلة اللقاءات القادمة الى توسيع دائرة الحوار وترسيخ ثقافة الجدل والتناظر، وهو الأمر الذي عكسته جلسة أمس من خلال النقاش الذي أدير بمهارة حول المفاصل الأساسية التي شكلت الطرح الفكري والأدبي لشاعر ومثقف من عيار أدونيس، كان دائما على الأطراف القصية لسؤال الثقافة العربية، وفي عمق الإشكالات المعرفية التي طرحها مشروع الحداثة العربية.
واعتبر أدونيس في سياق جلسة الحوار أن العقل العربي مدعو في التباسات اللحظة الراهنة الى ارتكاب الكثير من الشجاعة الفكرية والأدبية سواء على مستوى الجرأة في طرح السؤال أو من خلال تلمس الإجابات الضرورية للانخراط في العصر المعولم، وعدم الاكتفاء بتلقي الجاهز.
وأكد أدونيس أن المدخل الحقيقي لتحقيق ذلك هو معاودة صياغة سؤال الثقافة العربية وإعادة النظر في الكثير من المسلمات وتقوية درع ثقافة الاختلاف، والانتماء الى المشروع الحداثي، وحسم الترددات التي تعيق العقل العربي على الانطلاق ومجابهة مصيره الكوني.
ويتميز أدونيس بأعماله المؤسسة التي أسست نظريا وشعريا للحداثة العربية، وكذلك بانفتاحه على الثقافات العالمية والموقع الذي أحله للثقافة العربية من خلال وجوده الاعتباري ككاتب ومفكر عربي سجالي في باريس، وقد أثارت أفكاره دوما الكثير من النقد والانتقاد، وبقدر ما حاز من المناصرين حاز أيضا كماً هائلاً من المناوئين.
لكنه لم يتوقف عن ارتكاب الجراءة الفكرية والأدبية وعن الوجود القائم الذات كند ثقافي وكمحاور عميق للغرب، ولعل الوجود الباريسي أضاف له الكثير باعتباره مفكرا حرا لا يمكن اليوم تجاوزه.
وفي هذا الإطار يكتب عنه الراحل ادوارد سعيد في مقدمة كتاب "الضوء المشرقي: أدونيس كما يراه مفكرون وشعراء عالميون" وهو مجموعة مقالات وبحوث ظهرت بالانجليزية والفرنسية والايطالية والاسبانية في أوقات متفاوتة مركزا على دوره الريادي في إطلاق شرارة الحداثة في الشعر العربي المعاصر، من دون أن يغفل الإشارة الى درايته العميقة بالتراث، وإعادة تأويله له وفق جدلية الثابت والمتحول كما يمتدح جرأة أدونيس في إثارة أسئلة إشكالية تركت، ولا تزال، أثراً عميقاً في بنية الوعي الأدبي والفكري في الثقافة العربية.
وتوقف النقاش في هذه الجلسة على أهمية المبادرة الفردية ودورها في صياغة المناطق الجديدة للفكر العربي، وأيضا في بلورة المشروع المجتمعي، ومن بين ذلك التنصيص على أهمية الحرية الفردية وحرية المرأة تحديدا في رفد بنيات التحول داخل المجتمع العربي، وتصليب موقفه الندي، وتحقيق قوته الاقتراحية خارج إطار النموذج.
شارك في النقاش نخبة من أعضاء جمعية خريجي هارفارد في الإمارات وعدد من الوجوه الثقافية، وانتهت جلسة الصالون الى تثمين هذه المباردة وإلى المضي قدما في اتجاه تطوير الحوار الفكري مع كافة أطراف إنتاج العملية الفكرية، والانفتاح في ما يستقبل من الجلسات على أوسع نطاق ممكن من الجمهور.
الجدير بالذكر أن جمعية خريجي هارفارد قد أسست منذ نحو ثلاث سنوات ويرأسها الدكتور حبيب الملا، وينشط في إطارها نحو 25 خريجاً وخريجة من أبناء الدولة وغيرهم من المقيمين على أرض الإمارات، فيما يصل عدد الخريجين الامارتيين من هارفارد الى 80 خريجاً وخريجة وهم يشغلون اليوم أعلى المناصب في المؤسسات العامة والخاصة في دبي وفي غيرها من الإمارات الأخرى.
ومن المنتظر أن يستضيف الصالون الفكري الشهر القادم الأكاديمي والاقتصادي جون كيري لمناقشته حول قضايا الاقتصاد العالمي الجديد والنظريات الاقتصادية الجديدة وعلاقات الشمال بالجنوب.

الخليج
2006-02-15