(بلغ السبعين ويعترف بالخسارة لتوقفه عن كتابة الشعر)

سيد محمود
(مصر)

أحمد عبدالمعطي حجازياحتفلت الأوساط الأدبية في مصر ببلوغ الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي عامه السبعين. وأقام المجلس الأعلى للثقافة في مصر احتفالية شارك فيها عدد كبير من النقاد والشعراء سلطوا الضوء على مساهمات حجازي كرائد من رواد الشعر العربي الحديث.
"الحياة" التقت الشاعر في منزله في ضاحية مصر الجديدة وحاورته حول التحولات التي مرت بها تجربته الإنسانية والإبداعية. وفي الحوار يعلن التخلي عن إيمانه القديم بالتجربة الناصرية، ويؤكد ان عبدالناصر لم يكن أكثر من ضابط أسس لشرعية الانقلابات العسكرية في عالمنا العربي، ويعلن بوضوح رأيه في قصيدة النثر التي يعتبرها شعراً ناقصاً نافياً عن نفسه تهمة "الشوفينية" التي كيلت له. ويتطرق الى قضايا ترتبط بملف الريادة الشعرية معترفاً بالخسارة لأنه توقف عن كتابة الشعر.

* تجربتك الممتدة نصف قرن مع الشعر، كيف تنظر الى ما أنجزته؟ وهل ما زلت ترى في نفسك "أصغر فرسان الكلمة"؟

- الزهو الذي دفعني لأن أقول "انني أصغر فرسان الكلمة" لا شك في أنه خف وتراجع وحلت محله مشاعر أخرى، في مقدمها الشعور الشديد بالمسؤولية والرغبة في استكمال العمل وتحري الصدق والإحساس العام بضرورة المراجعة في شكل لا يستبعد الاعتراف بالأخطاء. وعموماً أستطيع أن أقول انني راضٍ عما قدمت حتى الآن، وان كانت بي رغبة حارقة في أن استكمل ما بدأته.

* ما الذي تقصده بمعنى المسؤولية، وما الاتجاه الذي تمضي فيه من أجل المراجعة؟

- المسؤولية نتيجة ما تحقق لي من نجاح. فهذا النجاح يطرح عليّ هذا الشعور بالمسؤولية إزاء الأفكار التي تبنيتها، وإزاء الأجيال التي استطعت أن أخاطبها، وأعتقد انها صدقتني. وأقول الآن انني لم أعد متفرجاً كما كنت، والمراجعة جاءت لأني أدركت ان رحلتي كانت طويلة ومملوءة بدروس وخبرات. والمراجعة التي أقصدها لا تقتصر على المعنى الفني المحدود، وهذا ما أقوم به أحياناً لكن مراجعتي شملت أفكاراً ومسلمات كبيرة فهي مراجعة لـ "تاريخ كامل".

* من الملاحظ عبر مقالاتك ان المراجعة امتدت لتشمل قناعات كانت أساسية في تاريخك الشخصي والشعري مثل قضية العروبة والوحدة العربية وغير ذلك!

- مراجعتي لموضوع العروبة لم تكن فقط لمراجعة موضوع سياسي، لأنه أولاً كان من بين موضوعاتي الشعرية. أي ان له امتدادات في المعنى الفني. مثلاً كنت أعتبر ان من واجبي كشاعر مجدد ألا يكون إبداعي لقصيدة عربية جديدة خارجاً عن مسار الشعر العربي، في محاولة لحل إشكال البحث عن هوية. فالهوية كما أفهمها ليست موضوعاً سياسياً وإنما هي موضوع متصل بالتاريخ والأدب والفن وسواها. ولذلك كان هذا الموضوع ولا يزال ملحاً عليّ، ويتعرض لمراجعات كثيرة. ففي خمسينات القرن الماضي كانت الشروط الموضوعية تؤدي بنا الى قبول فكرة العروبة كما كانت تطرح آنذاك وفي الصيغ التي أصبحت الآن محل مراجعة.

* وما الذي انتهيت اليه في هذا الخصوص؟

- انتهيت الى الإيمان بأن العروبة تظهر كشعار، فكرة صحيحة، ولكن بشروط جديدة تستجيب لمعنى التنوع، وتنظر اليه كعلامة غنى. وتحترم أيضاً الخصوصيات الإقليمية وحقوق الأقليات. والمؤسف ان إيماننا القديم بالوحدة القسرية جعلنا نرى دولاً عربية تعاني خطر التقسيم لأنها لم تحترم التنوع، وأنكرت الفروق، بحيث لم يعد أمام الفئات المهضومة الحق إلا ان تسعى الى التمرد والاستنجاد بالخروج، ولكي نستطيع أن نقيم رابطة عربية جديدة لا بد من أن نسلم بهذا الاختلاف.

* ولكن في تقديري ان مشكلتك مع "المراجعة" تعود الى أن الفكرة امتدت لتشمل زعيماً في حجم جمال عبدالناصر، وكنت أبرز من تغنوا به. وسؤالي هل أضرت هذه المراجعة بحضورك الشعري أمام النخب التي لا تزال ترى عبدالناصر في صورة الزعيم الأوحد؟

- عندما أؤمن بفكرة، عليّ أن أدفع الثمن. فعندما كنت أرى عبدالناصر بطلاً قومياً كنت أدفع الثمن، ودفعت للهجرة والرحيل من مصر في عصر السادات بسبب هذا الإيمان. واليوم أصبحت هدفاً لحملات من الناصريين لأن قناعاتي تغيرت.

* ومتى بدأ الفراق بينك وبين الناصرية؟

- في تقديري ان الفراق بدأ بعد النكسة في حزيران (يونيو) 1967. وشكّي في التجربة بدأ منذ العام 1963 بعد انهيار الوحدة المصرية - السورية. وظل في داخلي سؤال: لماذا نحتاج الى الطغيان ونؤمن بالطاغية كل هذا الإيمان؟ وكنت أسأل لماذا، لكي ننهض ونسترد فلسطين ونتقدم ونقيم بستان الاشتراكية، لا بد من قتل الشعب وحكم الأجهزة الأمنية والاستخبارات؟ ولماذا ينبغي ان نستخدم المثقفين بدلاً من دعم استقلالهم لحماية تجاربنا؟ وهذا سؤال قائم حتى الآن.

* المدهش بالنسبة إليّ انك لم تكن من ضحايا سنوات التعذيب في العهد الناصري؟

- هذا صحيح، لم أسجن إلا فترة بسيطة في العام 1945 ولمدة ثلاثة أيام في العام 1965. وهذا لا يعني انني كنت مقبولاً لدى السلطة الناصرية. فقد كنت مرفوضاً منها على رغم اقتناعي التام بها. بل عشت كل سنواتها ممنوعاً من السفر كما أن ديواني الأول صودر في مصر بسبب أبيات لي أوردها رجاء النقاش في مقدمته الجميلة للديوان، ولم تنشر فيه واعتبرها الرقيب آنذاك شكلاً من أشكال التجديف.

* الآن وبعد هذا العمر ما الذي انتهيت اليه في شأن تقويم تجربة عبدالناصر؟

- أقول بصراحة: عبدالناصر ليس أكثر من ضابط قاد أخطر انقلاب عسكري في المنطقة، وهذا الانقلاب لم يتغير الى الآن على رغم ما فيه من تحسينات. وعندما أنظر الى التغييرات التي أحدثها في البنية السياسية والاجتماعية للمجتمع المصري اكتشف انها تمت من دون دراسة وعلى عجل، وبالتالي لم تؤد الغرض النبيل من ورائها.

* هل تعتقد أن "تناص" قصيدتك وترابطها مع مفردات المشروع القومي في صيغته الناصرية أضرّا بها بحيث انتهت التجربة أو أغلقت بغياب هذا المشروع؟

- أولاً هذا الحكم لا ينطبق إلا على قصيدتين أو ثلاث من أعمالي الأولى، وتحديداً على قصيدتي عن عبدالناصر لأنني كتبتها في ذروة انفعالي حيال تأميم قناة السويس. ومن يراجع بقية قصائدي يجد فيها هذا الإحساس بالخلل وبأخطاء التجربة وتحديداً قصيدة "الرحلة ابتدأت" التي نظرت فيها الى النظام بصفته نظاماً لمجموعة من المماليك الصغار.

* بعد سنوات المنفى التي امتدت سبع عشرة سنة والعودة الى مصر في العام 1990 ما الذي تركته باريس في روح شاعر كان يحس بالغربة في مدينة مثل القاهرة؟

- في باريس هناك أكثر من سبب يشعرك بمعنى المواطنة، نتيجة سيادة فكرة القانون والحقوق والواجبات. وتظل طبعاً رابطتك بالتاريخ وفكرة الانتماء للوطن الأول حاضرة. لكنني على كل حال مولع بالسفر، ونظراً الى ان علاقتي بالواقع كانت دائماً متوترة، كانت فكرة السفر والرحيل الدائم ملجأ. ولذلك بقي الزمن هو الوطن وليس المكان.

* اذا عدنا الى الشعر نلاحظ انك لم تنجح في بناء علاقة جيدة مع الشعراء الشباب في مصر، حتى ان بعضهم يقول: "ان تجربتك الشعرية أغلقت مبكراً وانكفأت على أغراض الشعر القديمة من رثاء وهجاء وما غير ذلك فكيف تقرأ هذا الاتهام؟

- هذا اتهام مجاني وفي رأيي انه لا يستند الى شيء.

* وهناك رأي آخر يقول ان ما كتبته طوال سنوات كان يهدف الى لعب أدوار سياسية بعيدة عن الشعر وصبت جميعها في صورة مكاسب شخصية وبغرض واحد هو تكريس قيمتك الشعرية وليس دعم الأصوات الجديدة وتقديمها؟

- وهذا أيضاً رأي "تافه" وغير صحيح. فأنا مكرس منذ العام 1956، ولم أكن في حاجة الى منصب أو منبر ورئاسة تحرير مجلة مثل "إبداع" لكي أؤكد وجودي. لكن المجلة طوال رئاسة تحريري لها تصدت لأخطر الموضوعات التي مست الثقافة المصرية مثل الإرهاب والتطرف والمصادرة والعلاقة مع الآخر. ولعبت دوراً في تقديم الثقافة الرفيعة. وللأسف الحياة الثقافية في مصر غير منضبطة وتفتقد لقوانين الفرز التي تضع مثل هذه المقولات في موقعها الصحيح.

* هل غيرت السنوات من موقفك إزاء قصيدة النثر وأصبحت في اتجاه قبولها والتعاطي معها؟

- موقفي من قصيدة النثر لم يتغير، ولكن تغيرت طريقتي في التعبير عن هذا الموقف الذي أوجزه في الآتي: قصيدة النثر عندي لا تزال أقرب ما تكون الى "الشعر الناقص"، لأن الشعر كما أراه، لا بد من أن يقوم على أركان أساسية وجوهرية. فلغة الشعر تحتاج الى المجاز والإيقاع والموسيقى، واذا غاب عنها شرط من هذه الشروط فإن النص الشعري يختل ويصبح إما منظومات تقريرية تعليمية كألفية ابن مالك، وإما قصائد ناقصة كما هي الحال في قصيدة النثر الشائعة الآن. وأرجو أن تلاحظ ان الاسم ذاته تعبير عن هذا النقصان. وما تغيّر كما قلت، هو طريقة تعبيري عن هذا الرأي ليصبح أقل عنفاً مما مضى. ولم أعد في حاجة لكي أكون قاسياً ما دام موقفي اتضح في مجموعة من المقالات نشرتها في صحيفة "الأهرام" حول هذا الموضوع. وقد اتضح أيضا انني لا ألزم أحداً بهذا الموقف، بدليل إنني نشرت خلال رئاسة تحرير مجلة "إبداع" بعض النصوص النثرية لفاطمة قنديل ومحمد بنيس على سبيل المثل.

* ولكن كيف تفسر شيوع هذه القصيدة بحيث أصبحت الآن في متن المشهد الشعري عربياً وليست في هامشه؟ أليس هذا تعبيراً عن قدرتها على الاستمرار وتلبيتها حساسية راهنة عجزت قصيدة التفعيلة عن تلمسها؟

- أتصور ان شيوعها يؤكد ان هناك ميلاً الى الاستسهال يسود معظم مظاهر إنتاجنا الفني والثقافي. فأنت الآن لا تستطيع ان تقول إن علاقة الكاتب الصحافي باللغة العربية هي كما كانت قبل ثلاثين سنة، والأمر ينطبق على الموسيقى التي تعيش أشد عصورها انحطاطاً. هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك أيضاً استجابة لنزعات أو "موضات" أدبية ترد إلينا من الثقافة الغربية. فإضافة الى قصيدة النثر عشنا موجة أخرى اسمها "الكتابة عبر النوعية". وتحت المراوغة الموجودة في هذه الموضة تم الترويج لنصوص وكتابات ضعيفة. وأرجو ألا يفهم القارئ هنا انني أرفض التجديد أو التجريب والتجديد ولكنني مع وضع الضوابط التي تمكن من فرز الغث عن الثمين.

* وكيف تنظر الى تجارب مهمة في قصيدة النثر تبدت مع محمد الماغوط أو مع أنسي الحاج؟

- هذه استثناءات يعود نجاحها أساساً الى موهبة أصحابها الكبيرة وقدرتهم على إنتاج نصوص ممتعة فيها الكثير من العناصر التي ترضيني. لكنها ليست قادرة على جعلي أؤمن بها كقصائد شعرية. فليس كل ما يمتع يقع تحت دائرة "الشعر"، وأنا هنا لا أنفي عنهما صفة الشعرية ولكنهما يكتبان النص الذي يقرأ كحالة، وليس النص الذي يتوافر فيه شرط الشكل. وعندما نتكلم عن الشعر في المعنى الاصطلاحي فليس أمامنا الا الاعتراف بالشعر الموزون.

* وكيف يمكننا أن نفرق بين موقفك من قصيدة النثر والموقف الذي اتخذه العقاد قبل نصف قرن من قصيدة التفعيلة التي كتبتها وأحالها الى لجنة النثر للاختصاص؟

- طبعاً هناك عناصر تشابه، منها مثلاً الصراع بين الجديد والمحافظ، وهي سمة في كل عصر. وابن قتيبة يقول: "كل قديم كان جديداً في عصره". وعلى هذا فموقفي طبيعي، اذا تصورت انني وصلت الى المرحلة التي يكون لي فيها رأي أطمئن اليه إزاء أسئلة كثيرة كانت تشغلني حول الشعر وماهيته. وهذه التصورات الموجودة الآن لم تكن تبلورت قبل نصف قرن. لكن الفرق بيني وبين العقاد انه استخدم سلطة الدولة لمواجهة النص الذي كنا نكتبه لحسم صراعه معنا، وأظن انني لم أفعل ذلك فلم أستخدم سلطة الدولة أبداً لفرض تصوراتي.

* لكن المنابر التي أعلنت عبرها رأيك هي أيضاً وبحد ذاتها سلطة. فمقالاتك نشرت في منبر كبير مثل جريدة "الأهرام" بما لها من سلطة معنوية ورمزية كبيرة؟

- طبعاً المنبر الصحافي سلطة معنوية، ولكنها سلطة ترتبط باسمي وليست سلطة المؤسسة. ولو كان غيري كتب ما كتب لما استمع اليه أحد. لكن مقالاتي خلقت هذا الصدى بسبب ما امتلكه من "صدقية" أخلاقية يعرفها قارئ الشعر في العالم العربي كله. وهذه الصدقية لم تجعلني أمنع نشر قصائد النثر وقت رئاستي تحرير "إبداع"، لتأكيد معنى التنوع. ولذلك لا أعتبر ما بيني وبين شعراء النثر من سجال "معركة" وإنما هو خلاف في الذائقة والتقدير، وهذا حقي.

* انشغلت فترة في طرح قضية "الريادة في الشعر العربي الحديث والمعاصر" ويرى البعض انك انطلقت من موقف شوفيني يتعصب لمصلحة التجربة المصرية، ويهمل في الوقت ذاته ما أنجز في العراق ولبنان من تحولات مواكبة؟

- أولاً بدأت كتابة هذه المقالات لمواجهة التعتيم والتزييف التاريخي الذي مورس بغية إهمال ما أنجزه شعراء مصريون من تجديد بدأ في العشرينات مع أمثال أحمد زكي أبو شادي وخليل شيبوب. وبعدهما بقليل جاءت تجربة محمد فريد أبو حديد. والــــى جوار هؤلاء كانت هناك تجارب الشعر المرسل وصولاً الى مرحلـــة الأربعينات حين تبلورت قصائد لويس عوض وعبدالرحمن الشرقاوي وكمال عبدالحليم وللأسف لا يذكر هؤلاء فــــي دراســـات ومقالات لكتاب ونقـاد كبار يبـدأون من قصــيدة "الكوليـــرا" لنازك الملائكة وهم يؤرخون للشعر الحر على رغم انها قصيدة "رديئة" مثلها في ذلك مثل التجارب الأولى لبدر شاكر السياب وهي ساذجة جداً بالقياس الى تجارب خليل شيبوب. وأعجب من النقاد الذين يتعاملون مع أدونيس مثلاً كرائد للشعر الحر على رغم ان تجاربه في هذا الاتجاه كانت تالية لموجات سابقة، وهذا لا يلغي انه بشّر بموجة جديدة، لكنه ليس رائداً.

* ولماذا تنظر الى الريادة وهي مسألة تاريخية ولا تعني بالضرورة التأسيس للتجربة بالعمق الذي يضمن تأثيرها؟ ومن ثم فقد يكون لتجربة العراقيين واللبنانيين هذا التأثير الذي لم يتوافر للتجربة المصرية!

- الريادة مسألة تاريخية نعم، لكن الحكم عليها ينبغي أن يكون في قدرتها على تأسيس تيار، وهذا ما حدث في مصر. فحركة الشعر لم تنشأ لمجرد كتابة نص مغاير لإيقاعات الخليل بن أحمد لكنها كانت في حاجة الى عمل متكامل شارك فيه شعراء كبار من أجيال أرسخ مثل محمود حسن إسماعيل وإبراهيم ناجي، بهدف دعم هذا الخيار الفني وترسيخه.

* لماذا قرئت مقالات كموقف "شوفيني"؟

- ربما لأن من تساجلت معهم ينكرون دور مصر، على رغم ان تأسيس الثقافة العربية الحديثة بدأ في مصر، شئنا هذا أم أبينا. وهذا لا يعني ان المصريين قاموا بكل الأدوار، ونحن لا ننكر مساهمة المثقفين اللبنانيين والسوريين بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

* ربما كانت أحدث معاركك المقال العنيف الذي حمل عنوان "ليست قضاء وقدراً" بعد حريق "قصر ثقافة بني سويف"، وتضمن هجوماً حاداً على وزارة الثقافة على رغم كونك أحد الأعضاء الفاعلين في عدد كبير من لجانها، وعضواً في المجلس الأعلى للثقافة المسؤول: متى تلتقي مع الوزارة ومتى تختلف معها؟

- التقيت مع الوزارة عندما كانت تؤسس لثقافة الاستنارة، وتضع في تقديرها انها تعمل في حقل ممتد من عصر الفراعنة، وقادرة على ان تتفاعل مع مجتمعها وتؤثر فيه وتلبي حاجته. ولكن عندما يتحول عملها وسيلة من وسائل الدعاية لمسؤول في السلطة، مهما كان موقعه، أو عندما تكتفي بإقامة مهرجانات لتزعم من خلالها انها تعمل، فالحقيقة غير ذلك ولا بد من وقفة لتصحيح المسار، اذا كنا نملك قدراً من الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية. وهذه الوقفة تحتاج الى الحكمة والمعرفة والقدرة على إنكار الذات. وما حدث في "بني سويف" جريمة أو كارثة وكانت تشترط هذه الوقفة لتعود الثقافة وسيلة لاستحضار أجمل ما في الأمة من فرح بالحياة والجمال، ولئلا تستمر كـ "ديكور" ووسيلة رخيصة لشراء الضمائر. والمؤسف ان ما حدث في مصر يحدث في بقية الدول العربية، فنحن ضحايا أنظمة الاستبداد التي تستخدم الثقافة والمثقفين وتحولهم موظفين صغاراً. وأنا هنا لا أدعي لنفسي شرف التصحيح أو المقاومة، ولكنني أقول انني عملت في مجلة "إبداع" التي تصدرها الوزارة، وشاركت في لجان المجلس بإحساس أو بضمير المثقف الراغب في تأدية خدمة وطنية، وليس الراغب في حصد المكاسب. فنحن نعمل لكي نؤدي واجبنا بإحساس الكبار الذين يرون ان من واجبهم استكمال ما بدأه طه حسين. ولن يستطيع أحد أن يعيّرني. ووقفتي الآن ضرورية لأن الأوان حان للتصحيح والمراجعة وإعلان الحقيقة بنزاهة.

* السؤال الأخير: هل لديك إحساس بالمرارة بسبـــب توقفـــك عــــن كتابة الشعر منذ فترة غير قصيرة؟

- ليست لدي مرارة، ولكن شعور بالخسارة. وما يعوضني ان لدي إحساسا بالرضا عما كتبته وأكتبه في النثر على رغم ان عملي كشاعر لا يعوضه أي عمل آخر، فالشعر خالد وغيره الى زوال.

الحياة
25/12/2005


أقرأ أيضاً: