رسّخ مصداقية الحداثة الشعرية

حاوره: يقظان التقي

محمد علي شمس الدينمحمد علي شمس الدين من الأصوات الشعرية البارزة، ويترك في ما يكتب فضاء تعبيرياً له آثاره ومكانته.
كتابة تستجيب أكثر من اليومي للعابر والصوفي والتاريخي في نقطة وصل بين الكلاسيكي والحداثي.
عصب شعري في بعد معنوي وتاريخي وإطلالة شعرية تستجيب لمعطى اللغة والإحساس العالي حيث يرتفع النص الشعري العالي.
هنا حوار مع الشاعر الذي يتحدث لـ"المستقبل" عن الشعر والالتزام والحرية.

* كيف يستجيب الشاعر لإغراء الكتابة والإصدار المتجدد، كيف تنهض مادة الشعر قدراً أعلى من الكتابة، هل تكتب في مناخ مديني، أم في مناخ ذاتي، افتراضي، حيث لم يعد هناك شكلٌ واحد لتمثيل الأشياء؟

ـ الشاعر أهم من الحياة. هذا هو قدري وفكرتي. قد يرى غيري سوى ذلك. أعترف لك بأنني أقصر عن الحياة التي كانت دائماً تسبقني وتمعسني ولست راضياً، فأنتقم بالقصيدة. هل أنا مريض؟ لعل سواي لا يريد ذلك. ولكن ملاحظتي ومن خلال معرفتي ببعض أحوال الشعراء وأولئك الذين عاشوا التفاصيل واليوميات. العيش المعفّر بالوقائع وبالوصل، أو بالصعلكة، أو التشرد، أو حتى بالمخدرات، فإنهم كانوا يفعلون ذلك من أجل القصيدة اذا شاءت هي.
أبو نواس، محمود لبريكان، وانطونيو أرتو، ورامبو... ولكن لم يبقَ سوى القصائد.
أعني ان هذا القلق الذي هو قدر حياة الشاعر (المتنبي على قلق كأن الريح تحتي). هذا القلق يبقى حركة من حركات العيش، شبيهة بملايين الحركات المماثلة لها. وإن لم تولد قصيدة آنئذ ومن القصيدة يبدأ تاريخ القلق البشري.

* هل ما زال الشعر في الداخل يستجيب لأغراض الكتابة أي حيث لم تعد التوازنات واليوميات الإنسانية نفسها ومن مسارح الظواهر الكبرى إلى الهوامش، ومن المشترك ومن المختلف؟

ـ كلّ ما لا يطلع من الداخل لا يعول عليه. صحيح ان أحدهم قال: "لا شيء يفوق الوصف". لكن أي وصف هذا؟
نعم، الذي يفوق الوصف هو نبض الداخل. الآن ترى كم هناك من شواهد على ما أسميه سوء التطور الكوكبي. هناك سوء تطور في الكوكب، وفي كل شيء. الطبيعة تصفع الإنسان وتعيد له قذاراته التي يدفنها في باطن الأرض، أو ينفثها في الهواء، ولا يظهر ان البشرية أسعفتها العلوم والثورة التكنولوجية والمعلوماتية. هناك تسونامي في الطبيعة، وتسونامي في الإنسان. لكن هذا الوصف للمشهد. نسأل أين القصيدة؟

الجنون

* تقصد القصيدة من باب الوصف؟

ـ في تصوري أكثر، هي موجودة في قلب الشاعر. يقول صلاح عبد الصبور:
"كيف أجن كي ألمس نبض الكون المختل". هذا الجنون في قلب الشاعر هو الأساس وقد لمست في قصيدة: "غيمٌ لأحلام الملك المخلوع" هذا الخلل من خلال حشد صوري لعناصر حين تمّ التأليف ثم الخروج من القشرة الأرضية في اتجاه زاوية الشعر أو نقطة الفراغ الأعظم:

"للنسر الجائع
للبلبل من المطر الوحشي
وللطفل المذبوح على عتبات النهر
لموسيقى الأفلاك والفوضى الكونية
أنزف من رئتي الشعر
وأرفعه كالجرح الشاخب في نافورة
هذا العصر
وأفضُ دم الأشجار.
أفض دم الأمطار
أمشق ضريح النار بحنجرتي..".

ماذا أقول، أقول ان الشعر هو كيمياء أخرى غير كيمياء الحياة والشعر انبثاق من الداخل، أكثر مما هو ترسيم للخارج.

* كيف يلقى هذا على كتابة الشعر قبولاً وسط تلك العلاقة الجدلية مع اليومي والواقعي؟

ـ ليس هو استجابة، هو اقتحام. قليلا ما يكون عندي رد فعل، وكل الشعراء الذين أحبهم، الشعر عندهم هو فعل. ثم هذا الفصل هو الذي يؤسس ويهدم الممالك ويرسم الموت قبل حدوثه، ويبتكر حياة في الحياة. أكثر من ذلك أعتقد أنه أكثر من المخترعين لا يقرب من الآلهة بالمعنى الميثولوجي سوى الشعراء، وهو أمر عجيب.
كلمة من هنا، وكلمة من هناك، ولا أدري كيف، ومن خلطة سحرية يتشكل عالم هو أبدع من العالم. تتشكل متعة ولوعة، ما يكوي قد رسب في التكرار، من ليل ونهار، وإجرائيات الحياة، تراه يتردد في الكلمات. وهذا الشعر في مواجهة الوجود.

حاجة

* هل يمكن الكلام اذاً على ان الشعر ما زال حاجة اجتماعية أم إنسانية، أم انه بات خارج الحاجات والضرورات، وكأنه في طريقه إلى الانقراض؟

ـ لحسن الحظ لم يعد الشعر حالة عامة. أهم ما تخلص من الشعر مرض الجمهور، وهذا مرض عجيب. الشعر هو خصوصية الخصوصية للكائن البشري. هو ذات الذات بمعزل عن الحاجات والضرورات الاجتماعية. هو الكلمات التي اذا تم التساؤل فيها فمن الباب الضيق.. بعد الشعر الأيديولوجي ومع الإعلان، وشعر الدعاوى والدعوات السياسية والدينية والاجتماعية، يتركز الشعر أكثر ذاتياً. هذا هو الشعر "كل عمرو هيك". واليوم تركز الموضوع أكثر ذاتياً بسبب التطورات التقنية وسوى ذلك، أخذ التلفزيون دوراً، وأخذت الصحافة دوراً وأخذ المؤرخون دوراً، لم يبق من الشعر سوى الشعر.

* الا تشعر بخيبة وأنت تطرح أسئلة الشعر تراكماً؟

ـ الشعر يا صديقي، هو الفرح في الخيبة، وهو حلم بالتأكيد لكن بتصوري هو الوهم الذي يصنع الحقيقة.
أنا من صغر سني شاعر الخسارات، وهناك نقطة عميقة في العدم، تتكتل حولها الكلمات. مثلاً لنفترض أن الذين يأتون إلى هذه البلاد، يأتون من جهتي، من جهة البحر ومن جهة الصحراء. يأتي طفل لنفترض أنه بدم أبيض يكتب ولنفترض أنه يكتب بالحمام، أو كتلميذ بالطبشورة. لكنه يدون فوق اللاشيء هواجسه وموتاه، لا شيء، وأقول في المعارك يدفن الموتى الموتى ولا ينتصر سوى الغبار. في قلبي نكهة من العدمية مبكرة. دعك من الأوطان، أنا كشاعر جنوبي، دعك من الأوطان، دعك من البهجة الظاهرة، الانتصارات وحزن الانكسار، كله يمشي في اتجاه الرماد. أنا شاعر رمادي وشعري رمادي.

المختلف

* طيّب ما هو المختلف في اللغة الشعرية في المجموعة الجديدة؟

ـ شكلت تبعاً لموسيقات متعددة، انتظمت وتبعثرت، في البداية كان لدي إحساس بأنني أقود حصاني في سهل فسيح وأنه بيدي الكلمات، الآلة الوحشية التي أقاتل بها كائنات ظرفية. بالطبع هذا الإحساس الملحمي المتوحش الذي ولد قصائد: "قصائد مهربة إلى حبيبتي آسيا". كان يرافقه صنوج وإيقاعات. فجأة وجدت أن ما كنت أنظر إليه أمامي صار خلفي. فلم أعد أستطيع العودة بنفس الهياج. صار يكفيني الالتفات. هذا هو صراعي مع اللغة ومع الإيقاع.

* وأين تصنف نفسك الآن؟

ـ أريد أن أقول لك شيئاً جوهرياً. لست شاعراً مدرسياً. هذه الجملة قالتها عني لجنة مناقشة أطروحة دكتوراه في شعري، لجنة في اسبانيا في جامعة "الأوكونوما" في مدريد هناك احتدام روحي وجسدي معي. وهناك مرارات ورقاد. ودائماً ثمة شعور لا يمتلئ. إنما ماذا أفعل؟، جربت الحسية المفرطة في الحياة، ثم جربت الانقطاع الصوفي ولا هنا ذهب العذاب، ولا هناك ذهب العذاب.
أنا مريض بالكلمات وهذه قضيتي، وهذه قصتي. أنا اكتب النص الكلاسيكي المتين، لكن النص التائه مثل المسيح الجديد.

* هذا منحى صوفي؟

ـ بالتأكيد:

"عيشي على الموت مختالاً
كأن به
سراً ليس يخفيه
يمشي الهوينا وقتلاه تمجده
كأنما كل ما يرديه يحييه.
يعلو على الغيم أحياناً وأبصره
يدنو فيصبح أدنى من معانيه
أعطيته كل ما أوتيت من نعم
وما ندمت فألقاني على التيه".

أنا لا أخاف إلا نفسي، والآن في حمى الصراع حول الحداثة وجدواها، وما بعد الحداثة ولزوم الماضي (لزوم ما لا يلزم) إني أجسد نفسي في نقطة الحرية. تعني حريتي في أخذ الشكل كما أريد وفي تركه كما أريد. لست عبداً للأشكال والتصنيف والمدارس وفي تمثيل الأشياء.
أنا من الشعراء الذين هناك اهتمام أكاديمي في شعرهم في الداخل وفي الخارج، في السوربون، وفي مدريد. هناك إنصاف أكاديمي لشعري، وفي ناحية التداول النقدي خارج الأكاديمي لا أشعر بالظلم. أنا الوحيد الذي صدر عدد خاص عنه في مجلة الشعراء في "رام الله". ما عندي إحساس بالظلم، هناك أكثر من رسالة دكتوراه عربية وأجنبية في شعري. لا أريد أكثر من هذا.

* هناك شعراء يعتبرون صعود الشاعر إلى المنبر، يضعف تقديم القصيدة المركبة، علماً أن معظم الشعراء الذين نظروا للكتابة في الشعر يكثرون من الصعود إلى المنابر والحفلات والمناسبات أكثر من الشعراء المنبريين أنفسهم؟

ـ لا أريد الإساءة، لا أريد الإعلام المسيء. الإعلام والغناء أضرا محمود درويش، كما أضره غناء مرسيل خليفة لقصائده. بمعنى سرية الشعر، هذه السرية انتهكت في الغناء. محمود درويش في كثير من قصائد شعر سري وجميل. أنا لا أقبل بأن أكون مثل نزار قباني.
المسألة نقاشية وليست نهائية، لكن إحساسي ووجهة نظري هي تلك التي تحافظ على سرية القصيدة.
شخصياً تكفيني رسائل القراء، بريدي الخاص الذي يعج بالرسائل من العراق والسودان وليبيا والجزائر والمملكة العربية السعودية، ومن لندن ومدريد. هذا امتياز الكلمات في اختراق الزمان والمكان.
اعتقد هذا السر، من "الغيب" في قصائدي، والنكهة الصوفية، يجدان من يلتقطهما في العالم، بما يتجاوزه أي نقد وأي إعلام. وصلتني أخيراً من شاعر سوداني رسالة حول قصيدة "ذكر ما حصل للنبي حين أحب"، وفي مثنى الرسالة ما ولا شيخ طريقة يقال له ذلك والمقصود أنا.
أما بالنسبة إلى المنابر، فأقول ان الشاعر نسيج ذاته، لمن يتوجه، هذا هو سؤال الأسئلة. الشاعر برأيي لا يتوجه إلا لذاته ولمن يشبهه، ولمن يشبه هذه الذات بشكل وآخر. من حكم لا أدري. لهذا المعنى الشعر هو استباق وإشارة. من يتلقى الإشارة لا أعلم، ولكن حين يتم التلقي الحقيقي يشتغل الوجدان. ثم ما هو المنبر؟ لماذا لا يكون التلفزيون المنبر بيئة مغذية للشعر. إلقاء قصيدة في الهواء يصل إلى الحياة. أنا لست ضد قراءة الشعر شرط ان يكون الصوت مسموعاً. أعتقد ان ما يصنع الشعر هو الداخل وليس الخارج. مسرح الشعر في الداخل. آليات تقنية، الشعر في مكان آخر، القصيدة السرية تصل بالصمت أو بالصوت.
قصيدة صمتية، أم قصيدة صوتية، الصمت أجدى، لكن الصوت مسألة أو حالة بعمق الحفر في الصمت.
أرى ان عناصر الإعلان والعرض وكل ما هو ليس شعرياً هي عناصر من داخل النص، قصيدة الصمت والسر تحافظ على أسرارها كما ان قصيدة الإعلان حتى لو لم تقرأ على منبر تبقى قصيدة إعلان.

السبعينات

جيل السبعينات تميّز بمسألتين:
استمرارية التفعيلة، وبلورة قصيدة النثر وتكريسها، هل ترى ان هذا الجيل أضاف إلى الشعر، سواء في مستوى الأربعينات أو الستينات؟
ـ جيلنا، أي جيل السبعينات في رأيي رسخ مصداقية الحداثة الشعرية، الرواد أسّسوا، ولكن نحن كنا حقل اختبار تأسيسهم، هل هو صحيح أم قائم على فراغ.

* لماذا؟

ـ أولاً، لأننا الأبناء، وشرارة التجديد التي انطلقت من الآباء والتي اختبرت مداها الحيوي في الأبناء، في قصيدة النثر لولا بول شاوول وعباس بيضون ووديع سعادة وعبده وازن وبسام حجار لبقيت القصيدة فكرة أكثر مما هي نص متفاعل ومتحرك وجوهري.
في شعر الإيقاع المتنوع والمركّب نحن لا نعتبر خليل حاوي من الأسلاف (أنا شخصياً) نحن الذين أسسنا، أنا والياس لحود وحسن عبدالله ومحمد عبدالله، نحن أسسنا لهذه الشرارة الشعرية.
ثانياً، نحن كنا أكثر قرباً من أساس الينابيع والينابيع من رافدين: الثقافة الغربية بنصوصها ونظرياتها، وحركة الحياة، والتراث العربي والمشرقي. اكتنزنا هذه الذخيرة وسبحنا مع الروّاد في بحر واسع مع دريّة أكبر لنا في السباحة، لأننا أخذنا عنهم وأخذن، ثم أخذنا من أصول الينابيع بأكبر دقة وقربى. بالنسبة إلى الشعر الفرنسي الحديث انه كل من بول شاوول وعباس بيضون على سبيل المثال أقرب إلى هذا الشعر من أدونيس.. شعري شخصياً أقرب إلى التراث العربي والتحوّلات والثقافة الغربية من أسلاف لا أعرفهم على صعيد لبناني. جيل السبعينات هو البحر العظيم للحداثة الشعرية العربية، لأنه في رأيي هضم تجربة الروّاد إبداعيا ونقدياً وأضاف إليها الفتوة الشعرية.
ربما كان هذا الجيل مرّ في الظل خلال فترة زمنية ما، بسبب ان الرواد البياتي وأدونيس وأنسي الحاج، أرادوا ان يسيجوا أنفسهم بظلال كثيفة ألقوها على الدروب.
حطوا الظلال، والذي يمشي على الدرب صار بالظل، صار الشعراء الجدد يجدون أنفسهم كأنهم في الظل. ثم انكشفت الظلمة وانكشفت الظلال، وحتى الحظر الإعلامي علينا رُفع وتبين أننا نحن آباء آبائنا.

* بأي معنى؟

ـ نحن الذين قيّمنا تجاربهم الشعرية، أي درسناها وتدارسناها وهم لم يدرسوا تجاربنا، لنا فضل الإضافة، وأنهم عانوا من التقصير فكرروا أنفسهم ولم نكررهم نحن.
هناك من كرر نفسه ومات قبل أن يموت بأكثر من خمسة عشر عاماً.
على الأقل، نحن أضفنا نكهة الحياة الجديدة والمغامرة الجديدة، وأخذنا من نفس الينابيع.

اللبناني

* الشعر اللبناني هل يمكن القول ان هناك شعرية لبنانية لها سمة خاصة يميزها عن الشعر العربي في هذا القرن كله.

ـ نعم وأسمّيها غريزة اللغة، من أمين نخله إلى سعيد عقل، إلى أنسي الحاج (ملعون لغوياً)، إلى بول شاوول، وعباس بيضون وإلى محمد علي شمس الدين وحسن عبدالله، والياس لحود.. نحن ملوك اللغة.
ثانياً، هناك شطح المغامرة الثقافية، إذ ليس عندنا محرمات، والشرق في عينينا والغرب في شمالنا، وكنوز الشعر الفرنسي في أيدينا وكنوز الشعر العربي في صدورنا.
نحن على هذه النقطة الخطيرة من التمازج الحضاري التي تعززها الحرية.
إذاً نحن مختبر شعري وتجريبي.
ثالثاً، القدر التاريخي لنا، قدر ملحمي. بمعنى ان تركيبتنا الداخلية تركيبة انفجارية، وتجربتنا مع "الخصوم" تجربة مفتوحة من هنا الوصول إلى تسميتي، قد تظهر على طرفي تناقض لكن متكاملتان: النحت المعماري واللغوي في الشعر (الشعر كهندسة ولغة) يضاف إليها العصب الحار (لدى بعض شعراء الجنوب اللبناني).

الالتزام

* أين صار شعر الالتزام هذا، الشعر والقضايا، وأنتم بدأتم بالالتزام، أين صار هذا الالتزام؟

ـ يختلف الموضوع في الالتزام من شاعر إلى آخر، أنا لا أستطيع أن تصفني أنني جنوبي بالمعنى الأيديولوجي. لكن عصبي حار كربلائي، ثم لم يبق إلا ما ينفع الناس، عشرات الأسماء في الشعر الملتزم من فلسطين ومن هنا وهناك، ولم يبق سوى النص الإبداعي.

* كيف تنظر إلى شعراء جيلك؟

ـ ذكرت من يصحبني منهم، هناك شعراء لا يصحبونني ولا يهمونني ولا داعي لذكر الأسماء.

* كيف تنظر إلى الشعراء الشباب اليوم؟

ـ ثمة إشارات، لكن تبقى قلقة، أحبها شخصياً، أحب اللغة المسنّنة عند يوسف بزي، يحيى جابر عدته مفهومة متداخلة الخطوط بين اليومي والشعري والصحفي.
ألاحظ ان الثقافة اللغوية ضعيفة عند الشباب لا بد من مزيد من التميز بين الهامشي والإعلاني كمادة للشعر، بين النافل والمستهلك وبين القصيدة.
أقرأ نصاً أحس نفسي عند الهامش واليومي والنافل، أي لم يجتز العتبة، ولا أدري ولا أستطيع تحديد العتبة وما هي لو قدمت لي نصاً على الطبيعة، أقول لك انه لم يجتز العتبة. أتكلم هنا كمعلم وصاحب خبرة.

* والشعر النسائي؟

ـ عندنا في لبنان عناية جابر، في مصر فاطمة ناعوت، من الإمارات نجوم الغانم، وبالسعودية خديجة العمري ومرام المصري. نص شعري نسائي جديد هذا أمر آخر، لكن لا توجد ظواهر شعرية نسائية تملأ مساحة كبيرة، لا توجد خنساء لهذا العصر.

* هذه التوصيفات ألا تطال هوامش أخرى في حركة الشباب اللبناني في الشوارع والساحات كأطر تعبيرية وأفكار جديدة؟.

ـ تقصد تظاهرات الشباب اللبناني هذا اندلاع لقهر مزمن، وهذا القهر المزمن له أقلام وثقافات كثيرة. إنما من نزل إلى الشارع هم أبناء سلالات من المثقفين اللبنانيين ومن أولئك كتبوا الثقافة بالدم أو بالصيحة.
سترى أخلاطا من هذه الثقافة. أنا المح جبران خليل جبران هناك في الساحات "ألمحه كطيف غالباً ما يأتيني في المنام".
المح عظمة الذين طردوا إسرائيل من الجنوب، المح ذاتي شخصياً.
أنا كائن بالنهاية شديد التعلق بالحرية وبلا حدود.
المح أولادي، المح فيروز، وعاصي الرحباني. صدقني لا المح أحداً من السياسيين. لا أرى سياسيين. إن هذا الدم المهدور رفيق الحريري أزاح الغطاء عن البركان.
"أنا جد متعاطف مع هونيك"، أنا لا أحد اقبله فوقي. أنا دحرجت إسرائيل. أنا لا أقبل أحداً يده فوق يدي في وطني.

*بعض الشعراء اليوم لديهم هاجس العالمية؟

ـ السؤال من هو الشاعر العالمي الواصل إلينا خارج إطار الحداثة العالمية. هل يكفي نجيب محفوظ مثلاً.
ماذا نعني بالعالمية، ان يكون الشاعر معروفاً. هل المشكلة هي المعيار، أم الإيصال عبر الترجمات والإعلان. أسئلة كثيرة تطرح اليوم.
نحن خارج الإطار المعروف في ترجماتنا خارج إطار محفوظ وأدونيس ومحمود درويش. لا تستطيع أن تقول أننا مقدمون إلى العالم بما يكفي ويليق، لا لنقص في منسوب الإبداع، إذ لدينا شعراء كبار وأسماء وروائيون كبار وقصاصون. كل هذه الفنون لا ضعف فيها.
المشكلة من يقدمنا إلى العالم. ثقافتنا لا تحملنا إلى العالم، وإذا لم تحملك ثقافتك إلى العالم فمن يحملك؟ الذين تم حملهم للعالم اختلطت الأسباب معهم السياسية والأسباب الشخصية والمبادرات الشخصية. ما حمل محفوظ إلى العالمية فضلاً عن إبداعه نوع من توافق ومسوغات في جزء منها سياسي (كامب ديفيد). ما حمل درويش (قضية فلسطين) ما حمل أدونيس جهد شخصي وسياسي، بمعنى ان أدونيس ليس بريئاً من السياسة وهو صاحب علاقات عامة واسعة.
كل هذا لا يكفي. هو أيضا صاحب مشاريع سياسية قد لا أوافقه (مجلة شعر وحوار)، لكن عنده حيوية ثقافية وسياسية وليس حالة علاقات عامة واسعة وكفى. لكن هو حالة ثقافية وسياسية قديمة. إذاً مسألة العالمية في الشعر مسألة معقدة وأطرافها عديدة.

المستقبل - الاثنين 25 تموز 2005