حوار: إيمان علي

عماد فؤادمنذ ظهور ديوانه الأول في 1998 أعلن الشاعر المصري المغترب "عماد فؤاد" عن رفضه لأشكال الحياة التقليدية، .. ثائر، عابث ومتمرد، هكذا يصفه من عاشروه.
لذلك لم يكن غريباً أن يفضح في حوارنا معه كل شيء ببساطة، حصل مؤخراً على جائزة "طنجة الشاعرة" عن ديوانه الثالث "بكدمة زرقاء من عضَّة النَّدم"، فأردنا أن نستعيد التجربة الشعرية القصيرة لابن قرية "الفرعونية" في دلتا مصر، الذي وعى على صدامات المدينة منذ أن نزحت عائلته إلى القاهرة وهو في الخامسة من عمره:

* بمناسبة حصولك على جائزة "طنجة الشاعرة" ومن قبلها جائزة الشعر الثانية من "مؤسسة الهجرة الهولندية"، ماذا ترى في الجوائز عموماً وهل يظل المبدع مأسوراً بحلم التكريم من وطنه؟

- شاركت – مثلي مثل غيري من الشعراء المصريين والعرب - في الدورة الماضية لجائزة "طنجة الشاعرة" بمجموعتي الشعرية الأخيرة "بكدمة زرقاء من عضَّة النَّدم"، حتى تلقيت إيميلاً من القائمين على الجائزة يخبرونني بحصولي على الجائزة الأولى للديوان الشعري مناصفة مع مجموعة الشاعر المغربي "ميلود لقاح"، الجميل في الأمر هو التنويه الخاص الذي جاء في تقرير لجنة تحكيم الجائزة حيث تمت الإشادة بمستوى المجموعة الشعرية المتميز وبشعريتها الخاصة، وهو شيء لم يسبق حدوثه خلال الأعوام السبعة للجائزة، أما عن الجوائز الثقافية العربية فلا أعتبرها معياراً حقيقياً لتقييم تجربة إبداعية ما، لأن أية جائزة هي ابنة أهواء مجموعة من الأشخاص، ولا يعني حصول شاعر ما على جائزة أنه أفضل من سواه، لم أعامل نفسي أبداً حسب معيار الجوائز، ولست من الذين يتهافتون للحصول عليها، لا في مصر ولا في الدول العربية، مشاركتي في "طنجة الشاعرة" جاءت لفرحي بهذه الجائزة تحديداً، لأنها موجهة لشباب المبدعين العرب، وليست مثل جوائز عربية أخرى يحصل عليها الكتاب لأهمية مراكزهم أو تأثيرهم في الصحافة أو كراسي وزارات الثقافة العربية، ولست أطمع في الحصول على أي من الجوائز الرسمية المصرية، وتأكدي أنني لن أذهب يوماً ما إلى مصر كي أطالب بمنحي جوائز الدولة التقديرية أو التشجيعية التي تمنح منذ عقود لكتاب تجاوزوا الستين ومازالوا في عرف وزارة الثقافة المصرية شباناً، تلك جوائز تمنح من باب ذر الرماد في العيون.

* بخصوص موقع الشعر المصري المعنون بـ"ديوان"، هل أردته بديلاً عن الصحافة الورقية - العربية والمصرية بخاصة - في الشعر نتيجة هزل أصابها، وما السبيل من وجهة نظرك لأن تصمد الصحافة الألكترونية في وجه العوائق التي تقف في طريقها وبالتطبيق على ديوان ما الذي يضمن لها الصمود والاستمرار؟

- حين فكرت في إنشاء موقع "ديوان" لم يكن هدفي صنع صحافة الكترونية في مقابل غياب أو تغييب الصحافة الورقية الهزيلة في مصر، بقدر ما كان هدفي هو وضع المنجز الحقيقي للنص الشعري المصري الجديد على خارطة الإنترنت، وكان الباعث على ذلك هو ما يعرفه الجميع عن سوء توزيع الكتاب المصري داخل مصر، فما بالك بتوزيعه في البلدان العربية، الشعراء والروائيون والمبدعون المصريون يعانون جميعاً في توزيع كتبهم داخل مصر وفي الدول العربية الأخرى، يحمل الشاعر أو الروائي مخطوط كتابه إلى ناشر خاص، ولا أقول إلى واحدة من السلاسل الرسمية المصرية، ويكون مجبراً على دفع مبلغ من المال ربما يفوق استطاعته، ثم يصدر كتابه ليكون مجبراً على شراء نسخه من الناشر مثله مثل أي قارئ آخر، وبعد كل هذه المعاناة يضطر لتوزيع كتابه يداً بيد، من هنا كان الموقع ضرورة ملحة لإيصال النص الشعري المصري الجديد إلى فضاءات أخرى غير الحالة الورقية المصرية البائسة، والحمدلله نجح الموقع خلال عام ونصف العام في لفت انتباه العديد من المواقع والمنابر الثقافية العربية، وهناك ترجمات تتم الآن لبعض شعراء الموقع إلى لغات منها الإنجليزية والأسبانية والبولندية، وهذا شيء يجعلني سعيداً بما حققه الموقع، أما عن العوائق التي تقابل الموقع فحدثي ولا حرج، سوف أشير فقط إلى عاملين، الأول هو أن الموقع أنشئ بمجهود شخصي تماماً، لم يساعدني فيه أحد، والشعراء المصريون أنفسهم لا يتواصلون معي، اللهم إلا قلة قليلة هي التي تواظب على مراسلتي ومدّي بجديدهم، أما الآخرون فاكتفوا بأن أنقل نصوصهم من المواقع العربية الأخرى، والعامل الثاني هو - كما أشرت أنت - غياب الصحافة الثقافية المصرية، لم يبق سوى السيئ والرديء، وربما تندهشين حين أخبرك أن موقع "ديوان" لن يستمر طويلاً، بل إني سوف أقوم بإغلاقه قريباً جداً لعدم تواصل الشعراء المصريين معي، وللوقت الكبير الذي يستهلكه إعداد مواده مني، وسوف أبقي عليه هكذا، يدور وحده في المجرة كجثة تائهة، ويكفي أن الباحث عن اسم أي من الشعراء المصريين الجدد على شبكة الإنترنت سيعثر على ضالته من خلال الموقع، وهذا يكفيني.

* الهجرة والغربة هل هما حقاً أجواء صحية بإمكانها أن تولد ثراءاً إبداعياً داخل المبدع أم هل تراها تخنق التجربه الشعرية داخل غايتي الولع والحنين ومن ثم تمنع الشعر من التنوع، أود أن أعرف ذلك من طبيعة ما تعيشه هناك؟

- مازلت جديداً على الغربة، وهي لم تزل جديدة عليّ، لكن خلال الفترة التي قضيتها مغترباً عن مصر لم أشعر بأن ثمة اختناق ما لتجربتي الشعرية، ربما يأتي هذا الشعور بعد مرور فترة أطول على اغترابي، إنما الآن مازلت أكتشف هذه الثقافة وهذا البلد المختلف، ولا أعتبر أن الاغتراب يخنق التجربة الشعرية، لأن المبدع – أي مبدع – هو مغترب، سواء غادر وطنه أو بقى فيه، في مصر كنت أيضاً مغترباً، الإبداع دائماً ابن اغتراب، وما لمسته عن قرب هو أن حياتي في بلجيكا فتحت أمامي رؤى شعرية جديدة تجلت واضحة في ديواني الأخير "بكدمة زرقاء من عضَّة النَّدم"، فالغربة علمتني استعذاب آلام جديدة، وأيضاً منحتني الكثير من المسرات التي لم أكن لأحظى بها لو بقيت في مصر.

* أنت تعيش في الخارج، بكل صراحة أكيد ثمة أشياء توفرت لك هناك كان من الممكن أن تعجز عن الحصول عليها هنا، هل لي أن أعرف طبيعة ذلك أو ما مدى صحته؟

- توفر لي العديد من الأشياء، كما حرمت من أشياء أخرى عديدة، توفرت لي حرية في الحياة أكثر مما عهدته في مصر، توفر لي احترام أكثر لآدميتي، لكياني كإنسان، كما حرمت من أشياء أخرى لا يمكن تعويضها، من حميمة الناس، من اللغة، من نظرة عابرة في عين تفهمينها دون الحاجة إلى شرح ليس له داع، حرمت من زيارات أهلي، حرمت من الجلوس والسهر مع أشقائي، وكلها أمور لا يمكن تعويضها، من جرب الغربة يستطيع أن يفهمني، المسرات والخسارات على حد سواء.

* في الديوان الثالث غلّبت الموسيقى الشعرية على السرد عكس ما كان سائداً في الديوانين الأول والثاني، هل كان ذلك عائداً لاختلاف التجربة الشعرية أم أنك ابتغيت التنوع حتى لا تؤطرك تنظيرات النقاد؟

- لا أحب أن أكرر نفسي أو أكرر ما كتبت، بعد صدور مجموعتي الثالثة كتب إليَّ شاعر عربي صديق يقول لي "كيف سمحت لنفسك بهذا التحدي، وكيف لم تستثمر ما نجحت في إنجازه في مجموعتك الشعرية الثانية"، حينها اعتبرت هذه الشهادة دليل نجاح لي، بعض الشعراء يستمرؤون ما نجحوا في إنجازه ويظلون يكررونه في دواوينهم الشعرية، وهناك شعراء كبار لم يكتبوا سوى قصيدة واحدة هي نفسها تتكرر في مجموعاتهم الشعرية العديدة، الشاعر الحقيقي يخلق قانونه كي يدمره وينشئ قانوناً جديداً، وإلا فلن ينجح في تقديم شيء حقيقي، سيظل يدور في الدائرة ذاتها، اختلاف مجموعتي الشعرية الثالثة عن ديوانيّ السابقين نابع من أنني كنت في ظل تجربة أخرى جديدة ومغايرة عن التجارب الحياتية التي مررت بها من قبل، في هذه المجموعة تجدين حس الوحدة والغربة عالياً، تجدين عودة مستمرة إلى حقول الطفولة، تجدين رصداً جديداً للمرأة لديَّ، لأمي واحتياجي لها، لوصاياها التي تمنحها لابنها الذي يغادر إلى أرض تجهلها، كل هذا جعل من الغنائية وارتفاع الحس الموسيقي شيئاً بديهياً، على عكس الديوانين السابقين لي، والذين كتبا تحت ظروف أخرى ومناخ آخر.

* قرأت مرة أنك كنت تعتقد في البدء أن قصيدة النثر مجرد كلام جرائد ومن عندي لا روح فيها، أين تقف قصيدة النثر العربية الآن وهل تقف التجربة الغربية على نفس الخط؟

- قلت هذا الكلام في حوار سابق لي رداً على ما يكتب الآن تحت مسمى قصيدة النثر المصرية، وكنت أشير صراحة إلى رداءة أغلب ما يكتب، البعض يظن أن الشعر عندما يتحرر من البحور والأوزان يكون سهلاً، ومن ثم بدأت تتراكم آلاف النصوص التي تدعي الشعر، وما هي إلا كلام جرائد، بل إن كلام الجرائد أشرف منها، على الأقل له هدف وغاية، إنما ما يكتب الآن من قبل بعض المتشاعرين يشوه المنجز الحقيقي للنص الشعري المصري الجديد، تسألينني عن الصعب، كيف لي بتقييم قصيدة النثر العربية، وهي قصائد متتعددة، ربما بتعدد الشعراء أنفسهم، ما أستطيع أن أقوله إن هناك منجزاً يتجدد كل يوم من قصيدة النثر المصرية والعربية، والمشاهد الشعرية العربية تبرز كل يوم في لبنان وسوريا والعراق ومصر والمغرب والبحرين وغيرها، ومن الصعب أن أدعي أنني قادر على تقييم كل هذا المنجز.

* هل تعاني من غياب النقد؟

- صدقيني نحن تعودنا هذا الغياب، بل أكاد أقول إننا لا نحتاج من النقاد أن يكتبوا عن قصائدنا، يكفيهم أنهم على حد تعبير صديقي الشاعر فارس خضر، أصبحوا قتلة محترفين، وهم ليس لهم ذنب في هذا، فقط هو ذنب خواؤهم وخواء عتادهم النقدي الذي عفا عليه الزمن، هناك نقاد جيدون ولكنهم لا يطرحون عملهم النقدي، ينأون به بعيداً أو يعطلونه عن عمد، ولا أعرف السبب في ذلك، هناك الناقد الصديق الدكتور محمد بدوي، أحد أهم الذين يمكنهم أن يتعاملوا مع النص الشعري الجديد بآليات خلاقة، لكن يبدو أنه لا يود ذلك، وفي المقابل هناك جيل جديد من النقاد المصريين الدؤوبين، وأتمنى أن نرى منجزهم النقدي الخاص بالنص الشعري الجديد يخرج إلى النور قريباً، ومن هؤلاء: عبدالله السمطي، محمد سعد شحاتة، د. سيد عبدالله، وائل فاروق، د. عبير سلامة، صلاح فاروق وغيرهم.

روز اليوسف-7 يوليو 2006