"تغيب فأسرج خيل ظنوني" ديوان أقتنيته من إحدى مكتبات مدينتى بنغازى ومنه تعرفت على الشاعرة سعدية مفرح.
ثمة شيء فى قصيدتها يدفع القارئ للتأمل والذهاب بعيدا، حيث الحياة تحتشد بتفاصيلها فى مفردات نصها الشعري.
هى التى تقول "وحده الشاعر يستطيع إعادة رسم الأشياء وتلوين الملامح المرسومة بالأبيض والأسود، وحده القادر على ملء فراغات الروح بموسيقى تشبه الموسيقى التصويرية التى يردم بها مخرجو الأفلام فجوات السيناريوهات الرديئة بما يمكن أن يكون حياة أخرى، حياة موازية للحياة، حياة افتراضية".
قصيدتها مسالمة، ثائرة فى آن واحد.هى قصيدة التناقض الجميل.
فى جغرافيتها الصغيرة "موقعها الإلكتروني"http://saadiah.info تستظل بألفة زائريها.
سعدية مفرح صديقة "وان لم نلتقي" تشعرنى سطورها عبر الايميل والموبايل بدفء قلبها. للشاعرة صدر:_ آخر الحالمين/ مجرد امرأة مستلقية_تغيب فأسرج خيل ظنوني/كتاب الآثام_حداة الغيم والوحشة/ تواضعت أحلامى كثيراً.
* تقول الشاعرة ديون براند "ان تكتب يعنى ان تنخرط فى ترجمة المحيط بما فيه من خطر وحساسية وان تتكئ على مجازات جسد آخر"..الشاعرة سعدية مفرح ماذا تقول عن الكتابة؟
ـ الكتابة بالنسبة لى حياة أخرى لعلها أكثر واقعية من حياتي.
وغالبا ما ألجأ إلى الكتابة ليس للتعبير عن ذاتى وحسب بل لأمارس هذه الذات كما أشتهي، ولكى أحاول من خلالها أن أكون أنا، وربما لكى أقاوم الموات المحيط فيّ من كل جانب.
الكتابة أحد أهم الأشياء التى نستحق الحياة من أجلها، خاصة وأنها تجعل الحياة أجمل وأقل ضجيجا.
ولأننى ما زلت أكتب منذ أن عرفت أننى أستطيع الكتابة أجدنى قادرة إلى حد كبير على أن أتكئ على قلبى وحده كى أنظر للعالم من الزاوية الأجمل.
باختصار.. أنا ما زلت أنا لأننى مازلت أكتب. وأنا ما زلت أكتب لأننى ما زلت أنا.
* لماذا الشعر وحده الحل المقترح لتشذيب حشائش الفيزياء؟ ولماذا الفيزياء وحدها قادرة على تفسيرنا؟
- الشعر والفيزياء عناوين رسائلى المتبادلة.
* هل هناك قصيدة نثر واحدة أم ان هناك أكثر من قصيدة ؟وهل حان الوقت ليتحول الشكل إلى لعبة وتبحث القصيدة عن تميزها؟
ـ لكل شاعر قصيدته، هذا يعنى ان هناك قصائد بعدد الشعراء، بل بعدد قصائد الشعراء ، وهذا يعنى أيضا أن الشكل دائما لعبة لكنها لعبة جميلة ومهمة وضرورية جدا لتميز القصيدة ،وأننا بقدر قدرتنا على اللعب نستطيع إنتاج قصيدة متميزة ، فاللعب فى أحد معانيه الكبرى يعنى التجريب غير المندرج فى إطار المعتاد ، ويعنى أيضا كسر المألوفات ، بالإضافة إلى قدرته اللانهائية على صناعة الدهشة ، ولعل القصيدة ليست أكثر من هذا بكثير .
* إلى أى مدى اصبح القارئ مؤثرا فى نجاح أو فشل تجربة شعرية ما؟
ـ لست واثقة من حجم تأثيره بشكل دقيق، أميل إلى أن رأى القارئ يأتى فى مرحلة لاحقة على مرحلة إنتاج النص على الرغم من أهميته ، أى انه مهم ولكنه غير مؤثر.
أقول هذا وأنا استحضر تجربتى الخاصة فى كتابة القصيدة حيث اكتبها دائما بمعزل عن أراء الآخرين، ولا أشعر بالقلق حيال هذا الأمر ، فلا ينبغى للقصيدة أن تكتب فى سياق ما يطلبه القراء. القصيدة الأكثر نجاحا هى القصيدة الأكثر قدرة على إثارة دهشة المتلقى والدهشة لن تتأتى لمن ينتظرها كما أرى.
* "...أريد أن أموت /دون أن أضطر لذلك/أحيانا.. الرسائل وحدها لا تستطيع اقتراح البدايات/لا تستطيع التقاط لحظة البكاء الحبيس/ ولا الضحكة المكتومة.. أريد مجرد مخدة مريحة/ وأحلاما تَسيـْرُ أحداثها وفقا لسيناريو هاتى المرسومة سلفا.. أريد حكاية قديمة بنهاية سعيدة /أحكيها للصغار/ وأشير لصور أبطالها فى ألبوم العائلة..." ...
فى هذه المقاطع الشعرية تتعاملين بحميمية مع مفرادتك ،محاولة صنع حياة جديدة لهذه الأشياء الجامدة.
هذه الصور متى تصنع لحظتها الشعرية؟ وهل تتفقين مع الرأى القائل ان الشعر اليوم استبدل حديثه من حديث عن هموم الأمة وقضاياها الإنسانية كالنضال مثلا إلى حديث عن التفاصيل؟
ـ كنت دائما مؤمنة بأن القضايا الكبرى لا تصنع قصيدة عظيمة بالضرورة، القصيدة العظيمة تصنعها موهبة عظيمة وحسب بغض النظر عن حجم القضية التى تتناولها، بل بغض النظر ان كانت هناك قضية تتناولها أم لا. أشيائى الصغيرة ، الجامدة، ليست تافهة، بل هى جزء من ذاتى المتشظية بين الأماكن والأزمان والعلاقات والبشر.
تبهرنى تفاصيل الأشياء وأحاول أن أكتشفها دائما بعيدا عن الصورة العامة ، أحاول أن أفتش بين خبايا الصور الكبرى عن منمنمات تكمن فيها أسرار الحياة ومن خلالها يستطيع الشعر ان يجد بيئته المناسبة بعيدا عن الادعاءات والصور المعدة سلفا لاستقبال المشاعر الجاهزة بدورها.
ولعل الغريب فى الأمر اننى لم أكن أنتبه إلى ولعى بتلك التفاصيل فى القصيدة لولا أن نبهنى الآخرون ، فقد كنت أعتقد دائما ان تلك التفاصيل الصغيرة هى الجذور التى نستطيع من خلال تتبعنا لمساراتها أن نصل إلى القمة ..ربما لا تعنى القمة بهذا المعنى المألوف لها ولكنها تعنينى بمعناها النهائى .
* فى ديوانك "مجرد امرأة مستلقية" تذهبين نحو السرد وفى "تواضعت أحلامى كثيراً" نلاحظ كثافة مفردتك الشعرية فى تعاملها مع تفاصيل الحياة.عما تبحثين؟ وهل يمكن ان تكون الكتابة الشعرية مرحلية أقصد حسب إيقاع الزمن وتطوراته؟
ـ أبحث عن ذاتى من خلال سردى ومفرداتى على هامش من إيقاع الشعر الذى اكتبه، لا أتقصد اختيار الشكل الذى أكتب به القصيدة ، وليست قصيدتى وسيلة للبحث عن شيء ضائع ، بل هى محاولة لإعادة تكوين العالم وفقا لرؤاى الخاصة.
وبالتالى فهى تختار إيقاعها المناسب وتتركنى فى خضم الكتابة أمارس يقينى وحده دفعا للشك الذى ينتابنى بكل شيء قبل مرحلة كتابة القصيدة ، حتى أننى دائما أشك فى قدرتى على كتابتها ، وكلما انتهيت من كتابة قصيدة ما أتوقع انها قصيدتى الأخيرة وأننى لن أستطيع كتابة غيرها وأظل أعيش ذلك الشك المودى إلى تفاصيل الشعر إلى أن يجيء الشعر مجددا.
قادمون إذن
استطال الكلمُ الموسميّ ،
من كلّ فجّ عميق
قبل أن نتشظَّى دماً
أو نتلظَّى حُرقةً
أو نتحظَّى أَمَةً أجنبيةً
وهمُ يركضون الى أَوْجِهِمْ نحونا رائقين
ينتعلون البهاءَ سواداً
ويلتحفون الضياء عناداً
* ديوانك "كتاب الآثام" تحدث عن أربع محاور هي: إثم البلاد،شهوة الكلام،إثم الاتجاهات،الإنسان.هذه الرؤيا الفلسفية التى حملها ديوانك يقودنى إلى السؤال هل تكتبين عن سابق إصرار وترصد؟
ـ لا ...ولكننى أحاول بعد ان أنتهى من كتابة القصيدة أن أضعها فى سياقها الشعرى والإنسانى عن سابق إصرار وترصد ، ولحسن الحظ فقصيدتى لا تخوننى ، ولست من أولئك الشعراء الذين يتركون الهواجس وحدها تقودهم الى دروب الشعر حتى وأنا أحاول أن أبوح للورق بما لا أجرؤ على التفكير به بوضوح .
* القصيدة فى النهاية ترجمة جميلة لأفكارنا حتى لو جاءت مناقضة لتلك الأفكار فى ظاهر الأمر ، فمن قال أن الشعراء يعترفون بظواهر الأمور؟.
ديوانى الذى تشيرين إليه هو أقل كتبى قربا منى ...كنت أتمنى لو أنه لم يصدر ، أو انه لم يصدر على هذا النحو تحديدا ، أعتقد اننى لم أستطع من خلال قصائده الأولى على الأقل أن أكون أنا ...وأحيانا أشعر ان قصائده تعانى من افتعال شعرى ...لا أدرى ...ولكننى لا احبه كثيرا.
* مما يتشكل العالم الذى تحلمين به؟
ـ أحلم بعالم أقل صخبا، عالمى يتكون من سماء اكثر اتساعا وأرض أكثر حميمية وأصدقاء أقل عدوانية وبيت أكثر دفئا وقصيدة شعر..مجرد قصيدة شعر، ألم أقل لكم أن أحلامى متواضعة جدا؟!.
العرب اون لاين- 2008 03:05:25 م