عبدالعزيز المقالح
(اليمن)

حينما يتوقف قلب الشاعر يتوقف نبض الحياة، وتتوقف موسيقى الكون، ويتلاشى الضوء في الآفاق. هكذا أحسست حين تلقيت النبأ الصاعق، نبأ مفارقة الشاعر الكبير محمود درويش للحياة. كان الأستاذ خالد خليفة المذيع في الـ"بي بي سي" البريطانية أول من نقل إليَّ الخبر الصاعق عبر الهاتف طالباً ــ والأسى يغمر كلماته الهامسة ــ أن أقول شيئاً عن هذا الشاعر الكبير، الذي ملأ حياتنا بوجوده شعراً جميلاً ونثراً بديعاً ومواقف لا تنسى. صدمني النبأ، زلزلني، اعتبرته خبراً مختلقاً لا أساس له من الصحة، إذ كيف تغيب الشمس في رائعة النهار، وكيف يتوقف نبض الشعر فجأة.

أتذكر أن الأخبار كانت تحمل إلينا بين حين وآخر أن قلب محمود يعاني، وأنه دخل المستشفى، لكنه كان دائماً يغادر المستشفى صحيحاً معافى، وبقوة إيمانه أولا ثم بالشعر ثانيا يتغلب على معاناة قلبه المهموم والمسكون بأكبر قضية تؤرقنا جميعا، لذلك أكرر القول إنني لم أصدق ولم أقبل بالنبأ الصاعق الذي يقول أن محمود درويش قد فارق الحياة. ثم إذا صح النبأ وثبت أن محمود فارق الحياة، فماذا يمكن للكلمات أن تقول عن شاعر كبير ملأ حياتنا بإبداعه، وكان واحداً من أهم شعراء العربية في النصف الثاني من القرن العشرين. نعم في هذه اللحظة الحزينة, لحظة وداع الأمة العربية للشاعر الكبير شاعر القضية وشاعر الشعر في أصفى تجلياته ماذا يمكن أن يقال، وكيف تستطيع الكلمات المرتبكة أن تودعه أو ترثيه؟!
رحل إذاً محمود، رحل شاعر القصيدة العربية في صورتها الحديثة القادرة على إقامة الجسور بين الشاعر والقارئ، بين القصيدة والجمهور.

رحل لكنه يعرف قبل قرائه وأصدقائه أنها غيبة مؤقتة عابرة أو معبر لخلودٍ وحضورٍ دائم كثيراً ما حكى عنه في شعره, بل اختصره ببلاغة حين وضع عنوان أحدث كتبه (في حضور الغياب)، ولكي نتأمل العنوان أولاً ونقف عنده طويلاً، وهو: "محمود درويش في حضرة الغياب" ونتساءل: هل كان محمود من خلال اختياره لهذا العنوان المثير يستشعر قرب الرحيل؟ سؤال يشغلني ولا بد أن يشغل الكثيرين الآن، أكثر من أي وقت مضى، بعد أن صار محمود درويش حقاً في حضرة الغياب، لكنه غياب يؤكد الحضور، بل الحضور الأكبر وأعني به حضور محمود في شعره وفي مواقفه وفي كتاباته وفي إنسانيته، تلك التي جعلت منه واحداً من أحب الشعراء إلى الجماهير العربية، وجعلت شعره وكتاباته تترجم إلى أكثر من عشرين لغة.

ولا أخفي بالمناسبة، أن من آخر أمنيات الشاعر الكبير أن يزور صنعاء، ويمضي بها وقتاً طويلاً يتجول في أحيائها. ويتذكر طفولته في مدينة حيفا، تلك المدينة التي تعاني من الأسر ويعاني منه أهلها الذين ثبتوا في مكانهم كما تثبت البيوت والأشجار في مكانها لا تتزحزح، انتظاراً لزمن قريب يعود فيه من هاجر من أهلها وفي مقدمتهم شاعرها الذي ظل يحن إلى ربيعها الجميل:

مر الربيع بنا
لم ينتظر أحداً
لم تنتظرنا عصا الراعي
ولا الحبقُ.
غنّى، ولم يجد المعنَى
وأطْرَبَه
إيقاع أغنية ضاقت بها الطرقُ.

سلام الله عليه وطاب حياً وميتاً, ولا عزاء لفلسطين التي يتقاتل أبناؤها بخناجر أعدائهم من أجل الفوز بسلطة وهمية هي إلى سراب الصحراء أقرب منها إلى أي شيء آخر.
الشاعر علي المقري في روايته الأولى "طعم أسود.. رائحة سوداء":

صدرت هذه الرواية البديعة للشاعر الناقد علي المقري، عن دار الساقي في بيروت, وهو يتناول فيها جوانب من حياة شريحة مهمشة في واقعنا هي شريحة الأخدام، وما يعانونه من حرمان وصعوبة في الاندماج في المجتمع الذي ظل إلى وقت قريب عرضة للفوارق التراتبية والامتيازات العفوية. الرواية عمل فني بديع، وهي الأولى من ثلاثية تتناول واقع الفئات المهمشة في هذه البلاد.

تأملات شعرية:

هل اختاره الموت
أم حملته القصيدةُ
فوق بساطٍ من الضوء والكلماتِ
إلى عالمٍ ليس يقتتل الأهلُ فيه
ولا الأصدقاء؟!
يا رفيق المحبةِ والشعر
ماذا رأيتَ هناك؟
وكيف الحياةُ بعيداً
عن الحزنِ و"الأعدقاء"؟!

22-8-2008