عبدالعزيز المقالح
(اليمن)

(إلى محمود درويش الصديق صاحب القلب المفتوح...)

-1-

وكان الوداعُ جميلاً
كما شئتَ!
والوردُ أحمرَ، أصفرَ
والنعشُ يمشي على مهلهِ
فوق أعناقِهم
وملائكةٌ يحرسون قصائدك
المورقات
وأطفالُ حيفا ويافا وغزة
يختطفون بأحداقهم
ما تناثر من كلماتك
والدمع في أعين الفتيات الجميلات أشقر،
والموت يزداد ذعراً
ويكتم أنفاسَهُ
وهو يمشي وراء جنازتك الهادئةْ.

-2-

كنتَ "تنظر في ساعةِ اليد"
تشرب نخبَ الوداع
كلاماً لذيذاً
"وتقضم تفاحة" الموت
في فرحٍ لا مزيدَ عليه
لأنك رغم افتتانك حتى الردى
بالبطولات والحب
كنت تخاف الذبابَ الذي كان
يخرج من سلة المهملات
ليصطاد ياقوتة الكلمات
وورد المواويل،
يصطاد آخرَ ضوءٍ
يمشِّط شَعرَ الطفولةِ
في عتبات القصيدةْ..

-3-

آه!
يا لاعبَ النردِ
في وطنٍ واسعٍ شاسعٍ
صار نرداً
به يلعبون
ويختصمون،
ومذ غاب وجهُك عن حاضرٍ بائسٍ
صار ضوء البلاد أقل
وجَفَّ رنينُ الكمنجات
زاد أنين الحجارة
"سجّل أنا عربي"
باغتت كل رأسٍ
وحاضرةٍ من بلاد "الأعاريب"
أندلسُ اليوم تمضي كأندلسِ الأمس
حافيةً عاريةْ!

-4-

أكتبُ الآن مرثيةَ القلب
والوقتُ صمتٌ،
وحقلٌ من الذكريات
تُشَعْشِع في الروح
أشجاره المشتهاة
حصانٌ وحيدٌ هناك
غديرٌ هنا... وفراشاتُ صُبْحٍ
وماءٌ، كما الحلم صافٍ
ووجهكَ "أيقونةٌ" فوق صدر الجبال
و"كوفيةٌ" ترتديها التلال.
وشمس الظهيرة تلك التي
- كنتَ أحببت -
تأخذ قيلولة في الحدائق
والريح ساكنة
والأغاني التي شرَّدتك
بكتكَ،
وحطّت -على صخرةٍ- هامدةْ.

-5-

بعينين ذاهلتين وشاهقتين
إليك وأنت تسير
وحيداً
وعيناك تلتذّ بالنوم
في عالمٍ لا مدى لبراءتهِ،
عالمٍ لا يليق به القتل
لا حزنَ فيه
ولا ضجراً أو شواهدَ للميتين
وللآخرين الذين يراد لهم
أن يموتوا.
سلامٌ عليك،
وصلت ذرى الموت
وانشقّت الأرضُ تحملُ عنكَ
رياح متاعبك القاتلةْ..

-6-

تجلس الآن في حضرة الشعر
مكتملاً
ولك الوقت
لا حَسدٌ لا نميمةُ
ما أوسع الأبدية
أي جداريةٍ كتب الله أحلى قصائدِهِ في تضاريسها
واستوى فوق عرش الكلام
وأنت هنا... وهناك
قصائدُك المطمئنةُ
تحيا، وتمضى على مهلها
نحو عرش القلوب
وأنت تغني له،
للغيابِ الحضور:
سلاماً،
ويا أيها الموتْ: شكراً
أخيراً... حضرتَ
لقد طال بي زمن الانتظارْ!

الحياة 04-09-08