( نحن نملك حرية بالتأكيد لكن بمفهومها
الجزئي الذي يجب به أن نراقب أنفسنا )

تحقيق
نوّارة لحرش (الجزائر)

خارج أسوار الإيديولوجيا الأبوية الذكورية البطركية في العالم العربي .تنمو الكتابة بوصفها أنثى/ تتعرى وتستفحل وتشتعل ،لعل الخلاص أنثى الآن في هذا السجن الكبير الذي بلا خلاص / الوطن العربي الذي يتأبى على الحرية و تتأبى الحرية عنه . حرية واسعة ... وقمع واسع أيضا/ لكن المرأة ذهبت بعيدا فيما ارتضته وبقي الباتريارك على جوعه و عمائه و خصائه يقاوم أنوثته الخفية بالصلف الأبوي . ويعيد إنتاج العنف الذي تلقاه على أيدي المؤسسة السياسية الكريمة .خارج هذه الأسوار تنمو الكتابة بوصفها أنثى وتتربى النصوص المزلزلة الهادرة التي تعيد موضعة المرأة في قلب العالم / ومع الآتي الذي هو الخلاص تحديدا .في هذا الملف / التحقيق احتفاء خاص بالمبدعات ليس بمناسبة " العيد" . ولكن لأن المرأة هي عيد العالم الدائم.

**

جمانة حداد / لبنان

(سيدي الرقيب)

سيدي الرقيب
تحية وبعد،
منذ مئات السنين وأنت تشهر علينا عقلك الضيّق الصدىء، على عينيك عصابةٌ وفي يدك مقصٌّ، تخفي هذا الكتاب وتبتر ذاك ولا حيلة لنا ضدّك سوى الاستنكار أحياناً، والاحتقار دائماً. لطالما كنتَ هنا، وفي الجوار، توبّخ وتعنّف وتلوّح بطهرانيتك المريضة وتزمّتك اللزج وديكتاتوريتك المسطّحة. اخترعتك السلطة بمختلف اشكالها: سلطة الدين، سلطة الدولة، سلطة الأهل، سلطة الخوف، وسلطة التابو المتمكن من ضحاياه. هدّدتَنا مراراً، ومراراً حاولنا التفلت منك والالتفاف عليك، ومراراً مراراً خضنا معارك ضدّك في سبيل حرية الفكر والتعبير؛ ضدّك دفاعاً عن لغة بلا ماكياج وأقنعة وملابس داخلية؛ ضدّك اعتراضاً على القمع والتخدير والتوتاليتارية ومظاهر العفّة والفضيلة الكاذبة؛ ضدّك تأييداً للصادم سياسياً ودينياً واخلاقياً؛ ضدك حمايةً لكتّاب يلاحَقون او يكفَّرون او يتعرضون للترهيب، وحتى للاغتيال، جراء كلماتهم وافكارهم. نعم، مراراً اعترضتَ سبيل الخلق والعقل الحر، وذبحتَ وسجنتَ وشنقتَ، وأثبتّ ازدواج معاييرك وفساد جهلك وظلامية نيرك، لكنك لم تكن يوماً غبياً مثلما انت الآن.
لا، لم تكن يوماً غبياً مثلما انت الآن: أوتسأل لماذا؟ أيّ رقابة تمارسها يا سيّد في زمنٍ اصبح الكلّ مشرّعاً على الكلّ، فلا يعطس طاغية في أدغال اوستراليا إلا نسمع صدى عطسته في بيروت؟!
أيّ رقابة في زمنٍ بات المنع ضمان انتشار أكبر ونجاح اوسع وتسويق أدهى للكتاب، فأضحت الرقابة عدوّة نفسها الأولى؟!
أيّ رقابةٍ في زمنٍ صرنا نحصل بكبسة زرّ بسيطة على كل المعلومات التي نريد، بينما أنتَ تحجب، وأكثر؟!
يفترض في الرقابة ان تكون خبيثة ماكرة، لكنها بلهاء بامتياز في عالمنا العربي. عندما يتكاثر هواء الحرية الذي يلفح كل الامكنة، ينبغي للرقابة ان تصير اذكى من الهواء: فمن اين لك هذا الذكاء أيها الرقيب؟
يفترض في الرقابة أن تكون متطوّرة، وهي بدائية بامتياز في عالمنا العربي. عندما يصبح العالم مجموعة من "الأواني المستطرقة" (vases communicants)، "حرام" ان تظل الرقابة على سذاجتها: فكيف تحول دون إثارة شفقتنا ايها الرقيب؟
يفترض في الرقابة ان تكون "ليّنة"، وهي عنيدة بامتياز في عالمنا العربي. عندما يعجز أي جهاز عن سدّ المنافذ بسبب سيادة شبكة الانترنت، تفرغ كلمة "رقابة" من معناها تماما: فكيف تختبىء وقد قُطعت إصبعك، وكيف تنهض بعدما سقطتَ بالضربة القاضية أيها الرقيب؟
لقد انتصرنا عليك ولم يبق لنا منك سوى رقيبنا الداخلي، معقلك الأخير الذي يجب ان يُدكّ، وهو الرقيب الاخطر والاذكى لأنه يفسد الحرية ويجعل كتابتنا اكثر مراوغةً وحنكة، وإن كان يغلّب، احياناً، حق احترام الانسان وحمايته على حرية الخلق والفكر.
مفهومكَ صار بائداً، تقنياً ونظرياً على السواء، ومن يمارس الرقابة يشبه ذاك الذي يطلق النار على نفسه. نصيحة أيها الرقيب: أتريد ان تقتل كتاباً؟ غُضّ طرفك عنه. لا تثر حوله ضجة. مؤامرة الصمت، صدّقني، أفعل من ألف مقصّ في أيامنا.
العالم يتحرّك ويتغيّر يا عزيزي الرقيب، وانت لم تزل عالقاً في غياهب مجد قديم لم تصمد منه سوى أشلاء ذاكرته، اطلالك العفنة.
سيدي الرقيب، لقد متّ ودفناك. فاذهب الى الجحيم.

**

دنى غالي
( العراق/ كوبنهاغن)

الرقيب الذاتي ضروري

إقامتي خارج الوطن تعطي أكثر من إجابة واحدة على سؤال " مساحة الحرية التي أمتلكها في الكتابة" ، هو بالمناسبة سؤال أمدني بلحظة تركيز مشوبة ب "رشقة غرور" وسط إنشغالات حياتية يومية أعجب كيف إنسللت منها بلحظة وتركت ما بيدي. أنا مقسمة لأني أتحرك في ظل مجتمع أوروبي إسكندنافي ينبذ السلطة بكل أشكالها جملة وتفصيلا ومع هذا فأنا قبل هذا وذاك أعيش وأقتات داخل محيط عربي عراقي وككائن مكتمل النضج فأنا نتاج ثقافة عربية. أود القول [ قبل أن تطير الخاطرة من فكري، وهي حالة مرضية عصرية أؤكد ليست نسوية بل تصيب المرأة كما الرجل بنسبة مئة بالمئة]، أن الأمر لا يخلو من الطرافة والإنشطار وضرب من الحظ في أقصى حالات محاصرة لحظة الكتابة لي؛ أن أنفذ بجلد وأترك آخر بإختلاف الحصار الذي يمارس ضدي. ضمن إطار الحرية فالتابو عندي غير الجنس والدين والسياسة فأنا أتعاطى الثلاثة في الكتابة بجرع مختلفة تزيد وتقل ولكنها إن طلعت مني فلا أعيدها في الغالب، أما لتعمدي الإحتفاظ بقدر من الجهل أو لتمتعي بمقدار من السذاجة وهما برأيي ضروريان للكاتب ليكون مبدعا، أو أن الأجواء حولي توفر حدا أدنى من الأمان مما يجعل الأمور مقبولة أو " غير مقروءة " . التابو المقصود هو ( أنا ) ، في مواجهة الكاتب / الكاتبة لنفسها ومقدار جرأتها في طرح الحقيقي الذي يبعث على القلق أو الشقاء في دواخلنا من خلال أسلوب فني إبداعي تختاره في الكتابة، هو ذا مقياس حرية المبدع عندي. الرقيب الذاتي ضروري سواء كان الكاتب إمرأة أم رجل، نحسه فينا، نرعاه ونطمئن لوجوده و نتحرر به. هو بمثابة بوصلة سرية لنا، ولكن يقتضي بهذه الحالة أن يمتلك المبدع وعيا كافيا ليدعم عملية الإبداع وإلا يصبح هذا الرقيب مصدر قمع ومصادرة لما يتأتى لحظة الإبداع. أعترف بأني في البدايات وقبل أن أقرأ كفاية لنتاجات المرأة خنقتني وأخافتني آراء لنساء ورجال في تقييم ما يقال عنه أدب المرأة في كونه حبيس ذاتها ووليد كبتها وجيشان عاطفتها وغيره. وبقي هذا الشعور بالخوف لفترة قبل أن أتمكن من تحديد أسبابه لأتغلب عليه أخيرا وأشطبه نهائيا. كم تبدو لي تلك التصريحات قاصرة ساذجة الآن. هناك أدب رديء وأدب سيء. الأدب الراقي المبهر لا دخل له لا بهذا أو ذاك وقد يكون عصيا على الوصف، قد تصغر لغة بأكملها أمام نص إبداعي ولا نعرف لم هو جميل وراق. ولكن رغم جدية الموضوع أشعر أني أضحيت أكثر ميلا لمناقشته بإرتخاء، لتناوله من دون (حرق أعصاب) وهذا يعني الأفضل أن نتعلم ونركز على أن يهتم كل منا بشأنه، وطالما أشعر أني مدينة بإعتذار لرأيي هذا سأكتفي بالتبرير، إذ لا يخفى على أحد مرد ذلك. موضوع المرأة وحريتها يولد شعورا بالإفلاس واليأس من الإتيان بنتيجة لما يحصل من تراجع مخيف في النظرة إلى المرأة والثقافة في بلداننا. رد فعلي هو جزء من تربية ذاتية للتحصن والمضي قدما وإنكار ما يحدث حولنا وقد دخلنا القرن الحادي والعشرين. بودي القول أن نتعالى على مناقشة هذا الموضوع وأعني به المرأة ككاتبة لا الإنسان ككاتب أكان إمرأة أم رجل، ولكن ذلك وللأسف لن يكون دقيقا وناجعا ولا مفر فنحن لن نفلت منه طالما هو حقيقة قائمة وطالما كان مقياسا لتطور المجتمع عامة، مقياس المجتمع أن يفتح النقاش صريحا واضحا وأن يتقبله الجميع ويشارك فيه. ذلك يجرني عنوة إلى الإشارة إلى الهوة الآخذة بالاتساع بين الكاتب أو المبدع عامة والقاريء العادي الذي ينصرف عن الكتاب والثقافة وهو بذات الوقت دليل فشلنا في ايجاد لغة تصل إليه وقبل ذلك فشل سياسات دولنا في الإرتقاء بمستوى الفرد.

**

يُمنى سالم / السعودية

حرية المرأة الشخصية سلبت على نطاق الحياة العامة

للمرأة حق بالحرية مثلما للرجل ذات الحق ولكن حرية المرأة الشخصية سلبت على نطاق الحياة العامة فأختارت بعض الكاتبات أن تمارس حريتها عبر الكتابة وهذا حق آخر مشروع ولكن وفق عادات المجتمع وتقاليده فكثير من الكتابات توقفن عند هذا الحد الأحمر الفاصل ما بين حياءها وحقها في أن تعبر عن مجتمع مليء بأصناف العهر و الفساد. البعض أتخذ هذا الحق ولكنها أحاطته بتلك العادات والتقاليد مما جعل تناولها لبعض المواضيع عقيما ولا يجدي والبعض الآخر حطمت القيود بجرأة كبيرة ونجحت في أن تناقش مواضيع حساسة في كتاباتها أما القلة فأجدهن قد أتخذن من الكتابة نوع من إثارة الحواس والبلبلة في المجتمع و أسأن للمرأة العربية و المسلمة على حد سواء . أنا مع حرية المرأة في الكتابة والتعبير وكفل هذه الحرية مادامت تراعي أخلاقيات الدين والمجتمع في غير ضراء مضرة وغير ابتذال مما يخدم من حولها
**

نضال نجار/ سوريا

كتابة الحرية تختلف عن حرية الكتابة

عن تجربتي في الكتابة، فقد بدَأتْ عاطفية إنفعالية كتعبيرٍ عن النقمة والاستياء من قوانين الواقع وثقافته المهترئة حتى النخاع.. كانت تمرداً على أخلاقيات المجتمع وجاهليته المموهة بالديني والثقافي.. وهكذا وجدتُ نفسي في عالم الصحافة والنقد ومن هنا بدَأتْ المصاعب والمواجهات مع السُلطتيْن الدينية والثقافية كونهما يحكمان ويتحكمان في مصير الناس، في حياتهم وموتهم وأرزاقهم وأعمالهم وتفكيرهم وعواطفهم ومعتقداتهم وأحلامهم وغرف نومهم لا بل وحتى في الأشياء الحميمية كالمضاجعة والإنجاب وتحديد النسل وما إلى ذلك.. إنتقلتُ بعد ذلك إلى عالم الشعر والنقد الأدبي، هنا كانت مساحة الحرية أكبر مما كانت عليه في مجال الصحافة.. حيث تضاءلتْ المواجهة مع مجتمعٍ مهووسٍ بالتعصب والعنف والتعنيف على كافة المستويات تحت ستار الدين والثقافة، وأصبحت تنحصرُ مع فئة معينة يمثلها الشعراء وبضع نقاد.. لأنّ كما تعرفين؛ لا يوجد في العالم العربي شيء يسمى نقد وإن وُجدَ فهو إما لمديح أصحاب المعالي والسمو أو لتقريع أصحاب الفكر وحاملي هموم الإنسان وبذور الإصلاح والتطور في هذه الفترة نشرتُ ثلاث مجموعات شعرية، من نتائجها أن إنتقلت المواجهة إلى حياتي الأسرية؛ بسبب المضايقات والإزعاجات والرعونة الخارجية.. هنا؛ قررتُ قطع كل الصلات والعلاقات التي تربطني بالمجتمع وبكل ما هو مريض ومتعفن ومتحلل ، وانتقلتُ في هذه الفترة إلى مجال الترجمة والرواية دون التخلي عن كتابة النقد والشعر . كتاباتي وأفكاري موجودة على الشبكة الالكترونية، وهذه الأخيرة أصبحت ضرورة كونها قلصتْ الحدود والمسافات وأتاحتْ مطلق الحرية في التعبير والكتابة والإتصال بالآخر والانفتاح على ثقافات مختلفة.. إنعكس ذلك التغيُّر على حياتي وكتابتي، حيث ازدادتْ تجربتي غنى ، إزدادت معارفي، توسعت آفاق رؤيتي أصبحتْ كتاباتي أكثر إختلافاً من السابق من حيث الشكل والأسلوب والموضوع.. أصبح لدي علاقات مع أناس من نخبة وصفوة المجتمعات، معاً نتبادل كل الحوارات في كل ما كان يسمى ممنوعات ومحرمات ومقدسات.. إستطعنا أن نؤسس رؤيا جديدة للواقع والحياة، رؤيا قائمة على قبول الإختلاف والتعددية والتنوع وعلى قبول الرأي الآخر بغض النظر عن ثقافته وجنسه وديانته.. فالله خلقنا لنتعارف ونتواصل ونتعلم ونفيد ونستفيد من هذه التجارب والخبرات المتبادلة.. ولم يخلقنا لنتقوقع في كهف موروثنا وعاداتنا وخوفنا من كل جديد أو غريب.. لا أخفيكِ القول، لم يكن في ذهني مطلقاً أن أصبح يوماً في هذه المجالات سيما أن دراستي لا علاقة لها بالأدب العربي لا من بعيد ولا من قريب.. فقد درست آداب اللغة الفرنسية وعلومها ثم حصلت على دبلوم في الترجمة والتعريب من جامعة حلب ذاتها.. لم يكن حلمي أن أصبح شاعرة أو روائية إنما أبعد بكثير .. لكن هكذا شاءت الظروف ومن المفترض أن أقبلها وأفهمها لأحولها إلى ظروفٍ أفضل، أستطيع من خلالها أن أتابع حلمي بالتغيير والإصلاح وبناء واقعٍ أفضل.. نقطة الإنطلاق، تبدأ من تغيير الرؤية الذاتية.. وعلى سبيل المثال، كتابة الحرية تختلف عن حرية الكتابة.. فالأولى أعتمدها في مجال الشعر حيث تنعدم الرقابة على اختلافها ومسمياتها ، هنا تغمرني السعادة في معراجي إلى الماورائية .. والثانية أعتمدها في مجاليْ الترجمة والرواية حيث لابد من تدخل الوعي .. لابد من استخدام قدرات العقل من تفكيرٍ وتنظيم وتوجيه وإشراف وتركيب ونقد وما إلى ذلك..عزيزتي، الحديث عن واقع الكتابة لا ينتهي في مجتمعاتنا المتخلفة بامتياز.الأهم أن نتحدث عن كتابة الواقع ..ففي البدء كانت الكلمة ومنها خُلِقَ هذا العالم..والإبداع بذلك يكون تعبيراً عن الحلم، عن المجهول، عن اللامرئي واللامحسوس واللاممكن القبض عليه كونه يكمن في الأعماق .. هناك حيث اللاشعور ..والمبدع؛ للجنسيْن لأنني أرفض التمييز الجنسي إلاّ في مجال الوظيفة الفيزيولوجية المبدع ليست مهمته تصوير الواقع إنما خلقه من خلال ما يثيره من انفعالات وتساؤلات ورؤى و كشوفات ومخاوف ..المبدع هو بمثابة نبي وإله في نفس الوقت ..وبموجبه؛ لا يمكننا الحديث عن أي نتاج أدبي فني على أنه إبداع إلاَّ بمقدار ما يغوص في العتبات المحرَّمة والمكبوتة والمقموعة والممنوعة في اللاشعور والتي هي واقعٌ لا أنفيه ،بل كلنا يريد تحويله ليصبح مع الإنسان وليس ضده كما هو عليه الآن .. **

رحاب الهندي / العراق

المرأة لا تملك تلك الحرية المخزونة في داخلها للبوح لعدة أسباب

في البدء هناك فرق بين أهلية المرأة للإبداع و بين الحرية المتاحة لها و أعتقد أنّ المرأة في أرجاء مختلفة من وطننا العربي قد أثبتت مما لا شك فيه أن لها أهلية للإبداع من خلال صنوف الأدب والفنون المختلفة. و بما أن موضوعنا يرتكز على حرية المرأة في الكتابة و المساحة المتاحة لها، أعتقد أنها لا تملك تلك الحرية المخزونة في داخلها للبوح لعدة أسباب ،أولا إحساس المرأة و المجتمع لماهية الحرية الممنوحة لها و اختلاف الأراء أصلا في مفهوم الحرية لدى المرأة من قبلها وقبل المجتمع. فنحن ككاتبات مهما نملك من جرأة لا نستطيع أن نخرج من الإطار العام وتقييد المجتمع بالسهولة التي يعتقدها البعض ، لكننا نملك مساحة من الحرية التي نصنعها لأنفسنا رغم أنف الجميع الذين يتهموننا بالجرأة في طرح المواضيع الحساسة. ولو تحدثنا عن الجرأة التي يعنيها الجميع في الكتابة أو الغوص في أعماق النفس البشرية بلا حدود. وبكل تفاصيلها والتطرق إلى دواخلنا بلا عباءات خارجية أي نتحدث عن مشاكلنا تحت الجلد ، كل مشاكلنا النفسية والجسدية، لكن لنتأمل المشهد معا،أية كاتبة تتجرأ لوصف مشهد حسي قد تتعرض لإتهامات أو حتى لمحاكمات فئة من المجتمع يعتقدون أن ما تكتبه يثير الفساد أو نتيجة حرمان أو كبت رغم أن الكاتب الرجل لو كتب نفس التفاصيل لما وجد الهجوم بنفس العنف وإن كان أصلا هو الآخر يعاني من بعض المهاجمين ،لكن يبقى نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف في وصفهما لجسد المرأة أو المشاهد الحسية أقرب إلي الإبداع و لا يتقول عليهما أحد أنهما يعانيان كبتا أو يحاكما لمجرد سرد هكذا مشهد ،لا أعرف إن كان من حقي أن أسترسل في رأيي لكنني أعتقد ومن خلال تجربتي أن الحرية لا توهب لنا على أطباق من ذهب ولكن نحصل عليها بعد معاناة أذكر أنني كتبت مقاله بعنوان " أخيرا بدأت أفهم" تحكي عن واقعة محاوله الخال لإغتصاب إبنة أخته وما لحق بها من أذى نفسي شديد حتى من أمها وكان أن رئيس التحرير في إحدى المجلات رفض نشرها بينما وافق رئيس تحرير جريدة أخرى على نشرها،إذن حريتنا في الكتابة غير حريتنا في النشر ،نخضع لقوانين وإيديولوجية فهم رؤساءنا في العمل. نحن نملك حرية بالتأكيد لكن بمفهومها الجزئي الذي يجب به أن نراقب أنفسنا وأقلامنا حتى لا نتهم بالكبت أو الشذوذ أو المعاناة .
بالنسبة للحرية التي أملكها أنا ككاتبة ،فنعم لدي الحرية فيما أكتب لكن الحرية التي تقيدنا بحدود المجتمع ، أشعر بحرية البوح لكن دون دلالات حسية، وكما قلتُ لكِ أن الحرية لها أكثر من منظور حسب فهمنا وفهم الآخرون لها.

**

ماجدولين الرفاعي/ سوريا

الكتابة تحت ظل حرية ممنوعة

يعتبر جان بول سارتر أن الكتابة نوع من ممارسة الحرية,وأن الإبداع لا يتم إلا من داخل اللغة.المرأة كانت ومازالت الطرف الأضعف في معادلة المجتمعات العربية والمرأة المبدعة هي واحدة من نساء هذا المجتمع الذي تحكمه الأعراف والتقاليد من جهة والتعصب الديني وعدم تطبيق تعاليم القرآن التي يجيرها بعض المشرعين لمصالحهم الشخصية من جهة أخرى .بينما المشكلة الأكثر تأثيرا على المرأة هي المركزية الذكرية التي سادت وانفردت بالفعل الحضاري وأعطت لنفسها الحق بفرض وصايتها على المرأة فالرجل ومهما كانت صلة القرابة التي تربطه بالمرأة فإنه يفرض عليها وصاياه وتعاليمه المستقاة من إحساسه بتفوقه على المرأة ويأتي هنا دور المجتمع كداعم لذاك الموقف معتبرا أن تحكم الرجل بالمرأة أحد سمات الرجل البارزة التي يكافئه عليه هذا المجتمع
وهذه المشكلة قديمة قدم التاريخ ولكنها في العصر الراهن باتت المرأة أكثر تمردا على واقعها وأصبحت تحثها رغبتها الكبيرة في إسماع صوتها وإيجاد مقعد لها على مسرح الحياة على مواصلة السعي بشتى الوسائل ومن تلك الوسائل الأكثر أهمية الكتابة الإبداعية فمن خلال كتابة المرأة لمجمل فنون الأدب تستطيع التعبير عن ذاتها وعن قريناتها من خلال شرح المعاناة وإيجاد الحلول الناجعة لها ولكن ما رأي نصف المجتمع منها؟
وهل تستطيع المرأة المبدعة الكتابة بصدق وتحت ظل حرية ممنوعة عليها؟
عدد من الكاتبات تجرأنا على البوح وعلى الصراخ وعلى الإعلان عن همومهن ومشاكلهن ولكن المجتمع مازال يرجمهن باعتبارهن نساء خارجات عن المألوف وعن القوقعة التي أعدها لهن المجتمع، وبعض المبدعات لم يستطعن سوى التلميح خوفا من رجم المجتمع لهن وهذا الخوف متأصل في نفوسهن إذ تربت المرأة وكبرت دون حرية نفسية فهي أحيانا تحظى بحرية كاملة من أسرتها ومجتمعها ولكنها وبسبب غياب الحرية النفسية التي تقيدها وتجعل من تأثير المجتمع عليها قيدا يكبل حريتها فإنها لا تحسن التعامل مع واقعها
ومن الأسباب الأخرى التي تقيد المرأة القانون الذي وضعه الذكور ليخدم مصالحهم فالمرأة المبدعة يهيمن عليها هاجس الإبعاد عن بيتها وأمومتها واستقرارها إذا ما خرجت عن إرادة الرجل. ويدعي الشرق دوما أن المرأة لا تستطيع تحقيق أي نجاح إلا من خلال الرجل وفي ظله رغم إنها إستطاعت السير قدما باتجاه حصاد النجاحات واحدا تلو الأخر فمن وزيرة دفاع إلى رئيسة دولة.
هذا ما نريده إذ مازالت المرأة في مجتمعاتنا تحلم بالحدود الدنيا لإنسانيتها وحقوقها إلا أن العملية لا تزال بين شد وجذب بين الدولة وشرائح كبيرة من المجتمع التي مازالت ترفض التخلي عن موروثها المبني على فكر منحرف عن السياق الطبيعي والسليم .. يعتبره مقدساً وهو في الحقيقة لا علاقة له بأي من المقدس.. إنما اصطنعته أنظمة استبدادية سوداء وربما أشد حلكة من اللون الأسود بحد ذاته. أنظمة حشرت مصالحها وظلمها وظلامها في المقدس على مدى قرون طويلة ليختفي الأساس السليم للمقدس فيصلنا مشوهاً ممسوخاً لا علاقة له بالأصل. مكرسة ذكورية المجتمع وفق أسس مخالفة لأبسط مبادئ إنسانية الإنسان. وسط كل ذلك .. تتطلع المرأة المتعلمة.. المثقفة.. خارج الحدود... ترى كيف أن المرأة في الدول المتحضرة تخرج..تنافس.. تبدع في شتى المجالات .. وهي هنا تتحسر ,, تشعر بأن لديها من الطاقات والوعي ما يفوق تلك التي تراها عبر الشاشات .. لكن هناك يحترمونها .. يقدرون إمكاناتها .. لا يفرقون بينها وبين الرجل.. لا اضطهاد للجنس .. أما هنا فإنهم يحجمونها بكلمات مقززة.. لا يجوز ..
عيب .. كيف تكون المرأة تكتب المرأة كذا وكيف تتجرأ على الاقتراب من الثالوث المحرم والذي يخافه الرجل أساسا. المرأة للبيت.. . للفراش. الله قال.. والله حقيقة لم يقل.. الأنبياء لم يقولوا.. هم قوَّلوهم .. هناك من له مصلحة في تحييز الدين لصالح الرجل.

وأخيرا إن الكتابة بحرية،هي مساهمة في إعادة النظر في مجموع التصورات الثقافية التي تسود المجتمع .

**

ميس خالد العثمان / الكويت

المبدعة نصيبها من الحرية أكبر من الرجل المبدع

لا أتفق مع مقولة أن المرأة مقيدة أو غير حرة في التعبير عما تشاء من خلال إبداعاتها،لسبب بسيط وهو أن المرأة المبدعة-كما نقرأ حاليا-تأخذ نصيبها من الحرية في الكتابة والبوح ربما أكثر من الرجل المبدع،على الرغم من تحفّظ المجتمعات العربية على توجهات الكاتبات ووصفهن بالمتمردات على المُتعارف عليه ، رغم ذلك كله، نرى أن الصوت الكتابي لهن يعد الأكثر تواجداً وحضوراً وضوءاً من قبل وسائل الإعلام، برغم ما تحمله الكتابات من " تعرية للمجتمعات" أو" التكلّم بصوت عالٍ" في كثيرمن الأحيان في أدق الخصوصيات وتحديدا إن التفتنا لقراءة ما يسمى بال سير الذاتية في بعض الكتابات النسوية السردية التي بدأت منذ النصف الثاني من القرن العشرين،والتي تسير عبر كتابات اليوم إلى النضج والكمال والتطوّر، الأمر الذي لا يشكك في أن التجربة الكتابية النسائية شكّلت أبعادها الجمالية الخاصة التي لازالت تساهم في التنوير ورغم ما ذكرته حول الأدب النسائي، فإنني أتحفظ على تصنيف الأدب ليتوزع ما بين أدب رجل أو إمرأة ،إنما فيما يختص بالسؤال المطروح، فأرى أن المرأة تأخذ حقها من الأضواء "كتابيا" على الأقل في البوح و التكلّم بصوت حر مسموع ، شأنها شأن الرجل،بقي أن أقول أن النماذج الإبداعية النسائية على كل مستوياتها واختلافاتها شاهدة على كل الحرية المتاحة ف نوال السعداوي و فضيلة الفاروق ،أحلام مستغانمي و ثلاثيتها الروائية، رضوى عاشور وليلى العثمان ، والضجة الرهيبة التي أثيرت حول رجاء الصانع بإصدارها الأول " بنات الرياض" في مجتمع يوصف بأنه مغلق على ذاته .كل تلك الأسماء و أكثر . ويوميا تبزغ ألأسماء النسوية الجديدة تصيح بما لا يقال بحسب مقاييس مجتمعية محافظة،أترانا بعد كل هذا نشعر بالنقص في الحريات ..؟.

nouarala2@hotmail.com