سلام صادق
(العراق / السويد)

في المتنزه يدب رجلان طاعنان
بظهرين محنيين كعلامتيّ استفهام
يتحادثان بلغة الاشارة
يبدو انهما كانا قد ترجما صمت المكان سنيناً طويلة
واليوم جاءا يتكئان عليه .
.....

صنعتُ هدوءاً من مخلفات جبل
وقاطرةً من سنوات التعب
وطفلا باثني عشر جرحاً في روحي
ودخلتُ النفق
.....

ان لم تكن الحب
فانت شيئا يشبههُ
يسبب الالم أيضاً .
....

كما المسافرين الصغار ليلاً
حين يجهشون بالبكاء
من شدة التعب او الاحتجاج
لانهم يحبون القوارب الصغيرة
والطائرات الورقية فقط
وقبلات الصباح السريعة قبل الروضة
تجلسين لصقي ووجهك للنافذة
وكنت تشيحين بوجهك عني
تحاولين الاختباء داخلك للحظة قصيرة
لكن ورغم هذا
كنت اراكِ بوضوح
كيف تنزلقين بين عوالم عدّة خارج حدود مجرتي!
بينما كان عشب اوائل الخريف
يهدهد الحشرات الصغيرة
لنومٍ ثقيل
بعد ان افزعها صفير القطار !!
.....

لماذا لا أرى ليلاً دون ظِلالك لأطلق في عماه خيول رغائبي ؟
لماذا لا ألثم ليلاً دون انفاسك يتوسل شهيق الفجر شرفةَ نعناع وندى حديقة ?
......

سنلتقي في مطارٍ غريب
من وراء زجاج
أو من ثلمةٍ خفيضة في سياج
فهذا الزمن المرتاب
يحتسي نزف المسافة
ويطلق فيها ضباب الغياب
......

ثمة فينا من ينسى مايؤرخ لهُ
وثمة فينا من يتناسى الاسماء
حريرٌ خشنٌ من اعذار
ومرايا يخدشها حزن الانهار
منافٍ من ثلج وهباء
تدور الرحى فتتناثر الاشلاء
.......

الساحة تنزع عن معصمها الساعة /جنين الوقت في احشائها يلبط /فللسكارى حان وقت التقيوء / وللمصابين بعاهة الصحو كلاب أليفة / تؤنس وحشتهم / وتجعلهم في غنى عن قولة ( هاي) /العابرون يحتذون قباقيب من خشب /هل يجري دم في عروق اقدامهم / يدلهم على وعورة الطريق / بائعة الزهور فاقدة لحاسة الشم /ماذا تفعل بانفها طالما لايصل تحت ابطها /مياه النافورة صدئة / فالزهور التي حولها اصابتها بعدوى النحاس / وانا اوغل في نفسي جيئة وذهابا /استجدي على الرصيف صمت وهواء نظيف / منفرد كفزاعة للطير نابتة في ريح المصادفات / وغير مطلوب منها اخافة أحد / فمعركتي ليست مع الطير / بل مع مايجعل
الطير يحلق بعيدا / دون ان يعرف وجهته /او موسم هجرته !!
......

تضيق بي المواعيدُ
فأضيق بعشو المصادفات
فقد لا استذكر الوجوه
في غير مرايا متشققة
حيث يحتشد الغياب
ويخبو بريق المكان
وابقى وحيدا
مثل غجري لايتقن الغناء
يسالونني عن الوقت
فأشير الى معصمي
وعن الطريق
فأشير الى الجدار المقابل
وحين لايفهمون عزلتي
أشير الى نفسي
بسبابة لاتخطيء بوصلة الاعماق .
.....

دوماً يخونني التوقيت في المرافيء
فزمن البحر رياح !!
......

تغيب الشمس لكي تغيب الحواس
ويتلاشى الوقت ، يذوب في حبر الكتابة
......

أخبطُ في موج الشراشف الزرقاء
عارياً إلاّ من حطامي
أُهرّب الليل حتى رمقهِ الاخير
على هديّ امرأة كنيزك
اشعلت جذوة المخادع
ونازفاً تركتني
أسبحُ في دماء شهوتي كفريسة
......

الليلُ ظلُّ اليقين الحزين
تنكبّ الكراسي على وجوهها
تُعلّق الطاولات من ارجلها
تُطل المصابيحُ على نفسها
تشرب المرايا تعب غبارها
تطوّح الذكريات بالنسيان
فتشع وجوه الراحلين
في شحوب الزمان !
.....

كثيراتٌ يستلقينَ على رمل الساحل
واحدة يلوحُ البحرُ في عينيها !
......

الذي يخرجُ لاصطياد الطيور ، لايرى كيف يظلله جناح الشجرة المهيض !!
.....

النهرُ التعبانْ
يتطوى ، يلتفُ كثعبانْ
وانا اصرخ كالملدوغ :
بماء دجلة عمدني
فيرتدُ صدى صوتي
...بشراييني الأطولَ مني :
بمـــــــــــــــــــاء دجلــــــــــــــــــة عمدنـــــــــــــــي
النهرُ التعبانْ
يتطوى ، يلتف كثعبان
فأذوبُ كموجة شوقٍ في عطشه
.ومُحبٍ عطشان
.....

الطعنةُ في نحر الشاعر
قلادةٌ من فصاحة الدم
وشمتها رطانة السكين !
......

هذه ليست نهاية القصّة
لآن فيما ستكون عليه اخيراً
هناك المزيد من البياض
للذي سوف لن يحصل اطلاقاً
.....

في ركنٍ بلا قهوة
في حانةٍ بلا دخان
سكرتُ من صديد طعنة الزمان
في منفىً بلا مأوى
في بيتٍ بلا عنوان
مازال يسكنني حطام مكان .
......

المكان : لا على التعيين
الزمان : الآن بالتحديد
تجري فصول كذبة سمجة
ربما ستتحول الى اسطورة حب !
......

يسألونك عني فتقولين
رجلٌ طويلٌ كالمنفى
ويسألونني عنك فأقول وطنٌ صغير
يكفيه ذراع ليغفو عليه كطفلٍ غرير !
......

صار دربنا من شظايا
مشينا على زجاج الامنيات
فانزوى الوقت جريحا
في غبرة تاريخ من خطوات نازفة
غارت جميعها في عمق الطريق
...ولم يبقَ لنا غير العميان
يحاولون انقاذ الوقت
من ايدي قطاع الطرق
.......

كلما راودني النعاس
إمرأة تنهض من حروفي
ككتاب رث وأغنية مهملة
ترشد العين الى طريقها
نحو برد السرير !
.......

ساُلبسُ الميتاورائي من جنونك قطيفة ورودي الحمراء ، وأسميك حديقة روحي ، وانتِ نزيفي الفاقع !!
......

المنفى ذات المنفى
ذات البحر من النسيان
وذات السماء من الزرقة الكاذبة
شبّاك نصف مضاء
وباب مواربة !
......

ماذا يصنع المنفى بدمٍ يأتيه سهواً ؟
غير ان يرشهُ آخر الليل على الطرقات
ماذا يصنع المنفى برجلٍ
يلقى به كرهينةٍ لديه
غير ان يساومه على حريةٍ مشلولة الاطراف
يمنحهُ عكاز هُ الوحيد
ويطلقه في حذر المسافات ؟
.......

جسدٌ ليس مهماً ان أنعته او أُسميهِ ، أكتبهُ في الظلمةِ قتقرأ رعشتهُ الاعماق !!
......

كان حلماً من حجرٍ
عن شمسٍ سوداء
وسلالم عريضةٍ تشهق نحوها
يتضاءل فيها الانسان مع كل خطوة !
.......

أحببتها
احببتُ آلاف الزهور الصغيرة
على فستانها البسيط
وحلقات أقراطها الكبيرة
التي أطبقت باستدارتها
على همسي ولهاثي
.......

طاووس المباهاة انت
يرتكب الوان حديقتهِ
ويوزع كبريت مقلتيهِ
على هشيم الهلاك
.......

الاعمى من يرى دمه يجري بلا عروق على غير هدى
ولا يدله على ثقوب تقترحها الرصاصة
.......

سأراك حين تغمض الايقونات أعينها
واستمع حفيف ثوبك حين تخرس الريح
وألمس نهديكِ حين يُذوّب الماس
وأتذوق رضابك حين تنهمر الشلالات حليباً
واشم عطرك حين تعبأ الحدائق في قناني
يامستحيلي !
......

تبددين خشيتي
ووحشة المكان
كهالة من نور
وحين تبرحين
أصير مثل اعمى
يوقد شمعة في الليل
ليضيء نافذة الحنين .