(يوسف بزي مقدماً الشعراء)

اسكندر حبش
(لبنان)

يوسف بزيكل شيء أفضل من الحرب، بالتأكيد. حتى الشعر، وعلى الرغم من هذه الحروب الصغيرة التي يشعلها الشعراء أحياناً، عندما يكتبون، أو عندما يقرأون نصوصهم وأشعارهم التي تندرج بدورها إلى حروب على اللغة وفيها، إلى حروب للمخيلة ومنها. حرب الكلمات الجميلة أفضل بكثير لنتخيل أن باستطاعتها شن (حروبها) على الحرب الأخرى، على الأقل لن تدمر مثلما دمرت حربنا المجيدة. ربما بهذا المعنى تندرج نشاطات الأمسيات الشعرية التي يشهدها برنامج (لبنان للجميع وطن للحياة) الذي يُقام بمناسبة 30 سنة على اشتعال 13 نيسان 1975. من هنا، ليست القضية في أن نطرح السؤال عمّا إذا كانت الكلمات تستطيع إخراجنا من ذلك أم لا. لنقل إنها محاولة لإيصال صوت، يرفض أن يبقى أسيراً لسواد يلفّ كل شيء.

الأمسية الشعرية، التي دارت، مساء أمس، فوق مدرجات الحمّامات الرومانية في قلب العاصمة بيروت، وبعيداً عن معناها الحدثي المتعلق بالمناسبة، كانت تحمل في ثناياها معنى ثقافياً بحتاً، كان له أن يكتمل بامتداده الواسع لولا...

هذا المعنى يتمثل في كونه، ربما، المرة الأولى التي يحيي فيها شعراء (الجيل الجديد) في لبنان، أو ما اصطلح على تسميته جيل ما بعد الحرب، أمسية تضم مختلف أصواتهم المتنوعة. وكان يمكن لها أن تأتي في هذا السياق (المعرفي) لولا وجود الشاعر الزجلي سمير شرف الدين بينهم. لنستدرك سريعاً، لا أحد يرفض وجود الشعر الزجلي من حيث المبدأ، فهو حاضر عبر شعرائه الكُثر، حتى أنه يؤلف حالة حقيقية، لكن بالتأكيد لم يكن مكانه في أمسية البارحة. فمناخات القصائد التي ألقاها كل من غسان جواد وفيديل سبيتي وناظم السيد وفادي ناصر الدين وسمعان خوام وعلى الرغم من فروقات العملية الشعرية عند كل واحد من الشعراء لا بدّ وأن تشكل مناخاً معيناً تنضوي في أثره هذه الأصوات الجديدة. لذلك، ولولا وجود هذا الصوت الزجلي، لقلنا إنها أمسية ناجحة، عرفت كيف تقدّم أصواتها، عبر كلمات الشعراء الخاصة.

على كل، بدأت الأمسية بكلمة من مقدّم الأمسية يوسف بزي، الذي تحدّث عن اختلاف زمنين: زمن كان مقاتلاً يطلق الرصاص على مدينته، والزمن الراهن الذي يقدم فيه زملاءه الشعراء. أمام هذه المفارقة، أو هذه (المسافة الهائلة) (على قوله) كان لا بد له من الاعتذار من بيروت، مدينته، لأنها لحظة (تذكُّر لا نسيان) لحظة (تغلّب على الحرب). وإذا كان يوسف بزي من جيل عرف الحرب وشارك فيها، فإن من تبعه على المنبر، لم يعرفها بالمعنى الأوسع، من هنا جاءت قصائدهم في مناخ هذا (الهدوء النسبي) الذي عاشوا فيه بعد الحرب، حيث لا تحضر الحرب المدمرة بكل قوة حضورها المادي، بل من خلال بعض آثارها المنعكسة في خلفية القصائد، أو حتى في أفضل الظروف، تشكل النسيج الذي تُصاغ منه الكلمات. فوزن الكلمات المادي، الذي يُقَطّعه الشعراء، ليس في النهاية، إلا نتاجاً لهذه الحرب التي عاشوا في ظلها، على الأقل في ذكريات من سبقهم.

وبعيداً عن أي تقييم فردي للأصوات المختلفة، لا نستطيع إلا الذهاب بعيداً مع هؤلاء الشعراء، إذ لا شك، ثمة أصوات جديدة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ومن حضور.

السفير
12 ابريل 2005