(شغفه بالسينما قاده إلى عالم الرواية)

عمر شبانة
(الاردن/الامارات)

أمين صالح* بداية، ومن موقعك كروائي وشاعر أولاً جئت إلى عالم السينما كاتباً للأفلام وناقداً ومترجماً للكتب المتعلقة بالسينما، نود أن نعرف موقعك كسينمائي أو كاتب مهتم بالسينما؟

الحقيقة أن اهتمامي بالسينما بدأ مبكراً، ليس فقط كمشاهدة وتسلية، بل كان اهتماماً ينطلق من كوني أعتبر السينما هي الواقع الحقيقي الذي كنت أهرب إليه من الواقع اليومي المعيش، فقد كان اهتمامي بهذا الفن يدفعني باستمرار إلى أن أثقف نفسي بكل جوانبه من تصوير ونص وإخراج وغيرها. وشيئاً فشيئاً تولدت لدي الرغبة في المشاركة في صناعة السينما رغم غيابها عن البحرين في السبعينات، ومنذ بداية الثمانينات أخذت أكتب الدراما التلفزيونية تعويضاً عن تلك الرغبة.

بداية روائية

* لكنك عرفت روائياً وكاتب قصة قبل أن تعرف باشتغالك في السينما؟

هذا صحيح، فقد أنجزنا أول عمل سينمائي في البحرين مطلع التسعينات، وهو فيلم ''الحاجز'' الذي كتبت له السيناريو، وأخرجه بسام الذوادي، ثم توقفت المحاولات نتيجة غياب المنتج والكوادر الفنية. والتجربة الجديدة هي فيلم ''عشاء'' الذي عرض في المهرجان (مهرجان السينما الخليجي-دبي). وكوني عرفت روائياً، فهذا صحيح فقد بدأت الكتابة في العام 1969 ونشرت أول كتاب .1973

* ماذا عن تكوينك كسينمائي، ما المكونات الأساسية لك كسينمائي من خلال محيطك وبيئتك؟ وهل يكفي أن تشاهد أفلاماً لتهتم بالسينما؟

لا، بالطبع، لابد من وجود الرغبة والشغف، وهذا في كل الفنون وليس في السينما فقط، والشغف هنا يجب أن تحصنه المتابعة والاهتمام، وهكذا تتخلق الرغبة في خلق فيلم سينمائي. وقد كان شغفي منذ الصبا، وفيما بعد جاء التثقيف والسعي الحثيث لتحقيق هذه الرغبة حتى جاءت الفرصة، ثم تعددت محاولات الكتابة والترجمة، وما يزال الشغف لم يمسسه اليأس أو الإحباط.

* لنتحدث عن البحرين، وما إذا كان هناك اليوم جيل يواصل الإبداع في السينما، سواء من حيث كتابة النصوص والسيناريو أو في العناصر الأخرى المتعلقة بصناعة الفيلم السينمائي؟

للأسف ليس في البحرين اليوم اهتمام كبير بالسينما وما يتعلق بها، هناك ندرة في كتاب النصوص، وندرة أو غياب لترجمة الكتب المتعلقة بالسينما، وهذا ما دفعني إلى الترجمة رغم أنني لا أحبها. وكم أكون سعيداً حين أسمع عن أثر كتاب تاركوفسكي الذي ترجمته على الكتّاب والمبدعين عموماً وليس على السينمائيين فقط. فأنا لا أترجم سوى ما يمكن اعتباره مجهولاً أو مهملاً ولا أحد يلتفت إليه.

* لماذا في رأيك هذا الغياب والتهميش سواء للنص وحتى للنقد السينمائي؟

السبب هو الفكرة السائدة عن قيمة السينما ومكانتها الهابطتين في نظر الكثيرين، حتى في نظر الكتاب الذين يعتبرونها فنّاً للتسلية، وقلة قليلة من يأخذون السينما بجدية.

* لهذا هناك ندرة في الكتابة عن السينما الجادة تعكس ندرة الأفلام الجادة؟

بالطبع، هناك ارتباط جدلي وشرطي بين العالميْن.

* نعود إلى ترجمتك لما يتعلق بالسينما، وخصوصاً تاركوفسكي، فلماذا هذا المخرج بالذات في تلك الفترة؟

أنا مهتم بما أسميه السينما المجهولة بالنسبة لنا، وهي إضافة إلى كونها مجهولة فهي تطرح قضايا كونية وغير مألوفة لدينا، كذلك فهو يطرح علاقة المخرج بالعناصر الفنية المختلفة في الفيلم كالتصوير والموسيقى والتمثيل، وحين شاهدت أفلامه انبهرت به، ورحت أقرأ عنه إلى درجة التبني لهذا المشروع باعتباره مشروعي، وأردت تعميم أفلامه وكتبه. وكما تعلم فبعد تاركوفسكي اشتغلت على فيلليني، والآن لديَّ كتاب جاهز للمخرج اليوناني ثيو أنجلو بولوس، وهو غير معروف أبداً لدينا، رغم أنني أعتبره عبقرياً، وأفلامه في منتهى الشاعرية، وسوف يثير اهتمام الكثيري من السينمائيين والمبدعين عموماً في بلادنا.

* ما الذي يجمع هؤلاء الثلاثة معاً بالنسبة إليك، يعني أي هاجس يشغلك أكثر ويدفعك لترجمتهم؟

الهاجس الأول هو قدرته على التأثير في القراء والمهتمين من حيث القضايا الفنية والجمالية التي يطرحها، والرؤية التي يطرح بها هذه القضايا، فمثلاً بالنسبة إلى أنجلو بولوس فهو لا يقدم العنف بصورة مباشرة في أفلامه، ولا يعرض الحدث نفسه، بل يعرض آثاره، وهذا جانب من التأثر بالتراجيديا الإغريقية، فهي لا تظهر العنف على المسرح، بل الممثلون يتحدثون عن حدث ما أو عن طريق الكورس ربما، وكذلك الأيقونات البيزنطية التي تظهر ردات الفعل لا الفعل نفسه. وهناك طبعاً مفهوم الزمن والحياة والموت التي يطرحها بولوس بصورة جديدة ومؤثرة. فهؤلاء إذن يطرحون رؤى جديدة يمكن أن يكون لها تأثيرها في ساحتنا السينمائية العربية.

أثر الترجمة

* ما مدى تأثير هذه الترجمات في تحريك سوق الترجمة الذي ما يزال محدوداً بما تترجمه وتنشره وزارة الثقافة السورية وهيئة الثقافة المصرية؟

طبعاً التأثير قليل، فقرَّاء كتب السينما قلة، والناشرون يتخوفون من الخسارة حين ينشرون هذه الكتب، لكن القطاع العام في مصر وسوريا لا تعنيه مسألة الربح والخسارة كثيراً، وكذلك هناك ندرة في عدد المترجمين ذوي الكفاءة في هذا المجال. ليس ثمة من يشجع على ذلك. في الثمانينات كان هناك مشروع لدى دار الطليعة يشرف عليه إبراهيم العريس وقد أصدروا مجموعة جيدة من الكتب لكن المشروع توقف منذ مدة.

* وهل تعتقد بوجود بوادر لظهور سينما جادة في البحرين والخليج عموماً؟

أعتقد أن عقد مثل هذا المهرجان السنوي المنتظم وتطويره قادرٌ أن يساعد في قيام السينما المطلوبة إن توفرت الاستوديوهات وشبكة إنتاج. فلو نظرنا إلى ما يقدم في هذا المهرجان على مستوى الكم لوجدنا حجماً كبيراً من الإنتاج، ووجوداً كبيراً للكوادر الفنية، وهؤلاء قادرون على تقديم الأفلام الجادة الطويلة غير التجارية، لكن هؤلاء يعملون بجهود فردية.

* نبقى في ظل السينما الخليجية التي هي كما قلت نتاج جهود فردية، حيث يغيب دور المؤسسات الرسمية والأهلية؟

خليجياً تبقى السوق الخليجية فقيرة وضيقة لا تغري الممول بالمشاركة في الإنتاج، وهو حين يريد المشاركة يطلب وضع اسمه على الفيلم ليظهر في المحافل والأسواق، والأفلام الجادة ليست لها سوق، نحن أمام ممولين من الصعوبة أن يقتنعوا بأهمية ما يقدمه الفنان الجاد، لذلك يلجأ الفنان إلى التمويل الذاتي لفيلمه ويشارك به في المهرجانات عسى أن يفوز بجائزة تعوض ما صرفه عليه. وهنا في الإمارات لحظت وجود ظاهرة التجمعات السينمائية، مثل فراديس والرؤية، وقد تكون كل مجموعة نواة لتجمع يستطيع تقديم مصدر لتمويل أفلامهم في المستقبل.

* ولكن، لماذا تستطيع دول فقيرة تقريباً مثل سوريا ومصر تخصيص مؤسسات وميزانيات للسينما، بينما تعجز دول الخليج عن القيام بذلك؟

السينما ليست ضمن أولويات المؤسسة الرسمية الخليجية، وجود قطاع عام في كل من سوريا ومصر هو الذي ساعد على قيام الصناعة السينمائية الجادة. فنظرة الدولة إلى السينما تعتبرها فنّاً لا يستحق الرعاية، ولكن يمكن مع تزايد المهرجانات والاهتمام الإعلامي أن تلتفت دولنا ومؤسساتنا إلى السينما، وليس هذا أكيداً بالطبع، لكنه ممكن إذا واصل الفنانون الضرب على هذا الجانب.

الفيلم القصير

* لنتوقف عند ظاهرة الحضور الكثيف للفيلم القصير على حساب الروائي الطويل، هل يعود ذلك أساساً إلى العامل المادي فقط أم ثمة عناصر أخرى؟

العامل الأساسي هو المال، إضافة إلى نقص في العناصر الفنية. وهناك فنيون في كل المجالات، لكن ليس بالقدر المطلوب لصناعة حركة سينمائية. وحتى لو لم يوجد مثل هؤلاء، يمكن الاستعانة بكوادر عربية وأجنبية. لكن المال هو الأساس، فالفيلم الطويل يعني الكلفة العالية.

* وهل هناك مثلاً كُتّاب نصوص قادرون على تقديم نص سينمائي طويل ذي سمات خليجية؟

هناك حالات فردية متناثرة، لكنها لا تشكل ظاهرة عامة. فأنا الآن أكتب عملاً طويلاً، وأبحث عن مخرج ومنتج له.

* كيف تنظر الآن إلى مستوى السينما الخليجية، وما الذي يميزها عن سواها في المنطقة؟

لا أستطيع الحديث عن سينما خليجية، على الأقل فيما يتعلق بالتسمية، ومشاهدتي لما يقدم من تجارب تؤكد وجود تفاوت بينها، هناك الضعيف والقوي، لكن هناك جدية في الطرح غالباً، وحتى فنياً أجد ثمة تجارب إماراتية متقدمة، بعضها يمتلك الشاعرية العالية والإحساس العالي بالصورة والاختزال.

التقدم الإماراتي

* وهل يمكن الحديث عن تقدم السينما في بلد خليجي وتأخرها في آخر، ولماذا هذا التفاوت؟

نعم، فبدون تردد أقول إن الإمارات الآن متقدمة، وذلك بسبب وجود مهرجان سنوي متواصل يقدم الفرصة للشباب كي ينتجوا ويطوروا أنفسهم باستمرار. أما غياب مثل هذا المهرجان عن البحرين مثلاً فقد جعل تجارب السينمائيين فيها تتراجع وتضعف أو تتباعد المدة بين فيلم وآخر، وليس هناك في البحرين مثل ذلك الشغف الذي تحدثت عنه في البداية، بينما تجد مثل هذا الشغف لدى فنانِي الإمارات الذين تجدهم مهجوسين بالسينما ويتابعونها باهتمام كبير. وأتمنى أن يتوفر مثل هذا الاهتمام في دول الخليج الأخرى. وحتى السعودية التي تعتبر النظرة إلى السينما فيها محافظة جداً وليس فيها صالة سينما واحدة، ستقيم الشهر المقبل مهرجاناً يشارك فيه -حسب علمي- خمسون فيلماً سعودياً. طبعاً لا نتوقع أن تكون كل التجارب متميزة وعميقة، ولكن مع الوقت تتكوّن أعمال مهمة إن لقيت الرعاية والاهتمام.

* ماذا عن أبرز القضايا التي تطرحها هذه السينمائية، وكيف تناولتها؟ بأي مستوى فني؟

حين أشاهد هذه الأفلام أجد تفاوتاً في الطرح، فليس ثمة موضوع واحد أو قضية موحدة للجميع، هناك اهتمام بقضايا كثيرة، وليس ثمة تركيز على قضية بعينها. هناك القضايا اليومية والهموم الصغيرة والأحلام الذاتية، وهناك قضايا تهم الوطن بأسره، فما رأيته يتوزع على الاهتمام بكل القضايا.

التقنية والرؤية

* لمسنا في ''مهرجان الخليج السينمائي'' كما في غيره ربما، ميلاً شديداً لاستخدام التقنيات يتم أحياناً بلا رؤية واضحة ولا توظيف، كيف يمكن لكل منهما خدمة الأخرى؟

لقد ساعدت هذه التقنيات الحديثة، وخصوصاً كاميرا الديجيتال، في تطوير العملية السينمائية، سواء فيما يخص التصوير أو المونتاج، وحلت مشكلات كثيرة، وهي متوفرة بسهولة. ومع أنني أشجع استخدام مثل هذه التقنيات، إلا أنني أربط استخدامها بضرورة وجود رؤية حديثة أيضاً، فهذه الرؤية هي التي تحدد للمبدع ما يريد أن يقول. وتتفاوت في هذا المجال التجارب بحيث لا نستطيع وضعها جميعاً في سلة واحدة.

* ضمن النظرة غير المشجعة التي ينظر بها في عالمنا العربي، كيف تستطيع أنت أن تستمر في هذا المجال؟

المسألة كما قلت في البداية تتعلق بالشغف الذي يجعلك تتجاوز نظرة الآخرين، بحيث لا تضطر إلى الاستجابة لها أو مجاملتها، بل تعمل كعاشق، ثم إن المبدع يشعر بفرح حين يجد من يشاركه هذا العشق، وهناك دائماً من يشاركوننا عشقنا ويفرحون لفرحنا.

الأدب والسينما

* هناك بالطبع علاقة جدلية بين الأدب والسينما لجهة النصوص المشتركة بينهما، فإلى أي حد يستفيد كل منهما من الآخر في تجربتك؟

كما قلت، فالعلاقة الجدلية تجعل الاستفادة متبادلة، فالقراءة بالنسبة للمبدع تخلق لديه حالة وعي عميق بما يقرأ، وتخلق قدراتٍ جديدةً من حيث اللغة والقاموس اللغوي، وكلما قرأت أكثر تكون قدرتك على كتابة السيناريو أكبر ويكون النص أجمل، وتبتعد عن الابتذال، وتمتلك قدرة أكبر على رسم شخصيات الفيلم.

* وماذا عما تقدمه السينما لك ككاتب رواية؟

في مؤتمر للرواية في القاهرة، طرحت هذه المسألة بعيداً عما يقال عادة عن تقنيات التقطيع وما عداها، متجاوزاً إلى مسألة الرؤية البصرية ودورها في رسم المشهد الروائي، بحيث لم يعد مشهداً حوارياً ثنائياً، بل ذهبت به نحو البانورامية، فيبدأ الكاتب المشهد بلقطة سينمائية. وهناك أمر مهم، فالكتابة الأدبية تختلف عن السينمائية، حيث هذه الأخيرة اختزالية وتخلو من البلاغة. ومن حيث التأثر أعتقد أنني حين أكتب للسينما أكون مختلفاً عني حين أكتب الرواية.

جريدة الإتحاد الإماراتية
26/6/2008