أدونيس، عملاق الشعر العربي، يُثير كعادته الأسئلة الكبرى في الأدب والشعر والتراث والفلسفة و... السياسة عن بُعد.
حين تجالسه تشعر بأنه خارج المكان الآتي منه، وهذا لا يعني أنه قطع كلياً مع ماضيه، رغم أنه يفضّل هذه القطيعة أحياناً.
للثورة عند صاحب «أغاني مهيار الدمشقي» معانٍ أخرى، فالثورة عنده تعني «تحقيق المساواة والعدالة والحرية، أي حقوق الانسان».
في الحوار الأول الذي أجرته «الراي» مع أدونيس أوائل أغسطس الماضي، أثار شاعرنا موجة إعلامية وسياسية، فكانت أجوبته أشبه بصوت آخر آتٍ من عمق الجرح السوري.
وعندما اعتبر بعض المثقفين العرب، بعد المقالتين اللتين نشرهما في صحيفة «السفير» اللبنانية، أن صاحب «الثابت المتحول» يبدو غريباً عن التحوّلات الجارية في سورية، جاء ردّه كالصاعقة، حين وضع المعارضة السورية والنظام ومَن استهجن رسالتيه أمام الإشكاليات التاريخية الآتية: ما معنى الثورة إذا لم تتأسس على الفصل بين الدين والدولة؟ وهل للمعارضة السورية مشروع ما دامت لم تأخذ في الاعتبار فصل الدين عن الدولة وقضايا المرأة والتركيز على الفرد وليس الأمة؟ والأهم في ما طرحه أدونيس في لقائنا الأول معه: إلى أين نحن ذاهبون؟
معالم القلق حول مستقبل العالم العربي وعمقه السوري، تراكمت عند أدونيس، وإزدادت حدّتها، والمؤشر الأخطر الذي يؤرقه «الحصاد الإسلاموي للربيع العربي»، ولا سيما في مصر وتونس وربما في سورية. لكن صاحب «النص القرآني وآفاق الكتابة» لا ينسى أن الحراك الشبابي «بالغ الأهمية من جميع النواحي وعلى جميع المستويات لكنه يظلّ في اطار التمرد والاحتجاج».
أقل ما يُقال عن أدونيس أنه بحر «مأخوذ دائماً بتأليف الموج» كما ورد في روائعه الشعرية، وهذا يعني أنه يرفض السكون وتقديس الماضي، ويطالب بالتغيير الجذري على المستويات كافة، فالخطيئة الكبرى بالنسبة اليه التطلع إلى الماضي وجعله صنماً للعبادة.
في الحوار الأول الذي أجريناه مع صاحب «ديوان الشعر العربي» تمحورت الأسئلة حول مقالتيه: «رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد الإنسان حقوقه وحرياته أو الهاوية» و«رسالة مفتوحة إلى المعارضة حول التغيير في سورية». وبعد مرور ستة أشهر نعود من جديد إلى أدونيس لنطرح عليه أسئلة جديدة تبدأ بكيفية سقوط الأنظمة الاستبدادية ولا تنتهي بالانقسام «المُموّه» داخل حزب البعث.
وفي ما يأتي وقائع الحوار الثاني لـ «الراي» مع أدونيس:
* أكدتَ أكثر من مرة أن الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي يجب أن تسقط من دون إستثناء. كيف يمكن أن تسقط وضمن أي مشروع؟
- تسقط بالمعارضة، ديموقراطياً. لا أميل إلى أي شكل من أشكال العنف المادي. هذا النوع من العنف يُخرج الانسان من إنسانيته ويأخذه إلى التوحّش. وهو اذاً عامل انحطاط لا عامل نهوض. عامل تغيُّر نحو الاسوأ. العنف شكل آخر من أشكال الدكتاتوريّة. ومهما كانت الديموقراطية ناقصة، تظل أفضل من العنف ومن الدكتاتورية.
* النظام السياسي والمجتمع جزء من كلّ. من أين يبدأ التغيير: من بنية المجتمع العربي البدوي عموماً أم من المعطى السياسي؟
- يبدأ التغيير بالعمل السياسي، لكن شريطة ألاّ يقتصر التغيير على الجانب السياسي المباشر الذي يمثله رجال الحكم أو النظام، بل أن يشمل تغيير المؤسسات. أن يتغيّر المجتمع هو أن تتغيّر مؤسساته السياسية والاجتماعية، الثقافية والاقتصادية، وان تتغيّر تبعاً لذلك تشريعاته وقوانينه.
وفي مجتمع كالمجتمع العربي لا تزال القروسطية الثيوقراطية تُهيمن عليه، لا يمكن أن يتم أي تغيير حقيقي إلاّ بالفصل الكامل بين الدين والدولة، بين ما هو لاهوتي وما هو سياسي ثقافي واجتماعي اقتصادي.
هكذا نرى أن جميع التغييرات السياسية في المجتمعات العربية منذ مُنتصف القرن الماضي، أوصلت العرب إلى الأسوأ والأخطر، لأنها كانت مجرد تغييرات شكليّة سطحيّة، ولم تُلامس الأسس على أي مستوى.
* أشرتَ إلى أن ما يحدث في العالم العربي من احتجاجات سياسية ليس ثورة. بماذا تصف ما يجري؟
- ما جرى ويجري، وخصوصاً ما يرتبط بالشبان والشابات، بالغ الأهمية، من جميع النواحي وعلى جميع المستويات. لكنه يظلّ في اطار التمرّد والاحتجاج. الثورة عملٌ جذريٌ شاملٌ. والأمل هو تحقيقها، لبناء مجتمعات عربية جديدة حقاً، وديموقراطية حقاً.
* ما تفسيرك لصعود التيارات الدينية في المجتمعات العربية والاسلامية؟
- هذه تيارات كانت كامنة. وكان ما قام به الشبان والشابات العرب، فُرصة لظهورها. وهي الآن تتواطأ مع القوى الرجعية العربية، والقوى الاجنبية الكولونيالية للسيطرة والهيمنة، وخصوصاً أنها الأكثر عدداً والأكثر تنظيماً. غير أن ذلك لا يعطيها أيّ مشروعية لبناء المستقبل.
لا يُبنى المستقبل بالماضي، مهما كان هذا الماضي حاضراً وفعّالاً. الشعوب الحيّة تبني مُستقبلها بتجاربها الواقعية وإبداعاتها، وليس بذكرياتها وأحوالها الماضية.
وهذا «الصعود» الذي تشيرين اليه لا أفسّره، كما هو شائع، بـ «فشل» الحركات اليسارية، فهذه الحركات لم تقم بأي ممارسة جذرية، نظراً او عملاً، لكي يُقال أنها فشلت وإنما تبنّت ما هو سائد، موروث، مكتفيةً بتغيير «العباءة». كانت حركات انتهازية، سطحية، هاجسها الأساس لا تغيير المجتمع، بل استلام السلطة وتحويل البلدان العربية إلى «متاجر» و«خزائن» و«مجازر».
* لماذا عجز العرب حتى الآن عن استكمال عصر النهضة منذ أن قاد محمد علي باشا حملة التحديث في مصر؟
- السبب الأساس وراء هذا العجز يكمن في انعدام الرؤية الجذريّة الخلاّقة، والممارسة الجذريّة الخلاّقة وجشع السلطة، وانعدام الهمّ الذي يدور حول التأسيس لمجتمع جديد، وإنسان جديد، وثقافة جديدة، والتبعية شبه الكاملة للغرب وسياساته.
* هل مشكلة الثقافة العربية أكثر تعقيداً من المشكلة الدينية؟
- لا تنفصل المشكلة الثقافية في المجتمع العربي عن المشكلة الدينية. الدين في هذا المجتمع معيارٌ ثقافي، عدا أنه أساسٌٌُُ. وهو، اذاً، ضابطٌ ورقيب. لا «يضبط» أو «يراقب» الفكر وحده، وإنما «يضبط» كذلك و«يراقب» الجسد والحياة. فضلاً عن اللغة نفسها، اللغة العربية نفسها، لا تأخذ مداها الحُر والخلاّق في استخدامها، بسبب من هذا «الضبط» الديني، وهذه «الرقابة» اللاهوتية الاجتماعية.
ليس الانسان العربي وحده «سجين» هذا الوضع، وإنما اللغة العربية نفسها «سجينة» هي ايضاً.
* أين دور الاصلاح الديني؟ وما الأسس التي يجب أن ينهض عليها التحديث في الإسلام؟
- عبارة «الإصلاح الديني» متناقضة مع الدين. إذ كيف يُصْلَحُ الدين؟ فهذا «الإصلاح» يفترض أن هناك فساداً. يؤخذ الدين كما هو، أو يُرفض. وهي عبارة كمثل عبارة «الاسلام السياسي». ليس هناك إسلام سياسي، هناك مسلمون يستخدمون الدين سياسياً، وهذا شيء آخر.
إذا صحّ أن نقول «إسلام سياسي» فمن الصحيح أن يقال مثلاً «إسلام أدبي» و«إسلام جنسي» و«إسلام خيالي» و«إسلام حداثي»... إلخ. وهذا لا يصّح. يجب التدقيق في صحة العبارة قبل الكلام عليها.
* ما أبرز المبادئ التي يجب أن تنهض عليها أي ثورة جذرية؟
- المساواة والعدالة والحرية أو باختصار: حقوق الانسان.
* أكثر من مرة طالبتَ بالتغيير الثقافي الشامل وقلتَ «لا ثورة عربية إذا لم تكن ثقافية». هل يمكن أن تحدد لنا آليات التغيير على المستوى الثقافي؟
- أستخدم كلمة «الثقافي» هنا، بالمعنى الثقافي الواسع الذي يتضمّن التربية، والاجتماع والسياسة، والاقتصاد، والعلاقة مع الآخر، اضافة إلى الآداب والفنون والعلوم والقوانين.
* لماذا تقع الثورات؟ وهل تعتقد أن ثمة حاجة لإعادة النظر في مفهوم الثورة؟
- ليست الثورة مُطلقاً ثابتاً. إنها وسيلة. وبوصفها وسيلة، لا بُدّ من أن يُعاد النظر فيها دائماً، في ضوء الأوضاع والمراحل التاريخية الخاصة بالبلدان التي تُقام فيها الثورات.
* ما تفسيرك لوقوف اليسار إلى جانب الحركات الاسلامية والأنظمة؟
- معظم التيارات اليسارية العربية عملت منذ منتصف القرن العشرين المنصرم، لا بوصفها قوى مستقلة وجذرية، بل بوصفها قوى مُسْتَتَبْعَة، او متحالفة مع الأنظمة العربية القائمة، فترات تطول أو تقصر. وكان همّها الأول أن تشارك في السلطة، بشكل أو آخر، اكثر من انشغالها بتغيير المجتمع، وابتكار الطرق التي يقتضيها هذا التغيير. وهو الآن (اليسار) يتحالف مع الحركات الاسلامية بعقليّته القديمة اياها التي دفعته إلى التحالف، قليلاً او كثيراً مع جميع الدكتاتوريات العربية دون استثناء للمشاركة في السلطة. حتى أنه يمكن تعريف اليسار العربي بالقول إنّه شراهةُ الوصول إلى السُّلطة، بأي ثمن، وبأيّ طريقة.
* الانتقال من النظام العسكري الوراثي إلى النظام الديموقراطي التعددي في سورية يحتاج إلى تحولات على مستوى البنية السياسية والاجتماعية. هل بُنى المجتمع السوري قادرة على تحقيق هذا الانجاز؟
- نعم يحتاج ذلك إلى تحولات عميقة ومتنوعة. والمجتمع السوري قادر على تحقيق هذه التحولات، وجدير بها.
* في المقابلة السابقة مع «الراي» أشرتَ إلى أن «داخل النظام متطرفون وهم ذاهبون إلى الهاوية». هل يمكن القول إن حزب «البعث» منقسم إلى اتجاهين: الأول راديكالي لا يريد الخروج من السلطة والثاني اصلاحي يسعى إلى احتواء الأزمة السورية؟
- يبدو، في الممارسة، أن هذا الانقسام قائم. مع أنه يبدو أنه مُموّه، في النّظرية، تمويهاً قوياً.
* لماذا ينحصر الحراك الاحتجاجي في سورية داخل المدن ذات الغالبية السنيّة؟
- لا يزال الاحتجاج محدوداً، في عدد المحتجين، وفي عدد الأمكنة التي يتم فيها هذا الاحتجاج. الثورة لا تكون إلاّ بتحرك الكتلة الكثيفة من جسم الشعب، وبخاصة في المدن الكبرى. وهذا التحرك لم يبدأ حتى الآن. لماذا؟ ربما لأن البداية كانت خطأ: كانت لها نبرة طائفيّة مذهبيّة، تتحرك داخل «صوت» غير سوري، لكي لا أقول «أجنبي». والشعب السوري بوعيه التاريخي العميق، ضد هذه «النبرة» وضد هذا «الصوت».
* يرى البعض أن الصراع بين هيئة التنسيق والمجلس الوطني السوري هو بمثابة الصراع على المواقع والأدوار، وكنتَ طالبتَ المعارضة بوضع مشروع حقيقي وتحديداً في ما يتعلق بفصل الدينيّ عن السياسي. لماذا لم تنجح المعارضة السورية حتى الآن في إرساء مشروع إصلاحي جذري؟
- نعم هو «صراع على المواقع»، وهذا مَقْتَلُ الحراك الشعبي. ثم ما معنى «ثورة» في أي بلد عربي، لا في سورية وحدها، إذا لم تكن قائمة أساسياً على الفصل بين الدين والدولة؟ وما تكون جدواها خصوصاً إذا كانت تَسْتَعينُ بالحِراب الأميركية أو الأطلسية؟
* ما الذي تحتاجه سورية من أجل ترسيخ الديموقراطية، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، والى أي مدى تتعارض الديموقراطية كثقافة مع جهوزية المجتمع السوري لتقبُّلها؟
- لا ديموقراطية، ولا حقوق إنسان وبخاصة حقوق المرأة، ولا حريات، ولا دولة قانون في سورية او غيرها من البلدان العربية، دون تحقيق الفصل الكامل الذي أشرتُ اليه بين ما هو ديني من جهة، وما هو سياسي ثقافي اجتماعي من جهة ثانية، على جميع المستويات وفي مختلف الميادين.
* الحركات الإسلامية في تونس ومصر والمغرب حصلت على أعلى نسبة من التمثيل السياسي، وفي السابق أشرتَ إلى أن سقوط النظام في سورية سيؤدي إلى وصول الاسلاميين إلى الحكم رغم أن البعض ومن بينهم برهان غليون اعتبر أن الاخوان لن يحصلوا إلاّ على عشرة بالمئة من تأييد الشعب. ما رأيك في ذلك؟
- يخطئ برهان غليون في تقديره، خطأً كبيراً. هو نفسه جاء إلى رئاسة المجلس الوطني بفضل الاسلاميين، وبإرادتهم.
* الاخوان المسلمون في سورية طالبوا ببناء الدولة المدنية ولكنهم لم يطالبوا بالفصل بين الديني والسياسي. لماذا في رأيك اختارت جماعة الاخوان مصطلح الدولة المدنية؟
- كلمة «مدنية» هنا للتمويه. هي «غش» ثقافي. يجب استخدام كلمة علمانية اذا كان القصد «المدنية» حقّاً.
* ما الذي يمنع الإسلام السياسي العربي من الأخذ بالإسلام التركي؟
- ليس الاسلام التركي نموذجاً. حالة سياسية خاصة، سبقتها العلمنة الأتاتوركية. وليس هناك عند العرب «علمنة» في أي مجتمع عربي. نحن العرب نعيش في عالم القرون الوسطى، دينياً واجتماعياً. يكفي للتدليل على ذلك أن ننظر إلى وضع المرأة، والى حقوق الانسان، والى حرياته، والى «وحدانية» النظام العربي، واستئثاره الدكتاتوري، والى القبلية، والطائفية.
* نجاح حركة الاخوان المسلمين في مصر كان متوقعاً ولكن ما حققه السلفيون فاجأ الكثيرين. كيف تقرأ حجم حضور التيار السلفي في المجتمع المصري؟
- شخصياً، لم أُفاجأ، وهذا دليل آخر على أن الأنظمة في مصر وبينها نظام عبد الناصر، كانت شكلية وسطحية لا تهمّها إلاّ السلطة، وأنها لم تغيّر أي شيء أساسي في المجتمع.
* كيف تفسّر تفاعل الأزهر مع الأحداث التي جرت في مصر ولا سيما بعد الوثيقة التي أصدرها والتي أكدت في أحد بنودها وجود تناقض جوهري وأساسي بين الدولة المدنية والدولة الدينية؟
- يمكن وصف «وثيقة الأزهر» قياساً إلى ماضيه، بأنها حدَث تاريخي. لكن على الأزهر، كما أعتقد، أن يذهب في قراءته الاسلام إلى أبعد من ذلك. عليه أن يؤسس لثورة معرفية إسلامية، تنهض على القول بأن الاسلام دين الفرد الذي لا توسط بينه وبين الله، وبأن المجتمع يتكوّن من أفراد متديّنين بوصفهم افراداً، لا بوصفهم ينتمون إلى طائفة معينة أو إثنية معينة او قبيلة معينة. وأن الدولة التي ينتمون اليها تضم أفراداً آخرين لهم دينهم المختلف، او غير متدينين، وأن ما يجمع بين الأفراد، على اختلاف معتقداتهم هو الدولة والقانون، وأن هذه الدولة بسبب ذلك، لا تدين إلاّ بحقوق الانسان وحرياته، والا بالعدالة والمساواة. وأن الدولة هي، بالضرورة الانسانية والثقافية، دولة علمانية. وأن الدولة الدينيّة لا يمكن أن تكون إلاّ في تناقض مع الدين، بل انها تحديداً ضد الدين. الدين مُتعالٍ، والدولة مُحايثة: نقيضان.
هذه هي الثورة المعرفية التي نطالب بها الأزهر، والتي تفرضها الانقلابات المعرفية والانسانية الكبرى في القرن الحادي والعشرين.
دون هذه الثورة سيشهد العالم كيف أن المسلمين الذين يستخدمون الاسلام سياسياً، يعملون على «تكوين» إسلام جديد يخلو كلياً من التجارب الروحية الكبرى، إسلام بلا ثقافة، إسلام يُختزل في «الطقوس والشعائر»، وفي «الحلال والحرام»، وفي «الحجاب» و«السفور»، وفي السياسة والتجارة.
* من المسؤول عن تعطيل وعي الجمهور تجاه المساءلة والدولة والديموقراطية؟
- الأنظمة، ورجال الدين، والمفكرون الذين لم يطرحوا أي سؤال اساسي على الدين، وكانوا إجمالاً جبناء في مواجهة جميع المشكلات السياسية والاجتماعية والثقافية المتداخلة مع الرؤية الدينية السائدة، والتي كانت تشكل ولا تزال عوائق أساسية أمام حركات التحرر والتقدم.
* يطرح البعض فكرة الإسلام السياسي العربي مقابل الاسلام الايراني والاسلام التركي. هل يمكن الحديث عن إسلامات عربية: معدلة وسلفية وإسلام الفرق؟
- هذا الطرح يجعل الإسلام شأناً «تابعاً» للقومية او للغة، او للدولة، وليس «للتقوى»، وفقاً للحديث: «لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى». الإسلام رؤية للإنسان والحياة والعالم، في معزل عن القوميات والإثنيات، ويجب فهمه والنظر اليه، بوصفه كذلك، ودون توصيف قومي أو عرقي أو لغوي.
* عملت الأحزاب القومية على توطيد مفهوم العروبة ولكنها لم تأخذ في الاعتبار إشكالية التعدد القبلي والإثني. هل تصلح العروبة كمعطى سياسي وثقافي في ظل فورة الاثنيات وأسئلة التعددية الثقافية؟
- لا بد من إعادة النظر في مفهوم العروبة. فلقد شوّهته الأحزاب والسياسات القومية، بحيث بدا كأنه «عنصرية» أخرى، ضد التعددية والتنوع، وضدّ الانسان.
* ماذا عن دور المرأة في الحراك الاحتجاجي الجاري وخصوصاً في الحالتين المصرية واليمنية؟
- يجب ان يكون للمرأة الدّور الاول في هذا الحراك. لن يتغيّر المجتمع العربي - الاسلامي، التغيّر الانساني الحضاري المنشود، إذا لم يتغيّر وضع المرأة. والغريب المحيّر أن هناك نساءً يدافعن بإسم الشرع نفسه، عن «عبوديتهن»، عن بقائهن خارج الحركية الاجتماعية الخلاّقة، كما لو أنهنّ يعشن معلّقاتٍ في الفراغ، او كما لو أنهنّ دُمى للهو، أو أوثان لا يجوز مَسُّها. والخطوة الأولى في هذا الحراك تقوم على سيادة القانون المدني العلماني، الذي يساوي مساواة كاملة بين المرأة والرجل. دون ذلك، سيظل المجتمع العربي عائشاً يفكر ويعمل بنصف عَقْله وبنصف جسمه، ويحيا بنصف روحه، سيظل مريض الفكر، مشلول الطّاقة.
الرأي
26 يناير 2012