يقودني أدونيس ـ أعظم الشعراء العرب الأحياء ـ عبر ممر أشبه ما يكون بالمتاهة في بناية جليلة في باريس على مقربة من الشانزليزيه. هذا مكتب يخص رجل أعمال سوري تبرع بتمويل أحدث مشاريع الشاعر، وهو مجلة ثقافية تصدر بالعربية بتحرير أدونيس. يحمل أدونيس مخطوطة بدينة تضم العدد الثالث الموشك على الصدور من مجلة «الآخر»، وفي سرور يضعها على منضدة صغيرة، ويستعرض أسماء المشاركين «من الغرب والشرق» وأغلبهم من جيل أحفاده. بلغ أدونيس من العمر اثنين وثمانين عاما في يناير الماضي. تلمع عيناه وهو يقول «نحن بحاجة إلى مواهب جديدة ذات أفكار جديدة».
أدونيس سوري المولد، شاعر وناقد وكاتب مقال، وعلماني مخلص يرى نفسه «نبيا وثنيا»، يكتب الشعر منذ سبعين عاما. قاد ثورة حداثية في النصف الثاني من القرن العشرين كان لها أثر مزلزل على الشعر العربي لا يضاهيه إلا أثر تي إس إليوت على العالم الأنجلوفوني. في السابعة عشرة من عمره، تسمى باسم إله الخصوبة الإغريقي ليلفت أنظار المحررين الغافلين إلى موهبته المبكرة واستلهاماته من الحضارات المتوسطية السابقة على الإسلام. يصعب ـ منذ وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش ـ القول بوجود شاعر يفوقه مكانة في ثقافة أدبية يحتل الشعر فيها موضعا مرموقا، علاوة على شعبيته.
انتقل إلى باريس سنة 1985، وحصل على لقب قائد في سجل الفنون والآداب الفرنسي سنة 1997، وفي العام الماضي حصل على جائزة جوته من ألمانيا ـ فكان أول عربي يحصل عليها، كما يشار إليه كل خريف بوصفه مرشحا محتملا للفوز بنوبل في الآداب، التي لم يحصل عليها من العالم العربي إلا الروائي المصري نجيب محفوظ سنة 1988. وعلى الرغم من أن أدونيس كان الأقرب إلى الجائزة في عام الربيع العربي، لا تراه يحسد الشاعر السويدي توماس ترانسترومر على ما نال من مجد، خاصة وقد كان هو الذي قدمه من قبل في جولة له بالدول العربية.
حينما بدأت انتفاضتا تونس ومصر العام الماضي كتب «قصائد صغيرة تعبيرا عن البهجة والسعادة». غير أن البهجة أفسحت المجال للتحذير، وللإنذار من مأساة. يقول إن «الشباب العربي هم الذين خلقوا هذا الربيع، وإنها المرة الأولى التي لا يقلد العرب فيها الغرب، إنها الاستثناء. وبرغم هذا، لم يجن ثمار هذه اللحظة الثورية غير الإسلاميين والتجار والأمريكان». كانت تحفظاته تعكس لهفة، ولكنها لقيت من الهجوم الكثير: فزعم «سنان أنطون» ـ الشاعر والروائي العراقي والأستاذ المساعد في جامعة نيويورك أن «الربيع العربي أخرج أدونيس ـ الثائر من وجهة نظر نفسه وحده ـ من الصورة».
يقول أدونيس إن هناك «نزوعا لدى الشعراء والرسامين العرب إلى الانخراط في العمل السياسي. خاصة وأن هناك الكثير مما يستحق النضال: حقول الإنسان، الفلسطينيون، النضال ضد الكولونيالية، الاستبداد العربي، الانغلاق الفكري لدى الأصوليين. ولست ضد هذا الانخراط، أو ضدهم، لكنني لست مثلهم. على المبدع دائما أن يقف مع الثوري، لكن لا ينبغي له أبدا أن يكون مثل الثوريين. فليس بوسعه أن يتكلم نفس اللغة أو يعمل في نفس البيئة السياسية». ويضيف أنه «يرفض رفضا راديكاليا أي استخدام للعنف، أنا مع غاندي، لا جيفارا».
شأن «في إس نيبول» ـ وهو صديق له أثنى عليه بوصفه «أستاذ عصرنا» ـ يمكن أن يكون أدونيس مخالفا دائما، لكنه لا يملك ما لدى نايبول من حدة ولذوعة. يرى بعض النقاد في إعلانه بـ «انقراض» الثقافة العربية أو «العقل العربي» صبغة استشراقية. ولكن مترجمه الشاعر الأمريكي العربي خالد مطاوع يرى في ذلك هدما مدروسا للأوثان، يقول مطاوع «إن أدونيس مناهض أكيد لقوى التعصب الضاربة بجذورها في الفكر العربي، لكنه في الوقت نفسه يحتفي بالنزعات التوليدية في الثقافة العربية».
برغم أن الترجمات الإنجليزية لأعماله تأخرت عن الترجمات الفرنسية، إلا أن العقد الماضي شهد صدور خمس ترجمات من بينها «مختارات من أدونيس» لمطاوع التي فازت بجائزة سيف غباش بانيبال للترجمة من العربة. وسوف يكون أدونيس قريبا في لندن لحضور حفل تسليم هذه الجائزة وليشارك في احتفال بأعماله يمتد على مدار شهرين. تقام الاحتفالية تحت عنوان «في الثناء على أدونيس» ابتداء من الثالث من فبراير وتتضمن معرضا لأحداث أعمال الشاعر الفنية. بدأ أدونيس قبل عشر سنوات تنفيذ كولاجات صغيرة مستخدما الخط العربي، وكان ذلك خلال فترة نضوب شعري، ثم حدث أن اقترح عليه أصدقاؤه عرضها. يقول «لقد عثرت على وسيلة أخرى للتعبير عن علاقتي بالأشياء». والمواد التي يستخدمها هي «قطع ومزق من توافه ترمى في العادة. نادرا ما أستخدم اللون، وأفضل الأشياء الممزقة» مضيفا عليها شذرات من شعره، وكذلك من الشعر العربي القديم «إجلالا له».
في يونيو الماضي، ووسط الأحداث الدموية التي شهدتها الانتفاضة السورية، كتب أدونيس رسالة مفتوحة نشرت في الصحافة اللبنانية إلى الرئيس السوري بشار الأسد «بوصفه مواطنا». وصف سوريا بالدولة البوليسية القاسية، هاجم أدونيس حزب البعث الحاكم، ودعا الرئيس إلى التنحي وحذر من أنه «ليس من الممكن إلقاء شعب بأكمله في السجن». ولكنه مع ذلك أخذ على عاتقه مهمة مخاطبة طاغية بوصفه رئيسا منتخبا وانتقاد «الميول إلى العنف» لدى بعض من خصومه. «ولهذا» ـ يقول أدونيس ـ «فإنني لست مثل الثوريين، وإنما أنا معهم، وإن كنت لا أتكلم نفس اللغة. هم أشبه بمعلمي المدارس يعلمون المرء كيف يتكلم، وكيف يكرر الكلمات وراءهم. في حين أنني غادرت سوريا سنة 1956 وظللت في صراع معها لأكثر من خمسين عاما، ولم ألتق مطلقا بالأسد [الأب والابن]. وكنت من أوائل من انتقدوا حزب البعث انطلاقا من رفضي للأيديولوجية القائمة على أحادية التفكير.
«المدهش بحق هو أن المعارضة العربية للطغاة ترفض أي نقد، فتكتمل بذلك الدائرة الفاسدة. ومن ثم فالشخص الذي يرفض الاستبداد في جميع أشكاله لا يستطيع أن يكون في صف النظام كما لا يستطيع أن يكون في صف من يقولون إنهم خصومه. ذلك أن المعارضة هي نظام لم يحكم بعد». ويضيف أدونيس قائلا إن «كل شيء قائم في تراثنا على الواحدية، واحدية الإله، والسياسة والشعب. وليس بوسعنا الوصول إلى الديمقراطية بهذه العقلية، لأن الديمقراطية تقوم على فهم الآخر باختلافه. ولا يمكن لامرء أن يتصور أنه يحوز الحقيقة، وحده، لا شريك له فيها».
لا تزال أمه ـ البالغة من العمر 107 أعوام، تعيش في سوريا. ولقد بقي أدونيس عشرين عاما ـ عقب قضائه عاما في السجن لانضمامه إلى حزب معارض ـ عاجزا عن أن يراها. وابتداء من عام 1976، أخذ يزور سوريا سنويا، حتى عامين مضيا، حينما قال له أصدقاؤه إن «ذلك قد يكون خطرا». ولكنه يؤكد على أن الظروف العائلية «لم تمنعني يوما من النطق بما أعتقد به». أما عن الذين يتهمونه بالتباطؤ أو المراوغة في إدانة النظام السوري فيقول أدونيس في ضجر «إنني كتبت كثيرا من المقالات، وسوف يصدر كتاب يجمعها في مائتي صفحة. هؤلاء الناس لا يقرأون».
يعيش في ضواحي باريس، هو وزوجته الناقدة «خالدة سعيد». و«هي في رأيي ناقدة عظيمة، واحدة من أفضل النقاد. أحيانا نتفق، وأحيانا نختلف». عندهما ابنتان: «أرواد» وتعمل مديرة لـ «بيت الثقافات العالمية» في باريس، و«نينار» وهي فنانة تعيش بين باريس وبيروت. لا يبدو على أدونيس بصورة ملفتة أنه قضى سبعة شهور يتعافى في بيروت إثر جراحتين كبريين. قبل ذلك، كان قد أعلن تقاعده من الشعر. كان ذلك أثناء كتابته قصيدة طويلة ضد التوحيد: «كونشيرتو للقدس». يقول أدونيس إن «القدس مدينة الأديان التوحيدية الثلاثة. ولو أن هناك إلها واحدا، فلا بد أن يكون جميلا. ومع ذلك، فهي أقل مدن العالم إنسانية. لقد قلت إنني «أقلعت عن الشعر وكان قولي ذلك نوعا من التمرد». غير أنه يضحك قائلا إن «آلهتي السابقة على التوحيد لم تسمح لي بالتقاعد».
ولد باسم «علي أحمد سعيد» سنة 1930 في القصابين بغرب سوريا «وهي قرية صغيرة معزولة وسط الجبال». كان أبواه مزارعين ولم يتلق تعليما مدرسيا مبكرا. «بل ولم أر سيارة، ولا كهرباء، ولا هاتفا قبل أن أبلغ الثالثة عشرة. ودائما ما أسأل نفسي كيف تحولت إلى هذا الشخص الآخر، لقد كان ذلك أقرب إلى معجزة». كان أبوه هو الذي رعى حبه للشعر ونماه فيه من خلال مدرسة لتحفيظ القرآن. في الثالثة عشرة من عمره، أثار أدونيس إعجاب رئيس الجمهورية السورية المقامة حديثا حينما ألقى عليه إحدى قصائده، وجازاه الرئيس عليها بمنحة في الليسيه الفرنسية. درس الفلسفة في جامعة دمشق، ثم حصل على الدكتوراه في لبنان.
خلال وجوده لمدة سنة في باريس عام 1960، وجد صوته الخاص في «أغاني مهيار الدمشقي» الذي تتردد فيه أصداء من نوح وآدم وعوليس وأورفيوس. وفي حين أن الشعر والدين ـ بالنسبة له ـ خصمان، تبقى الصوفية قوة تَجَدُّد. والصوفية والسوريالية ـ وهذا عنوان كتاب له ـ يتحدان في فكرة عبَّر عنها في قصيدة يقول فيها إن الحقيقة «ليست سوى جلد يتهاوى فور أن تلمسه». وهو أيضا منجذب إلى رؤية صوفية تذهب إلى أن الهوية ليست ثابتة إذ «الإنسان يبدع هويته وهو يبدع كتبه».. غير أن الصوفية أعمق غورا من السوريالية أو الوجودية «لأنها ترتبط بفكرة ثورية، هي أن الآخر هو أنا، وأنني أنا الآخر. فلو أنني مسافر نحو نفسي فلا مفر من أن أمر في سفري هذا عبر الآخر».
هذه ليست براعة فلسفية. فعائلة أدونيس تنتمي إلى أقلية العلويين الشيعية ويشار في بعض الأحيان إلى أن هذا هو ما غرس فيه هذا الإحساس بالانفصال. ولكنه يعترض على هذا الرأي قائلا إن «إحساسي بالاختلاف لا يأتي من كوني علويّا، بل هي حالة العالم العربي الراهنة. إن الإنسان لا يولد بروتستنتيا أو كاثوليكيا أو سنيا أو شيعيا، بل يصبح الناس علويين وشيعة من خلال تصورات ودروب. وأنا لم أكن يوما جزءا من هذا». بل لقد كان جزءا من الحزب الوطني الاشتراكي السوري، وهو حزب علماني مناهض للكولونيالية وتقسيم سوريا، وكان انضمامه «يرجع جزئيا إلى الرغبة في الخروج من مفهوم الأقليات والأغلبيات». تعرض للسجن المستحق أثناء أدائه للخدمة العسكرية في منتصف خمسينيات القرن الماضي. ومنذ أن ترك الحزب سنة 1960 لم ينتم مطلقا لأي حزب آخر. «لقد كنت في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة عند انضمامي ـ طفلا إذن. بعد ذلك قلت إنه لا يمكنني أن أكون شاعرا ومنخرطا في العمل السياسي في آن واحد. الأيديولوجيا ضد الفن».
بيروت ـ التي هرب إليها هو وزوجته سنة 1956، كانت له بمثابة «ولادة جديدة». شارك هنالك في تأسيس مجلات مهمة ومؤثرة منها «شعر» و»الموقف» اللتين احتضنتا الشعر المكتوب بالعامية وعارضتا القومية العربية مثلما عارضتا اتخاذ الشعر بروباجندا. كان «تي إس إليوت» من أوائل الشعراء الذين أقاموا حوارا معهم، وتعاون أدونيس في ترجمات لـ «الأرض الخراب» وأعمال لإزرا باوند وستيفن سبندر وفيليب لاركن وروبرت لويل. وجمع بين مصادر معرفية جديدة وقراءة «بكر» موسوعية للكلاسيكيات العربية. يقول أدونيس إن «الإبداع الحق حديث طوال الوقت لأنه يكلمنا نحن ـ أوفيد وهيراقليطس ودانتي. ما ليس حديثا هم المقلدون. لذلك على المرء أن يميز في الشعر العربي الكلاسيكي بين العظماء والمقلدين».
كانت قصيدته المطولة «هذا هو اسمي» (1970) نتيجة للفاجعة في هزيمة العرب سنة 1967. وكتابه «كتاب الحصار» (1982) خرج من رحم الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، والاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 الذي عاشه بنفسه قبل أن ينتقل إلى باريس. يقول في مستهل كتاب الحصار: «المدائن تنحل، والأرض قاطرة من هباء/وحده الشعر، يعرف أن يتزوج هذا الفضاء». لقد كانت حرب الأيام الستة «رهيبة، ولكنني لم أكن واعيا في حينها لطبيعتها المأساوية، مثلما وعيت في عام 1982». في بداية الأمر رحب بالثورة الإيرانية سنة 1979، لكنه سرعان ما اعترض على المنحى الرجعي الذي اتخذته. وفي كتابه «الثابت والمتحول» (1974) الذي تناول فيه الصراع بين الإبداع والتعصب في العالم العربي، حدد فيه مرضا عربيا هو «الماضوية» pastism التي يعرِّفها الآن بأنها اعتبار الماضي «بمثابة المصدر الذي لا بد أن ترجع إليه، برغم أن النهر يجري مع الزمن. على المرء أن يكسر هذا الزمن الدائري. فلا يمكن أن تقوم بثورة ثم ترجع إلى الماضي».
في الوقت الذي شهد امتداد الثورات العربية، قال أدونيس في حوار تليفزيوني إنه لا يستطيع المشاركة في ثورة تنطلق من المساجد. واتُهم بمحاباته للنظم الحاكمة وعدم تأثره بالظروف الباعثة على الثورة. ولما سئل عما إذا كان يؤيد الاحتجاجات السلمية فتح ذراعيه وقال «لو أن لديك بيانا فأنا على أتم استعداد لتوقيعه». سألته عما إذا كان قلقا لأن في كلماته أصداء من الطغاة العرب المناهضين للإسلاميين فقال «ولكن هناك اختلافا، فأنا ضد نظامي بن علي والأسد، وأيضا ضد المعارضة الإسلامية، لأنني لا أريد أن أحارب استبدادا من أجل استبداد آخر ... إذا نحن لم نفصل الدين عن الدولة، وإذا لم نحرر المرأة من الشريعة، فلن يكون لدينا إلا مزيد من الطغاة. إن الدكتاتورية العسكرية تسيطر على العقل. ولكن الدكتاتورية الدينية تسيطر على العقل والجسد».
ماذا عن وصول الإسلاميين إلى السلطة من خلال صناديق الاقتراع؟ يقول إن «الديمقراطية في هذه الحالة لن تكون معيار تقدم، وسوف يتحتم إعادة النظر في فكرة الديمقراطية. الديمقراطية ليست على صواب طوال الوقت ـ فماذا نفعل؟» ولكنه يقر بأن «الديمقراطية بكل إخفاقاتها أقل سوءا بكثير من الدكتاتورية». و«الحكم من خلال إسلاميين منتخبين ديمقراطيا سيكون أفضل بلا شك، ولكنني سأكون ضده».
وفي حين تترنح سوريا على شفا الحرب الأهلية، وفي كلام له سابق على رفض الرئيس بشار الأسد دعوة الجامعة العربية له بالتنحي، بدا أدونيس صريحا حين قال «إن النظام الراهن لا بد أن يذهب. حزب البعث لا بد أن يذهب، ولا بد من نظام جديد علماني ديمقراطي شعبي». ولكنه يعارض كلا من الانتفاضة المسلحة والتدخل الأجنبي. فـ «البنادق لا يمكن أن تحل هذه المشكلات. ولو رفع الجميع السلاح، فهي حرب أهلية إذن». إن التدخل العسكري الخارجي «دمَّر دولا عربية، من العراق إلى ليبيا. والتدخل العسكري من وجهة النظرالإنسانية «كاذب، فهو استعمار. ولو أن الغربيين يريدون فعلا أن يدافعوا عن حقوق الإنسان العربي، فعليهم أن يبدأوا ذلك بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين».
دعاوى التدخل الأجنبي التي تأتي من داخل العالم العربي «مخطئة، وليست منطقية. فكيف تبني مؤسسات دولة مستعينة بالذين استعمروها قرونا من قبل؟» وفي حديث له هذا الشهر في «بيت الشعر» بباريس، رفع أدونيس صورة فوتغرافية نشرتها «القدس» لبعض جنود الولايات المتحدة في العراق وهم يهينون جثة، قائلا في سخط إن «الجنود الأمريكيين يبولون على جثث العراقيين. وهؤلاء هم الذين تدعونهم إلى تحرير العرب، ليبولوا على الأحياء؟»
غير أنه يذهب إلى أن في الغرب «أكثر من غرب، غرب رامبو وويتمن وإليوت، وغرب بوش وساركوزي وكاميرون». وإيضاحا لفكرته عن انقراض الثقافة العربية يقول: «ما الحضارة؟ إنها ابتداعُ جديد، مثل الرسم تماما. والشعب الذي يتوقف عن الإبداع يصبح مستهلكا لمنتجات الآخر. وهذا ما أقصده بقولي إن العرب انتهوا ـ لا كشعب، بل كوجود مبدع».
ليس لدى أدونيس أمل في أن يغير الشعر العالم. لتغيير العالم «ينبغي على المرء أن يغير بنى ـ كالأسرة والتعليم والسياسة. وذلك عمل لا يستطيع أن يقوم به الفن». غير أنه يؤمن بمقدرة الفن على «تغيير العلاقة بين الأشياء والكلمات، فتولد من ثم صورة جديدة». والتنظير للشعر في رأي أدونيس «أشبه بالكلام عن الحب. هناك أشياء لا تقال. العالم لم يخلق للفهم، وإنما للتأمل والسؤال».
نشر في الجارديان في 27 يناير 2012
عمان- الثلثاء, 14 فبراير 2012