عمان، رام الله - “الخليج”، وكالات:
بكت فلسطين أمس بكاملها من غزة الى حيفا، والقدس الى النقب وحتى رام الله شاعرها الكبير محمود درويش الذي ووري الثرى على تلة في مدينة رام الله مطلة على القدس، وذلك بناء على وصيته، وبذلك تنطوي ورقة يانعة الاخضرار في شجرة الشعر العربي المعاصر.
فقد نقلت طائرة خصصتها دولة الإمارات جثمان الشاعر الراحل من الولايات المتحدة الى مطار ماركا العسكري شرقي العاصمة الأردنية عمان حيث أقيم في المطار حفل استقبال ووداع لجثمان الشاعر الذي كان في استقباله شخصيات رسمية فلسطينية وأردنية بينهم رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه والنائب العربي في الكنيست “الإسرائيلي” أحمد الطيبي. وحضر المراسم مندوبا عن العاهل الأردني عبدالله الثاني الأمير علي بن نايف ووزيرة الثقافة الأردنية نانسي باكير والممثل عن الجامعة العربية محمد صبح.
وشارك أدباء وشعراء وفنانون وكتاب أردنيون في الاستقبال إلى جانب المغني اللبناني مارسيل خليفة الذي غنى كثيرا من قصائد درويش.
واصطف حرس الشرف الأردني لتحية الجثمان بينما حمل 12 ضابطا من جيش التحرير الفلسطيني في الأردن النعش الذي لف بعلم فلسطين وسجوه في قاعة انتظار داخل المطار.
وترأست وزيرة الثقافة الأردنية نانسي باكير وفدا أردنيا للمشاركة في تشييع الشاعر الذي كانت العاصمة الأردنية محطة وداعه باتجاه مثواه الأخير في رام الله حيث تم نقل جثمانه على متن مروحية أردنية الى مقر الرئاسة الفلسطينية.
وفي عمان ودّعه رسميون وسياسيون ومثقفون وقالت وزيرة الثقافة الأردنية نانسي باكير: “لم يمت درويش ولم يرحل من نفوسنا فكل قصيدة رمز من رموز الحياة وعزاؤنا هذا الإرث الذي تركه فينا”. وأضافت: “إن هذه اللحظة من أصعب لحظات حياتي والتي أمثل فيها الحكومة الأردنية في مصاب جلل أدمى القلوب وأنا أشارك في تشييع رمز من رموز النضال الفلسطيني”.
وقال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون: “أنت سياسي عظيم كنت في اللجنة التنفيذية أصلب الرجال كنت لا تقبل خطأ، وإذا رأيت الأمور كما تعتقد تنحيت جانبا”. وقال أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبدربه: درويش شاعر الأرض والحب والحياة، يرحل في طريق عودته الأخيرة لوطنه فلسطين.
وقال رئيس الديوان الملكي السابق رئيس الجامعة الأردنية الدكتور خالد الكركي: “كيف يمكن للكلام أن يكون في حضرة سيد الكلام؟ لقد كنا نحبك حيا ونظل نحبك، لماذا تركت الزمن العربي وحيدا؟ كان عمرك قصيرا وإبداعك عظيما ولا نعرف من سيؤنس الشعر بعدك”.
وتابع: “لقد انتظرت الموت بنفس الأمير البديع، مت شاعرا أسطوريا صرت فكرة كما أردت وطائرا فينيقيا لقد صرت كل ما تريد”.
وصعد مارسيل خليفة وغنى قصيدتين لدرويش كانتا سبب شهرة خليفة هما “أحن الى خبز أمي، ويطير الحمام”.
وألقى ممثل الجامعة العربية محمد صبح كلمة أشار فيها الى إصرار الجامعة على المشاركة في مراسم وداع الراحل الكبير محمود درويش الذي انضم الى كوكبة المبدعين الراحلين من أبناء فلسطين”، وقال: “ستبقى يا محمود خالدا في قلوبنا طالما بقي البحر الأبيض المتوسط يهدهد شواطئ يافا وغزة وعكا”.
ووصف النائب أحمد الطيبي درويش بأنه: “نيل مصر، وجمرة الشام، وأرز لبنان، ونخيل الخليج، وعذب دجلة والفرات”، وقال: “انهض يا صاحب الحاكورة والشجر؛ فمن سيكتب غيرك غداً القصيدة؟!”.
وفي رام الله أدت ثلة من حرس الشرف التحية أمام النعش الذي لف بعلم فلسطيني وحمله ثمانية ضباط. وبعد ذلك وضع الجثمان في قاعة قام الرئيس الفلسطيني فيها برثاء الشاعر الراحل، وقال عباس في حفل تأبين الشاعر درويش في مقر المقاطعة أمس الأربعاء “نودع نجما أحببناه إلى درجة العشق وإن الفارس العنيد ترجل عن صهوة الشعر والأدب، ليترك فينا شمسا لا تغيب، ونهرا لا ينضب، من عطاء الخير والبشائر والأمل”.وأضاف أن “رحيل درويش يضعنا أمام امتحان الصبر والقدرة على استمرار العطاء والإبداع، وإدامة تألق المشهد الثقافِي والإجابةِ على إشكالياته وتساؤلاته، وليبقى المقرر في صياغة المستقبل، وتحديد مضامينه وتبليغ رسائله المعمدة بالحرية والعدالة العابقة بالجمال والمحبة”.
وأكد أن الراحل كان “بطلا ملتزما متفانيا مضحيا وقائدا في سائر جبهات الصمود والكفاح الأسطوري لشعبه، على امتداد زمن الثورة الممتد عبر العقود إلى إبرام عقدنا الاجتماعي الجمعي، بتأسيس الدولة التي نظم وصاغ بنبض قلبه وروحه دستورها”.
وقال عباس: “إنها أسطورة الشعب المجبولة بأسطورة محمود بتبادلية جدلية، هي الأكمل والأجمل ينقش بمهارة المبدعِ الخلاق ليس فقط ملامح هويتنا بل جدار وعينا، ليكون فينا ومنا ولنا، ويكون لكل منا فيه حصة أو نصيب كما هي مع شعبه وقضيته، مع أمته وإنسانيته ليصبح ذلك الخيط الحريري المميز في قوس نصرنا ومنارة عزنا في صلب نسيجنا الاجتماعي ووحدتنا الوطنية”.
ودعا عباس الجهات الحكومية والرسمية المعنية بجبهة الثقافة إلى إيلاء هذه الجبهة ما تستحق من تركيز واهتمام ورعاية وتوفير الإمكانات والموارد اللازمة لتمضي قدما نحو تعزيز دورها ومكانتها والعبور إلى عهد جديد من الأصالة والتجديد.
وقال الرئيس الفلسطيني: “ليكن رحيله مدخلا لتجنيد كل طاقات المبدعين أفرادا وهيئات، بكل المستويات الأهلية والرسمية، ليس فقط لسد المنافذ أمام فراغٍ كبير نشأ برحيله، وإنما بالارتكاز إلى تراثه ومدرسته وإبداعه العظيم، ليكون موته الموجع إِحياء تجديديا لجبهة الثقافة، وإغناء للمشهد الثقافي تأصيلا وحضورا وفعالية في قرار الوطن ومصيره وفي صورة الوطن وهويته، بل في عمقنا العربي والإسلامي وجوهر انتمائنا وتفاعلنا”.
وشكر الرئيس الفلسطيني دولة الإمارات على تخصيصها طائرة لنقل جثمان الراحل من هيوستن الى العاصمة الأردنية عمّان.
وفي وداع درويش قال الشاعر سميح القاسم في كلمة له خلال مراسم التوديع، إنه “كان لجثمان درويش أن يطلب الراحة الأبدية في مقبرة البروة الجليلة، لكن المستوطنين يصرون على تحويل مقبرة أجداده الى حظيرة لمواشيهم”.
وأضاف: “ولأنك مسكون بالحنين الى خبز أمك وقهوة أمك، فإنهم مسكونون بهاجس العبثية والزوال، ولأنك مفعم بحب شجرة الخروب التي على الطريق بين البروة وعكا، فإنهم ملغمون بالكراهية وشهوة التدمير والتدمير الذاتي، لأنهم لا يحبون الحياة والسلام بقدر ما تحب أشجار الخروب والسنديان في وطنك”.
وقال أحمد شقيق الراحل درويش إن مواراة أخيه الثرى في رام الله “في المكان القريب من القدس وجار مثوى القائد الرمز ياسر عرفات”.
وقال بعد أن طلب إليه عباس أن يواصل كلامه الذي حاول الاعتذار عن عدم مواصلته حيث بكى كثيراً “آن لهذه الجماهير أن تحقق أمنياتها بإقامة الدولة وعاصمتها القدس.. وأن ترتاح من التضحيات التي لا تتوقف لكي تبني السلام والمستقبل بأمان. أصافحكم واحداً واحداً.. واحدة واحدة فلكم طول العمر ولمحمود الرحمة”.
ومثّل فرنسا في مراسم التشييع رئيس الوزراء الأسبق دومينيك دو فيلبان الذي كان على معرفة شخصية بدرويش ووصفه في كتابه “فندق الأرق” بأنه رجل “يحمل ضوء نجمة حزينة”.
وأدى الحاضرون الصلاة على روح الشاعر وأمَّها مفتي القدس محمد حسين. ونقل الجثمان الى مثواه الأخير بعربة عسكرية جابت شوارع رام الله. وشارك عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الجنازة وهي الأضخم وأول جنازة رسمية منذ تشييع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي توفي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004. (ا.ف.ب)
الزهار: غزة حزينة لوفاته
في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قال محمود الزهار وهو قيادي بحماس إن درويش هو رمز الثقافة والأدب الفلسطيني وإنه تخطى بشعره الحدود النفسية والجغرافية.
وأضاف انه تمكن بشعره من التطرق الى قضايا كانت من المحرمات في ما يخص المحتل والناس الذين يقاومون الاحتلال، وحزن كثيرون في غزة لوفاة درويش.
عشراوي: خسارة للرؤية الفلسطينية
قالت حنان عشراوي النائبة الفلسطينية إن هذه خسارة للصوت الفلسطيني والرؤية الفلسطينية وإن الفلسطينيين كانوا يشعرون أنه ما دام هناك “محمود درويش” سيبقى الخير والأمل وإمكانية الخلاص.
شموع وفاء مصرية لدرويش
أضاء حوالي 250 شاعرا وروائيا وفنانا مصريا شموع وفاء للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش مساء أمس الأول في ساحة بيت الهراوي وبيت زينب خاتون في القاهرة الإسلامية خلف الأزهر الشريف.
وتميز جيل الشباب بين الحضور حيث إن غالبية الشعراء الذين حضروا ينتمون إلى جيل الشباب بين شعراء الفصحى والعامية، وكان من أبرزهم مدير تحرير صحيفة “البديل” الشاعر ياسر الزيات والشاعر ياسر عبد اللطيف والشاعرة السورية لينا الطيبي والفنانة محسنة توفيق والروائي سعيد الكفراوي وعدد كبير من المثقفين المصريين.
وتوقفوا جميعا أمام صورة ضخمة للشاعر الراحل محمود دوريش علقت على مدخل بيت الهراوي بارتفاع تجاوز الخمسة أمتار.
وأقيمت الأمسية تحت عنوان “محمود درويش حضور الغياب” على اسم آخر كتاب نثري نشره الراحل قبل عامين.
ثم اتجه الحضور إلى بيت الهراوي الذي امتلأ تماما بهم ليستمعوا إلى معزوفات موسيقية قام بتأديتها عازف العود العراقي نصير شمة.
مسرحة جدارية درويش
يعرض المسرح الوطني الفلسطيني مسرحية مأخوذة من قصيدة لمحمود درويش في مهرجان أدنبرة الدولي. والمسرحية مهداة إلى الشاعر الفلسطيني الراحل.
وقال المخرج أمير الزعبي إن الفرقة ستؤدي الجدارية لأربع ليال اعتباراً من غد الخميس في مسرح ليسيام الملكي في العاصمة الاسكتلندية.
وقال الزعبي ل”رويترز” عقب وصوله إلى أدنبرة ان وفاة محمود حدث حزين لشركتنا، انه لغريب جداً أن نؤدي الجدارية التي تحكي حواراً مع الموت وأن يكون ذلك بعد وفاته مباشرة.
وأضاف انه لشيء غريب جداً وحزين علينا لكنه مازال حياً بكلماته وبروحه وبكرمه.
وفي المسرحية يرقد شاعر بين الغيبوبة والوعي بعد عملية جراحية في القلب وتطارده الذكريات وهو مجبر على أن يواجه حياته وفنه وأخلاقه.
قبر درويش
علقت لافتة ضخمة على إحدى جهات القبر تحمل صورة درويش وقصيدته “في حضرة الغائب” التي يقول كتاب وأدباء إن عنوانها أشبه برثاء لنفسه.
وزرعت ثلاث أشجار نخيل على أطراف القبر وعشرات من أشجار الليمون وقال عاملون في وزارة الأشغال العامة إنه سيتم احضار كميات من تراب بلدة البروة مكان ولادة الشاعر الراحل لوضعها على القبر.
ونقش على شاهد قبر درويش “على هذه الأرض، سيدة الأرض، ما يستحق الحياة”.
وخلال الجنازة بكى المشيعون عند سماعهم تسجيلاً لصوته في أمسيته الشعرية الأخيرة في قصر الثقافة قبل أقل من شهر.
وجاء المشيعون رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً من مختلف المناطق ومن مدينة القدس وبقية أرجاء الضفة الغربية. وجاء بعضهم من الجولان السوري المحتل رافعين العلم السوري ولافتة كتب عليها “ثكلت فلسطين السليبة ملهماً بين النوابغ ذروة شماء”.
لكن العدد الأكبر من المشيعين جاءوا من خارج أراضي الضفة الغربية وتوجهوا من قرية الجديدة التي تعيش فيها عائلة الشاعر.
وارتدت مجموعة من الشبان قمصاناً بيضاء حملت صور درويش، كتب عليها أحد أبياته الشعرية “لو أننا على حجر ذبحنا.. لن نقول نعم”.
وحرص العشرات من المواطنين الفلسطينيين على البقاء بالقرب من مرقد الشاعر حتى ساعات متأخرة من ليل أمس حسب ما اكده العديد منهم، مؤكدين انهم لن يتركوه وحده بعدما منح كل عمره وتفكيره ومشاعره للشعب والقضية، في حين جرى تنظيم أول ندوة ثقافية على مقربة من قبره المؤقت بجانب قصر الثقافة الفلسطيني الذي كان ألقى آخر قصائده الشعرية فيه.
الخميس ,14/08/2008
يتبع