شيرين حيدر
(لبنان)

أدونيسروما - ...
على طاولة يرسم رهبان التيبت البوديون في أناة ودأب، بملايين حبات الرمل الملونة، أشكالا هندسية متداخلة ومعقدة تبدأ في البروز شيئا فشيئا، فتظهر صورة العالم الإلهية، وما ان يكتمل الرسم الذي يرمز الى نقطة العلق التي تتحول طفلا فإنسانا مكتملا قادرا على اختبار العالم عبر حواسه، يحين الأوان لتدمير اللوحة، فينكس الرهبان الرمل ليتبدد الرسم. يبنون ليهدموا، مثل الخالق في قدرته على هدم المنجز وإعادة تشكيله، مثل العالم في حركته الأزلية.
هكذا الشعر يُبنى ليهدم، لكن مهما كان هداما وفوضويا فانه ينطلق من بناء ما، يقول الشاعر ادونيس الذي التقيته في روما حيث شارك في أمسية شعرية نظمتها مؤسسة "روما بويزيا". عن "الكتاب" والمدن والترجمة كان هذا الحديث.

* نرى بدءا ان هناك حركة بناء في كتابة ادونيس، ونراك في الفترة الأخيرة كأنك تبحث عن تشييد مكان ما، في حركة القصيدة، في الكتاب، في الحواشي والهوامش. نحن أمام قراءة متداخلة، ومن غير السهل ان نقرأ "الكتاب" كأن الصعوبة متعمدة. هل هي صعوبة موجهة الى القارئ آم هي ما أضحت لديك؟

- اعتقد أننا لنفهم بنية "الكتاب" او شكله لا بد من ان نفهم أولا "الكتاب" بوصفه مشروعا يقوم على إعادة قراءة للثقافة العربية، وللتاريخ العربي، وفي شكل خاص للسياسة الفكرية. ومذ بدأت في هذا المشروع، كانت في ذهني مشاريع ضخمة سابقة كهوميروس في الإلياذة والأوديسة، وإعادة كتابة التاريخ الأسطوري اليوناني، ودانتي لإعادة كتابة التاريخ الثقافي المسيحي من زاوية دينية. إني متأثر بلا ريب بهذه الأعمال بوصفها مشروعات لقراءة شعرية للمنجز الإنساني، لكن بطبيعتي لا أميل الى السرد، فالأوديسة والإلياذة ودانتي أعمال، وقد اسمي أيضا اوفيد في كتاب التحولات، وهذه الأعمال قائمة جوهريا على السرد. مزاجيا لا أحب السرد، لذلك احترت كيف سأقوم بتنفيذ هذا المشروع في ما يتعلق بالتراث العربي، ولا أكتمك أني بقيت نحو سنة أفكر في بنية او في شكل يجنبني السرد، ويعكس المستويات المتفاوتة والمتعددة في تراثنا الثقافي السياسي. وذات يوم كنت أرى فيلما سينمائيا على شاشة التلفزيون أظن انه كان فيلما ايطاليا لبازوليني، او لفيلليني، لم اعد اذكر. ورأيت انه على الشاشة يمكن ان تري الماضي والحاضر من جهة في لحظة واحدة، وعلى صفحة واحدة، وان تري صورة وتصغي الى الموسيقى، وتسمعي شعرا. خطر لي انه يمكن الورقة البيضاء ان تكون شاشة تلفزيون تتيح تقديم نص، او صفحة متعددة النص إذا صح التعبير. قلت: إذن من هنا يمكن ان ابتكر صيغة لتنفيذ هذا المشروع، وهكذا قسمت الصفحة أربعة أجزاء، الجزء الى اليمين افترضت انه الذاكرة، ذاكرة الدليل الذي اتخذته كما اتخذ دانتي دليلا له، وهو المتنبي الشاعر الكبير، ورأيت انه الشاعر العربي الوحيد تقريبا الذي يحمل التقاطع والصراع، والتداخل بين الشعري والسياسي والثقافي في التاريخ العربي. لم أر أحدا مثله استطاع ان يحقق هذا التداخل بين المستويات المتعددة. اتخذته لذلك دليلا، وقلت ان القسم الأيمن من الصفحة سيكون ذاكرة الدليل، والقسم الأعلى من الصفحة هو الهامش الأيمن، والهامش الأيسر هو لتوضيحات وإشارات كمن يريد ان يستقصي ويتابع ويتوسع، ومتن الصفحة قسمته قسمين، القسم الأعلى هو القائم على تجارب هذا الدليل، إنما تجارب متداخلة، ماضيا وحاضرا، ومستقبلا. والقسم الأسفل من الصفحة هو نوع من الومضات التي تحاول الربط بين الأجواء الثلاثة من الصفحة. وقلت أنني استطيع بهذه الطريقة ان أتجنب السرد، وان اخلق شكلا قد يعكس الى حد كبير هذا المشروع الذي أقوم به. حركة الشعر لديّ، مهما كان الشعر قائما على الهدم او الفوضى او الخروج على القواعد، يجب ان تبنى على نظام، فحينما نقول "شعر" نقول أيضا بناء ونظام. الشعر يزلزل بيد انه يضع هذه الزلزلة في نظام. الفن يقوم على النظام، فأينما ذهبت في الهندسة، وفي الموسيقى، كل ذلك لا يجد له معنى بالنسبة الي الا إذا كان موضوعا في نظام، لذلك الفن أساسا بناء ونظام. ومن هنا تجدين هذا النظام القوي والبنّاء المدروس في طرق التعبير الموجودة في "الكتاب".

* بالحديث عن هذه الرغبة في هندسة المكان، والشعر داخل فوضاه، وعملية الهدم، لنعد الى المدن التي سكنها ادونيس، والتي كان على تماس عاطفي وبالتأكيد شعري معها. كيف أصبحت ترى الى المدن اليوم، فهناك بالتأكيد نظرة هندسية، وبين "الثابت والمتحول" و"الكتاب" هناك مسافة قد تكون مسافة الزمن بينهما، لكننا نرى أيضا كأن ثمة حاجة الى الإمساك بالعناصر وترتيبها. من أين يأتي هذا الهاجس؟

- مفهوم المدينة في المعنى الحديث هو مفهوم جديد لنا. حين نقول مدينة...

* يخالفك البعض...

- يمكن ذلك. حين نقول مدينة نقول علاقات مدنية، أي علاقات مترابطة تقوم على قانون وعلى تنظيم معين. أي ينتفي في هذه العلاقة التذرر الاجتماعي القديم، القبلي، الطائفي، الديني، وتصبح المدينة شبكة إنسانية فيها مساواة وفيها تنظيم واحد. حينما ندرس المدينة العربية في هذا الضوء نرى انها مجموعة من التراكمات، كأنها قبائل متجاورة لا متداخلة. خذي بيروت على سبيل المثال التي تعرفينها أكثر من أي مدينة اخرى. انها مجموعة أحياء، ولكل حي خصوصيته، فلو قصدت الاشرفية او حي السلم او رأس بيروت، الخ، ترين ان لكل حي تقريبا هوية معينة، حتى في ما يتعلق بالتنظيم المدني العادي، تنظيم البلدية مثلا. نشعر بأن هذا الحي أكثر نظافة او تنظيما. كما لو لم يكن هناك عقل واحد يحكم المدينة، او قانون واحد تخضع له المدينة بجميع أجزائها بل مجموعة تراكمات لا يربط بينها أي عمق تكويني، إنما هي أحياء متجاورة وليست مدينة مدنية واحدة. واعتقد ان ذلك قد ينطبق على جميع المدن العربية باستثناء القاهرة، نسبيا ربما، فهناك في القاهرة وحدة تاريخية ووحدة سياسية، لكن ضواحي القاهرة اليوم بدأت تشوش هذه المعادلة. والفوضى في المدن قد تكون جميلة من ناحية، غير أنا قد تعكس فوضى اجتماعية وفكرية وتباينات وتنافرات.

* أي انك تشير الى غياب تام للنواة في هذه المدن، حتى في دمشق التي قد تكون أكثر تنظيما من بيروت مثلا، وقد تكون لديها تلك المعالم التي ذكرتها في شكل أوضح، ففي لبنان ثمة تجاذبات كثيرة قد تكون طائفية وقبلية.

- حتى دمشق، عندما ندرسها نرى المدينة القديمة وحولها التجمعات. قاسيون تحولت الى مجموعة بيوت كريهة، والمزة وما حولها، والضواحي المحيطة بدمشق، لا اشعر شخصيا بأنها تشكل مدينة واحدة بل اشعر بأنها تضم عدة مدن. قد تكون المدينة الغربية عدة مدن أيضا، لكن هناك خيطا رابطا عميقا بين هذه الأجزاء بحيث نرى لو توجهنا من روما الى ضواحيها ان هناك خيطا مدنيا يربط المدينة بضواحيها. ليس لدينا نحن هذا الخيط المدني. انه عالم مختلف عن قلب المدينة. حتى داخل قلب المدينة، إذا قصدت محيط الجامع الأموي في دمشق الذي كان المركز الأساسي لمدينة دمشق تمرين بشوارع غير معبدة، مرصوفة بالحجارة، كما لو لم تكن هناك إدارة مدنية واحدة لمدينة يفترض ان تكون واحدة.

مدينة مفككة كالمجتمع

* ما هو الخيط المدني الذي تعنيه إذ لا تعبر بالتأكيد عن وجهة نظر عمرانية بحتة؟

- الخيط المدني هو ان نشعر بأن المدينة هي كالبيت، وألا تكون مجموعة بيوت كأن يكون في هذا البيت ضوء فيما البيت الآخر مطفأ. هذه الطريق التي تصل بين هذين الحيين ملأى بالأوساخ والغبار، والطريق التي تصل بين حيين آخرين مختلفة كليا. ليست هناك عقلية واحدة وروح واحدة ونفس واحدة للمدينة، أي ان المدينة مفككة ومجزأة مثل المجتمع.

* الم يكن هناك وجود لـ"مدينة عربية"؟

- كلا. لم تكن موجودة قط، فقد انتقلنا من الصحراء ونقلنا معنا العلاقات الصحراوية ولم نخلق علاقات مدنية تحل مكانها.

* وبغداد العباسية مثلا؟

- عام 1969 ذهبت الى بغداد، وتلك كانت المرة الوحيدة. وذهبت كعضو في اتحاد الكتّاب اللبنانيين وكان يرافقنا آنذاك نزار قباني في الوفد نفسه، ومنذ وصولي قلت أنني أود رؤية الإحياء القديمة فذهبت الى حي كان يدعى شارع الصفافير، وكان في ذهني إنني سأرى اعتق حي في بغداد، وان يكون على الأقل كما كان في أيام أبي نواس، فقصدت الحي الذي فيه النحاسيات والفضة وكل ما يعبر عن هوية بغداد القديمة، فرأيت مثلا مجارير البيوت وقد حفروا لها مجرى في الشارع والروائح كريهة جدا، فاستغربت، وقلت في هذه المدينة نهران عظيمان، وفيها النفط فليكن هناك على الأقل مجارير. في الأحياء الجديدة كنا نرى القصور لذا أقول ليس هناك من حس مدني. عندما قلت هذا الكلام ثارت الثائرة واعتقدوا أني ضد النظام والحزب. أما قصدي فكان انه لا يمكن ان تكون هناك مدينة من هذا النوع.

* قد يكون ذلك مرتبطا بأن تعاملنا مع المكان عابر، زائل، وكأن المكان ليس لنا.

- هذه ملاحظة صحيحة. كتبت مرة ان المكان في وعي المسلم جسر، والأرض ليست الا ممرا والمكان الحقيقي في وعي المسلم هو الآخرة، الجنة. لا يشكل المكان بعدا كيانيا او ميتافيزيقيا في الشخصية العربية الإسلامية. كل ما يشكله انه قد يكون مكانا للحياة الإلهية الزاهية، كأن يكون حديقة او بحيرة. انه مكان للمتعة كممر وعبور الى المكان الأبدي والخالد، أي الجنة. قد تكون هذه نظرتنا الى المكان. قرأت مرة دراسة عن أسباب نزوح الفلسطينيين في العام 1948، وتبين ان أسباب النزوح الأساسية لم تكن عائدة الى انه لم يعد هناك من مكان يسكنون فيه، إنما الخوف على أعراضهم. فالمكان لا قيمة له بل القيمة تكمن في العرض. من السهل جدا للفلسطيني، وللعربي ان يتخلى مباشرة عن المكان الذي يعيش فيه من أجل أن تسلم حياته، او "يحافظ على عرضه" كما كان يُقال. ليست للأرض قيمة وجودية لدى العربي، لكن في ضوء التطورات الحديثة قد يكون هذا الوعي تغيّر، فالفلسطيني يدافع عن أرضه، إلا انه لم يكن كذلك في العام 1948. إزاء هذا العدو الذي برهن أنه لا يختار أي ارض في العالم إلا الأرض التي يعتقد دينياً أنها أرضه وجزء من كينونته، ربما استفاد الفلسطيني من ذلك وأصبحت الأرض الآن جزءاً من كينونته ولا يتركها حتى لو مات فيها. لو كانت المسألة بهذا الوضوح في 1948 لما نزح الفلسطينيون ولبقوا في أرضهم وماتوا فيها.

* كيف علينا أن نؤسّس للمكان في هذا العالم العربي، وللمكان الشعري كذلك؟

- الدين هنا يلعب دوراً، فالمسلم في لبنان مثلاً يتوجه الى مكة، أي أن جاذبية المكان الأولى لديه هي مكة، أما المسيحي فالجاذبية الأولى لديه هي روما او مكان آخر، والعربي إجمالاً مقيم في إيمانه الديني وفي الأفكار التي يولدها هذا الإيمان. ليس مقيماً في الأرض، حيث يعيش ويعمل... أعتقد أن الدين لا يزال يلعب الدور الثقافي الأول. ومهما قلنا إن الناس متقدمون، لا يزال الدين السمة الأولى والمحرّك الأول في الثقافة العربية.

خطاب وردود طائفية

* كانت هناك ردود لبنانية وسؤال حول دور العلمانيين في لبنان بعد محاضرتك المشهورة في مسرح المدينة، فكيف ترى هذا الدور؟

- هناك علمانيون كثر نظرياً، وهناك أحزاب علمانية، إنما على المستوى العملي لا أثر للعلمانية. لا تزال العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة دينية، ولبنان المتقدّم و... و... لم يُقرّ الزواج المدني. لكن على المستوى الفردي، نرى حتى شيوخاً، فأنا اقدّر مثلاً رجل دين مثل محمد حسن الأمين يطالب بالزواج المدني. قال إنه يجب أن يكون هناك زواج مدني وتُترك بعدها الحرية للأفراد. لكن البنية الأساسية التي تحكم لبنان لا تزال بنية دينية. ومع أن هذا ليس مجال اختصاصي الاّ أنني أدركه بالحدس والتجربة أن الإنسان في لبنان لا يقوّم بوصفه إنسانا او بوصفه لبنانياً بل بوصفه منتمياً الى طائفة معينة. حتى داخل هذه الطائفة يُقوّم بقدر قربه او بعده من زعيم الطائفة داخل البنية السياسية الاجتماعية اللبنانية. الإنسان في اعتقادي يقوّم، في بلدان عربية اخرى، بحسب قربه او بعده من النظام الحاكم، لكن قيمة الإنسان في لبنان أقل مما هي في بلدان عربية اخرى وان كان الطغيان في البلدان العربية الأخرى أكثر مما هو في لبنان. هذا تناقض يستدعي الدراسة. أن يُنظر الى وصف الإنسان طائفياً، هذا أسوأ ما يمكن ان يكون. فالإنسان إنسان بمعزل عن انتمائه الديني والطائفي.

* شُبّهت بأحد أنبياء العهد القديم في محاضرتك التي اعتبرت استفزازية، فهل كان الاستفزاز الذي أردته شعرياً. أذكر أنك طلبت أن يُردّ عليك.

- على العكس، الردود كانت طائفية، ولو كان الرد عليّ كشخص لبناني، بصرف النظر عن انتمائي، لكان الوضع أفضل ولكان ذا حجة ضدي، لكن ردودهم كانت إجمالاً حجة معي فكان عليهم أن يردّوا عليّ بالمنطق نفسه الذي انتقدته في الثقافة اللبنانية، لكنهم ردوا عليّ باللغة الطائفية، دليلاً على صحة ما قلته.

* ما قيمة الترجمات في مجال الشعر، فأنت قادر على قراءة اللغة الفرنسية وتقويم نصك الشعري باللغة الفرنسية. ما قيمة هذه الترجمات، وماذا يمكن أن يفقد الشعر او يكتسب عبر هذه الترجمة؟

- الترجمة مشكلة قديمة ومعقدة، وبعض الشعراء المتطرفين يقولون إن الشعر لا يُترجم. الشاعر الأميركي روبرت فروست أفضل من عبّر عن ذلك قائلاً: "الشعر هو ما لا يُترجم". إنها مبالغة تعكس وجهة نظر متعلقة بالترجمة. اعتقد أن الكتابة كلها ترجمة، فالإنسان يكتب ليترجم علاقته بالوجود، وعلاقته بالآخر، وليترجم علاقته بنفسه أيضا. يجب ان نقبل أنه عندما يُنقل النص من لغة الى لغة اخرى تُفكك بنيته الأصلية وتوضع في بنية لغوية جديدة. لا بد من أن يحصل ذلك، يجب أن نقبل الخسارة. لكن هناك تعويضاً عن هذه الخسارة، وقد يتم التعويض عبر بنية اللغة المستقبلة، وقد تعوض لغة الناقل وشعريته ونجاحه في النقل، وهذا محكّه قراء لغة الاستقبال. في ما يتعلق باللغة الفرنسية استطيع أن أعمل مع المترجم، ومع ذلك يخسر، فمن المستحيل نقل موسيقى اللغة الى لغة اخرى، ومن المستحيل نقل العلاقة بين الكلمة والأخرى في اللغة العربية او في أي لغة اخرى. نستطيع نقل الصور ونقل الأصوات الى حد ما، إنما لا يزال هناك ما يتعذر نقله. ومع ذلك ثمة تعويض. في اللغات الأخرى أعتمد على رأي الشعراء، شعراء لغة الاستقبال وقرائها واسألهم، وأعتقد أن لشعري حتى الآن حضور كبير باللغات التي نُقل إليها كالايطالية والاسبانية على وجه التحديد. ردود فعل القراء تجعلني أقول ذلك.

* البعض يقول، او بالأحرى هناك نظرية في الترجمة تشير الى أهمية الوقع، حتى لو تغيرت المفردات وأجريت تعديلات على القصيدة. لو حافظنا على الواقع في اللغة الأصل واللغة التي نُقل إليها الشعر فقد تكون الترجمة نجحت واستطاعت أداء المعنى.

- بلى، أذهب أبعد من ذلك. قد يكون النص المترجم أحيانا أكثر تألقاً من الأصل نفسه، فلو أخذنا أمثلة من اللغتين الفرنسية والعربية، وأعتقد ان ذلك ينطبق على لغات اخرى، فمن الممكن أن نرى شعراً عربياً متأثراً باللغة الفرنسية. إذا نُقل الى اللغة العربية يكون غريباً قليلاً عن منطق اللغة، وعندما يُنقل الى الفرنسية التي تأثر بها مباشرة يرجع الى نوع من أصوله. من الممكن أن يُترجم الشعر في هذا المعنى الى لغة ثانية، وإذا كان المترجم عظيماً قد يكون النص المترجم أكثر تألقاً من الأصل. ترجمتُ مرة سان جون پيرس الذي خلق مدرسة كتابية في اللغة العربية، فالنص المترجم خلق أسلوباً في الكتابة لا يزال مؤثراً في كثير من الشعراء ذوي الأسماء الكبيرة، ولا أريد أن أشير إليهم. هذا معروف جداً كيف ان النص المترجم قد يخلق اتجاهاً كتابياً في لغة الاستقبال، أي أن الترجمة قد تكون في مستوى الأصل.

النهار
3 تشرين الثاني 2004