(عن التفاعل بين الذاكرة الثقافية و الحداثة)

بنعيسى بوحمالة
(المغرب)

بنعيسى بوحمالةليس هناك من أداة أكثر فاعلية ونجاعة في مغالبة الزمن وامتصاص جبروته من الفن، ضمن أشكاله الرمزية المختلفة: من شعر و مسرح و سينما وموسيقى ورقص و رسم و نحت..؛ التي أمكن للإنسان، عند اهتدائه إليها، تخليد مروره المؤقت في الوجود و تسجيل حضوره في المجرى الجارف للزمن الذي لا تكاد تفتر شهيته عن طمس كافة الموجودات، ومن بينها الإنسان، وإلحاقها بمدار النسيان. فالفن، بهذا المعنى، لهو الأثر الذي به تتأبّد ذكرى المرور الإنساني في أرجاء الأرض، إذ بفضله يقوى الإنسان على الالتفاف على مصيره المنذور للتلاشي والفناء..

هكذا، فعلى مدى الطريق الطويلة التي قطعها الإنسان منذ فجر التاريخ سعت المجتمعات والحضارات الإنسانية، من خلال أفراد موهوبين و يتمتعون بفائض ذكاء و حساسية، إلى صياغة أجوبة و تخيلات و استيهامات لجملة من الأسئلة الجذرية والمضنية من قبيل: ما معنى الإنسان؟ ما معنى الحياة؟ ما معنى الحرية؟ ما معنى الجمال؟ ما معنى الموت؟ ما معنى المجهول..؟ تجعل من مرور البشر المأساوي في مهبّ الوجود ذا مغزى و ذا دلالة و تمنحه، أي هذا المرور، أوفى ما يمكن من الامتلاء و الكثافة وبالتالي، الأصالة، بحسب تعبير الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر..

إن تطلّب الامتلاء و الكثافة و، بالتالي، الأصالة، يشكّل النواة الصلبة لأيّما تعبير فني، بحيث بمجرد ما وعى الإنسان فرادته و تميّزه عن سائر الموجودات و وضع، كنتيجة، يده على جوهره الوجودي الإشكالي اتخذ من التعبير الفني وسيلته المثلى سواء في تكريس هذا التّميز أو في استكناه ذلك الجوهر، و ذلك توازيا مه تطويره لخبراته بذاته و إلمامه بالطبيعة و العالم. و سيّان عدنا إلى بواكير الإبداع الفني الإنساني، إلى المرويات الميثولوجية أو الطقوس الاحتفالية أو المنحوتات البدائية..، أو استأنسنا بآخر مبتكرات فن الطليعة و ما بعد الحداثة، فسنعثر، لا محالة، على نفس القلق الإنساني، نفس الانفعال.. على نفس الهواجس الإنسانية، نفس المفارقات، أو لنقل على نفس الوضع المؤلم للكائن الإنساني المدعو، رغما منه، إلى الضحك بينما وجهه ممرّغ في التراب كما يقول الفيلسوف الوجودي الفرنسي جورج غوسدورف..

على أن الزمن، و لو أنه يعتبر، مثلما ذكرنا، عامل طمس، أو، بالأولى، عامل محو للفعل الإنساني، فإنه يقوم، في الآن ذاته، مقام خزّان رمزي هائل للمنجزات الإنسانية و من بينها المنجزات الفنية. و لأنه لا قطيعة جذرية و تامّة بين الماضي و الحاضر في حقل العلوم الخالصة و التقنيات، فأحرى في حقل الفنون و الآداب، فإن الحداثة الفنية و الأدبية ليس بمستطاعها، مهما بلغت في تجديدها و راديكاليتها، الانفصال كلّيا عن الماضي، أي عن ميراث متعاظم أسهمت في بنائه و تنميته و صيانته حضارات و ثقافات مختلفة و متعاقبة.. إن الفنان الحديث أو الأديب الحديث، تماما كما عالم الأزمنة الحديثة، كمن يسوق سيارة.. وجهته طبعا إلى الأمام، إلى المستقبل، لكن هذا لا يعفيه من إلقاء نظرة، بين الفينة و الأخرى، إلى الخلف عبر المرآة المثبتة قبالته على نحو ما يؤكد عليه الفيلسوف و الناقد الفرنسي غاستون باشلار..

على ضوء هذا، و باعتبار الشعر أحد الأشكال الرمزية الأكثر تأثيرا في وجدان البشر و الأفضل استجابة لانتظاراتهم الروحية، يمكننا القول، و من غير ما مجازفة تذكر، بأن جانبا كبيرا من لاوعي أية تجربة شعرية إلاّ و يظل موصولا، بهذه الدرجة أو تلك، بشجرة نسب شعرية، من حيث المبدأ، لكنها ثقافية بالمعنى الأوسع، تأوي أسماء و نصوصا و متخيّلات لا تحصى تنتمي إلى مرجعيات لغوية و حضارية متباينة و متشابكة، قديمة أو معاصرة، تنخرط معها هذه التجربة في علائق و تجاوبات متعيّنة، إمّا عن طريق الحوار أو التحوير أو الإدغام، ممّا يحولها إلى جزء لا يتجزأ من نسيجها النصّي و المضموني و التخييلي و ذلك وفقا لأطروحات و تحليلات نقاد اهتموا بهذا المظهر المنتج في الكتابة الشعرية، كالفرنسي رولان بارت و البلغارية جوليا كريستيفا و الأمريكي مايكل ريفاتير..، و اعتبروا التّناص عنصرا بانيا لأيّما كتابة شعرية و من ثمّ لا وجود قطعا، بحسب رأيهم، لما يمكن نعته بالنص الشعري الخالص أو الصافي..

حقا إن الحداثة الشعرية تعدّ، انطلاقا من التفكير السوسيولوجي في الأدب، نوعا من مؤسسة إبداعية رمزية لها قواعدها المضبوطة و اشتراطاتها المسطرة مثلما لها أسماؤها الفاعلة و إنجازاتها المتداولة، مؤسسة تقوم على رفض الثبات و الجمود و مجافاة الكسل التّصوري و التقاعس الإبداعي و تطرح ذاتها، عمقيا، كبديل للماضي و حمولاته المتقادمة. أيضا لا خلاف في شأن نسبية الحقيقة و تغايرها بين زمن و آخر، إذ يا ما أبان التطور الإنساني عن أن ليس هناك من مطلقات البتّة و، بالتالي، فما كان يدخل في عداد الحقيقة الراسخة خلال الماضي البعيد أو القريب قد يبدو لنا، نحن أبناء اليوم، خطأ بليدا أو بهتانا ذريعا. مع ذلك دعونا نقول بأن القيم الأصيلة التي بها تتجوهر هويّة الإنسان، بصرف النظر عن شرطه الزمني أو المكاني، لا تتبدّل أبدا لكونها ملازمة لديمومة الإنسان و منها تتغذى، إن شئنا، إنسانيته..

إن قيم الحق و الخير و الحرية و الرّفاه و الجمال و الحب و الإخاء و المساواة و التآزر و الاختلاف و التسامح و السّلم و التقدم.. بما هي الحدّ المضادّ لرذائل الظلم و الشر و التحكّم و الخصاص و القبح و الكراهية والفرقة والتفاوت و الأنانية و الأحادية و الاضطهاد و العدوان و التخلف.. لهي غير قابلة للتقادم أو التحريف، و من هنا لا مفرّ، فيما نرى، لأية تجربة شعرية عميقة وهادفة من الانحياز، مسخرة منتهى إمكاناتها الأدائية من مفردات شعرية وتوليفات أسلوبية و إيقاعات و مجازات و رؤى..، إلى هذه القيم والسموّ بها إلى درجة الاعتناق الإنساني المكين الذي حالما يتراخى أو يفتر إلاّ و تدحرجت البشرية إلى الحضيض.. في حين أنها مؤهّلة لاكتساب جدارتها وكمالها اللاّئقين بها. فالمستجدات الجمالية التي راكمتها الحداثة الشعرية، من إنضاج للغة الشعرية و ابتداع قصيدة النثر و استثمار الكتابة الشّذرية وتهجين النص الشعري بتحطيم الحدود و الفواصل بين الأجناس الأدبية المختلفة واعتماد تقنيات الفنون الأخرى، كالحوار والسرد و المونولوغ والبّوليفونية والتلوين التشكيلي و الكولاج و المونتاج..؛ و بتعبير مواز راكمتها وهي تستكشف جملة شعرية على درجة من الغنى و الأيقونية، لم تخوّل، و كيف لها ذلك، للأنا الشعرية القائمة في فضاء التجارب الشعرية الحديثة أو للذوات الشعرية المستحضرة معها، امتياز الاستقالة أو التّنصّل من المشاغل الأخلاقية التي كانت، و ما انفكّت، مؤرّقة للضمير الإنساني الجمعي.

إن الشاعر الفرنسي شارل بودلير، في ديوانيه "أزهار الشر" و"سأم باريس"، لسوف يجد نفسه، على سبيل المثال، مشدودا، بهذا الشكل أو ذاك، إلى ميراثه الثقافي الغربي، إلى المحكيات الإنجيلية والميثولوجيا الإغريقية - الرومانية، وهو يتوخى بناء ماهيات شعرية جديدة للذات الإنسانية.. للمرأة.. للجمال.. للألم.. للمكان.. للألفة.. و تصوير معاودة الإنسان الحديث لذلك السقوط الرمزي جرّاء نهمه إلى ثمار و لذائذ المدنيّة الحديثة المغرية بواجهتها البرّاقة، الهشّة، و ذلك شبيه آدم، في العهد القديم، عند اقتلاعه من نعيم عدن و انضوائه إلى مصيره الدنيوي الشاقّ. إن شغفه بموسيقى الموسيقار الكلاسيكي الألماني سيباستيان باخ ورسومات الرسام الانطباعي الفرنسي هنري ماتيس و اتخاذه إبداعات هذين المبدعين مثلا أعلى فيما يليق بالجملة الشعرية الحديثة أن تتوافر عليه من صفاء و ثراء.. من اكتمال و لانهائية.. لا يعادله، عمقيا، سوى تعلّقه بحقيقة إنسانية لا يشوبها النقص والخلل والهشاشة. أمّا الشاعر الإسباني فديريكو غارسيا لوركا فيجترح، في ديوانيه "التّماريت" و "أغنية السائر في نومه"، أفقا شعريا و رؤياويا منفتحا يستوعب الذاكرة الإسبانية المحدودة بقدر استيعابه للمدار الإنساني الشاسع. كذا تلجأ مخيّلة الشاعر الأندلسي إلى استرفاد كلّ ما هو جميل، نقيّ، و خلاّق في التراث الإسباني البديع الذي شيّده مسلمون و مسيحيون و يهود و غجر و زنوج.. تراث عماده تمجيد المعرفة و الإبداع و التشبث بالحياة و الأمل و التعايش ضمن الاختلاف و التسامح.. تراث يفضله ارتقت إسبانيا، ذات لحظة من التاريخ، و على شاكلة ما تنحتها لنا أشعاره، و كذلك مسرحياته، إلى مكان كوسموبّوليتي فريد. إن نوستالجيا لوركا إلى تلك "الإسبّانيا" المقيمة في ذاكرته لهي نوستالجيا إلى مدار إنساني تذوب فيه التمايزات الإثنية واللغوية والدينية و ينتصب فيه الإنسان كقيمة متعالية تتجاوز كل التحديدات، و من شدة تعلقه بهذا الحلم سوف يدفع الشاعر حياته ثمنا باهظا و هو يلقى مصرعه التراجيدي على يد إيديولوجيا فاشية كانت معنية بإسبانيا ظلامية، بئيسة، و منحطّة.

نفس الشيء بالنسبة للشاعر الإنجليزي توماس ستيرن إليوت و هو يشيّد عمله الشعري الذائع "الأرض الخراب"، الذي هو بمثابة هجاء لبشاعات الحرب العالمية الأولى ورثاء، في ذات الوقت، لانحدار إنسان القرن العشرين إلى هاوية الأنانية والمصلحة والغطرسة العمياء. فهو لم يعد، في أثناء إنجازه لهذا العمل الشعري، ما عدا إلى العناوين الكبرى والفارقة في الشعرية الغربية القديمة، مثل "الإنياذة" للشاعر اللاتيني فيرجيل و"الكوميديا الإلهية" للشاعر الإيطالي دانتي أليغيري، أو المنجزات للشعرية للحداثة، وبخاصة أعمال شارل بودلير، وإنما عاد أيضا إلى التراث الميثولوجي الشرقي، الفينيقي والبابلي، وذلك من خلال كتاب "الغصن الذهبي" للسكوتلاندي السيّر جيمس فريزر، والمسيحية الكاثوليكية، في صفائها وطهرانيتها الأولين، انطلاقا من قناعته بألاّ تعارض بين القيم الميثولوجية والدينية النبيلة وبين القيم الشعرية ما دامت جميعها ترمي إلى انتشال الإنسان من تخبّطه الوجودي و تهذيب غرائزه وأهوائه و تغليب نزوعاته الروحية على شراهته المادية. في نفس المنحى دائما بمقدورنا، ونحن نقرأ دواوين الشاعر السينغالي ليوبولد سيدار سنغور ك "أغاني الظل" و"القرابين السوداء" و"إثيوبيات"؛ معاينة كيف تحضر، بقوة لافتة، ذات شعرية، ناطقة بلسان مجموع إنساني عريض، متطلعة إلى استرداد هويتها، كرامتها، و حقها في حياة حرة بعيدا عن كوابيس الاستعباد والاستعمار والميز العنصري التي خيّمت على تاريخ أجيال من السود في إفريقيا و أمريكا و الأنتيل. فالشاعر وهو يتمثّل صورة جميلة لحياة أبناء جلدته سوف يعمد إلى تسخير اللغة الفرنسية، لغة مضطهديه البيض، كأداة للتعبير الشعري، بل و لن يتحرّج في الاستفادة حتى من شعراء فرنسيين كبار كان يكنّ لهم فائق الإعجاب، مثل بول كلوديل و سان جون بّيرس، لكنه سيلجأ، قبل كل شيء، إلى المتح من منهل تراثه الثقافي الزنجي، منقّبا، على هذا النحو، في حوليات تاريخ ممالك غانا و الداهومي.. باحثا في ثقافات الهاوسا و البامبارا.. و موظّفا، دونما تردّد، عناصر من الإبداعات والطقوس و المرويات.. التي تحفل بها لهجات إفريقية محلية، و على رأسها لهجة الولوف في بلده السينغال، وذلك لأن تمثّل هذه الصورة الشعرية - الحلمية لن يتم على وجه أصيل وجاذب دون استدماج الشاعر للقيم الإنسانية التي يحضنها هذا التراث والتي غدت عرضة للتشويه، إن لم نقل المحو، مع حلول البيض في قارة كانت تسري فيها، قبل حلولهم العدواني، حياة تلقائية، وديعة، و مسالمة يتناغم فيها الإنسان مع أخيه الإنسان قدر تناغمه مع الطبيعة و الحيوان، وما أحوج الغرب، الذي أفقرت روحه التكنولوجيا و قيم الاستهلاك، إلى التنازل عن تمركزه الحضاري والانفتاح على جرعة حضارية وأخلاقية طازجة قد تسعفه بها الزنجية التي يعتبرها سنغور "مجموع القيم الحضارية للعالم الأسود"، بحيث إن ولاءه، أي الشاعر، لذاكرته و ثقافته لم يمنعه من مدّ يده للرجل الأبيض، غريمه التاريخي، من أجل صياغة مستقبل إنساني مشترك يطوي صفحة أليمة من الجروح و الحزازات و الأحقاد.

بالمقابل فإن الشاعر السوري علي أحمد سعيد (أدونيس)، الأب الروحي للحداثة الشعرية العربية لا يكاد يشذّ عن هذا الاختيار، أي تعضيد القيم الشعرية للنص الحديث بالمكاسب القيمية المستنيرة و التقدمية المتضمنّة في صلب الميراث الثقافي لكن مع الاحتراس من الوقوع في إغواء هذا الميراث والرضوخ لسلطته. فهو يقول، مثلا، ".. إن الصعوبة الأساسية التي نواجهها في الشعر العربي الجديد هي أن علينا أن نحدّده بالانسجام مع تراثنا و الاختلاف عنه في آن". ولعل وجهة النظر هاته تتجاوب، إلى حدّ كبير، مع رأي المفكر المصري المعاصر زكي نجيب محمود الذي يدافع عن كون ما يلزم أن نتعلّمه، أساسا، من أسلافنا الثقافيين هو أخلاقياتهم في التعاطي مشكلات زمنهم و معضلاته الفكرية و الفنية و الدينية، بمعنى أن نتحلى بأخلاقيات الصدق والصرامة و الدقة وبالتالي، بالكمال، ونحن نخوض، لحسابنا الخاص، في مشكلات زمننا ومعضلاته، لا أن نعيد إنتاج مشكلاتهم ومعضلاتهم تعنيهم هم و نهمل مشكلاتنا و معضلاتنا نحن.

ضمن هذا التحليل لن يتورّع (أدونيس) في العودة، لا فكريا و لا أخلاقيا، إلى نصوص مركزية في الماضي الثقافي العربي: إلى الشعر الجاهلي السابق على مجيء الإسلام.. إلى شعراء منبوذين كأبي نواس.. إلى كتّاب متألّقين كأبي حيان التوحيدي.. إلى متصوّفة من قبيل محمد بن عبد الجبار النّفّري.. نظير عودته إلى الميثولوجيا الفينيقية، إلى أسطورة أدونيس وعشتروت المتمحورة حول فكرة خصوبة الأرض وامتلاء الحياة، إلى النصوص المقدسة، كالقرآن والإنجيل، إلى التاريخ العربي والشعائر الإسلامية، وإن نحن وقفنا على بعض دواوينه المبكرة، من مثال "أوراق في الريح" و"أغاني مهيار الدمشقي" و"وقت بين الرماد والورد"..؛ فما من شك في كوننا سنعثر على رموز و قرائن وعلامات وأقنعة و مشاهد و محكيات.. من ذلك الماضي تصب في مجرى القيم الإنسانية المتسامية التي تشدّد على مكانة الإنسان باعتباره قوة مبدعة وخلاقة و بوصفه فاعلا تاريخيا ينتصر دوما على عقائد وإيديولوجيات الخراب والتقهقر و الظلام، وبصيغة أخرى ككائن يحمل على عاتقه رسالة المعرفة والتقدم ويعاند كل ما يمكنه إعاقة طريقه صوب حقيقته الوجودية والروحية الأصيلة.

إن القيم لهي طاقة روحية متجذرة في الهوية الإنسانية ومن ثمّ فهي عابرة للأزمنة والأمكنة ومساوقة، عضويا، لإيقاع الأبدية، لذلك، وخارج الإحالة على هذا الزمن أو ذاك..على هذا المكان أو ذاك، ستقتدر جملة من النصوص والإبداعات والعناوين الثقافية الكبرى على التحوّل إلى ملكية رمزية للبشرية جمعاء، إلى قاعدة صلبة للتراث الإنساني المشترك: حسبنا أن نلمع هنا، على سبيل التمثيل لا الحصر، إلى أغاني الحب السومرية..ملحمة "غلجامش" السومرية.."كتاب الموتى" الفرعوني..ملحمة "الراميانا" الهندية.. ملحمة "الشاهنامة" الفارسية.. ملحمتي "الإلياذة" و"الأوديسا" الإغريقيتين..التراجيديات الإغريقية.. "نشيد الإنشاد"للنبي والملك سليمان.. "مراثي" النبي إرميا.. الصوفية الإسلامية.. حكايات "ألف ليلة وليلة" العربية.. "أنشودة رولان" الفرنسية.. "الكوميديا الإلهية" لدانتي أليغيري.. "السّاغات" السكندنافية.. التقاليد الروحية لشرق آسيا.. الأهازيج الروحية الأفرو - أمريكية.. أشعار وأغاني الهنود الحمر في أمريكا.. متون قصائد "الهايكو" اليابانية وقصائد "الشّي" الصينية.. الفلسفات الغربية.. الكتابات التاريخية للإغريقي هيرودوت والعربي ابن خلدون.. مذكرات الرّحالة المشهورين كالعربي ابن بطوطة و الإيطالي ماركو بّولو.. مثلما ستقتدر تجارب شعرية حديثة، كلّ من موقعها الروحي المخصوص، على تخيّل نموذج إنساني متكامل، متعال على الاعتناقات العقائدية تعاليه على الجغرافيات والتواريخ و الأنظمة المجتمعية والسياسية والفكرية، ومنها تجربة الشاعر الهندي طاغور، ذات المرجعية الهندوكية، و الشاعر الباكستاني محمد إقبال، ذات الجذور الإسلامية، و الشاعر الفرنسي بول كلوديل، ذات الخلفية المسيحية..

- قدمت هذه الورقة في ندوة "القيم الشعرية والميراث الثقافي" التي انعقدت ضمن فعاليات الدورة السادسة و العشرين للكونغرس العالمي للشعراء، الذي تشرف عليه أكاديمية الفنون و الثقافة، وذلك ب أولانباتور عاصمة منغوليا بين 3 و 6 شتنبر 2006 بمناسبة الذكرى الثمانمائة لقيام دولة منغوليا.


إقرأ أيضاً: