سلام صادق
(العراق/ السويد)

RAYMOND CHAIالأزهار ترابُ وعطر
الأغصان ماء وخشب
مراسيم جنازةٍ دائمة
تقيمها الحدائق
لمواراة الربيع

فقط الطيرُ تعرف
بان هناك دماً
على أوراق التوت

أنا نابعُ من رحم الأرض
ما يسري في عروقي هو نسغها
أريد ان أقف كشجرة ؟

لا أرى الشجرة
لا يستظلها بشر جائعون
لا أرى الشمس
وتحتها برعم يرتجف

حلّ آذار
تبرعمت الحياة في الشوارع
وفي غرفة بلا نوافذ
يصدأ من أنفاسي الربيع

تفاقم الصمت والظلام
وما زالت الأشجار يقظة
فقد سمعت المطر الساقط على أوراقها

الذي يخرج لاصطياد الطيور
لا يرى كيف يظللهُ
جناح الغابة المهيض

السكين تجرح الغصن
ولا تأبه للون النزيف
الورقة تجرح الإصبع
لتذوق طعم الحبر

يحطّ الغروب متبرجاً على الأشجار
فتختبئ الشمس خجلى
وراء ابعد غصن

لا أشجار تكفي
لكل هذه الطيور المهاجرة
بلا جُناح

الشوارع ستتفجر اخضرارا
بكل تلك المواسم المؤجلة

هوائية جذوري والأرض تدور
فكيف لا افلت من جاذبيتي
وأهمّ بالطيران

حتامَ ينبش الليل في حِلكة ذاكرتي
من دون سراج ؟

في مهرجان النار
تتعب الذبالة من مراقصة اللهيب
معروقة تنزوي في دخانها
لاهثة في الظلام

نهاريَ هذا ليلُ تنقصهُ دموعُ وشموع

قلبي بحجم الكف
ودمي على طول الطريق

ادفن كل ليلة أغط فيها بنوم عميق

تدور الخمرة في رأسي
والهواء في القناني الفارغة
فلا أصحو ولا اسكر

كثيرا ما يغمى عليّ
اذ يصطدم راسي في شيء من قبل
وشيء من بعد

أنا تفاحة الحكماء
يقضمني الأعداء
قبل الأصدقاء

لا احزن على الذي فات
لأنني لم أبدأ
أبداً

لماذا تصر الابواب كأنها تنتحب
كلما الوّح بالوداع ؟

لا ترمقني خلل نظارتك السميكة
فلست وجها مضغوطاً
على زجاج الأقاويل والطاولات

كأنك تعبر البحر فأين تركت خطاك ؟

في يوم ما
سيصل هذا الدرب الطويل الطويل
طويلاً حتى بيتي

عاصفة الثلج تعول في وجهي
فكيف لا تتصبب من عينيّ الدموع ؟

سأسمي ألواح الخشب المخلوعة
أبواباَ
بمجرد ان تجتازها الريح
وأسمي قطع الزجاج المتناثرة
نوافذاَ
لو تعلق فيها حبيبات المطر

أقرأ تجاربي على جدران الغرفة
وأتقرى شعاع المصباح على ضوء كتاب

في ركن بلا قهوة
أو حانة بلا دخان
سكرت من صديد طعنة الزمان
في منفى بلا مأوى
في بيت بلا عنوان
مازال يسكنني حطام مكان

يتجعد شعاع الشمس في عينيَ
من شدّة الخوف
فتروح أمي تمشط الفضاء بالصراخ

كثيراً ما أغلق بابي بوجه الليل لئلا أنام

يتيه بصدري نبض أعمى
حينما لا امرأة ترشده الى جهة القلب

البارحة ثملت
فضللت طريق البيت
حتى كأنما الأرض والسماء
تبادلتا المواقع بين أقدامي

كانت ليالينا حمراء فاقعة بلا قمر ونجوم
كانت سكرى من قرمز دمنا الدافق في البراري

لا ترفعوا أنفاسكم
دعوا الليالي تهجع دون شخير

الحراس فقط يفهمون همس الليل
ويقضّ مضاجعهم صخب النهار
ليناموا على حديث اللصوص

دوما هناك أكون
حيثما الشموس في المقابر
والأقمار في السجون

رجلان يتتبعان ظلي
لحقا بي
فأصبحنا ثلاثة
ولم اكُ واحدا منهم

أتوازن على حافة جرحي
فانا بهلوان النزوة
في سيرك نزيفي
وشراييني حبال المغامرة

الأسود لوني المفضّل
ومن لا يحب رائحة أمه ؟

يسقط الثلج ويثقلُ هامتي
فكيف لا انزلق على رأس الجسر ؟

يضوع الجوري من النافذة
والنرجس من ثغرها
غرفة النوم حديقة

تحت ظلكِ الكثيف فقدت شفافيتي

أشدك الى صدري
بعنفٍ وبكلتا يدي
فتنسلينَ من بين أصابعي
كعطرٍ خفيف

انبش جلدك الرخو بأظافري
احفر متاهتي وأوغل فيها
لأعشعش هناك

إذا عبثت رياح الذكرى بكل الأنحاء
فمن تكونين غير العاصفة ؟

لحظة أقرفص في حضنكِ الصغير
لماذا لا يسعني الكون؟

أريد ان اصرخ باسمك
ولأنك تفترشين ردهات صدري
ينحبسُ النداء

ما صار قلبي قطعة مرمر
إلا لأن عليه وشاح من العيون

جسدك غيمة حبلى بالرعد والبروق
استغرب صداقتك للقمر والنجوم

تتكئين على ذراعي
واتكئ على شرفة ماضٍ آيل للسقوط
تتكئين على قامتي
واتكئ على صخرة آتٍ هائلة
انزلق عليها ببطء
تتكئين على تجاربي
فنسقط في الخواء

في السماء ليمونة تشتعل
وعلى البحر وشاح ازرق
كلاهما لا يدفئان نهديك
فما زالا يرتجفان

كثيرات يستلقين على رمل الشاطئ
قليلات نرى البحر في عيونهن

صياد اعزل أنا ولحاظكِ جارحة

لا اتطامن وجمالك الوحشي
أخاف ان أغدو فريسته

كلما أصابني رمشك الجارح
حشوت بقطن المشيب جوارحي

سأراك لو تغمض الايقونات أعينها
واستمع حفيف قميصك لو تخرس الريح
وألمسك لو يُذوّب الماس
وأتذوق رضابك لو تنهمر الشلالات حليباً
واشم عطرك لو تعبأ الحدائق في قناني

يا امرأة مازالت راسخة في خيام الذاكرة
ضاربة أطنابها في براري صدري الشاسعة
لماذا تغزين مضارب قلبي المهلهلة ثانية ؟
اتركيها للمطر والريح

عند انتصاف الليل
منفلشا أجرجر نصفي الآخر نحو السرير
لعلني اكتمل

تتوهج مرايا السرير
تشع فضة الجسد
فيومض النصل لاصفاً
يرتشف طعم الكمثرى
وفجأة يخبو البريق

تسقط الأنثى في بئر النوم
فنفيق منتصبين
نبحث عنها في قعر مخيلتنا
برؤوس مطأطأة وأياد متهدلة
ونفس ثقيل

هذا جسد خافت وعنيد
لا يتملكه الارتعاش
إلا بهزة أرضية

لماذا يعود الليل كل ليلة ؟

أقول : بان الفجر اقترب
تقولين : إنما الليل هرب

الفجر زئبق يشربه الليل فيغمى عليه

الحب 1 حلم مضى
الحب 2 يقظة ما كانت
الحب 3 ارق لا يبرح
كأن الحب توأم الليل

هيا أرشحي من ثقوب حواسي المليون
فجسدي لم يعد منخل نزواتك الناعمة

أشاحت بوجهها عني لحظة
والى الأبد

لاشيء لدي سأخسره
فالذي امتلكته غيرها
لاشيء

ولدوا تحت الشمس فتبخروا سريعا
رحلوا لبلاد الثلج فقرفصوا حتى الأبد

تنهمر السنوات تباعا جارفة بين طياتها
يوما واحدا لم يشرق بعد

جسدي خارطة الإسفار
الحواس ضاجّة كالمرافئ
الأطراف تسيحُ كالأنهار
الأحضان مشرعة كبوابات المدائن
لكن القلب خوّار
لا يفقه معنى الانتظار

أشرعتنا من جلد صنم قديم
لذلك نخشى الماء
ونبحر في دمنا الدافق
في عرض الصحراء

اجتازت الأقدام الأعتاب
فانّت ثم بكت من دون دموع
لأن العيون بقيت مشبوحة على الطريق

السماء بحر يتناسل في الأعالي
ولذا فالأرض عرش سلالاتنا الغريقة

المنفى سفينة نوح بكامل طاقمها
- من كل زوجين اثنين -
ناقصا رجل يصارع الطوفان

لا قعرَ للقعر
فالسطحُ شغاف السر

تفقد النجوم عذريتها
كلما ينتصب عمود الفجر
لاصفاً بيد الليالي

أجمل الأطفال من ولد على الحدود
وأجمل الأوطان ما ظل بعيد

هل هنالك ماهو أكثر ثقلاً
من ان تفقد طفلا ب 300 غرام ؟

لا تتشابه الأشياء
فلا شيء يشبه
جميع الأشياء

هل غير الضرير من يرى كهوفاً سحيقة
تنتظرنا
تتعذر رؤيتها على المبصرين؟

لمروض الأسود حياتان
وعرينُ واحد

لكثرة ماجاعت
طوت جسدها كلقمةٍ
ليمضغها الشرهون

لكثرة ما نفش قوادمَ غرورهِ
أصاب السهمُ خوافيه

تحلق الطيور عاليا
لتصبح صلبانا سوداء
فوق ارضٍ كمقبرة

تماثيل المدينة من دون دم
ولذا تعول الرمال في الساحات
وتشغر المصاطب

السنوات تتلاشى كسحابات الأثير
وتبقى النجوم عالقة كآخر اللحظات

دوما تجرجر السلالم عمودها الفقري
نازلة نحو الأقبية
وتنوء بحمل أثقالها
شاهقة نحو السطوح

في مأدبة البحر عظام القراصنة
في مهرجان الشمس جلود الفئران

احتشدت في زواياها الأربع وجوه متنافرة
فتشظت المرآة

الشطآن رمال
لئلا نسمع هسيس أقدام القمر
يتسلل للسباحة عاريا آخر الليل

هذا السديم غبار
هذه الينابيع دموع
لنبتني بيوتنا من الطين

لا تمطر السماء
الفلاحون يزرعونها بالدعاء

أشلاؤنا غابات دائمة الخضرة
فلموتنا حدود فهم فلاحي
ما ان يُهرق دمنا فوق البطاحِ
حتى تضجّ حقول التفاحِ

مسقية من دمنا الذي لن يُضيرك
جورية تزهرُ في ضميري
وشوكةُ تعلق في ضميرك

تتوسد المدينة القمامة
فيوقظها الزبالون مبكرا
يغسلون وجهها بعرقهم
المتلألئ كأنداء الفجر

غاب عن وعيه طويلاً
وحين عاد اليه
لم يتعرفا على بعضهما

كلما ترقرقت في صدره سحابات الذكرى
راحت تسح من عينيه الأمطار

كلما نبت صبار البعد على شفتيه
راح يحدو باسم واخزته الصحراء

كثيرا ما تظاهر بالفتوة
فطارد شيخوخته حتى سقط في القبر

اتكأ على شرفة ماضيه
فتهاوت به سنواتها النخرة


الطعنة في نحر الشاعر
قلادة من فصاحة الدم
وشمتها رطانة السكين

السياسة متجر متخصص بالمعلبات الفاسدة
فلا رز هناك ولا طحين

تفوح رائحة الفقر من البيوت
لا قدور فيها تغلي على النار

النسيان لا يفترس
رغم مخالبه التي ينشبها في الذاكرة
والذكرى لا تتبرج
رغم ما تكتنزه تحت آباطها
من عطر السنوات

هذه مدينة ثملة
هذياناتها تحلق فوق البيوت
بلا طعم ولا رائحة
وتحط على المنائر خاشعة
حين تغلق الحانات أبوابها

لا تحدق بشّدة في الأجراس
استمع الى رنين النحاس

تعدو الساعات ببطء
الرقاص قائم حصان هرم
والدائرة راسي المشتعل شيبا
لذا تحولت الأرقام الى رماد

تحت ضوء الصباح
وجهي في المرآة ينظرني شزرا
فأحتمي منه بكحل الليلة الفائتة
ومصباح خافت

تختل أطراف المعادلة
فمنهم الرصاص ومنا الأطفال
عندنا الأرض وعندهم الطاعون
لدينا موتنا ولديهم حياتنا
وبحذفنا تستقيم المعادلة
هكذا

تمنحون وقتا للموتى كي يستيقظوا للحشر
لو تركتم الإحياء يغفون بحرية

كلما اشتدّ القصف
تحتمي البيوت وراء الأفق
كعيون الضواري
حيث تضجّ السماء
كغابة من عواء

جنود وجنازير
أجنة وجنازات
جنة وجحيم
جماجم وجلاميد
جاءوا جميعا
من جيم الجلجلة
وجحافل الجوع
نجوا فتجذروا في الجليد

المحطات مغلقة
المسافرون نيام
فمن يملأ الحقائب
بتلويحات الوداع
أو هدايا الغياب الملونة
كبالونات السنوات

حمايّ صفراء
تزهر في بياض الغرفة
فاسقيها من عرقي
وكزهرة زعفران
اذبل في السرير
حين يتفتق الصباح

ثلج في الشوارع
ملح على الشفاه
للرجال حمامات البخار
ولبجعات القطب
جليد ازرق

الدقائق العزلاء في هيجان
تشتبك بالأيدي والعصي
في معركة الأرق الفاصلة

أنا من بقايا العشق
وملح المجابهات
خلفتني الدموع حين جفّت.