علاء خالد
(مصر)

علاء خالدفي شعر عباس بيضون ، من الصعب أن أرى المشهد الذي يقف وراء القصيدة، أو أهجس بالباعث النفسي على الكتابة، أو المثير الجزئي. حتى ولو كان هناك مشهد، فهو مشهد ساكن في تكوينه، ولكنه متحرك وفاعل في لغته. مشهد مثل "اللاند سكيب" وليس واقعة أو حدثاً في زمان ومكان، أو يصعب تحديدهما بدقة، وربما هي إحدى سمات شعريته.

اللغة أيضاً، يحاول أن ينفي عنها أي اجتماعية، يسحبها إلى فضاء فلسفي، وهو ليس غريباً في لبنان، فالفكرة الاجتماعية فكرة غير مكتملة أو لها دلالات أخرى، في مقابل الفكرة الطائفية التي تسيطر حتى ولو بطريق غير مباشر. فحتى لو رفض الكاتب النهج الطائفي، وهو رفض طبيعي، فسينهج ماهو ضده؛ هذا الوعي الشامل والمتماسك والذي لايؤمن بأي تقسيم. أو يتناسى هذا المشكل المحوري تماماً. وهنا مأزق يتجاوز قدرات أي كاتب. تعتمد اللغة المنطق الصارم في التعبير، أحياناً تتعقد وتتكاثر من دون دراما تنسج حولها، الدراما تنبع من داخل اللغة نفسها، من إخلاص لها أو مراهنة خطرة عليها.

داخل هذه اللغة المجردة من اجتماعيتها، هناك ضمير جماعي يتحدث. وهنا المفارقة. فالعلاقة بالذات علاقة ذات شكل عاطفي، ربما هي رغبة الفعل عنده التي تحملها اللغة. فالصورة أو المشهد ليسا حادثاً شخصياً، وإنما صورة جماعية لحلم جماعي، ربما هذا السبب هو الذي يعطي لأي مشهد ضبابيته وغموضه. لا أعني أن شعر عباس بيضون شعر سياسي، ولكنه شعر له منبت سياسي، ولاننسى التزام عباس السياسي في فترة من فترات حياته وربما هو ممتد حتى الآن، أو على الأقل تردداته الفكرية. ولكن هذا المنبت السياسي له عمقه الوجودي والفلسفي لذا ينتقل بهدوء للحظات أخرى تشغل حياة الشاعر وتماساته مع الحياة.

في عصر ليس به أي طموحات سياسية، أو أحلام جماعية للمستقبل، وحتى لا يستباح هذا الحلم الشخصي والجماعي في آن، يتحول هذا الحلم السياسي الكامن إلى رموز ولغة عصية وغامضة. نوع من الحماية التلقائية. ووسط مناخ طائفي معاد، لا يرشح إلا لغة للخلاص، ماذا يفعل الشاعر؟

أعترف أني أبذل مجهوداً مع شعر عباس بيضون، أستشعره من بعيد، وأحبه من بعيد، وأحترمه من بعيد، وأحياناً أفقد الخيط تماماً. ودائماً أقول لنفسي سيأتي يوم أجلس فيه قارئاً مخلصاً لكل دواوينه، لأعرف هذا الخيط الذي يربطني بهذه الكتابة. ولكن في كل الأحوال هو شعر مستوف للشعرية وللبناء الشعري. شعرية تخصه وحده وسط الجيل الحديث. أما الحديث معه وجهاً لوجه والسير معه على كورنيش بيروت وفي شوارعها يجعلك تخجل أمام هذه الطيبة وهذا الحدب الإنساني.

رجوع