وأنا مترجم فاشل

حاوره: عمر ابوالهيجاء

اسكندر حبشحرت كثيرا كيف أبدأ بتقديم الشاعر والناقد والمترجم والاعلامي اللبناني اسكندر حبش ، حيث يشتغل في اكثر من مجال ابداعي ، من هنا أخذتني الدهشة وانا اطالع سيرته الذاتية الغنية ، همست بداخلي: ليس من السهل إجراء حوار مع مبدع مكتنز بالتجربة وهمه الابداع والتجوال في الفضاءات المعرفية الإنسانية ، فهو مترجم نقل الى الساحة الثقافية العربية اكثر من كتاب مترجم لأشهر شعراء الغرب مثل اكتافيو باث وغيره ، كما رفدها بالعديد من الاصدارات الشعرية المتميزة له مثل:(لا أمل لي بهذا الصمت ، بورتريه لرجل من معدن ، نصف تفاحة ، تلك المدن).

واسكندر حبش شاعر أثرت فيه الحرب اللبنانية كثيرا فجاءت قصائده معبرة عن جيل ذاق طعم الهزائم والانكسارات المتتالية ، وقصائده مغلفة بالحزن ، لكنها تفضي الى الكثير من الفرح الآتي.

في الحوار التالي حاولنا الدخول الى جوانية اسكندر حبش لإيقاظ حرارة القول فيه ، واقفين معه على حبال القصيدة في عالم مسكون بالتناقضات ، مفضين الى شكل الترجمة وقضاياها في الوقت الراهن وحول خصوصية علاقته بالشاعر اكتافيوباث وترجمة اشعاره الى العربية.

* الشعر هذا الكائن الجميل ، ما الذي تريده منه في عالم يحمل كل هذه التناقضات؟

- ما الذي أريده من الشعر؟ ببساطة شديدة لوكنت أعرف بماذا ارغب لربما كنت توقفت عن البحث عنه ، أكتب لأنني أقود بذلك حروبي الشخصية على ذاتي ونفسي وأفكاري المتوارثة وغير المتوارثة. وفي الوقت عينه هو وسيلتي لاتوازن مع هذه الحياة المثقلة بالهموم والاوجاع. على اي حال الشعر ايضا يغص بتناقضات الحياة ، لأنه حياة أخرى نعتقد اننا نصنعها ونبنيها ونجعلها خلفية لمستقبل نتكىء عليه ، الشعر بحد نفسه يحمل كل تناقضات العالم ولو لم يكن كذلك لكنا اكتفينا بقصيدة واحدة وبشاعر واحد.لاضيف ايضا انه يشكل رؤية للحياة أنظر من خلالها ، واذا كنت ترغب في اجابة واحدة لقلت لك فعلا لا أعرف ماذا أريد من الشعر.

* ألا تعتقد أن الشعر في هذه المرحلة مظلوم أمام الكم الهائل من دعاته المستشعرين؟

- اولا حمّلناالشعر أكثر مما يحتمل ، اعتقدنا اننا نجد فيه حلا لجميع مشكلاتنا ، بينما هو في الواقع كائن جميل وهش الى درجة الانكسار. والذين ساهموا في تدميره لهذه الدرجة من تصفهم بالمستشعرين ، لنعترف لو مرة واحدة اننا نرتكب خطايا عظمى بأسم الحداثة الشعرية ولا استثني بالطبع العديد من النظّامين ، في أي حال هناك شعراء حقيقيون في العالم العربي.

* يقال بأن الكتابة بكافة اشكالها وهم - كما وصفتها ذات مرة - أين يكمن الخلاص الكتابي او الابداعي في ظل هذا الوهم؟

- حين وصفت الكتابة يوما بأنها وهم كنت أشير الى هذه الفكرة التي تريد جعل الكتابة حلا لجميع مشكلاتنا. يمكن للكتابة أن تعبر عن قضية ما بالتأكيد ولكن لا نستطيع ان نجد حلا لهذه القضية. من هنا اقول هي وهم ولن تستقيم الكتابة إلا اذا اقتنعنا فعلا بهذا الطرح ، يمكن لي - على سبيل المثال - ان اتحدث في - قصيدة وطنية - عن فلسطين وجنوب لبنان وعن العراق..الخ ولكن لا تستطيع هذه القصيدة ان تحرر أرضا ، الكتابة بالنسبة إليّ هي الكتابة ولا شيء أكثر من ذلك ، وفي الوقت عينه تحمل في طياتها كما أشرت سابقا كل تناقضاتي وتناقضات العالم ، واعتقد انك تشاركني الرأي حيث تحدثت عن ذلك في حوار أجري معك مؤخرا في جريدة الاتحاد الظبيانية.

* أنت شاعر متعدد الكتابات: شعر ، درسات نقدية ، صحافة ، الى جانب الترجمة ، أين يجد اسكندر حبش نفسه في هذا التنوع الابداعي؟

- اسمح لي ان أستعيد شيئا كتبته منذ مدة وهو التالي: معروف لدى الجميع ان الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا كتب أعماله الشعرية بأسماء لم تكن مستعارة وإنما كانت بمثابة بدلاء ، اقصد ان كل اسم عند بيسوا من اسمائه ال 72 كان يشكل شخصية مستقلة - او لنقل شاعرا - عن الاخرى. انا لم انجح في ابداع شخصيات اخرى ، بل اعتقد أنني اخترعت انواعا ادبية أخرى ، بهذا المعنى اريد أن أقول أن الشاعر والمترجم والصحافي والناقد هي حيواتي المتعددة ، لكنها كتبت كلها باسم واحد هو أسمي ، كل هذه الامور تشكل في الواقع الكتابة التي أمارسها. وبما أنني لا أستطيع الكتابة كل دقيقة فانني أكتب المقالة ، وهكذا دواليك حتى اكتشفت أنني وزعت حياتي على حيوات عديدة.

* ألا تخشى ان يكون هذا التنوع على حساب المجال الذي عرفت به كمبدع؟

- على قلق كأن الريح تحتي ، لم اركن في يوم الى امرأة ، فكيف لي أن اركن الى كتابة واحدة؟ ربما يكون ما تطرحه صحيحا ، لكني احاول.. - او اموت فأعذر - .

* اشتغالك في عالم الترجمة ، وترجمتك لأشعار اكتافيوباث - وكنت قد التقيته مرات - ما الذي أفدته من ترجمتة وماذا اضاف الى منجزك الشعري؟

- أولا سأقول إني مترجم فاشل ، لأني لا استطيع ترجمة أي نص يُعرض عليّ اذا لم اجد أي تقاطع او تماس مع النص الذي أترجمه ولا أحاول نقله الى العربية. أترجم ما أحبه لأني حين ابدأ الترجمة أعتبر أن الذي بين يدي هو نصي أنا ، ولا استطيع أن أقدم نصي كيفما أتفق من ناحية أخرى ، ما ترجمته لغاية اليوم هو بعض كتب شعرية - أو غير شعرية - كانت تطرح عليّ العديد من الاسئلة التي اظنها اسئلتي الخاصة في الكتابة وغير الكتابة.

بالتأكيد لعبت الترجمة دورا ما في حياتي وثقافتي ، ولكن من حيث أنها تحمل افكار هذا الآخر الذي يشبهني.. بمعنى ثان كنت ابحث عن نقاط الالتقاء مع هذا الاخر. في المحصلة النهائية سأستعيد قولا قديما: لولا حركة النقل في العصر العباسي لما عرفنا هذه الحضارة الثقافية العربية الواسعة. أشرت الى اكتافيوباث ، ترجمتي له كانت ترجمة عادية إذ أني كنت أعرف الشخص جيدا حيث التقيت به في فرنسا ، كما كنت أعرف كتبه النظرية ، من هنا هذا الاعجاب بباث. حاولت أن أظهره عبر ترجمتي لمختارات لقصائده ، ولكن ليس الوحيد بالتأكيد إذ ترجمت لغيره ممن عنوا لي الكثير.

لقد ترك اكتافيوباث الكثير ولعل أبرز درس نتعلمه منه ان يكون المرء انسانويا الى هذه الدرجة.. كان جامع حضارات في شخصه وكان يبحث عن نقاط الالتقاء بين الجميع ولعل هذا ما نحتاجه اليوم في ظل مقولة صراع الحضارات.

* ثمة جدل عميق على صعيد القصيدة العربية الحديثة - وخاصة اللغة - كيف تتعامل مع لغتك الشعرية كي تخرج بنص مدهش ولافت؟

- برأيي المتواضع اللغة وسيلة وليست غاية ، أقصد بذلك أنك إن لم تحي في اللغة الشعرية والشعر ، لن تستطيع ان تقدم اي شيء حتى ولو لم يكن مدهشا ، المهم ان تكون على اقتناع بما تفعل ولكن معنى هذا ان لا تركن الى ما وصلت اليه ، بل ان تطرح دائما السؤال على نفسك من جديد: ماذا فعلت؟ لغاية الآن اشعر بأنه - قبض ريح - واتمنى ان يكون ما سأكتبه غدا افضل مما نشرته منذ عام.

* قصيدة النثر - بالرغم من حضورها اللافت في المحافل الشعرية العربية - إلا انها مازالت تواجه بالكثير من التنظيرات حولها ، كيف تنظر الى هذه القصيدة كناقد؟

- اولا لست ممن يعتقدون حقا ان قصيدة النثر هي التطور الطبيعي للقصيدة العمودية ، بل هي نوع أدبي قائم بذاته أعتقد أنه يحق له ان يكون موجودا ، من هنا اجد ان جميع التجارب لها الحق في الوجود وليس على أي تجربة ان تخفي الأخرى. الأهم بالنسبة لي قيمة النص ، سأذهب معك لأقول إن العديد من النصوص التي تدعي الحداثة ليس لها اي علاقة بالكتابة بحد ذاتها ، ولكن ايضا العديد من النصوص المنظومة لم تستطع ان تتخطى النظم الخالص ، إذن السؤال مطروح على الجبهتين. في اي حال اعتقد كما قلت ، ان علينا ان نتخطى هذا الجدل والنقاش العقيم ، إذ علينا ان نفكر في جودة النص قبل أي شيء آخر.

* اسكندر حبش كشاعر ما الذي يقلقك الآن؟

- هو قلقي كأنسان اولا ، إذ لا أشعر بأي امتياز وأنا احمل صفة شاعر ، في اي حال ربما أشعر بقلق من استمراري في الكتابة ، إذ أرغب فعلا بأن أترك كل شيء وراء ظهري وأسكن في جبل بعيد ، حاولت ذلك ولم افلح لغاية الآن ، اصبحت الكتابة بحد ذاتها قلقا ولم تعد ذلك التوازن الذي شعرت به حين بدأت هذه الرحلة.. لا أعرف الى متى ستستمر؟

الدستور
21 اغسطس 2009

أقرأ أيضاً: