«إن الشكل - بصفته المطلقة - صيغة جماليّة مبرّأة من العيوب، سواء أكان حرّاً أم خليليّاً. وإنما تأتي العيوب منّا نحن الشعراء»
نازك الملائكة، من مقدّمة «للصلاة والثورة»
بين تجارب الروّاد تبدو تجربة نازك الملائكة أشبه بـ«الورطة» النقدية، فمن جهة أولى ثمة خلاف لم ينتهِ حتى اليوم حول الأسبقية في كتابة قصيدة التفعيلة (الشعر الحرّ)، ومن جهة ثانية ثمة خلاف حول النظرة إلى ما سُمّي «ردّتها» عن الحداثة، ومن جهة ثالثة خلاف حول تقييم تجربتها الشعرية والمفاضلة بين هذه التجربة وبين تجربتها النقدية (الأساسية في التنظير لحركة الحداثة الفتيّة أنذاك)، وما استتبع ذلك من خلاف بين القيمة التاريخية والقيمة الفنّيّة لهذه التجربة، ناهيك بكون الملائكة المرأة الوحيدة البارزة في جيل الروّاد، والمثقفة الأبرز بينهم.
لكن قراءة منهجيّة لآثار نازك الملائكة وسيرتها، بما في ذلك رصد تقلّباتها النفسية أو «التطوّر النفسيّ» (المصطلح الذي استخدمته في تقديم الطبعة الثالثة من «قرارة الموجة»)، أو حتى «التاريخ النفسي» (المصطلح الذي استخدمته في تقديمها ديوان «مأساة الحياة وأغنية للإنسان»)، ستُلزم نقّادها بما هو أكثر من معيار النقد الأدبي. ومن ذلك استبدال تعبير «ردّة» بآخر: النكوص؟
فقد كانت نازك الملائكة المنظّر الأكبر لمسيرة التجديد النقدي بين أبناء جيلها، وتستحقّ مقدّمة ديوانها الثاني «شظايا ورماد» (1949) أكثر من وصفها بالبيان الأوّل، لجهة الوعي النقدي الذي تمتّعت به، والذي غالباً ما تفتقر إليه البيانات الأولى، والتي أكّدت أن صاحبتها تعي ما تصنع، وهذا أساسي في تاريخ البدايات الثورية الأدبية.
في تلك المقدّمة استخدمت الشاعرة تعبيراً سيوسولوجياً لإعلان ثورتها ضدّ المحافظين، قالت: «التقاليد الشعرية».
دعوة الملائكة، إذاً، إلى الخروج على هذه «التقاليد» التي «ابتكرها واحد قديم» تنطوي على ما هو أبعد من النقد الأدبي، ولنا في محاضراتها الأولى، وبعض قصائدها، ما يؤكّد زعمنا هذا. وإذا كان من غير الممكن فهم هذا النكوص في منظار نقديّ صارم، في معنى الاستغناء عن تحليل سيكولوجي يسند الخلاصات الأدبية، فإنه من غير الممكن أيضاً التغاضي عن رمزية الملائكة - كامرأة - في التصدّي لرمز الفحولة الكلاسيكية: عمود الشعر.
«اللغة إن لم تركض مع الحياة ماتت»، «إن شاعراً واحداً قد يصنع للّغة ما لا يصنعه ألف نحوي ولغوي مجتمعين»، «ما لطريقة الخليل؟ ألم تصدأ لطول ما لامستها الأقلام والشفاه منذ سنين وسنين؟»... لقد كانت تلك المقدّمة مقدّمةَ جيل لا كتاب. كانت مقدّمة الآتين بعدها لا مقدّمة ما ستكتبه هي (الشاعرة). في هذه المقدّمة التي وضعت فيها الشاعرة كلمة «الخروج»، مرّتين، بين مزدوجتين («لون بسيط من «الخروج» على القواعد المألوفة (...) هذا الأسلوب الجديد، ليس «خروجاً» على طريقة الخليل، وإنما هو تعديل لها»)، تحدّثت عن مجابهة ما تقوم بين اللغة والتعبير في الشعر الرمزي، معلّلةً بذلك هرب القارئ العربي من الرمزية، بدعوى أن اللغة العربية «لم تكتسب بعد قوّة الإيحاء لأن كتّابها وشعراءها لم يعتادوا استغلال القوى الكامنة وراء الألفاظ استغلالاً تامّاً، إلا حديثاً». هذه المجابهة البنيوية قادت إلى مجابهة أخرى، شكلية، حصلت في المقدّمة المذكورة بين الشاعرة والقافية. لم تدّخر الملائكة حجّةً في هجاء القافية الموحّدة؛ «ذلك الحجر الذي تلقمه الطريقة القديمة كلّ بيت»؛ التي «تضفي على القصيدة لوناً رتيباً»؛ التي «حذفت أحاسيس كثيرة، ووأدت معانيَ لا حصر لها في صدور شعراء أخلصوا لها»... لقد جزمت الشاعرة بأن وحدة القافية ضدّ وحدة الفكرة: «ولذلك، قلّما نجد في أدبنا القديم قصائد موحّدة الفكرة، يسيطر عليها جوّ تعبيريّ واحد منذ مطلعها إلى ختامها»، ومن بين «الخسائر الفادحة التي أنزلتها القافية الموحّدة بالشعر العربي» غياب الأعمال الملحمية لجهة أن شاعراً لا يستطيع مدّ ملحمة بقافية موحّدة. ولذلك كلّه راوغت الشاعرة قوافيها، في هذا الديوان، بطرق مختلفة: نظام الرباعية، نظام المقطوعة، تحرير القافية، تكرار القافية مع الأشطر العمودية... (ستعود الشاعرة في ما بعد لتنقض ذلك كلّه، ممتدحةً القافية الموحّدة، تائبةً عن مقولاتها في «طغيان هذه الآلهة المغرورة» التي عادت إلى «عبادتها»، وآسفةً لأنها لم تعنَ بها «عنايةً أكبر»! راجع ديوان نازك الملائكة، دار العودة، مج 2، طبعة 1997، ص 418 - 419).
خبب النثر!
في «شظايا ورماد» حاولت الملائكة التجديد والتغيير في كلّ شيء، شكليّ، لكنها تجاوزت ذلك إلى التغيير البنيوي في نسق الكتابة الشعرية العربية، خصوصاً من خلال قصيدتيها الاستثنائيتين «مرّ القطار» و«الخيط المشدود في شجرة السرو»؛ هذه الأخيرة التي دعا الدكتور إحسان عبّاس، في كتابه المعروف «اتجاهات الشعر المعاصر» (سلسلة «عالم المعرفة»، شباط 1978)، إلى اختيارها مفتتحاً لدراسة المعالم الأولى لتلك الاتجاهات، عوض الوقوف عند قصيدتها الأشهر «الكوليرا» التي يعرّفها بأنها مجرّد «خبب موسيقي لذلك الموكب المخيف الذي يمثّله الموت، ووصف خارجي للوصول إلى إثارة الرعب» (ص 35). بالطبع، وضْع إحسان عبّاس «الكوليرا» و«هل كان حبّاً»، قصيدة السيّاب الحرّة الأولى، في منطقة واحدة والدعوة إلى تجاوزهما، تاريخياً، فيه ظلم للـ«الكوليرا». ففي تلك القصيدة توافرت عناصر حداثية عدّة لم تتوافر بالفعل في قصيدة «هل كان حبّاً»، والتي يقول عنها عباس، محقّاً،: «لولا تفاوت ضئيل في بعض الأشطار دون بعض، لما ذُكرت هذه القصيدة أبداً في تاريخ الشعر الحديث» (ص 35).
في «الكوليرا» ثمة ملاحظة موسيقية فاتت جميع الذين تناولوها، فهذه القصيدة التي تبدأ بمطلع جبرانيّ شهير («سكن الليل»)، تقوم على تفعيلة بحر الخبب «فعلن»، وهو البحر السادس عشر الذي تمّ استدراكه، فسُمّي المتدارك، أو استحداثه، فسُمّي المحدث؛ في معنى أن البحر الذي استخدمته الشاعرة في قصيدتها الحرّة الأولى، هو البحر الأخير الذي استنبطه الأقدمون، والذي يُروى في كتب العروض أن الخليل أهمله عمداً، لأنه وجده أقرب إلى النثر! (لو قمنا بقراءة القرآن بمنظار عروضيّ لاكتشفنا وجود هذا البحر فيه من خلال قوله في «سورة النساء، 108»: «يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم»، مفنّدين بذلك اكتشاف الأخفش الأوسط له).
هذا البحر «النثريّ»، الذي من أسمائه أيضاً المتَّسق والمخترع والشقيق، استخدمته الشاعرة في لحظة نثرية بامتياز: المرض، بما يوحيه من خلل وطرد للرياضيات. رغبة الشاعرة في القبض على إيقاعين: إيقاع ركض الخيول (من أسماء بحر الخبب أيضاً «ركض الخيل»!) التي تجرّ العربات حاملة الموتى (العروض) وبين إيقاع ركض الوباء العشوائي (النثر)، أنتج تلك القصيدة (لاحظ علاقة التجديد الشعريّ بالمرض: تحدّث أنسي الحاج في «لن» عن السرطان).
بين المعرّي وشوبنهاور
الاختلاف الكبير بين منطقَيْ تجربتَي الملائكة والسيّاب جعل المقارنة بينهما تشبه، بنتائجها العمومية، المقارنة مثلاً بين قصيدتَي «المقبرة الغريقة» للملائكة و«المعبد الغريق» للسيّاب: الفرق بين المقبرة والمعبد. أو المقارنة بين التكرار التوكيدي لدى الملائكة («الموت الموت الموت»، «الفراغ الفراغ»، «السكوت السكوت»، «هذه هذه»، «الظلام الظلام»...) والتكرار المرسل لدى السيّاب («مطر مطر مطر»).
على العكس من نازك الملائكة التي «حافظت» على معجمها الشعري، وأبقت استعمال الرمز والأسطورة محدود الأفق (على سبيل المثال، هياواثا في قصيدة «لنكن أصدقاء»، أو استحضارها قصّة الطرد بشكل ساذج في «مأساة الحياة...»، أو اقتصار استخدامها الأسطورة على الموعظة كما فعلت مثلاً في المقطع المعنون «صلاة إلى بلاوتس (إله الذهب)»: «حدّثيهم عن ذلك الملك الغا/ بر(ميداس) كيف كان مصيرُه؟/ أين ساقته شهوة الذهب العمـ/ ـياء ماذا جنى عليه غرورُهْ»)، طوّر السيّاب معجمه، وحدّث في صيغته الشعرية واستخدام الرمز والأسطورة، ولم يُخضع تجربته لاستبداد الشكل النظري.
الرمزية «النموذجية» لتصدّي نازك الملائكة للتقليديين، في معنى استحقاقها مدلولاتها من خلال شبهها بتصدّي الرومنسيين (أصحاب الصوت الخافت) للكلاسيكيين (أصحاب الجزالة)، وأدتها الشاعرة حين مارست ذكورةً نقديّة (وشعرية من خلال التطبيق) نفعت الحركة الشعرية الفتيّة أنذاك من خلال ما أثارته من نقاش وسجال، لكن ظلمت تجربتها الشخصية. لقد نصّبت الملائكة نفسها (أُذُنها) مرجعاً لقياس الجديد، وتقدير جودته، بل وتحديد مدّة صلاحيته. منهجها الأيديولوجي في القياس انعكس سلباً، وبشكل جذري للأسف، على أعمالها اللاحقة. فبعد تجربتها الواعدة في «شظايا ورماد»، والتي نجد أصداءها لدى شعراء روّاد بارزين، والتي تدفعنا إلى تعديل المقولة الشائعة «السيّاب فتح باب الحداثة» لنضيف إليها: «نازك هي من دقّت له على الباب»... فقدت، أو أَفقدت نازك الملائكة قصائدها براءة تلك اللحظة الشعرية التي كتبت بها قصائد: «مرّ القطار»، «الأفعوان»، «مرثية يوم تافه»، «جامعة الظلال»، «نهاية السلّم»، «أنا»، «في جبال الشمال»، «تهم»، «الخيط المشدود في شجرة السرو» (هذه الأخيرة التي يمكننا أن نرصد تأثيراتها القوية - مثلاً - على قصيدة «طفل» لصلاح عبد الصبور، كما نرصد تأثيرات قصيدة «مرّ القطار» على قصائد أخرى لعبد الصبور وسواه). لقد أخضعت نازك الملائكة قصيدتها لسلطة النظرية بشكل وصم شكل قصيدتها بالتكلّف، ومضمونها بالخواء، وليست مجموعة «مأساة الحياة وأغنية للإنسان» سوى نموذج أوّل على ما نقول. فهذه القصيدة - المطولة التي كُتبت على البحر الخفيف، الأثير لدى الشاعرة حيث كتبت عليه جزءاً كبيراً من قصائدها، والذي تردّ سبب تمسّكها به إلى أنه «أكثر ملاءمة للمطوّلات، فهو يسمح بالعبارة الطويلة على صورة تريح الشاعر الحديث»، إضافة إلى وصفها له بالمرن لأنه «يجري بين يدي الشاعر كما يجري نهر عريض في أرض منبسطة»... نقول هذه المطوّلة التي أرادتها الشاعرة أن تكون غنائية، جاءت متكلّفة من صنع مثالية ساذجة في مرحلتها الطفولية، اختلط عليها عمق الفلسفة بسطح الموعظة. بالطبع، أهميّة مثل هذه المطوّلة هي أهمية توثيقيّة لا فنّيّة، لجهة أنها توثّق للحالة النفسية التي مرّت بها نازك الملائكة: «وجدتني أغيّر القصيدة القديمة تغييراً كاملاً دون أن أستبقي من المطوّلة الأولى لفظة واحدة. وهكذا ولدت الصورة الثالثة من القصيدة عام 1965 (...) والواقع أن آرائي المتشائمة كانت قد زالت جميعاً وحلّ محلّها الإيمان بالله»!
في سياق شرحها الظروف النفسية والفكرية التي أحاطت بها خلال نظم هذه اللزومية (العروضية) الشعرية، تكشف الشاعرة عن المصدر الرئيس، وهو المطولات الشعرية الإنكليزية، في إغفال واضح للمصادر العربية: داليّة أبي العلاء المعرّي، على سبيل المثال، التي تركت بصماتها الواضحة على هذه المطوّلة المتشائمة («وتمشّى الأحياء فوق بقايانا/ وداسوا عظامنا ودمانا»)، ناهيك بأنها تنسب تشاؤمها إلى تشاؤم شوبنهاور، وإلى مقولته الشهيرة: «حتّام نصبر على هذا الألم الذي لا ينتهي؟ متى نتدرّع بالشجاعة الكافية فنعترف بأن حبّ الحياة أكذوبة، وأن أعظم نعيم للناس جميعاً هو الموت؟».
في هذه «اللزومية» يأخذ التشاؤم، في أحيان كثيرة، صيغة عنفيّة تهويلية: «فاغنموا ليلكم وغنّوا فمن يدري؟/ لعلّ الصباح يقضي عليكم»! وأحياناً أخرى يصدر العنف عن مخيلة تبكيتية: «يتمنّى لو كانت الأرض لحماً/ ليصبّ المزيد من طعناتهْ».
في «مأساة الحياة...» حاولت الملائكة «ممارسة» هجاء الجنس والشهوة والجسد (ذُكر الجسد أوّل مرّة في هذه الصيغة: «فعزاءً أيها الجسد المصروع...»!)، ما اضطرّها إلى «اقتراف» سوداوية استثنائية لم يعرف مبالغاتها الشعر العربي، فيها نكد ثقيل الظلّ، وندب فقد حيويته السابقة ولامس، وفي كثير من الأحيان، حدود تصنّعٍ («ولا تُبقي البراكين (ما شأن البراكين هنا؟!) والرياح علينا») يمكن تسميته بـ«النفاق الرومنسي»، في ظلّ وجود يأس غريب الأطوار: «فايأسي يا فتاة»، «إقنعوا باكتآبكم»، «أنا اليأس»، «اقنعوا من حياتكم بهوى الفنّ/ وسحر الطبيعة...»... واللافت (المؤسف) أن هذه المجموعة ضاع فيها العديد من الشذرات والأبيات الجميلة (راجع منتخب «مأساة الحياة...»، والذي تقصّدنا فيه انتخاب الجميل فقط) وسط كمّ هائل من الأبيات المملّة والجوفاء والمكرّر قسم كبير منها بدعوى أن «يرى القارئ اتجاه التطوّر في شعري»، بل إن هذا التكرار العشوائي بلغ تخوم السهو (معظم الجزء الأخير المعنون بـ«أغنية للإنسان 2» مكرّر مع بعض التحريف) حيث أننا، على سبيل المثال، نقرأ: «وتلال الأنقاض تروي الأقاصيص...» (ديوان نازك الملائكة، دار العودة، 1997، مج 1، ص 283) مكرّراً بعد ثلاثة مقاطع فقط: «وتلول الأنقاض تروي الأقاصيص...» (ص 284) مع تغييرات بسيطة في بعض الألفاظ.
الموازنة الدائمة بين القصر والكوخ، أو الغني والراعي، واتخاذهما مقاييس أساسية لحساب منسوب السعادة الوجودية، يجعلاننا نتحدّث عن رومنسية «شيوعية» (طفولية)، أو «اشتراكية» شعرية لا تتوانى، حتى، عن هجاء «النعومة»: «فإذا لحنكَ الذي صنعتَه يأ/ ساً وحزناً للناعمين يُغنّى»! وعلى الدوام تلك الثنائية (الكوخ والقصر) حاضرة، وما يعنيه ذلك من مديح الأوّل وهجاء الثاني، بل إن القارئ لا بدّ من أن يفكّر بأن نازك الملائكة هي، ولا بدّ، أكثر شاعرة أتت على ذِكْر الأغنام والقطعان.
في مقدّمة ذلك الديوان، تعرض الشاعرة لنماذج من القصائد الثلاث، أو المراحل الثلاث التي مرّت بها هذه المطوّلة عبر عشرين عاماً، لكن من يقرأ هذه النماذج المكتوبة على التوالي أعوام 1945، 1950، 1965، سرعان ما سيدرك أن النسخة الأخيرة التي تقدّمها على أنها النموذج الأفضل والأكثر تطوّراً، هي الأسوأ والأقلّ شعريّة. وعلى هذا النحو يمكننا فهم (تفسير؟) التدهور الشعري الذي بلغته في دواوينها الأخيرة، حيث خضعت الشاعرة لسلطة النظرية بشكل أفقد شاعريتها نضارتها.
نقول ذلك تبريراً لاتخاذنا هذه المجموعة (المجاميع) مثالاً ممنهجاً على تدهور العافية الشعرية لدى شاعرتنا المخدوعة بوهم مرجعيتها التي لا تُراجَع، وأحكامها النهائية: «واليوم إذ أقدّم الصور الثلاث إلى المطبعة، أحسّ بأنني أقدّم عملاً أدبياً متكاملاً». وبعد: «وبعد، فلستُ أوّل من تعتريه هذه الحالات الشعرية في سنين مختلفة، فإن الشاعر الإنكليزي جون كيتس مثلاً قد نظم قصيدة عنوانها «هايبيريون» (...) وعندما انصرم الوقت شعر كيتس أن قصيدته لم تعد تمثّل أسلوبه، فعاد ونظم منها نسخة ثانية سمّاها «سقوط هايبيريون»...» (استمرّ هذا الوهم، وتفاقم، طوال مسيرتها الأدبية، وفي هذا السياق يمكننا قراءة ما كتبته مثلاً في تقديم ديوان «للصلاة والثورة» عن صمتها الشعريّ: «... سكت بول فاليري ثماني عشرة سنة كاملة ثمّ أفاق ونظم قصيدته العظيمة «المقبرة البحرية» وسكت وليم بتلر ييتس عشر سنين ثم نظم مجموعة شعرية مهمة. وسكت شكسبير ست سنين كاملة. فلمَ لا يكون سكوتي من جنس سكوتهم؟ (...) منذ ذلك التاريخ أتدفّق شعراً خصباً لا انقطاع له»).
«مأساة الحياة...» التي تذهب نازك الملائكة إلى أنها «أجمل» شعرها في المرحلة الأولى، مرحلة «عاشقة الليل»، وأن نسخة 1950 «أجمل» شعرها في مرحلتها الثانية، ارتكز نكوصها على ملامح، أكثر منها قواعد. فثمة هجاء للـ«بشري» و«الآدمي» من خلال استخدام غير مبرّر لهاتين اللفظتين في مواقع الذمّ: «اهربوا لا تدنّسوا عالم الفنّ/ بهذه العواطف الآدمية»... إلخ، بعدما كانت قد افتتحت ديوانها الأول «عاشقة الليل» بما هو عكس ذلك تماماً: الاحتفاء بتلك «العواطف الآدمية»: «وأغضبُ حين يُداس الشعور/ ويُسخَر من فوران اللهيب».
هذا الهجاء لكلّ ما هو آدميّ، وبالتالي هجاء الجنس والشهوة الجنسية التي «تدنّس الروح وتحدّ آفاق الفكر»!، رافقته نبرة دينية أكثرت، أو واظبت، على تكرار مفردات «الإثم» و«الذنب» ومشتقاتهما، رغم وجود (وهذا يصلح أن يكون موضع استغراب) كمّ هائل مما يمكن أن يكون تجديفاً، حيث تكرّرت مفردة «القَدَر» مراراً متبوعة بأوصاف سلبية من مثل: الأعمى، الساخر، القاسي، الظالم، الخادع، العاتي، الجاني، الغاشم... مع ذلك، يمكن تفسير هذا «الاحتجاج» ذي الشكل التجديفيّ بتكرار آخر: الحيرة. فقد وردت هذه المفردة، ومشتقّاتها، عشرات المرّات في هذه المجموعة، وهو ما يدفعنا إلى استعمال تعبير «احتجاج» لا «تجديف»، وما يسعفنا، أيضاً، في تفسير حالة التعصّب التي عاشتها شاعرتنا في سنواتها الأخيرة (من ذلك أنها تحجّبت!، بعدما كانت تستخدم معاني الحجاب في مواقع الهجاء والذمّ: قصيدة «الأرض المحجّبة» من ديوان «قرارة الموجة»، على سبيل المثال، أو حتى قصيدة «اختلاجات نحو القمّة البيضاء» من ديوان «للصلاة والثورة»).
هاجس الموت الذي هو منبع هذا الاحتجاج، والذي حملته الشاعرة، كما تقول، من «أقصى أقاصي صباي إلى سنّ متأخرة»، بقي تيمتها الأبرز في معظم أعمالها، حتى أنها أفردت له فصلاً من فصول كتابها النقدي الشهير «قضايا الشعر المعاصر»، تحت عنوان «الشعر والموت»، وفيه تأخذ، كنماذج، أربعة شعراء هم: أبو القاسم الشابّي، جون كيتس، محمد الهمشري، روبرت بروك.
في «عاشقة الليل» (1947) كانت رومنسية الملائكة نضرة، والجمل متروكة إلى مصيرها الشعري. فتوّة تَعِدُ بالكثير، وعفوية لصيقة بالمرحلة. حتى سوداويتها، نجدها فتيّة وغضّة في هذه المجموعة (وبعدها في «شظايا ورماد» التي ردّت فيها على قضية السوداوية بقصيدة «تهم»؛ القصيدة التي ثبّتت مطلعها مفتتحاً لـ«عاشقة الليل»).
في هذه المجموعة التي سمّت الشاعرة نفسها فيها بأسماء عديدة: «عاشقة الليل»، «شاعرة الحيرة»، «شاعرة الصمت»، «شاعرة الظلمة»... (اجتهدت الملائكة في تلقيب نفسها أيضاً في ديوان «مأساة الحياة...»: «يا فتاة الخيال»، «يا شاعرة الحزن»...)، نلحظ البصمات الواضحة للرومنسية الإنكليزية (على سبيل المثال، التأثير الكبير لقصيدة توماس غري «مرثية في مقبرة ريفية» والتي قامت بترجمتها وتثبيتها ضمن قصائد المجموعة)، مع تأثيرات تراثية يمكن معاينتها بجلاء، قولها مثلاً في قصيدة «ذات مساء»: «لم يعد في جسميَ الذاوي وروحي/ موضع يحتمل الجرح الجديدا»، الذي لا بدّ من أن يحيلنا على قول المتنبّي الشهير: «جرحتِ مجرّحاً لم يبقَ فيه/ مكان للسيوف ولا السهامِ». أيضاً، تأثيرات «الطلاسم»، قصيدة إيليا أبي ماضي الشهيرة (أنظر تأثيراتها الأكثر جلاء، في ما بعد، على قصيدتها المعنونة «ذكريات» في ديوان «شظايا ورماد»)، و«المواكب» لجبران خليل جبران، ومجمل أعمال علي محمود طه؛ هؤلاء الأسماء الثلاثة الذين أتت الشاعرة على ذكرهم، سويّةً، في الفصل المعنون «دلالة التكرار في الشعر» من كتاب «قضايا الشعر المعاصر»، رغم أن علي محمود طه (ألّفت عنه كتاباً نقدياً بعنوان «الصومعة والشرفة الحمراء») يبقى صاحب التأثير الأكبر على شعرها، إلى درجة أنها، وهي «المتزمّتة»، دافعت عن عدم امتلاك هذا الشاعر ثقافة عميقة في اللغة والنحو والعروض، مقرّرةً «أنه يمتلك ذوقاً فنّيّاً مرهفاً في اللغة لدرجة أنه يستطيع أن يضع الكلمة الشعرية في مكانها الذي خُلق لها، فيبهر الباحث الذي يدرس شعره بدقّته ورهافة حسّه اللغوي» («صفحات من حياة نازك الملائكة» لحياة شرارة، دار «رياض الريّس»، الطبعة الأولى، 1994، ص 220). وفي إحدى رسائلها الخاصة التي قامت الباحثة حياة شرارة بتحقيقها، تُرجع الملائكة سبب كون «شاعريته أغزر مما وصل إليه إنتاجُه» بالآتي: «انجرافه مع الإباحيين الذين حوّلوه إلى السطحية والميوعة العاطفية»!، شارحةً معنى الروحانية بأنها «صلة روحيّة بالله تعالى تزيد عن مجرّد العبادة وإنما تتمثّل في موقف خاشع من الحياة نفسها لأنها هبة من الله العليّ القدير للبشر»! (المصدر السابق، ص 221).
في «قرارة الموجة» (1957) تسلّلت الأيديولوجيا، وعلى مستويات عدّة، أحدها القصيدة السياسية، حيث أننا سنقرأ، ولأوّل مرّة، بعضاً من القصائد التقريرية الموسومة بالطابع السياسي المباشر. أيضاً، سنسجّل في هذا الديوان دخول القضايا الاجتماعية من خلال قصيدة «غسلاً للعار» التي تسخر فيها، وتحتجّ على ما يسمّى جرائم شرف، وعلى جنس الرجال عموماً: «يا جارات الحارة، يا فتيات القريهْ/ ألخبز سنعجنه بدموع مآقينا/ سنقصّ جدائلنا وسنسلخ أيدينا/ لتظلّ ثيابهمُ بيضَ اللون نقيّهْ/ لا بسمةَ، لا فرحةَ، لا لفتةَ فالمُديهْ/ ترقبنا في قبضة والدنا وأخينا/ وغداً من يدري أيُّ قفارْ/ ستوارينا غسلاً للعارْ» (ديوان نازك الملائكة، دار العودة، 1997، مج 2، ص 353).
في مقدّمة «قرارة الموجة» التي تضمّنت محاولات شرح لا داعي لها لجهة تبسيطها ما هو بسيط، وتفسيرها ما هو مفسَّر، بثّت الشاعرة جملة قبضت فيها على ملمح من ملامح شخصيّتها (الشعرية): «هكذا تحاولين أن تهربي من التحديق في الأشياء». بالفعل، واظبت نازك الملائكة على تجنّب التحديق في الأشياء، ولذلك، ومع هذا المجموعة، بدأت المحاولة، لكن بطريقة «رجعيّة».
وهم «المركزية»
نكوص الملائكة بدأ يتبلور في ديوان «شجرة القمر» (1968)، فقد نقضت في مقدّمته كلّ ما كانت بشّرت به، فلنقرأ: «وإني لعلى يقين من أن تيار الشعر الحرّ سيتوقّف في يوم غير بعيد وسيرجع الشعراء إلى الأوزان الشطرية بعد أن خاضوا في الخروج عليها والاستهانة بها»، إضافةً إلى ما سبق قوله عن أسفها لعدم الاعتناء بالقافية الموحّدة.
في تلك المقدّمة نقرأ فقرات عجيبة، ملؤها التزمّت، كمحاولة الشاعرة تبرير (!) نشرها بعض القصائد العمودية دون مراعاة للوقفة العروضية، بل مراعاة المعنى وحده (يحصل ذلك في التدوير)، شارحةً السبب بأنه اضطراريّ يكمن في طباعة دواوينها في حجم صغير: «وعند ذاك، في سنة 1957، لم يكن يدور في خلدي أن أناساً من الشعراء سيتخذون عملي الاضطراري سنّةً يحتذونها في منشوراتهم الشعرية ودواوينهم. ولكم جزعتُ عندما صرتُ أرى في المجلاّت قصائد موزونة على الشكل العربي وزناً تامّاً ولكنها تُكتب كتابةً فوضويةً وكأنها نثر لا شعر»! متابعةً: «فإن هذا العمل لا يزيد القارئ العربي إلا بلبلة وجهلاً في وقت نحبّ فيه أن نُنشئ ثقافة شعرية رصينة نضيء بها طريق الأمّة العربية».
وهم «المركزية»، شيئاً فشيئاً، بات يتضخّم لدى الشاعرة التي راحت تفقد إحساسها الحيويّ بالزمن، وديوان «شجرة القمر» كان تأكيداً على أن نكوص الشاعرة دخلَ في مرحلة العناد. لقد اختفت تقريباً تلك اللمحات الفتيّة، وفقدت الجملة قدرتها التعبيرية وشطحاتها البنائية. حتى أنها في ترجمتها الشاعر الإنكليزي روبرت بروك قامت بتعريب الأسماء الواردة في قصيدتيه المترجمتَيْن لنقرأ: بثينة، جميل، ليلى... (قارن هذه الترجمات مع ترجماتها في «عاشقة الليل»)!
في هذه المجموعة سنقرأ قصائد سياسية، بالجملة («تحيّة للجمهورية العراقية»، «ثلاث أغنيات عربية»، «حدود الرجاء»، «الوحدة العربية»، «ثلاث أغنيات شيوعية»)، سطّحتها المباشَرة، وأفسدتها التقريرية، بشكل يخوّلنا الترحّم على رومنسيتها «الساذجة» إزاء تعصّبها «المفكِّر». كما أننا سنقرأ قصيدة وقوف على الأطلال، تؤكّد حالة النكوص التي تحدّثنا عنها: «من الجزْع من قلب سِقْط اللوى/ ووادي الغمار وبُرْقةِ ثَهْمَدْ» (قصيدة «أغنية الأطلال العربية»).
براءة الشكل
مع «للصلاة والثورة» (1978)، ومن ثمّ «يغيّر ألوانَه البحرُ» (1974)، دخلت نازك الملائكة موتها السريريّ (الشعريّ) بأوهام «ريادية» أفقدتها الشعور النقدي بالزمن والحداثة التي لم يبقَ منها سوى شكل الشكل. لكنها في مقدّمة «للصلاة والثورة» «أفلتت» جملةً، يا ليتها اقتنعتْ - ونقتنع - بختاميّتها، وصلاحيتها لإنهاء (تتويج) حقبة طويلة من الصراع الشعري العربي حول قضية الشكل، قالت فيها: «إن الشكل - بصفته المطلقة - صيغة جماليّة مبرّأة من العيوب، سواء أكان حرّاً أم خليليّاً. وإنما تأتي العيوب منّا نحن الشعراء» (قمنا بتثبيتها استهلالاً لهذه الدراسة).
الشكل بريء. أفضل جملة يمكن لرائد قولها. لكن نازك الملائكة قالت هذه الجملة في كتاب مرعب بأيديولوجيته (هذه المفارقات عموماً عنصر من العناصر الراسمة شخصية الملائكة)، حيث نقع فيه على تعصّب دينيّ (إسلاميّ) كرّرت بسببه مفردة «اليهود» مرّات كثيرة في صيغ عنصريّة (تكفيرية؟)، مع تحشيد معجميّ دينيّ: القرآن، المسجد...، ناهيك بألفاظ مثل: الخنازير، العدوّ... حتى أنها تُنهي قصيدة كتبتها خصيصاً للأطفال تحمل عنوان «تحية للطفلة (دالية)» (اخترعت لها بحراً جديداً سمّته «الموفور» في وقت كانت الحداثة الشعرية فيه قد قطعت شوطها نحو خلع الأوزان) ببيت يقول: «وتُرجع القدس للنازحين...»!
التجديد مع ياء المتكلّم
في «السيرة» النقدية لنازك الملائكة ثمة علامة، تنفرد عن جميع العلامات الأخرى، بسبب من راهنيتها، أو تماسها الراهن مع «شكل» «مصيريّ» من أشكال الشعر الحديث، ألا وهو قصيدة النثر. فقد أفردت الشاعرة فصلاً من خمس عشرة صفحة في كتاب «قضايا الشعر المعاصر» لمناقشة ما سمّته «بدعة غريبة» شاعت في لبنان، متخذةً - باستهزاء وخفّة مردّهما العجب - مجموعةً لـ«أديب لبناني ناشئ»، سيصبح هو (محمد الماغوط) ومجموعته هذه («حزن في ضوء القمر») من العلامات البارزة في خارطة الشعر العربي الحديث.
استعلاء الملائكة في أحكامها على مجموعة الماغوط منعها حتى من استعمال كلمة «نصّ» أو «نصوص» للتعامل مع قصائدها، متعمّدةً استعمال تعبير «خاطرة» أو «خواطر». ومن بين أحكام القيمة التي تحبّ الملائكة إطلاقها من منصّة أخلاقية، أن قصيدة النثر «كذبة»، بل و«خيانة للّغة العربية وللعرب أنفسهم» («قضايا الشعر المعاصر»، الطبعة الثامنة، 1989، ص 222). بعد ذلك لا بدّ من أن تقودها مثل هذه الأحكام العصبيّة إلى تقرير أن «الناظم الذي يحسن النظم أجدر بإعجابنا، لو أنصفنا، من شاعر لا يحسن النظم»! بالطبع، لم تنصِف نازك الملائكة. وبالطبع، ناقضت نفسها وأحكامها السابقة (بخصوص المفاضلة بين ناظم متقن وشاعر أخرق)، كما فعلت ذلك دوماً. ولو قلّبنا كتابها هذا («قضايا...») قبل صفحات قليلة من الفصل المذكور الخاصّ بقصيدة النثر، لقرأنا كلاماً في الفصل المعنون «البند ومكانه من العروض العربيّ» («وأكاد أكون على يقين من أن الشاعر الذي بدأ البند لم يكن يصل إلى القوافي الممهّدة بحسب نموذج عروضيّ واعٍ وضعه لنفسه. وإنما كان يكتب باندفاع سليقيّ متحمّس فذلك هو السبيل الحقّ في كلّ اكتشاف شعريّ أصيل»، ص 203) نجد نقيضه في مقدّمة الطبعة الرابعة للكتاب نفسه، حين تجعل الوعي (وعي الشاعر بما استحدثه في القصيدة) شرطاً لاعتبار قصيدته بدايةً للتجديد (ص 16).
والحقّ أن مسألة تقلّباتها وتناقضاتها كانت تقضّ مضجعها، ولذلك ربما كتبت في مقدّمة الطبعة الرابعة من «قضايا...» ما يأتي: «وأرجو حقّاً ألا يظنّ القارئ المتعجّل أن الحواشي التي أضفتها الآن إلى القانون تدلّ على أنني «أتراجع» وأنكص (لاحظ استعمالها تعبير «نكوص» هنا!) عن قبول ذلك القانون لأنه كان مغلوطاً فيه فإن هذا الحكم ليس صحيحاً ولا وارداً» (ص 28)، بعدما كانت قد سمّت هذا التقلّب الدائم بـ«لفتة مزاجية» و«لفتة مزاجية عارضة» في مقدّمة ديوان «للصلاة والثورة».
إن مشكلة تراجع نازك الملائكة (عن آرائها) تكمن في أنه تراجع قطعيّ، ينسف ما سبق، وما سيلي، لذلك كانت أصداؤه حاسمة. واعتقادي أن مردّ ذلك يكمن في تعامل الشاعرة مع نفسها كمَثَل أعلى، وتصوّرها أن الشعراء يدورون في فلكها، أو فلك دعوتها (لاحظ استعمالها الدائم تعبير «دعوتي»، مع إرفاقه بصفة مثل «المعروفة»)، وهذا هو التفسير الأوجه للشبهة الأخلاقية التي وصمت مواقفها النقدية. وهذا بالطبع يقود إلى مشكلة (أخرى) تكمن في أنها تعاملت مع التجديد كقضية شخصية لا بدّ لها من ياء متكلّم. وهذا، أيضاً، ما سيُفقد كتابها هذا الكثير من مزاياه وخصائصه التجديدية بالنسبة إلينا، نحن أبناء الجيل الجديد، الذين لم نقرأ من سيرتها سوى حديث «الردّة».
على الدوام قُرئت تجربة هذه المرأة، التي جعلت الخليل مستشاراً عندها، من أسباب ريادتها، لا من نتائجها. قُرئت زمنياً لا معرفياً. قُرئت، في سباق الريادة، كعدّاءة، لا كمؤسِّسة.
ماهر شرف الدين