إيناس العبّاسي

(شاعرة تونسية مواليد 1982 في تونس، لها: «أسرار الريح» 2004 العالمية للطباعة، «أرشيف الأعمى» 2007 دار شرقيات - القاهرة)

أتذكّر جيّداً اليوم الذي اكتشفت فيه كلماتها لأول مرّة، حين قادتني خطواتي إلى مكتبة صغيرة في الجانب الآخر من المدينة. مكتبة مدفونة بين مقهى وبار شعبي، لم أنتبه حتى إلى وجودها سابقاً. كنت أبحث عن ديوان للسيّاب حين نظر إليّ الرجل العجوز صاحب المكتبة من تحت نظاراته الطبية وقال: «ابحثي في الكتب الموجودة على الرفّ الأخير». مجموعة من دواوين نازك الملائكة تنام جنباً إلى جنب مع دواوين صلاح عبد الصبور، وديوانين من منشورات «دار شعر»، وكتب أخرى لم أعد أذكرها الآن. رنّ اسمها بموسيقى غامضة وأنا أسأله: من هي نازك الملائكة؟ هل هي عربية؟ ابتسامته الصامتة وعناوين مجاميعها ومشاعري المتناقضة أوقعوني في مكيدة الفضول. أخذتُ: «عاشقة الليل» و«شظايا ورماد» و«شجرة القمر» لأرتوي في تلك الليلة من نبع الشعر الصافي والحلو: «فيم نخشى الكلمات؟/ في غد نبني لنا عشّ رؤى من كلمات/ وسنبني شرفة للعطر والورد الخجول/ ولها أعمدة من كلمات/ و ممرّاً بارداً يسبح في ظلّ ظليل/ حرسته الكلمات».

كانت عذوبة كلماتها وتدفّقها الرقراق مدهشين. كانت أوّل شاعرة عربية معاصرة أقرأ لها بالعربية، وثاني شاعرة أكتشفها بعد أندريه شديد باللغة الفرنسية.
موسيقى كلمات نازك الملائكة مؤثرة وقادرة على أخذنا إلى غياهب الوجدان الأعمق؛ إلى أقصى أحلام الشاعرة وأكثر أفكارها حميمية.
بفتنة التشكيليين تحكي نازك الملائكة حكاياتها ومشاعرها في قلب القصائد. كان هذا اكتشافاً عظيماً بالنسبة إليّ مقارنة بما كنّا ندرسه في حصص الأدب العربي بالمعهد. فجأة: أهرب من الوقوف على الأطلال ومن رثائيات الخنساء لأنفتح على سموات أخرى أبعد وأعلى... لم يعد العراق هو السيّاب فقط؛ دخلت نازك عالمي.