من مجموعة
"دار الجديد" 1992
ولادة
- 1 -
سَقَطَ عَلَى الحَافَّةِ زَيْتٌ قَلِيلٌ
وَلَمْ أَكُنْ وُلِدْتُ
كَانَ الْحَجَرُ الكَبِيرُ يَنْعَسُ فِي الجِدَارِ
ضَوءٌ بَارِدٌ، بالكَادِ، مَرَّ عَلَيَّ
وَاخْتَفَى في لَمَعَانِ الآنِيَةِ
الَّتِي كانتْ تَصْفَرٌّ
مِنَ السَّهْوِ
وَمِنَ الأَلَمِ الَّذِي فَرَّ مِنْهَا
- 2 -
أَلمَرْأَةُ وَيَدَاهَا فِي الْعَجَلَةِ
لِحى أَجْدادٍ كَثِيفَةٌ وأُخرى زَائِفَةٌ
عَصَافِيرُ ضَارَّةٌ وَمُلَوَّنَةٌ بِلا حِسَابٍ
تَتَسَلَّقُ إِلَيْها
كَانَ لَهَا خَصْرُ أُخْتٍ صَغِيرَةٍ
تَخْرُجُ مِنْ وَسْطِ الْعَوْسَجَةِ
كَانَ لَهَا جِذْعُ خَالَةٍ تَحْصُرُ المَدِينَةَ فِي غِربال
وَتَحْلُمُ بِفَأْرَةٍ فِي بَطْنِها
مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَنَاكَ
سِوى لَوْحَةٍ مَصْبُوبَةٍ
لِتَهْرِيبِها عَبْرَ الحُدُود
عِنْدَمَا اسْتَطَاعَ أَصْغَرُ الأَطْيَافِ
أَنْ يَقِفَ فِي الأسْتُديو المُعْتِمِ طَويلاً
وَيَتَأَمَّل
إِلَى أَنْ تَحَوَّلَ إِلَى دُودَةٍ
دَخَلَتْ ظِلالٌ كَامِلَةٌ لِشُيُوخٍ وَحَيَوَانَات
فِي إِثْرِهِ
وَهَوَى سَوَادُ الْقَنْطَرَةِ
وَجَفَّلَ الجَالِسِينَ هُنَاكْ
مَعَ الخَيَالاتِ الزُّجَاجِيَّةِ لِكُؤُوسِهِم
وَالدُّخْنَةِ الحَيَّةِ
الَّتِي تَتَصَاعَدُ مِنْهَا
- 3 -
حَضَرُوا مِنْ حِجَارَةِ البَيْتِ
الَّتِي الْتُقِطَتْ مِنْ قِلاعٍ وَإِسْطِبْلاتٍ مَهْجُورَة
لَقَدْ اسْتَمَرَّتْ هُنَا تَخْدُمُ الشُّرُفَاتِ وَالْحَدَائِقَ
الَّتِي نَزَحَتْ عَنْهَا
وَحِينَ نُسِيَتْ أَخيرَاً
لَمْ تَعُدْ تَعْرِفُ أُولاءِ الَّذِينَ يَتَجَوَّلُونَ عَلَيْهَا
كُلَّمَا سَقَطَ عَمُوْدُ الشَّمْس
رُبَّمَا لَمْ يَكُنِ الْقِنْدِيلُ سِوى دَعْوَةٍ
لِخُرُوجِ الأَطْيَافِ الَّتِي تَكَاثَرَتْ
مِنْ حَمَاقَتِهَا
وَالَّتِي تَتَزَاوَرُ طَوَالَ الْيَوْم
رُبَّمَا كَانَ القِنْدِيلُ مَحَطَّةَ السَّهْوِ
تَتَقَاطَعُ الطُّرُقَاتُ فِي الضَّبَابِ
كَذَلِكَ اجْتِمَاعُ النِّيَامِ
أَلْخَرَفُ يُحَرِّرُ المُقَاطَعَاتِ
أَلأَعْمَالُ الهَالِكَةُ تَحْيَا مِنَ الآنَ بِالنُّورِ
بَيْنَمَا الرِّيحُ تَنْقُلُ المُرَبَّعَاتِ والفَهَارِس
- 4 -
كَانَتِ المَرْأَةُ تَجْتَازُ الآنَ عُلَّيْقَةً
وَتُشِيرُ بِعَجَلَتِها
لأُخْتِ الصَّغِيرَةِ
بِأَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا
إِنَّهُ شَعْرُ الأَحْشَاءِ
وَالضَّوْءُ الَّذِي يَنْظُرُ مِنْ فُتْحَةِ القِفْلِ
سَيَحْفُرُ شَكْلَهُ هُنَاكَ
بَعْدَ ذَلِكَ
حَبَّةُ الرَّمْلِ وَالحَيَوان
- 5 -
أَلفَانُوسُ يُبَرْقِعُ الحُجْرَةَ
الَّتِي تَتَقَوَّسُ الآنَ كَنُوْرٍ مُضَلَّع
إِنَّهُ يَنْفُخُ فِيها نَفْطَهُ الوَسِخَ
وَبُخَارَهُ
كَأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ
قَفَا الغُرْفَةِ
وَبِطَانَةُ أَشيائِهَا
يَظْهَرُ قَليلاً شَعْرُ الجِدَارِ
أَلرِّجَالُ يَنْظُرُونَ بِعُيُونِ مَاشِيَتِهِم
وَدَمَامِلِهَا
وَرَائِحَةُ الجُلُودِ تُوْشِكُ أَنْ تَهُبَّ مِنْهَا
جَالِسِينَ هُنَاكَ بِلِحَاهُمْ
وَسِحَنِهِم الَّتِي لَحَسَتْهَا الأَشْبَاح
أَلنِّسَاءُ مَصْرُورَاتٌ فِي كَوْمَةٍ
يَنْفَصِلُ عَنْهَا كُلَّ لَحْظَةٍ خَيَالٌ نَحِيلٌ
لِيُحَرِّكَ الإِبْرِيق
- 6 -
أَلمِدْخَنَةُ كَانَتْ عُشَّاً/كَذَلِكَ
الطَّرَارِيحُ وَجُلُودُ الخِرْفَانِ
أَلأَشْيَاءُ مَكْرُورَةٌ/وَهَا هِيَ تَنَامُ فِي خِيطَانِهَا
أَلَّذِي يُنَقِّلُ الفَانُوسَ/أَدَارَ الغُرْفَةَ إِلَى
نَاحيَةٍ أُخْرى
تَارِكاً القَشَّ وَلُعَابَ الحَشَرَاتِ وَالخِيطَانَ
تَخْتَلِطُ
تَارِكَاً عَلَى الحَائِطِ المُظْلِمِ/أَشْخَاصاً
وَحَيَوَانَاتٍ
مِنْ شَعْرِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا
- 7 -
كَانَتِ المَرْأَةُ تَشْعُرُ بِهِم يَهْبِطُونَ مِنْ رَأسِهَا/وَيَخْتَفُونَ فَوْراً
هِي نَفْسُهَا لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ/أَيْنَ نِهَايَةُ نَفَقِهَا
كَانَ طَرَفُهَا بِالتَّأْكِيدِ/فِي الدَّوَّامَةِ
وَكَانُوا مِنْ هُنَاكَ يَدْخُلُونَ/بِدُوْنَ أَنْ تَشْعُرَ بِهِم
وَبِدُونَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ/أَيْضاً
فِي العُلَّيْقَه
كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّ المَطَرَ خُيُوطٌ فِي دَاخِلِها
الَّذِي يَتَقَلَّبُ
خَيْطاً خَيْطاً
فِيمَا شَعْرُ الفَجْرِ بِوَفْرَةٍ
وَشَعْرُ الْلُّجَّةِ
كَانَ جَسَدُهَا يَتَقَلَّبُ أَيْضاً
وَرُبَّما يَنْسُلُ
ذَلِكَ يَحْدُثُ كَمَا تُحِسّ. تَحْتَ عِيْنِهَا مُبَاشَرَةً
ضَوْءُ السِّراجِ الضَّعِيفُ يُساعِدُهَا
أَنْ تَعْبُرَ بِصَمْت
- 8 -
كَانَتْ تَنْتَظِرُ أَنْ يَصْعَدَ المُتَهكِّمُونَ
وَيَتْرُكُونَ عَلَى البَابِ
اللَّقِيطَ الَّذِي يَرْتَجِفُ مِنْ تَهْرِيجِهِمْ
كَانَ الفَانُوسُ الآنَ فِي وَسْطِهَا
وَهِيَ تَشْعُرُ بِالبُيُوضِ
تَتَقَلَّبُ
فِي أَعْشَاشِ السَّقْف
جَاؤوا بِكَثْرَةٍ
جَرَوا حَتَّى فِي نَفَسِهَا
جِنِّيُّ البِئْرِ
خَادِمُ الْمِصْبَاحِ وَخَادِمُ الْقَنْطَرَةِ
عَفَارِيتُ الْمَعْجَنِ وَالتَّتْخِيتَةِ
إِخْتَفَوا فِي العَوسَجَةِ
مَرِحِينَ فِي القِطَارَاتِ
الَّتِي تَتَنَقَّلُ عَلَى اللَّمْعَةِ المُتَقَطِّعَةِ
أَوْ عَلَى الْلُّعَاب
كَانُوا هُنَاكَ فِي مَكَانِ الطَّعْنَةِ
يُطَرْطِشُونَ ضِحْكَهُمْ
أَلبَلُّوطُ الَّذِي أَمْطَرَ
وَالنَّوَى الَّذِي ظَلَّ يَنْفَلِشُ
الأَطْيَافُ الَّتِي تَعَشَّقَتِ التَّبْغَ وَالنُّشُوقَ
وَالَّتِي تَعْتَرِضُ الهَوَاءَ
كَمَا تَعْتَرِضُ لَكْنَةٌ الحَدِيثَ
تَأتِي سَابِحَةً تَحْتَ نَفَثَاتِ الدُّخَانِ
وَسَتَطْرَحُ هُنَاكَ أَزيَاءَهَا الغَرِيبَةَ
وَطُيُورَهَا
- 9 -
جَاؤوا بِكَثْرَةٍ
ظِلالٌ مُصَبَّرَة
لِهَؤلاءِ الَّذِينَ اسْتَرْسَلُوا فِي حَمَاقَتِهِمْ
أَلْلِّحَى الَّتِي تَسْتَرسِلُ مِنْ خَرَفِهِمْ
مَتْروكَةٌ هُنَاك
عَلَى أَدَوَاتِ القَتْلِ وَالقَنَاطِرِ المُدَمَّرَةِ
وَالإِعْدَامَاتِ الكَثِيرَةِ
الَّتِي مَسَحَتْ خُطُواتِهِم
لاَ تَزَالُ تَحْمِيهِم مِنَ العَوْدَةِ
ظِلالٌ تَتْعَبُ مِنَ الخُرُوجِ
عَيْنا دُودَةٍ حَاكِمَةٍ
وَنُعَاسُ الرَّهْبَةِ الَّذِي يُدَبِّرُهُ
سُمٌّ لاَ ظِلالَ لَه
جَاؤوا بِكَثْرَةٍ
وَهَدَّدونَا
بِطِفْلٍ أَحْمَق
- 10 -
فِي الخَارِجِ
كَانَ البَرْقُ الصَّامِتُ يُشَقِّقُهَا عَلَى الهَضْبَةِ
وَفَوَانِيسُ المُزَارِعِينَ
رُبَّمَا فِي سُخُونَةِ الحِسَاءِ
تنْقَشِعُ كُلُّ هَذِهِ الطُّرُقِ
وَالهَزَّةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي حَدَثَتْ
- مِنْ بُرْهَةٍ -
لَمْ تَشْعُرْ بِهَا فِي الجَسَدِ
أَوْ المَوْقِد
كَانَ خَرَفُ الإِحْتِفَالِ
لاَ يَزَالُ فِي جَسَدِهَا
الَّذِي تَركَتْ فِيهِ الذِّئَابُ شَيْئاً حِينَمَا اقْتَرَبَتْ
رُبَّمَا هِيَ أَسْنَانُ الشَّبَحِ
أَوْ خِيطَانُ المُهَرِّجِ
رُبَّمَا شَتِيمَةُ الجَدِّ
أَوْ فَأْرَةُ العَمَّةِ
لاَ تَزَالُ فِي بَطْنِهَا
رُبَّما الزِّلْزَالُ الَّذِي لَمْ تَشْعُرْ بِهِ
رَدَمَ جَانِباً مِنَ الغُرْفَةِ
فِي دَاخِلِهَا
وَلَمْ يَكُنْ الجَبَلُ هُوَ الَّذِي يَلِدُ
قَدْ يَكُونُ السَّحَرَةُ صَنَعُوا ذَلِكَ
أَوْ بَاعَةُ السُّمُوم
حِينَما جَاءَهَا المَخَاضُ فِي أَكْثَرَ مِنْ جِهَةٍ لاَ حَصْرَ لِلأَحْجَارِ الَّتِي تَلَطَّخَتْ
صور - 1984
***
حجرات
- 1 -
وَأَقُولُ وَدَاعاً لِهَذِهِ الحِجَارَةِ
الَّتِي خَرِفَتْ
إِسْوَدَّتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً
تِلْكَ الصُّخُورُ الَّتِي جَرَيْنَا عَلَيْهَا
لَنْ نَقُولَ إِنَّ الرِّيحَ حَمْقَاءُ أَيْضاً
وَهِيَ تَجْرِي فَوْقَهَا
أَلبَحْرُ يَلْحَسُهَا
سَيَحْدُثُ ذَلِكَ دَائِماً
أَلبَحْرُ يَلْحَسُهَا وَالْهَوَاءُ يَتَشَمَّمُهَا
بِلا انْقِطَاع
- 2 -
أَلْمَطَرُ يَقَعُ بِلا اكْتِرَاثٍ
عَلَى حَيَاتِي
المُضَاءَةِ دَائِماً كَالزَّنْزانَةِ
إِنَّنِي أُغَادِرُهَا الآنَ
لَمْ يَعُدْ لِي مِنْهَا سِوَى البَابِ
لَمْ أُداوِمْ عَلَى سُكْنَاهَا
كَانَتْ لِي مَنَازِلُ أَصْدِقَائِي
مُنْذُ تِلْكَ اللَّيلَةِ
لَمْ أَعُدْ بُسْتَانِيَّ حَيَاتِي
ظَلَّ العُشْبُ الضَّارُّ
يَنْبُتُ مِنَ العُشْبِ
وَلَمْ يَقْتَلِعْ أَحَدٌ الحَمَاقَاتِ
الَّتِي عصِيَتْ جُذُورُهَا
لَمْ أَعُدْ بُسْتَانِيَّ حَيَاتِي
إِنِّي أَتْرُكُهَا لِنُزَلاَءَ مُسْرِعِينَ
وَأَصْدِقَاءَ
اسْتَحَقُّوهَا بِخِيَانَاتِهِم
- 3 -
أَلْمَطَرُ يَقَعُ أَيضاً
وَالأَرْضُ مَلْسَاءُ تَحْتَ فُرْشَاتِهِ
أَلصُّخُورُ لامِعَةٌ بِلُعَابِ البَحْرِ
أَلنَّهَارُ أَمْلَسُ تَماماً، أَصْلَعُ
بِالضِّحْكَةِ المَلْسَاءِ لِلْبَحْرِ
وَأَنَا فِي أَرَقِي عَلَى سَرِيرِ الفُنْدُقِ
أَنْظُرُ بِالإِبْتَسَامَةِ الخَالِيَةِ لِلْبَحْر
- 4 -
وَدَاعاً لِتِلْكَ القَلْعَةِ
الَّتِي أَزالُوهَا مِنْ جِيلَيْن
وَمَا زَالُوا يَدُورُونَ مَكَانَهَا
وَدَاعاً لِلأَسْفَلْتِ
شَعْرَتِي الأَكْثَرُ طُولاً
لِلْحَسَاءِ الَّذِي شَرِبْتُهُ مِنْ رِوَايَةٍ رُوسِيَّةٍ
لِلْمِذْيَاعِ الَّذِي يَنْبَعِثُ مِنْ حَيَاةٍ ما
لَمْ تَتَوَقَّفْ فِي جِوَارِي
- 5 -
كُنَّا مَرْضَى كَمَنَازِلِنَا
المَبْحُوحَةِ دَائِماً
مَرْضَى قَليلاً كَحَيَوَانَاتِنَا
كَانَتْ بُيُوتُنَا خَلْفَ العَالَمِ
حَيْثُ المَاءُ أَصْفَرُ قَبْلَ وِلاَدَتِنَا
كَانَتْ خُرُوقُنَا وَطَنَابِرُ سُعَالِنَا
نَدْفَعُهَا أَبْعَدُ
فِي طُرُقَاتٍ مِنْ صَفِيرِنَا
وَخِيطَانِ بَوْلِنَا
وَنُهَاجِرُ عَلَى ظُهُورِهَا
إِنَّنَا نَرْفَعُ رُؤوسَنَا
عَنِ الرُّكْبَةِ
الَّتِي خَرَجْنَا ذَاتَ يَوْمٍ مِنْهَا
نَتَحَسَّسُ كَوَاحِلَ آبائِنَا
وَشُهُورَ مَرَضِهِمْ
المُوَزَّعَةَ عَلَى أَبْراجِ حَيَاتِنَا
نُدَوِّرُ أَحْجَارَنَا
وَتِلْكَ النَّارُ الَّتِي تَتْبَعُنَا كَالخَرْقِ
تُذَكِّرُنَا فِي الضَّوْءِ المُهَلْهَلِ
كَيْفَ كَانُوا يُدِيرُونَ العَجَلاَتِ
وَبِالبُطْءِ ذَاتِهِ
يُوَجِّهُونَ نُعَاسَنَا
لَقَد انْفَصَلْنَا أَيضاً كَالخَرْقِ
حِينَ كَانَ السَّقْفُ يَتَمَزَّقُ بِلا انْقِطَاعٍ
تَارِكِينَ الحُجُرَاتِ تَنْهَضُ كَالعُجُولِ
حِيْنَ الحُجُرَاتُ نَفْسُهَا تَلِدُنَا ثَانِيةً
وَالأَكْتَافُ القَوِيَّةُ تَتَقَوَّسُ لِلرَّحِيل
- 6 -
هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي سَحَبْتُ قَائِمَتِي مِنْهُ
يَعْرُجُ دُونَ أَنْ يَقَع
أَبي وَأَصْدِقاؤُهُ
يَخْرُجُونَ تَحْتَ أَكْتَافِهِمْ
لَقَدْ لَبِثُوا هُنَا
بعْدَ أَنْ لأَمُوا جُرْحَ غِيَابِهِم
تحْتَ السَّقْفِ الَّذِي بَقِيَ أَكْثَرَ انْخِفَاضاً
وَالسِّتَارَةُ لاَ تَزَالُ صَفْرَاءَ
مِنْ ذَلِكَ الحِيْن
أَلْهَوَاءُ لاَ يَهُبُّ مِنْ أَمْكِنَةٍ مَجْهُولَةٍ
إِنَّهُ هُنَا لَنْ يُغَادِرَ
كَغُلاَلَةٍ خَلَعُوهَا
أَلظِّلُّ الَّذِي بَقِيَ عَلَى وَسَائِدِهِمْ
أخَّرَ ذَلِكَ الصَّبَاحَ عَنْ الظُّهُورِ
وَلاَ يَزَالُ لِلآنَ
يَتَرَدَّدُ عَلَى الأَدْرَاجِ
وَالسِّرَاجُ
خَيْطُ دُخانٍ وَخَيْطُ عِطْر
تَرَكُوهُ وَرَاءَهُمْ
إِنَّهُ الضَّوْءُ العَالِقُ فِي الحَافَّةِ
لاَ يزَالُ فِي الخِدْمَةِ
مُنْذُ شَحَّ قَلِيلاً
عَلَى أَسِرَّتِهِمْ
مَرَضُهُمُ الطَّوِيلُ يَكْسِفُ الحُجْرَةَ
وَيَصْبُغُهَا بِلَوْنٍ دُخَانِيٍّ
لِسَائِلٍ لاَ يُرى
رُبَّما اخْتَفَى لَكِنَّهُ ظَلَّ يَابِساً
فِي القُمْصَانِ وَالشَّراشِفِ
كَأَنَّهُ يُنَشِّيهَا
لَقَدْ رَبَّيْنَاهُ أَشْهُراً طَوِيلَةً
وَهَا هُوَ بَعْدَ أَنْ نَجْمَعَهُ مِراراً
يَبْقَى حَيّاً كَالإِكْسِيرِ
وَيُؤَخِّرُ إِلَى مَا لاَ نِهَايَةَ رَحِيلَهُمْ
أَلوَدَاعُ الَّذِي طَالَ
إِلَى أَنْ لَمْ يَقَعْ
أَلمَوْتُ الَّذِي لَمْ يَجِدْ شَيْئاً
- 7 -
عَلَى هَذِهِ الحِجَارَةِ الدَّاكِنَةِ سَقَطْنَا
وَابْتَدَأَتِ الحَيَاةُ مِنْ هُنَاك
رُبَّمَا سَقَطْنَا كَالحِجَارَةِ
مِنْ نُورِ تِلْكَ الحُجُرَاتِ
أَوْ خَرَجْنَا لامِعِينَ كَالدِّيْدَانِ
مِنْ ذَلِكَ اللُّعابِ
الَّذِي بَقِيَ لِلآنَ
جافَّاً عَلَى أَجسَامِنَا
كَانَتْ هُنَاكَ حَفْنَةُ رَائِحَةٍ
دَائِماً فِي الأَسْفَلِ
رَائِحَةٌ كأَعْشَاشٍ مَطْمُورَةٍ
نَدُوسُهَا وَلاَ نَنْتَبِهُ
رَائِحَةُ مَاشِيَةٍ وَسِفَاد
سَبَقَتْنَا
وَهَا نَحْنُ كُلَّمَا خَطَوْنَا
نَشْعُرُ بِهَا تُنْزَفُ تحْتَ عُشْبَةٍ
وَنَحْدُسُ
أَنَّهَا لاَ تَزَالُ تَحْبِسُنَا هُنَاك
نَمَوْنَا تحْتَ سَحَابَةِ الطَّهْوِ
وَدُخَانِ السَّرْدِين
أَلبَحْرُ الَّذِي يَرْتَفِعُ أَيَّامَ حَيْضِهِ
يَفُوحُ دَماً ومِلْحاً قَوِيَّيْنِ
أَلأَرْضُ مَسْلُوخَةٌ أَوَّلَ المَطَرِ
سَائِلُهَا السُّخْنُ يَغْمُرُنَا فِي النَّوْمِ
وَهَذَا الإِسْطَبْلُ الَّذِي هَبَّ فَجْأَةً مِنْ جَنْبِهَا
نَخْرُجُ أَيْضاً مِنَ الحَمَّامِ القَمَرِيِّ
دُوْنَ أَنْ نَنْتَبِهَ
إِلَى أَنَّ الحُمْرَةَ الَّتِي دَبَغَتْنَا
لَنْ تَزُولَ سَرِيعاً
وَأَنَّنَا نُدَشِّنُ السَّهَرَ الأَوَّلَ الكَبِيرَ
لِجُلُودِنَا
- 8 -
كُنَّا نَجِدُ نُتَفاً مِنْ شَيْبِ أُمَّهَاتِنَا
مُتَخَلِّفَةً فِي كُلِّ مَكَان
وَنَنْظُرُ إِلَى خِرَقِهِنَّ الطَّرِيَّةِ حَدِيثاً
خَائِفِينَ مِنْ أَنْ نَكُونَ حَقّاً
لاَ نَزَالُ فِيهَا
كُنَّا نَخْرُجُ مَدْهُونِينَ بِدُمُوعِ أُمَّهَاتِنَا
لاَ نَبْتَعِدُ كَثيراً عَنْ سَائِلِهِنَّ
وَحِينَ نَعُودُ
نَجْلِسُ فِي هَالَةِ المِصْبَاحِ
وَالحُجْرَةُ حَوْلَنَا
مَنْبُوشَةٌ مُظْلِمَةٌ
كَعَانَةٍ كَبِيرَة
نَنْهَضُ فَنَرَى الفِرَاشَ شَاغِراً
وَنَجِدُهُنَّ فِي أَسْفَلِ الحُجُرَاتْ
نسْبَحُ فِي الصَّبَاحِ المُتَرَامِي حَوْلَهُنَّ
كَالبَزَّاقِ
وَنَلْعَبُ عَلَى أَطْرَافِ أَثْوَابِهِنَّ
تِلْكَ العَنَاكِبُ الكَبِيرَةُ تَحْتَ الإِبْطَيْنِ
وَبَيْنَ السِّيقَانِ
الَّتِي نَعْبُرُ مِنْهَا إِلَى الحَدِيقَةِ
وَالَّتِي دَفَنَّا فِيهَا إِبْهَامَنَا
إِنَّنَا نَجِدُهَا كُلَّمَا قَلَبْنَا حَجَراً
وَفِي الصَّبَاحِ
نَرَاهَا مُحْمَرَّةً عَلَى جُلُودِنَا
وَذَلِكَ النَّفَسُ المُسْتَوِي
الَّذِي تَأَرْجَحْنَا عَلَيْهِ فِي القَاع
حِينَ كَانَتِ اليَدَانِ الشَّاهِقَتَانِ
مِنَ الأَعْلَى
فِي الحُجْرَةِ الَّتِي اسْتَحَالَتْ قِدْراً مَدْهُونَةً
تَغْزُلاَنِ الشَّعْرَ المُسْتَرْسِلَ إِلَى الأَرْضِ
وَتَقْلُبَانِ أَجْسَادَنَا وَتَراً وَتَراً
عَلَى الوِسَادَةِ
الَّتِي يَأْخُذُنَا فَوْقَهَا صَفِيرُ الْلَّيْل
وَتَطْبُخَانِ النَّهَارَ الَّذِي لاَ يَتَأَخَّرُ
إِنَّهُنَّ الآنَ يُحْيِينَ بِدُمُوعِهِنَّ
الخِرَقَ الكَبِيرَةَ
شَقِيقَةَ جُنُونِهِنَّ
هَلْ كَانَتْ العَنَاكِبُ وَحْدَهَا
فِي القِفَفِ الكَبِيرَةِ
أَمْ أَنَّنَا وَنَحْنُ نَجْمَعُهُنَّ عَنِ المَصَاطِبِ
مَعَ صُرَرِهِنَّ
أَوْ نَجِدُهُنَّ يَهْذِينَ بَيْنَ الأَوَانِي
تَرَكْنَا عَمْدَاً
ذَلِكَ النَّسِيجَ الكَامِلَ لِوُجُوهِهِنَّ
كَمِنْدِيلٍ مَنْقُوشٍ، كَمِنْدِيلٍ رَطِبٍ
لِلْحِجَارَةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُ
وَتَلْحَسُ نَصِيبَهَا
مُتآخِينَ بِصَمْتٍ
مَعَ حَشَرَاتِ الجُدْرَان
- 9 -
لَسْتُ بُسْتَانِيَّ حَيَاتِي
إِنَّنِي أَهْجُرُهَا الآنَ
لَمْ يَعُدْ لِي مِنْهَا سِوى البَابِ
لَمْ أُدَاوِمْ عَلَى سُكْنَاهَا
كَانَتْ لِي مَنَازِلُ أَصْدِقَائِي
ليماسول - 1986
.. يتبع