إبراهيم المصري

كانت الساعة الثامنة والنصف بتوقيت المنامة عاصمة مملكة البحرين، مساء يوم الخميس الأول من مارس آذار من العام الحالي 2007، ولنتذكر التاريخ جيداً، لأنَّ هذا اليوم أصبح واحداً من أيام الفصل بين أنْ نكون بشراً أو نكون رعايا أو رعاعاً.
وكان المكان مسرح الصالة الثقافية في المنامة، الذي امتلأ هل نقول: حتى الحافة، بجمهور بحريني وعربي وأجنبي جاء ليشاهد عرض مجنون ليلى الذي قدمه ولمدة يومين الفنان مارسيل خليفة مع فرقته الموسيقية والشاعر قاسم حداد صاحب كتاب مجنون ليلى الذي أخذ عنه مارسيل عرضه المؤلف من موسيقى، غناء، شعر، رقص باليه.
إنْ أخذنا بوجهة نظر الذين كانوا داخل المسرح جلوساً على المقاعد أو وقوفاً في الممرات حيث لم يعد ثمة مكان للجلوس، فإنَّ العرض لاقى استحساناً فائقاً، عبر عنه الحاضرون بتصفيق حار وإنصات عميق ومشاهدة مبهجة، وهذا يعني أنَّ من بداخل المسرح في معظمهم على الأقل كانوا يشاهدون أمامهم عرضاً إبداعياً يجتمع فيه الشعر والموسيقى والرقص والغناء ويتجاوبون معه باعتباره "إبداعاً" لا باعتباره فاحشة أو خروجاً على الفضيلة أو هدماً للأصالة والدين، على ما ذهب إليه أوصياء الدين في هجومهم الضاري على عرض مجنون ليلى والتنديد به من على منابر خطب صلاة الجمعة وفي البرلمان البحريني. وهذا يعني أيضاً أنَّ ثمة فئة معتبرة من الناس في البحرين وهذا ينطبق أيضاً على كل بلد عربي، لا يصل بها التشنج النفسي والخلط بين الديني والإبداعي إلى حد اعتبار الإبداع كفراً وهدماً لقيم المجتمع وأخلاقه وأصالته ودينه، لكن ماذا نفعل بمجانين الوصاية الدينية، هؤلاء الذين ما إنْ يرتدي أحدهم عمامة رجل الدين أو يصنف نفسه داعية إسلامي، حتى يمسك بالقلم الأحمر ويبدأ في تخطيط الحدود التي لا يجب على الناس تخطيها، مستنداً في ذلك على ذهان عصبي ومرضي يعطي صاحبه طمأنينة أنه موكل من الله رأساً بهداية الناس إلى الصراط المستقيم.
لقد شاهدت عرض مجنون ليلى في يومه الأول ويمكن أنْ نتحدث فيه من وجهة نظر نقدية وإبداعية وموسيقية، لكن أنْ نتحدث فيه من باب الحلال والحرام ومن باب الحث على الرذيلة وإشاعة الفاحشة، فهذا جزء مما ابتلينا به على يد مجانين الوصاية الدينية بدءا من الرجل نصف الأمي حسن البنا مؤسسة جماعة الإخوان المسلمين وحتى أحدث رجل دين أو داعية متبطل يرى في نفسه رسول العناية الإلهية لهداية الناس.
لقد انتهي العرض بغناء كل من في المسرح تقريباً رجالاً ونساء مع مارسيل خليفة وفرقته مرددين: قل هو الحب، نعم قل هو الحب الذي يعطي الإنسان والإبداع حضوراً متميزاً في الحياة ويرتفع به فوق خصاله السيئة، لكن مجانين الوصاية الدينية لا يرون في الحب إلا الجنس، وهم في كدحهم هذا يمسكون بالسياط للحفاظ على الفضيلة ولا يجلدون أنفسهم بوصفهم متطفلين يدسون أنفهم في كل كبيرة وصغيرة من حياتنا، ولكن يجلدون الذين يحاولون فتح نوافذ للضوء في هذا الظلام العربي الشاسع. وبعد انتهاء العرض كان الحضور مبتهجاً حقاً وحقيقة، ولم أشاهد أنا على الأقل أي مشاهد تدل على شيوع الفاحشة تلك التي يتحدث عنها مجانين الوصاية الدينية بحماس منقطع النظير، وما من فاحشة في الحقيقة إلا تلك التي يرتكبها هؤلاء الذين ابتلينا بهم من الرجل نصف الأمي حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وحتى أحدث رجل دين أو داعية متبطل يرى في نفسه رسول العناية الإلهية لهداية الناس إلى الصراط المستقيم.
يجب ألا نخاف، نحن الذين نرى في الدين سماحة إلهية وطمأنينة نفس مع الخالق، وأنْ نواجه هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم وكلاء لله على الأرض، وأخذونا رهينة لأزمة عميقة ومرضية تستوطن نفوسهم بوصفهم بشراً كارهين للحياة والبشر، وإلا ما الذي يدعو نائباً متأسلماً في البرلمان البحريني أو الكويتي أو المصري، إلى التخلي عن العمل الذي من أجله اختاره الناس ليكون نائباً عنهم ويتفرغ لملاحقة الإبداع والفن والسياحة وملابس النساء، بدلاً من الاهتمام بأوضاع الفقراء ومشاريع البنية الأساسية والفساد المالي والإداري ومراقبة أداء الحكومة.
في الحقيقة مجنون ليلى بكل ما يمثله من قيم إنسانية وإبداعية وعاطفية، يواجه مجانين الوصاية الدينية، وكما تخطى مجنون ليلى الزمن بخلوده في ذاكرتنا حتى أطل علينا في القرن الحادي والعشرين من كتاب قاسم حداد وعمل مارسيل خليفة الموسيقى الغنائي، فإنه سيتخطى كذلك مجانين الوصاية الدينية، فالحياة في حيويتها وانحيازها للإنسان تنتصر دائماً، وهذا ليس ضد الدين أو الأخلاق في شيء، لأن ثمة فارقاً حاسماً بين الإبداع والدعوة إلى الفاحشة التي أعظمها ليس أنْ يتعرى رجل أو امرأة ولكن أعظمها أنْ يمسك بخناقنا وبخناق مجتمعاتنا المنكودة بشر من عينة مجانين الوصاية الدينية ونواب التهييج الديني والوعظي ودعاة التبطل من كل عمل إلا الثرثرة الوعظية البليدة على شاشات التلفزيون وفي الإذاعات.
مجنون ليلى انتصر وسوف ينتصر، الحياة سوف تنتصر والإبداع كذلك، أما مجانين الوصاية الدينية فمكانهم محفوظ في مزبلة التاريخ، وبمعنى آخر، بعد ألف عام سوف يقرأ الناس مجنون ليلى ولكنهم لن يتذكروا حرفاً واحداً من مجانين الوصاية الدينية، هؤلاء الذين يكفرون حتى الهواء الذي يتنفسونه، ويرون في كل إنسان مشروع خطيئة لا مشروع حياة وإبداع وإنتاج وحب وسعادة.

صحفي وشاعر

ايلاف- 2007 الثلائاء 20 مارس

***

من‮ ‬يجرؤ على محاكمة الثقافة؟‮!‬

عيسى الشايجي
(رئيس تحرير الايام)

في‮ ‬وسط هذا الخليج الثري‮ ‬الذي‮ ‬يسبح على بحر من النفط،‮ ‬ماذا‮ ‬يملك الإنسان البحريني؟‮!‬ حتماً‮ ‬هو لا‮ ‬يملك نفطاً‮ ‬ولا ذهباً‮ ‬ولا حتى نحاساً‮!!‬ ولكن الإنسان البحريني‮ ‬يملك الثقافة والفن والحضارة والمعرفة وهذا الوطن الجميل،‮ ‬وهي‮ ‬أغلى وأعز ما نملك‮.‬ وفي‮ ‬مقابل الثقافة والفن والمعرفة التي‮ ‬يتميز بها الإنسان،‮ ‬يقف الجهل والأمية والعتمة والظلام والغباء،‮ ‬وهي‮ ‬مصدر كل الفواحش والرذيلة والأمراض والإرهاب‮!!‬ لذلك فقد كانت صدمة كبيرة لنا وقاتلة لهذا الوطن الجميل إقرار مجلس النواب تشكيل لجنة تحقيق في‮ ‬ربيع الثقافة،‮ ‬هذه الثقافة التي‮ ‬يريد البعض أن‮ ‬يهدر دمها على مذبح الحرية والديمقراطية وباسم الدين والإسلام والأخلاق‮!!‬ وبالطبع سوف نتقبل القرار لو كان‮ ‬يتعلق بتشكيل لجنة تحقيق في‮ ‬فساد أو اختلاس أو رشاوى أو إهدار المال العام،‮ ‬لكن أن‮ ‬يتم التحقيق مع الثقافة فهذا أمر لا‮ ‬يستوعبه عقل الإنسان‮.‬ تصوروا الثقافة متهمة في‮ ‬وطن الثقافة والحضارة والحريات،‮ ‬إن مجرد تصور ذلك هو أمر مرعب تقشعر له الأبدان،‮ ‬فمن‮ ‬يجرؤ على محاربة ومحاكمة الثقافة،‮ ‬هذه المحاكمات التي‮ ‬تجاوزها العالم منذ القرون الوسطى؟‮!!‬ إن لجنة التحقيق هذه لو تم تشكيلها فإنها سوف تلطخ سمعة البحرين الثقافية في‮ ‬العالم وتعصف بكل منجزاتها الحضارية،‮ ‬وهو أهم مكسب حققته البحرين في‮ ‬تاريخها،‮ ‬فلا تتصوروا الأمر بهذه البساطة‮!!!‬ إننا سنكون أضحوكة العالم عندما نبدأ محاكمة الفنان القدير مارسيل خليفة والشاعر المتميز قاسم الحداد وبتهمة ماذا‮! »‬الخلاعة‮«!! ‬أي‮ ‬مصيبة حلت علينا؟‮!!‬ بعد كل هذا العمر الذي‮ ‬أفناه الفنان مارسيل خليفة في‮ ‬الارتقاء بالفن وخدمة القضايا العربية والإنسانية،‮ ‬وكذلك زميله الفنان الشاعر المرهف قاسم حداد،‮ ‬نأتي‮ ‬لننصب لهما محاكم التفتيش بدلاً‮ ‬من تقديرهما وتكريمهما؟‮!‬ نرجوكم‮.. ‬ونرجوكم‮.. ‬لا تجعلونا محط استهزاء الآخرين بهذه النادرة المضحكة جداً‮.. ‬جداً،‮ ‬والتي‮ ‬لن تمحى من ملف تاريخنا الجميل والمشرف في‮ ‬الفن والثقافة‮.‬ إن الفن‮ ‬يحسّن الأخلاق ويهذّب النفوس،‮ ‬وما تم تقديمه في‮ ‬ربيع الثقافة‮ ‬يعتبر من أعلى درجات الفن الراقي‮ ‬والمهذب والإنساني‮..‬ فماذا تريدون أكثر من ذلك؟‮! ‬وأي‮ ‬فن تريدون؟ وإلى أي‮ ‬غناء تطربون؟‮! ‬أفيدونا أفادكم الله،‮ ‬وإلا اتركوا الآخرين وشأنهم‮ ‬يستمتعون بالفن وبنسمات الهواء الطلق‮.‬ إن من‮ ‬يريد أن‮ ‬يحارب الفن والثقافة فعليه أن‮ ‬يعرف أنه دخل معركة خاسرة،‮ ‬فلا أحد‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يقيّد الفن أو‮ ‬يحبسه أو‮ ‬يقمعه،‮ ‬إنه نسمات الهواء المنعش التي‮ ‬تملأ الرئتين،‮ ‬وبدونه فلا معنى لهذه الحياة‮!!‬ إن الناس تكظم‮ ‬غيظها من قوى الظلام والتخلف التي‮ ‬تريد أن تقتل كل شيء جميل في‮ ‬هذه الحياة ولم تشبع نهمها حتى الآن،‮ ‬فهي‮ ‬كلما قتلت شيئاً‮ ‬جميلاً‮ ‬طلبت المزيد والمزيد،‮ ‬وتبحث عن الجمال لكي‮ ‬تقتله،‮ ‬خاصة وأن الدرب سالك أمامها،‮ ‬وهي‮ ‬لن ترضى بقتل الثقافة بل ستعمد إلى قتل الروح البحرينية الطيبة بتدخلها حتى في‮ ‬شؤون الأسرة وتفريق الابن عن أبيه والزوجة عن زوجها والأخ عن أخيه‮.. ‬أبشروا فنحن اليوم أمام علامات هذا الزمن الرديء‮!!‬

****

مجنون ليلى، الوجه والقفا

حسام أبوأصبع

استغربت حد الضجر والحنق من التناقض ‘’الثقافي’’ الرهيب الذي نعيش. فعشية تقديم مرسيل خليفة عمله في افتتاح ربيع الثقافة، بدت على البعض - إن لم نقل الكثيرين - أمارات الذهول من هذا العمل، الذي أقل ما قيل عنه ‘’ضعيف’’؟

لم أكتف برأي واحد في سؤال متكرر وجهته لمن أعرف ممن شاهدوا هذا العرض. جميعهم أقروا بشكل يكاد يكون إجماعاً فريداً؛ أن هذا العرض متواضع في كل شيء. البعض زاد فيما البعض الآخر أنقص، لكن النتيجة واحدة. فريق ثالث وجدناه في حال من السرحان والتوهان في عوالم كئيبة حزينة جراء خيبة الأمل؟ ومن هؤلاء من شج إصبعه نتيجة عضة من ندم، نظراً للسخاء غير المبرر في تمويل إنتاج المجنون، الذي كانت نتيجته لا تتناسب أبداً والفاتورة الباهظة التي دفعت فيه.

كان هذا الأمر عشاءً. وفي المأثور الشعبي ‘’كلام الليل ممسوح بزبدة’’. وبشروق الشمس لم نجد أي شيء يذكر من الوفرة الوفيرة من الآراء المتبرمة. وغابت من ثم الكتابات التي تكشف عن علامات وأسباب العبوس وعلائم التململ التي قيلت وظهرت بها الوجوه مساءً. فقد كان القاسم المشترك هو الحديث / الكتابة عن شعر قاسم ولا شيء سوى ذلك.

طلبت من أحد الأصدقاء تبريراً للذي حدث، فأجاب باقتضاب ‘’لا نستطيع نقد هؤلاء الكبار’’؟
إذاً حتى الثقافة والفن بهما كبار لا يأتيهم الباطل. وإن حدث فالباطل لا بد ألاّ يجاهر به أحد. هؤلاء الكبار لا ينبغي نقدهم. وفي الحال الثقافي فإن الكبار لا يمكن إلا أن يكونوا كباراً في السن فحسب.. فلماذا كل هذا الخوف والوجل من إبداء نتفة من رأي ولو بأكثر الألفاظ رقة، وأحسن الأساليب تهذيباً، نظراً لأن إنتاج الكبار قد خرج إلى الناس.

تابو جديد إذاً..عصمة جديدة. هذا فعلاً ما ينقصنا، وكأننا في مسيس الحاجة إلى تابوهات إضافية. تكريس بشع لتقليد لا بد أن يكسر ويهشم. فغير معقول البتة أن ما ينشر هو العكس تماماً مما قيل.

الوقت- 7 مارس 2007

****

نحن أمة لا توسط بيننا‮

سعيد الحمد

هذه الثقافة‮ »‬هي‮ ‬اللي‮ ‬ودتنا في‮ ‬داهية‮« ‬فعلى خلفية التضخم الذاتي‮ ‬والانتفاخ النرجسي‮ ‬اللا محدود،‮ ‬مضافاً‮ ‬إليها كل قصائد الفخر والمديح من‮ »‬ديوان العرب‮« ‬نشأنا باعتبارنا‮ »‬الأفضل‮.. ‬الأقوى‮.. ‬الأحسن‮..‬الأعلم‮.. ‬الأمجد‮.. ‬إلى درجة اننا الأمة الوحيدة من بين كل الأمم التي‮ ‬اخترعت لها في‮ ‬النحو واللغة علمًا اسمه‮ »‬أسماء التفضيل‮« ‬وعندما ضاق بتفضيلاتنا الكثيرة ذلك‮ »‬العلم‮« ‬طورناه وسميناه‮ »‬أسلوب التفضيل‮«‬،‮ ‬ليسع كل ما فينا من نزوع نرجسي‮ ‬يتطور ويتمدد،‮ ‬كلما تطورت وتمددت حالة التضخم الذاتي‮ ‬وانتفاخ الأنا‮.‬ وعندما نجد أمة من الأمم،‮ ‬وبعد قرون عدة،‮ ‬مازالت تطرب وتصفق وترقص جذلاً‮ ‬على ايقاع بيت من الشعر النرجسي‮ ‬الصارخ،‮ ‬والزاعق بانتفاخ ذاتي‮ ‬خطير،‮ »‬ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ويشرب‮ ‬غيرنا كدرًا وطينا‮« ‬فإن الخلل ليس في‮ ‬الشاعر القديم،‮ ‬وإنما في‮ ‬الأمة المسكونة بحالة ثقافية ترى أن ماضيها وحاضرها وشعبها وأمتها هي‮ ‬أفضل خلق الله أجمعين،‮ ‬ومن حقها أن تشرب الماء صفواً‮ ‬وغيرها‮ ‬يشرب الطين والتراب‮.. ‬لماذا لا تعلم‮!!‬؟؟‮.‬ ذهنية الاستخفاف بثقافة الآخرين وحضارتهم وعلومهم ومعارفهم لا توجد إلا في‮ ‬عقلية عربية فرضت هيمنتها واستغلت واستثمرت ظاهرة تصغير وتحقير ثقافة الآخرين،‮ ‬دون أن تنتج ثقافة متميزة طوال القرون الأخيرة بما جعلها تكتفي‮ ‬بما كان،‮ ‬وتتغنى بأشعار الفخر والمديح،‮ ‬لتعوض خسارتها وهزيمتها في‮ ‬رهانات الحاضر والمستقبل إلى درجة أصبح الشعر‮ »‬إياه‮« ‬حاضرًا في‮ ‬كل خطاباتنا السياسية والوعظية والدينية وحتى الاقتصادية‮.‬ وعندما نصرخ إلى اليوم‮ »‬نحن أمة لا توسط بيننا‮« ‬فإننا ننسف كل الكلام وكل الأحاديث عن‮ »‬الوسطية‮« ‬التي‮ ‬أشبعناها كلامًا،‮ ‬ولم‮ ‬يفهم الناس ماذا نعني‮ ‬بالوسطية التي‮ ‬نرفعها شعارًا ونناقضها ممارسة ومسلكا وموقفًا‮!!‬ عن أية وسطية‮ ‬يتحدث الوسطيون ونحن نراهم‮ ‬يصادرون الرأي‮ ‬الآخر،‮ ‬ويحتكرون الحقيقة ويخلطون السياسي‮ ‬بالديني‮ ‬خلطا متعمدًا مقصودًا حتى لا‮ ‬ينال منهم النقد،‮ ‬وحتى لا نسألهم عما‮ ‬يفعلون وعما‮ ‬يتخذون من مواقف‮.‬ أية‮ »‬وسطية‮« ‬هذه التي‮ ‬دوخونا بها وهم‮ ‬يرفضون حقوق المرأة ومشاركة المرأة وتمكين المرأة،‮ ‬أية وسطية هذه التي‮ ‬يبشرون بها وهم الذين‮ ‬يعتبرون كل رأي‮ ‬مخالف ومغاير هو كفر بواح وهو جريمة أخلاقية وإثم ديني‮.‬ هل من‮ »‬الوسطية‮« ‬التي‮ ‬يزعمون اليها انتسابًا أن ويشهّروا ويُعرِّضوا من فوق المنابر بالداعين إلى التحديث والحداثة والمدنية والعصرنة؟ وهل من‮ »‬الوسطية‮« ‬أن‮ ‬يعتبروا تلك الدعوة مساسًا بثوابت الدين والعقيدة؟ وهي‮ ‬الدعوة التي‮ ‬لا شأن لها بالعقيدة ولا بثوابتها،‮ ‬ولكنها موجهة بالأصل وبالأساس بهدف التطوير وللخروج من قفص الهزيمة والوصاية والاستبداد،‮ ‬تفرضه مجموعة بعينها باسم الدين حيناً،‮ ‬وباسم التقاليد أحياناً،‮ ‬وباسم‮ »‬المقدس‮« ‬في‮ ‬كل‮ ‬الاحايين،‮ ‬وكأنها امتلكت المقدس وحدها‮.‬ الخروج من شرنقة النرجسية والذاتية المفرطة أصبح مستحيلاً‮ ‬ما دمنا نتمسك،‮ ‬وما دمنا نرقص جذلاً‮ ‬ونزهو طرباً‮ ‬بأننا نشرب الماء صفوًا ويشرب‮ ‬غيرنا كدرًا وطينا‮.‬ فالشاعر القديم لم‮ ‬يكن‮ ‬يعبر عن حالة ذاتية خاصة بقدر ما كان‮ ‬يعبر حينها عن ثقافة عربية تعكس ذهنية مرحلته،‮ ‬وبالتأكيد لم‮ ‬يكن‮ ‬يتصور أبدًا أن شعره سيظل ساريًا طوال هذه القرون الطويلة؛ ليثبت في‮ ‬النهاية ويقدم الدليل الناصع والواضح على أننا لم نتطور ولم نتبدل ولم تتغير ذهنيتنا التي‮ ‬تعتقد أننا أفضل خلق الله أجمعين،‮ ‬وأحسن من كل البشر،‮ ‬وعندما تسأل على ماذا‮.. ‬ولماذا‮.. ‬يأتيك الجواب شعرًا وهنا المصيبة نامت على الشعر القديم ومازالت.

(جريدة الايام)

****

مهرجان ربيع الثقافة

فوزية رشيد

مهما كانت مآخذ البعض، إلا أن «الشيخة مي« أثبتت جدارتها في تحريك جانبين مهمين هما الثقافة والتراث الوطني، وتحديدا لأنهما الجانبان اللذان تتحمل مسئولية تنشيطهما باعتبارها الوكيل المساعد لقطاع الثقافة والتراث الوطني التابع الى وزارة الاعلام.
ومنذ أن تسلمت المسئولية ونحن نلمس تلاحق انجازاتها في قطاع التراث واحياء العديد من المراكز التراثية، كما نلاحظ نشاط مركز الشيخ إبراهيم كجهة خاصة مسئولة عنها في خلق التلاقح ما بين الوعي الثقافي والفكري البحريني والوعي الثقافي والفكري العربي والعالمي، مثلما انفتاح رؤيتها حول قطاع الثقافة. ولأن مهرجان ربيع الثقافة هو المهرجان الثقافي الوحيد على مستوى المملكة الذي يتم فيه استقطاب مشاركات عالمية كما قيل، فإن وجود مثل هذا المهرجان بحد ذاته، هو فعل ثقافي جدير بالإشادة، مع أهمية التفكير مستقبلا في كيفية إعطاء (المزيد) من المساحة لتلاقح الفعل الثقافي البحريني، والقائمين عليه من المبدعين البحرينيين، مع الفعل الثقافي العربي والعالمي. بالإمكان مثلا أن تكون قلعة عراد إلى جانب استقطابها للفرق العالمية، بهدف تعريف الذائقة البحرينية أو السياح الخليجيين إلى فعاليات تلك الفرق، أن تدمج مع ذلك الاستقطاب العالمي والعربي بنكهة فرق بحرينية ذات مذاق فني تراثي أو حديث لتعويد فرقنا وفنانينا على الاتيان بإبداع فني سنوي يرتقي الى مستوى الفرق العربية والعالمية المعروفة. بالإمكان أيضا إقامة أمسيات شعرية تجمع بين أصوات المبدعين العرب أو من أجزاء أخرى من العالم، وأصوات شعرية من البحرين لخلق التفاعل الابداعي في هذا المضمار، والتعريف بالابداع البحريني في أمسية واحدة جامعة وعلى نموذج حفل قاسم حداد ومارسيل خليفة وغيره من الابتكارات الابداعية، بالامكان مثلا أن يتم استقطاب جميع المسارح البحرينية بانتخاب فنانين ومخرجين من كل تلك المسارح، لتقديم عمل مسرحي بحريني واحد منتخب ومشترك يتم تقديمه باسم البحرين، بحيث يرتقي هذا العمل الواحد الى تنشيط التعاون المسرحي والفني المحلي من جهة، وإلى شحذ الهمة المسرحية لخلق عمل متميز يتزاوج بين ذائقة الجماهير ونضج العمل وعمقه معا، وربما دمج التراث البحريني الفلكلوري مثلما كان يحدث مع الأعمال الفنية المسرحية المتميرة للأخوين رحباني ولفيروز التي تصلح لمهرجان كمهرجان ربيع الثقافة. بالإمكان أن يلتفت مجلس التنمية الاقتصادي إلى توزيع بعض التذاكر على المثقفين والمبدعين البحرينيين - وهم ليسوا بالكثرة المخيفة - لدمج هؤلاء مع فعاليات المهرجان ذات التذاكر أيضا الذي يطل بربيعه الثقافي العربي والعالمي كل عام، وقد لا يتمكن المثقفون من تحمل التكلفة. بالامكان التفكير في وضع خطط جديدة مختلفة لتنشيط ودمج الابداع البحريني على مستوياته كافة في ربيع الثقافة الذي يطل كفعالية مهمة وحيدا كل عام على مستوى المملكة. ولأنني أكن للشيخة مي الحب والتقدير، أعرف جيدا مدى اهتمامها بزرع وردها الاستثنائي في حديقة الثقافة البحرينية والتراث البحريني، ومدى اعتنائها بإعلاء صوت وصورة البحرين ثقافيا وإبداعيا، مما يجعل من الصوت المخلص لجهودها ولصورة البحرين معا، صوتا قادرا على النفاذ إليها ومعها لجعل ربيع الثقافة خاصة أنه مهرجان سنوي، ربيعا متجددا بالأفكار والحيوية التي تحافظ على رونقه المحلي، وعلى سمته العربية والعالمية. الشيء المهم الآخر اللافت للانتباه هو مطالبة «الشيخة مي« بالاستثمار في الثقافة مثلما يتم الاستثمار في الاقتصاد، خاصة مع تعاون مجلس التنمية الاقتصادي ومساندته لهذه الرؤية وتشجيعه للمبادرات التي تتسم بروح الابداع والابتكار والتجديد كما جاء نشرا عن المؤتمر الصحفي الخاص بالمهرجان. وإذا كانت إقامة مثل هذا المهرجان الثقافي العالمي هي بهدف تشجيع السياحة الراقية والنهوض بدورها في خدمة الاقتصاد الوطني، فإننا هنا أمام رؤية مهمة لتنشيط قطاعين شديدي الأهمية بالنسبة إلى بلادنا: الاقتصاد والسياحة الثقافية والفنية، وهما حين يلتقيان بهدف الارتقاء بكل منهما وخلق تأثيرهما الثقافي في المجتمع، فذلك يعني إدخال الحيوية إلى عالم الثقافة والفن، وعالم الاستثمار معا، بشرط أن يكون المكوّن الثقافي البحريني جزءا لا يتجزأ من التقاء عالمي الاستثمار والثقافة وبشكل أساسي، والدفع نحو الارتقاء أيضا بفنانينا ومبدعينا ومسرحيينا ومثقفينا، نحو فضاءات ابداعية جديدة تتلاقح فيها عطاءاتهم بالعطاءات العربية والعالمية، وترفع العتب واللوم عن قطاع الثقافة والتراث القائم على احساس بتهميش الفعاليات الثقافية والفنية البحرينية كما يقول البعض، خاصة ان هذه المملكة الصغيرة زاخرة بفنانيها ومبدعيها في كل الجوانب، وكل ما ينقصهم هو التشجيع والدعم المادي لإخراج عطاءاتهم وإبداعاتهم إلى النور، وهنا يأتي دور الاستثمار في الثقافة، وفي دعم السياحة الفنية والثقافية والمسرحية والفلكلورية الراقية على الأقل من خلال هذا المهرجان العالمي السنوي. وكلمة أخيرة للشيخة مي: استمري في عطاءاتك المتميزة، فالبحرين بأشد الحاجة إلى مثل هذا التحرك والفعل الثقافي والفني، وربيع الثقافة سيترك أثره الكبير وسيتطور عاما بعد عام بعد أن بدأ متميزا وكبيرا.

****

سعادة النواب و المجتمع المدني و شنق الثقافة

د. باقر النجار

لا يمكن أن يكون المجلس النيابي سلطة فوق السلطات، أو أن يكون أعضاؤه فوق المسائلة بل و الملاحقة الجماهيرية في مواقفهم و مغانمهم. ولا يمكن للمجلس أن يتجاوز أحد أهم مصادر شرعية السلطة بمفهومها العام: و هو المجتمع المدني. فالشرعية السياسية لأي سلطة سياسية في الديمقراطيات المتقدمة يمثل المجتمع المدني بمنظماته و جماعاته أحد أهم و لربما أقوى مصادرها. و كلنا يعرف، و المتابعون فقط من أعضاء السلطة التشريعية يعرفون كذلك، أن الكثير من السلطات قد فقدت شرعيتها عندما امتنعت منظمات المجتمع المدني عن دعمها أو انقلبت عليها. و رغم الخصوصية المحلية للتجربة الديموقراطية المحلية، فإن المجتمع المدني بمنظماته و جماعاته يبقى يمثل أحد أهم القوى التي عملت و ناضلت من أجل قدرا من الديمقراطية و إن تمتع بمغانمها جل نوابنا الأفاضل.

و أجزم و لربما يجزم معي الكثيرين أن من يوظف هذا المصطلح و المفهوم من بعض أعضاء المجلس قد يجهله و لربما يجهل معه تلك التحولات التاريخية التي جاءت عليه حتى أستقر في إطاره المعاصر. من هنا فإن ذلك التصريح الذي أطلقه أحد رموز كتلة الوفاق والكاثر من أسئلتها "منتقداً مؤسسات المجتمع المدني التي استنكرت على النواب ممارسة حقوقهم.... معتبرا أنه لا يحق لتلك المؤسسات مصادرة حق النواب"!!؟..(جريدة الوقت 22/3/2007) إنما يمثل في أصله إحدى المحاولات الحثيثة و الدؤوبة لبعض النواب و الكتل في بعضها أو جلها تجاوز حق المجتمع المدني و منظماته في الاعتراض و الرفض و تبني المواقف و لربما التأثير عليها، وهو حق مشروع كفله الدستور و اللوائح و الاتفاقيات الدولية و الأعراف. و حجبهُ عنها بعنوةٍ مجلسا كان يفترض أن يكون في جله ممثلا للأمة بكل تلاوينها و تنوعها و أرائها، فجاء موقفهم مناقضا و بشكل صارخ للديمقراطية كممارسة و مفهوم. بل أن أداء بعضهم و موقفه من الثقافة و زيادة الموقف المتشدد منها ومن الصحافة قد كان في بعضه سلوكا مكابرا " أخذته العزة فجاء سلوكه مخطئا" و لن أقول بالإثم. و تؤكد تجربة الكثير من الديمقراطيات العريقة و الكاملة، أن الديموقراطية لا يمكن أن تختطف بأي حال من الأحوال من قبل أكثرية برلمانية فرضت المعطيات و الظروف أكثريتها. و يمكن القول هنا أنه إذا ما كانت التنظيمات السياسية قابلة في بعضها على تقديم تنازلات سياسية معينة مقابل بعض المكاسب الوقتية أو الآنية، فإن منظمات المجتمع المدني تبدو في مواقفها من قضايا الحريات و التعددية و حقوق الإنسان ذات مواقف أرسخ و مبادئية.

و ليس سرا القول أن تعاطي السلطة التنفيذية مع منظمات المجتمع المدني بدا مبديا قدرا من المرونة في القبول بها و في الأخذ بمرئياتها و لربما أحيانا الأخذ بمواقفها في أكثر من حالة وموقع، في حين بدا المجلس التشريعي في فصله السابق و بعض أو جل مناقشات فصله التشريعي الحالي، عن رغبة جامحة في فرض رؤاهم المتشددة على حركة هذه المنظمات و قطاعاتها الفاعلة في المجتمع. و قد افهم خصام حركتي أخوان المسلمين و السلف و تشددهما مع منظمات المجتمع المدني و التي تحمل في طياتها رواسب تاريخية في جانب منها و اعتبار أو اتهام بعضا من أطراف هاتين الحركتين لأطراف من المجتمع المدني بكونها تمثل فسطاط شر وإلحاد مقابل فسطاط خير و إيمان والذي هي منه. إلا أنني بالطبع لا أفهم هذا الموقف المتشدد من منظمة الوفاق الإسلامية و الغير مبرر بأي حال من الأحوال إلا بكونه موقفا فوقيا وجب عليها تبنيه. وقد أفقد هذا الموقف الوفاق ليس فحسب تعاطف قوى وجماعات سياسية و ثقافية و مهنية محلية و إنما بدا موقفها الأخير دافعا بعض الأوساط الدولية المعنية بقضايا الدمقرطة و حقوق الإنسان في أن تعيد تصنيفها من حركة ديمقراطية داعمة و مناضلة لمزيد من الدمقرطة، لحركة وعظية غير قابلة بالتنوع و التعدد تحت مبررات الدين و الأخلاق، و هو التصنيف الذي تدخل فيه الحركتين السابقتين.

و إذا ما قَََدَرت الظروف و المتغيرات المكشوفة و اللا معروفة في أن تمسك المنظمات الاسلاموية بضفتيها بمفاصل المجلس، و أن يمثلوا الغالبية العظمى من نوابه، فإن عليهم كذلك احترام حقوق القوى و الجماعات الأخرى الفاعلة و المؤثرة في المجتمع. و إذا ما كانت القوى الاسلاموية باكتساحها للمجلس قد مثلت حالة جماهيرية، فإن هذا الأمر لا ينفي عن الجماعات و القوى الأخرى حقيقة أنها تمثل حالة سياسية و فكرية مؤثرة في المجتمع. و قد أثبتت خبرة المجالس البرلمانية العربية ذات الديمقراطيات اللا ليبرالية في الأردن و الكويت و لربما المغرب و اليمن و غيرها أن القوى الاسلاموية توظف سيطرتها أو تمكنها من الوصول لهذه المجالس في فرض أجندتها الخاصة على الفرد و المجتمع بعيدا عن أي اعتبارات أخرى.

و مع ذلك فمن الممكن القول أن الوفاق قد بدت في مواقفها الأخيرة مدفوعة برغبة في بناء تحالفاتها الجديدة مع المنظمات الاسلاموية المتخاصمة معها في المرحلة السابقة و مع التضامنيات التي تشاركها الآن سكنى قبة البرلمان. وهو أمر قد أجده براعة من القوى الاسلاموية الأخرى في إشراك الجماعة الوفاقية في تحالفات على بنود قد لا تمثل بالنسبة لها، أي الوفاق أولوية وفق ما تقول، و إن كانت بالنسبة للقوى الاسلاموية الوعظية الأخرى: الأخوان و السلف و التضامنيات يمثل قمة أولوياتها، وهو يعتبر دون شك نصرا و اختراقا كبيرا لها. من حيث كونه أمرا قد أعاد جدولة أولويات الوفاق في داخل البرلمان من ناحية و أضر بتحالفاتها السابقة، و لربما ساهم في انقطاعها عن حلفائها السابقين من ناحية أخرى. وقد بدت البراعة الإخوانية(نسبة للإخوان المسلمين ) و السلف واضحة في جر الوفاق لفخ لجنة التحقيق في ربيع الثقافة. ففي حين إن المقترح في أصله سلفي-أخواني إلا أن تبني عمائم الوفاق و أفنديتها لذلك، جعل من الهجوم المضاد على نواب المجلس ينصب في جله على رؤوس الداخلين الجدد في اللعبة البرلمانية من الوفاقيين و ليس على غيرهم، و الذي في بعضه قد يؤكد حقيقة أن قدراتهم التعبوية في الشارع و على المنابر لا تبدو قادرة على إسعافهم في تحسس خطواتهم و مواقعهم تحت قبة البرلمان. تماما كما كانت الشرارة الأولى الرافضة لحفل المطربة اللبنانية المعروفة نانسي عجرم قبل بضع سنوات سلفية الأصل و المصدر، إلا أن أعمال الشغب والرفض على الشارع قد جاءت من جماهير أعتبرها البعض بشكل أو بآخر وفاقية، و تماما كذلك كان الموقف من مقترح قانون الحشمة في الجامعة الذي كان مصدره في الأصل أكثر عناصر السلف في المجلس تشددا، إلا أن القطاع الطلابي المحسوب على الوفاق قد كان الأسبق في الدعوة و التجمع لتطبيقه و ليس التنظيمات الطلابية لجماعتي الإخوان و السلف.

و أعتقد أن غلبة الطبيعة الوعظية العامة لجماعة الوفاق البرلمانية، و لربما توجيهات و توجهات قياداتها و مرجعياتها التي في صلبها وعظية، قد أدخلهم في تحالفات جديدة، قائمة أو دافعة نحو تحقيق التديين القسري للمجتمع، معيدا بالتالي تشكيل سلم أولوياتها البرلمانية: من لعب دور تشريعي إلى لعب دور الواعظ و الحافظ الأخلاقي على المجتمع وهو أضعف الإيمان. فأي جماعة سياسية لأسباب ذاتية في هياكلها القائمة أو في رموز و شخوص قياداتها البارزة، و نتيجة لضعف في الرؤى و الإمكانيات أو نتيجة لضيق الفضاءات المتاحة، فإنها تلجأ نحو تبني البنود الهامشية في أجندتها. و هو أمر تنطبق عليه قصة صاحب الحمار الذي لم يقوى على الحمار فصب جم غضبه على "عدته".

و يبقى المعضل الرئيسي لبعض إن لم يكن جل أعضاء المجلس، هو أن المقاعد التي احتلوها و الأبواب التي فتحت لهم أو لبعضهم و التقاطر الإعلامي عليهم، حتى أن صور بعضهم باتت لا تفارق صفحات الجرائد عابسين برهة و "مكشرين" في واحدة و مبتسمين ابتساماتهم الصفراء والمصطنعة و لربما الحقيقة في أخرى. كل ذلك يعطي بعضهم أو جلهم شعورا بالقوة اللا محدودة أو في بعضها القوة المنفلتة، بل و في بعضها الآخر كذلك قوة "معاندة" راكبة للخطأ كاسرة للحق و العرف. كما ويبقى المعضل كذلك، في شعور بعض أو جل هؤلاء و وهو شعور عكسته ممارستهم/ممارساتهم على أرض الواقع، معضدة منه قوة المرجعيات و التضامنيات و التعاضديات التي أستند إليها بعضهم في الوصول لقبة البرلمان. وهم في واقع أمرهم أقرب إلى تمثيل تنظيماتهم السياسية الاسلاموية التي جاءت بهم إلى المقاعد الوفيرة والمغانم الجمة. و كلنا يعرف مداخل إستثاراتهم للعامة و المجتمع و القائمة أما على التوظيف السياسي للدين: كفر مقابل إيمان أو التوظيف التعاضدي للدين أو بالأحرى التوظيف الطائفي للدين: سنة مقابل شيعة، أو توظيف أثني عرقي قائم على التعاضديات القبلية و العرقية: عرب مقابل عجم أو أعاجم أو أصايل مقابل بياسر كما هي في عرف التراتب القبلي الكويتي.

أنه في الحقيقة معضل لا يمكن تجاوزه بالتوظيف السياسي أو المؤقت للدين و الأخلاق و الأعراف، كما لا يمكن تجاوزه باعتبار النائب سلطة غير قابلة للمسائلة أو المراقبة. و مع ذلك فإن المجتمع المدني، يبقى يمثل أحد أهم مصادر التأثير ليس فقط في مسائلة النواب عن أدائهم و مواقفهم، و إنما كأحد أهم مصادر حماية الديمقراطية بكونها حق لكل الناس و للثقافة بكونها فضاء أنساني لا يعاش بغيرها. و لنا في مقال أو مقالات أخرى قادمة مناقشة لموقف الجماعات الاسلاموية من الثقافة أو بالأحرى موقع الثقافة في الخطاب الأيديولوجي الأسلاموي كخطاب شمولي: يخضع الفرد و المجتمع لمنطق خطابه، و لنا في التجربة الإيرانية و الطالبانية أكبر مثال. بل لنا في تجربة الأنظمة الشمولية في الإتحاد السوفيتي و أوربا الشرقية سابقا و بعض الدول العربية الشمولية نماذج أخرى دامغة.

****

وطني‮.. ‬استعد‮... ‬استرح‮... ‬للخلف دُر

رؤى أنس الشيخ

أيها البرلمانيون أعضاء المجلس النيابي‮ ‬المحترمين المنتمين إلى الكتل الدينية والمستقلة الموالية للسلطة والمعارضة لها،‮ ‬أقول لكم ما‮ ‬يزال هناك الكثيرون من ملتنا‮ (‬ملة أهل الفن والثقافة‮) ‬يأملون منكم كل خير ويحسنون الظن بكم والثقة فيكم ويحملون كل الود لكم على اعتبار إنكم أفراد تجاهدون وتحاولون تكريس أنفسكم بإخلاص وبالقدر المستطاع للدفاع عن هذا الوطن وعن أبنائه ومصالحه ومكتسباته بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم وأصولهم وأعراقهم‮. ‬ولا اعتقد انكم لا تحملون في‮ ‬المقابل أي‮ ‬ذرة حب أو ود لمن اختلف معكم واختلفتم معه في‮ ‬الصراع الذي‮ ‬يحدث الآن في‮ ‬الملعب البحريني‮ ‬بين فريقكم‮ (‬فريق المجلس النيابي‮ ‬الوطني‮ ‬ومناصريه‮) ‬وفريقنا‮ (‬فريق الفنانين والمثقفين الوطني‮ ‬ومناصريه‮). ‬ولا أحدثكم هنا بصفتكم ممثلين لجماعاتكم وجمعياتكم سواء السياسية أو الدينية بل كإخوان أعزاء‮ ‬يمكننا أن نتفق وأن نختلف مع بعضنا البعض ولكننا قادرون في‮ ‬نهاية الأمر الجنوح إلى السلم والحرص عليه وليس الجنوح إلى التشنج والعنف والتحريض عليه ولا‮ ‬يعني‮ ‬هذا أن لا نتصارح أو لا نتعاتب أو لا نشير إلى مكامن الخلل ولذا علينا في‮ ‬آخر الأمر أن نتفادى كل ما‮ ‬يفرقنا من أجل توحيد الصفوف ومساندة بعضنا البعض للعمل على الدفاع عن هذا الوطن وتمكين أبنائه لنيل حقوقهم‮. ‬وبالنسبة لي‮ ‬شخصياً‮ ‬لا أستطيع أن أعتبركم من الظلاميين أو إنكم من الجماعات الرجعية أو المتخلفة التي‮ ‬ترغب حقاً‮ ‬في‮ ‬تكميم الأفواه أو تحريم الحرية والثقافة والفنون‮ ‬أو من الذين‮ ‬يريدون أن‮ ‬يكونوا أوصياء على المجتمع وعلى حرية الأفراد والجماعات أو على الفنانين والمثقفين بسبب ما حدث في‮ ‬إحدى فعاليات مهرجان ربيع الثقافة ونظرتم إلى الأمر بأنه خطأ كبير وجسيم لا‮ ‬يمكن السكوت عنه ويجب عليكم محاسبة المتسببين في‮ ‬ذلك‮. ‬ولكن في‮ ‬الوقت ذاته حصل خلط للأوراق بشكل ما من قبل عديدين من لهم مصلحة في‮ ‬ذلك من هم ليس من فريقنا أو فريقكم حيث تم الخلط بين مسائل التجاوزات المالية والإدارية سواء في‮ ‬وزارة الإعلام أو في‮ ‬إحدى قطاعاتها واعني‮ ‬هنا قطاع الثقافة والتراث الوطني‮ ‬وبين ما تم الاختلاف عليه من الجوانب الأخلاقية وليست الفنية حول عرض‮ »‬مجنون ليلي‮« ‬وكل ذلك بسبب الطريقة التي‮ ‬أثرتم بها القضية أو ربما التي‮ ‬أثارتها الصحافة‮. ‬

ولكن قبل أن تغرقوا في‮ ‬الحكم والقرار على هذا الأمر بشكل متشنج أو انفعالي‮ ‬أود أن أطلب منكم طلباً‮ ‬بسيطاً‮ ‬إذا كان لي‮ ‬الحق في‮ ‬أن أطلبه منكم بصفتي‮ ‬أحد أبناء هذا الوطن الذي‮ ‬لا‮ ‬يتمنى إلا كل خير للجميع ولا‮ ‬يتمنى أن‮ ‬يرى كل هذه المعارك أن تحدث بيننا بالرغم من اختلاف القناعات والأفكار ووجهات النظر والتي‮ ‬تصل إلى حد التناقض والتعارض التام في‮ ‬أحيان كثيرة‮. ‬وإذا قبلتم بتنفيذ طلبي‮ ‬هذا لا أريد منكم أن تشهدوا عليه أحد سوى الله سبحانه وتعالى أولاً‮ ‬ثم أنفسكم ثانياً‮. ‬ولذا أود أن أطلب منكم بأن تراجعوا أنفسكم ومسيرة حياتكم منذ نعومة أظافركم وإلى الآن‮. ‬وان تراجعوا مسيرة علاقتكم في‮ ‬السر والعلن مع زوجاتكم وأبنائكم وبناتكم وإخوانكم وأخواتكم وأهلكم وأصدقائكم وجماعاتكم‮. ‬وأن تراجعوا نظرتكم وحقيقة شعوركم تجاه أبناء كل هذا الوطن من مختلف طوائفهم وأصولهم وأعراقهم ومللهم ونحلهم من شمال الوطن إلى جنوبه ومن شرقه إلى‮ ‬غربه‮. ‬واطلب منكم كذلك أن تراجعوا عدد مرات مواجهتكم وجهركم بالحق أمام السلطة وعدد مرات ترددكم وصمتكم عن قول الحق والحقيقة أمام السلطة إما بسبب خوف أو مصلحة أو بسبب نكاية في‮ ‬بعض الأطراف والطوائف الأخرى في‮ ‬داخل المجلس أو خارجه‮. ‬وأود منكم أن تحاولوا أن تتذكروا عدد المرات التي‮ ‬أصبتم فيها بحالات قلق وتوتر وألم وبكاء ومرارة وعدم القدرة على النوم بسبب رؤيتكم لأسر وعائلات ويتامى ومساكين في‮ ‬حالة عسر وضنك ومعاناة وتشرد لا‮ ‬يعرفون معنى النوم والراحة ويعيشون تحت سقف متهالك ممكن أن‮ ‬يسقط عليهم في‮ ‬أية لحظة‮. ‬وأود منكم كذلك مراجعة عدد المرات التي‮ ‬رأيتم فيها أطفالا وشبابا ضائعين ومشردين وعيونهم ونظراتهم تلاحقكم وتلاحق‮ ‬غيركم تنادي‮ ‬وتصرخ تبحث عن من‮ ‬ينتشلهم من الضياع والخوف والألم ويمد لهم‮ ‬يد العون ولم تفعلوا لهم أي‮ ‬شيء‮. ‬وأود كذلك أن تتذكروا عدد الحالات التي‮ ‬شاهدتموها وربما أثبتموها بالأدلة الدامغة من تجاوزات وفساد مالي‮ ‬وإداري‮ ‬في‮ ‬داخل مؤسسات الدولة وبالرغم من ذلك لم تصرخوا ولم تحتجوا وصمتم لأنكم شعرتم بأنكم لن تستطيعوا في‮ ‬نهاية الأمر فعل أي‮ ‬شيء أمام تلك القضايا‮. ‬وأطلب منكم أن تراجعوا عدد المرات التي‮ ‬رأيتم فيها مرضى من أطفال وكبار من أسر وعائلات فقيرة متعففة لم‮ ‬يطلبوا في‮ ‬حياتهم أي‮ ‬مساعدة من أحد مهما اشتد بهم العوز ولكن جرى عليهم الزمن وكشف سترهم وجعلهم مضطرين‮ ‬يسألون الناس المساعدة وفي‮ ‬دواخلهم‮ ‬غصة ومرارة بسبب مذلة السؤال من الطيب والخبيث ومن الرفيع والوضيع ومن الكريم والبخيل وأنتم تعلمون عنهم ولم تفعلوا لهم أي‮ ‬شيء ربما بسبب طائفتهم وأصولهم وانتماءاتهم وعرقهم وديانتهم في‮ ‬بلاد من المفترض أن بها خيرات كثيرة ولكن لا أحد‮ ‬يعلم بالضبط إلى أين تذهب كل تلك الخيرات‮.‬

وفي‮ ‬آخر الأمر أذكركم مرة أخرى بأن تشهدوا الله سبحانه وتعالى على ما في‮ ‬قلوبكم وأن تحاسبوا النفس عند مراجعتها بكل صدق وأمانة عندما تتذكرون الأحداث والمواقف التي‮ ‬حصلت لكم في‮ ‬السر والعلن وحصلت بينكم وبين القريب منكم والغريب عنكم سواء من طائفتكم أو من الطوائف الأخرى في‮ ‬طفولتكم وشبابكم أو في‮ ‬كهولة البعض منكم‮. ‬فمن رأى منكم بعد تلك المراجعة الصادقة بأنه بلا خطيئة فليرجمنا نحن معشر المثقفين والفنانين بالرصاص والقنابل وليس بالحجر‮.

مجابهة بين التنوير والرجعية

‮»‬ومن‮ ‬يصبح حاكماً‮ ‬لمدينة اعتادت أن تحيا حرة ولا‮ ‬يدمرها،‮ ‬فليتوقع أن تدمره هي،‮ ‬فلديها دائما اسم الحرية وعاداتها القديمة لتلوذ بهما في‮ ‬تمرداتها،‮ ‬ولن‮ ‬يُنسيها إياهما لا طول الزمن ولا أي‮ ‬عمل طيب‮. ‬ومهما فعل المرء هناك أو قدّم،‮ ‬ما لم‮ ‬يكن ملاحقة سكانها وتشتيتهم،‮ ‬فلن‮ ‬ينسوا أبداً‮ ‬ذلك الاسم ولا تلك العادات‮...«‬»‬الأمير‮« ‬ميكافيللي‮ ‬

ليس مستغرباً‮ ‬هذا السكوت والتجاهل الحاصلين من قبل السلطة والجهات المعنية الرسمية في‮ ‬البحرين وتفرجها عن بعد على ما‮ ‬يجري‮ ‬الآن من صراع بين طرفين أو جبهتين‮ ‬يصنف كل جبهة الأخرى بتوصيفات ونعوت جاهزة ومعروفة معتمدين في‮ ‬أحيان كثيرة على أحداث وشواهد من التاريخ كمرجع وحجة لإثبات على صحة أقوال وآراء ما‮ ‬يقوله كل طرف عن الآخر‮. ‬ومن الأرجح تعتبر السلطة كل ما‮ ‬يحصل الآن من صراع هو مكسب وغنيمة ثمينة لها تسهّل عليها التحكم بخيوط اللعبة بشكل أكبر من خلال إرخاء الخيوط تارة للبعض وشدها على البعض تارة أخرى لخلق توازنات بين الطرفين أو لتغليب طرف على طرف آخر على حسب ما تقتضيه مصلحتها في‮ ‬ذلك من اجل تقوية سيطرتها وتحكمها بالجميع‮. ‬ونلاحظ أن حتى لعبة التوازنات ظهرت أيضاً‮ ‬من خلال تباين موقف المجلس النيابي‮ ‬المنتخب‮ (‬ذي‮ ‬الصبغة الدينية الموالية والمعارضة للحكومة‮) ‬وموقف مجلس الشورى‮ (‬ذي‮ ‬الصبغة الليبرالية الموالية جميعها للحكومة‮) ‬فلذا فإن السلطة مستمتعة الآن بالمشهد العام الحادث والمثار في‮ ‬الساحة بين الجبهتين الثقافية والدينية‮ (‬الموالية والمعارضة للسلطة من كلا الطرفين‮). ‬وقد صنف الكثيرون الآن هذا الصراع بأنه صراع بين متنورين وظلاميين أو بين تقدميين ورجعيين‮. ‬ومهما كان نوعية هذا الصراع الآن ستسخّر السلطة في‮ ‬نهاية الأمر كل النتائج لصالحها من أجل خلق توازن في‮ ‬الحالة البحرينية من خلال إعادة ترتيب المشهد العام بتقريب وإبعاد أو إسقاط أشخاص على حسب ما‮ ‬يقتضيه الأمر لإرضاء جميع الأطراف‮ (‬وخصوصاً‮ ‬الأطراف الموالية لها من الدينيين والليبراليين‮) ‬وكل ذلك من أجل الدعاية لنفسها وتلميع صورتها داخليا وخارجيا لتثبت للجميع بأنها الملجأ والحامية الوحيدة للجميع والذي‮ ‬يستطيع جميع الأطراف الاعتماد عليها وقت الأزمات من دون أن تقدم السلطة أي‮ ‬شيء‮ ‬يستحق ذكره للطرفين بل على العكس سيكتشف الطرفين‮ (‬سواء الدينيين والليبراليين من الموالين والمعارضين‮) ‬بأن عليهم تقديم أمور وتنازلات عديدة مقابل حماية السلطة لهم والدفاع عنهم‮. ‬
وبناء على شواهد عديدة في‮ ‬مسيرة الحركة الثقافية في‮ ‬البحرين ما تزال السلطة لا تنظر بجدية أو تعتبر الثقافة بأنها إحدى المكونات الرئيسية في‮ ‬تنمية وبناء إنسان هذا الوطن وتشكيل وعيه الحر المستقل القادر على الإنتاج والتفاعل مع المتطلبات والتحولات المختلفة القادرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل وإنما تعتبر الثقافة بأنها جزء من الإعلام والترويج الدعائي‮ ‬الموجه الذي‮ ‬يجب أن‮ ‬يجند ويسخّر في‮ ‬نهاية الأمر لغاياتها ومصالحها ولتلميع صورتها في‮ ‬كل مكان والتأكيد على قناعاتها ووجهة نظرها‮ (‬وديمقراطيتها‮) ‬ومن ثم‮ ‬يتم محاولة فرض نموذج أحادي‮ ‬على الجميع واعتبار ذلك النموذج هو الأمثل والأفضل للمجتمع البحريني‮ ‬صاحبة التاريخ السياسي‮ ‬والثقافي‮ ‬المنفتح والعريق في‮ ‬منطقة الخليج وفي‮ ‬الوقت ذاته صاحبة العادات والتقاليد المحافظة‮. ‬وعادة تقوم السلطة بتقييم مدى قرب أو بعد الأفراد أو الجماعات من خلال مبدأ الولاء لها ولمزاجها وهيمنتها ولذلك عملت السلطة منذ فترات طويلة وفي‮ ‬ظل كل الظروف المختلفة على تجنيد الكثيرين في‮ ‬المجال الثقافي‮ ‬والفني‮ ‬من أجل توظيف ما‮ ‬يمتلكونه من فن وثقافة لصالح تلميع صورتها كسلطة حامية وراعية وإظهارها في‮ ‬أبهى صورها وحلتها بقدر المستطاع أمام الجميع سواء في‮ ‬داخل البحرين أو خارجها ومن ثم محاربة أو تهميش الأطراف الأخرى المغايرة لتوجهاتها بشتى الطرق سواء بشكل مباشر أو‮ ‬غير مباشر ومحاولة منعهم من الحصول على أي‮ ‬فرصة التعبير عن رؤيتهم وقناعاتهم الحرة والمستقلة أو على الأقل الحد منها‮. ‬ولذلك تم تصنيف العديد من المثقفين والفنانين خلال فترات وعهود مختلفة ضمن دائرة الخارجين على القانون والمشكوك في‮ ‬ولائهم للأرض وغيرها من هذه الأمور وذلك بسبب تكريس وربط السلطة بين مسألة الولاء للأرض وبين الولاء لها‮. ‬وقد نجحت السلطة وبشكل كبير في‮ ‬فترات مختلفة في‮ ‬تجنيد عديد من المثقفين والفنانين وجعلتهم‮ ‬يدافعون عنها من‮ ‬غير أن تتعب وتجهد نفسها وإنما أصبحت تترقب الأمور التي‮ ‬احتوتها من خلال الموالين لها وكل ذلك في‮ ‬مقابل ماذا؟ بضعة دنانير تخصصها كميزانيات للثقافة والفنون وبضعة دنانير تخصصها للعطايا التي‮ ‬لا‮ ‬يستفيد منها بالطبع إلا من‮ ‬يظهر لها ولاءها وقربها وانتماءها للسلطة وحتى تلك الميزانيات المخجلة التي‮ ‬تدفع للجمعيات الفنية والثقافية تقدم على إنها‮ (‬مكرمات‮) ‬وكثيراً‮ ‬ما أوحت تلك الجهات رسمية معنية بالثقافة والفنون للمؤسسات الثقافية والفنية الأهلية بأنها في‮ ‬الأساس‮ ‬غير ملزمة وغير مجبرة على دعمهم لأن الأولوية للمشاريع الثقافية والفنية الرسمية التي‮ ‬تقيمها الدولة ولكنها متفضلة ومتعطفة عليهم،‮ ‬وبالتالي‮ ‬نجد إن المال العام أصبح مختطفاً‮ ‬بجانب ما تم اختطافه‮ (‬الثقافة والفن والإعلام‮) ‬تحت حجج وذرائع واهية تارة بحجة أولويات مصلحة البلاد والعباد وتارة بحجة معرفتهم بحقيقة الأمور أكثر من الذين‮ ‬يتكلمون ويحتجون ويعارضون من خارج السلطة‮.‬

ومثل ما تم ذكره آنفاً‮ ‬ستعمل السلطة على استثمار ما‮ ‬يجري‮ ‬الآن ولاحقاً‮ ‬من صراع وشد الحبل وإرخاءه بين الطرفين‮ (‬المثقفين والدينيين‮) ‬وستحاول أن تجيّر كل الأمور في‮ ‬نهاية الأمر لصالحها وهي‮ ‬مسترخية ومطمئنة لأن كثير من الأطراف الآن وخصوصا جبهة المثقفين والفنانين تريد من السلطة أن تقف معها ضد الآخر ولذا نلاحظ الآن بأن عمليات مغازلة السلطة قد بدأت بطرق مباشرة وغير مباشرة ومن المتوقع بأنها ستزداد كلما زاد الصراع بين المثقفين والدينيين لدرجة إننا ربما سنرى كيف كثير من أهل الثقافة والفن سيتنافسون فيما بينهم لمغازلة السلطة بطرق ووسائل متعددة وربما مبتكرة نسمع عنها لأول مرة من أجل الحصول على جزء ولو‮ ‬يسير جداً‮ ‬من‮ (‬الكعكة البحرينية‮) ‬التي‮ ‬لم‮ ‬يستطيعوا الاستفادة منها إلى الآن والتي‮ ‬يرونها تقسم وتوزع أمام أعينهم‮ ‬يمينا وشمالا على بعض‮ (‬الأفراد‮) ‬من داخل البحرين وعلى‮ (‬جماعات‮) ‬من خارج البحرين أما الباقون فهم جالسون وينظرون بحسرة على ما‮ ‬يحدث للكعكة البحرينية من تقسيم لم‮ ‬ينالهم حظاً‮ ‬منها وربما للأبد‮.‬

محاكم التفتيش‮ ‬
وما‮ ‬يضيف البهجة على السلطة الآن ما‮ ‬يسمعونه ويقرأونه في‮ ‬بعض الصحف بأن هناك بعضا من المثقفين‮ ‬يشعرون بالندم على وجود الديمقراطية في‮ ‬هذا الوطن مادام الذي‮ ‬يتحكم بالمجلس النيابي‮ ‬ويسيطر عليه أشخاص دينيون‮ (‬ظلاميون ورجعون‮) ‬الذين‮ ‬يريدون أن‮ ‬يؤسسوا لمحاكم تفتيش للفن والثقافة وللحريات العامة وحرية التعبير ولحرق الكتب على حسب تعبيرهم بدل من اهتمام هذا المجلس ذي‮ ‬الصبغة الدينية بملفات الفساد والتجاوزات وتحسين من وضع وظروف الناس المعيشية‮.‬
ربما‮ ‬ينظر عدة أطراف الآن بأن ما تم إثارته من قبل قلة من المثقفين حول شعورهم بالندم للكفاح الطويل من أجل تحقيق الديمقراطية في‮ ‬وطننا بأنه نوع من الذريعة والعذر‮ ‬يوجده المثقف الآن لنفسه لمغازلة السلطة والتقرب منها وذلك من خلال إقرار‮ ‬غير مباشر بصحة وجهة نظر السلطة في‮ ‬عدم منحها الحريات في‮ ‬السابق لمجتمع‮ ‬يبدو إلى الآن‮ ‬غير واعي‮ ‬وغير مدرك لأهمية الفن والثقافة ولحرية التعبير وكل ذلك بسبب هؤلاء الدينيين المهيمنين على المجلس النيابي‮ ‬الذين‮ ‬يريدون محاكمة الثقافة والمثقفين من خلال محاولتهم لتهييج الشارع الآن على الفنانين والمثقفين بدلاً‮ ‬من أن‮ ‬يركز المجلس النيابي‮ ‬على الأولويات وتفعيلها لتأكيد دوره الحقيقي‮ ‬كحام للشعب والمدافع عن حرياته ومعتقداته وانتماءاته وهوياته وثرواته الطبيعية وأمواله وثقافته وفنونه وتراثه‮.‬

وهنا نتساءل هل حقاً‮ ‬ستفوّت السلطة والجهات الرسمية المسؤولة عن الثقافة الآن من الاستفادة بأقصى قدر ممكن من هذا الحدث للتأكيد على قوتها ولاستعراض مزيد من عضلاتها وتحكمها من خلال توجيه رسائل محددة وغير مباشرة لأطراف عدة بأن عليها أن تكون مع السلطة ومع بعض الأشخاص المعنيين بالشأن الثقافي‮ ‬والفني‮ ‬لأنهم الوحيدون القادرون على حمايتهم من الأطراف الأخرى الدينية‮ (‬الظلامية)؟
وهل ستتأخر في‮ ‬استثمار حالة المغازلة الموجهة إليها من قبل بعض المثقفين والفنانين وتقريبهم وتعزيز مكانتهم من أجل الاستفادة منهم ولخلق حالة من التباعد بين المثقفين ووسطهم الثقافي‮ ‬من خلال تقريب البعض وإبعاد البعض الآخر على حسب ما تقتضيه المصلحة والظروف؟

وهل‮ ‬يمكن لفرقاء الأمس‮ (‬السلطة وبعض من المثقفين والفنانين‮) ‬أن‮ ‬يكونوا أصدقاء اليوم؟ ومن هم هؤلاء المثقفون والفنانون الذين‮ ‬يرغبون في‮ ‬التصالح مع السلطة الآن؟ وهل هذا التصالح مع السلطة سيوظف من أجل الثقافة والتنمية والعمل على إطلاق مزيد من الحريات؟ أم من أجل أهداف وأغراض وطموحات شخصية؟ أم من أجل النكاية بالتيارات والقوى الدينية؟ أم من أجل النكاية بأعداء‮ (‬الكار‮) ‬الثقافي‮ ‬والفني‮ ‬الذين‮ ‬ينصبون لهم العداء وتوجيه النقد الدائم لهم ولإنتاجهم الفني‮ ‬والثقافي‮ ‬وخصوصا إذا كان لإنتاجهم الفني‮ ‬والأدبي‮ ‬صدى واسع ومردود مادي‮ ‬ومعنوي؟
ومن هم المثقفون والفنانون المتصالحون فعلا مع السلطة ولكنهم‮ ‬ينكرون ذلك بالرغم وضوح الصورة لدى الكثيرين بمدى استفادتهم استفادة مباشرة من إمكانيات ودعم الجهات الرسمية ومن بعض الأشخاص معنيين بالشأن الثقافي‮ ‬في‮ ‬المؤسسة الرسمية؟ وهل عند مواجهتهم بذلك سيحاولون إنكار هذا الأمر أمام الجميع وخصوصاً‮ ‬مريديهم والمؤمنين بأفكارهم التحررية والتقدمية وبأنهم ما‮ ‬يزالون على موقفهم ومبادئهم معتمدين للدفاع عن أنفسهم بتاريخهم النضالي‮ ‬السياسي‮ ‬السابق؟ ولكن إلى متى ستستمر العلاقة الودية‮ (‬إن جاز لنا التعبير‮) ‬بين السلطة وبعض المثقفين المعارضين‮ (‬سابقاً‮) ‬على هذا النحو؟ وهل العلاقة الودية هذه قائمة على أساس قناعة وإيمان كل طرف بالآخر بأنه ند للآخر ومتساوي‮ ‬مع أم لا؟‮ ‬
ومن ناحية أخرى لماذا تتعمد السلطة عادة والجهات الرسمية المعنية بالثقافة بتجاهل مطالبات وانتقادات وتصريحات المثقفين والفنانين البحرينيين بشأن تعديل الوضع الثقافي‮ ‬والفني‮ ‬ووضعهم كفنانين ومثقفين وتنتهي‮ ‬إلى لا شيء وكأن شيئا لم‮ ‬يكن ولا ذا أهمية أو اعتبار‮. ‬ولماذا لا تتدخل السلطة أو تصرح بشيء إلا إذا أحست بأن الأمر سيضر بسمعتها وصورتها وربما‮ ‬يهدد كيانها بسبب ما تحمله السلطة من قناعة راسخة بأنها تستملك القوة وكل شئ على أرض الواقع وبأن على الجميع السمع والطاعة من‮ ‬غير أي‮ ‬مناقشة أو محاسبة إلا من خلال المجلس النيابي‮ (‬المقيد الصلاحيات‮) ‬ليس بغرض إصلاح نفسها وإداراتها وإنما لذر الرماد في‮ ‬عيون المشككين الذين‮ ‬يدعون انه لا توجد ديمقراطية أو حرية أو محاسبة حقيقية لدينا في‮ ‬هذا الوطن‮.‬

التجنيس الثقافي‮ ‬
وهل ممكن أن نتوقع من السلطة في‮ ‬يوم ما بأن تقوم بعملية تجنيس ثقافي‮ ‬مثلما فعلت في‮ ‬أكثر من مرة من عمليات تجنيس سياسي‮ ‬ورياضي‮ ‬وذلك كردٍ‮ ‬على مطالبات وانتقادات الفنانين والمثقفين البحرينيين ومؤسساتهم الثقافية؟ ويا ترى ما هي‮ ‬مواصفات هؤلاء الأشخاص الذين سيتم منحهم شرف التجنيس الثقافي‮ ‬هل اعتمادا على هيئتهم ولباسهم ومشيتهم وضحكتهم وطبقتهم ومرجعيتهم و(برستيجهم‮) ‬أم على ثقافتهم ومدى قدرتهم على رفد الحركة الثقافية والفنية بكل ما هو جديد ومغاير؟ وهل سيتم الاشتراط عليهم التقيّد والالتزام بعادات وتقاليد وسلوكيات المجتمع البحريني‮ ‬أم أن كل تلك الأمور‮ ‬غير مطلوبة فيهم ويستحسن منهم أن لا‮ ‬يلتزموا بها؟ وهل سيتم الاشتراط عليهم التمكن من التحدث باللهجة المحلية أم لا‮ ‬يشترط فيهم حتى التحدث باللغة العربية؟‮ ‬

ليدافعوا من حروبهم ولنتفرغ‮ ‬للدفاع عن حبنا

عبارة جميلة ومؤثرة أطلقها قاسم حداد أثناء حديثه في‮ ‬المؤتمر الصحفي‮ ‬عن عمله المشترك مع مارسيل خليفة ومصممة الرقصات نادرة عسّاف‮. ‬ولكن هل‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون لأهل الفن والثقافة في‮ ‬البحرين نصيب من حب قاسم والدفاع عنهم؟ وهل لهم الحق في‮ ‬معرفة مدى حب قاسم وقربه من الجميع أو على الأقل لكثير من الفنانين والمثقفين والمؤسسات الثقافية والفنية الأهلية الذين دافعوا عنه وعن شركائه في‮ ‬التجربة أم أن حبه هذا لا‮ ‬يشملهم؟ وهل لهم الحق في‮ ‬أن‮ ‬يطالبونه بأن‮ ‬يبيّن موقفه من الذي‮ ‬يجري‮ ‬منذ فترة طويلة من حالة توتر في‮ ‬الوسط الثقافي‮ ‬ما بين الجهات الثقافية والفنية الأهلية وبين الجهات الرسمية في‮ ‬البحرين أم لا‮ ‬يحق لهم ذلك؟ ألم‮ ‬يقل قاسم في‮ ‬لقائه الذي‮ ‬أجراه معه محمد البنكي‮ ‬وأسامة الرحيمي‮ ‬في‮ ‬جريدة‮ »‬الوطن‮« ‬بأن ابن عمته عيسى وأستاذه الأول بصره أن الحياة تستدعي‮ ‬المساهمة والمشاركة بين الكبار والصغار لتحمل عبء الحياة ومتطلباتها‮ (*)‬؟ أليست مشاركة هموم أبناء الحقل الفني‮ ‬والثقافي‮ ‬من صغيرهم وكبيرهم والدفاع عنهم في‮ ‬السر والعلن جزءا مهما من هذه الحياة التي‮ ‬نعيشها في‮ ‬هذا الوطن؟ وهل لهم الحق في‮ ‬أن‮ ‬يعرفوا موقفه ووجهة نظره في‮ ‬مسألة تجاهل وتهميش الجهات الرسمية والمعنية بالفن والثقافة لهم؟ ألم‮ ‬يقل قاسم بأنه استطاع أن‮ ‬يبلور تجربته أثناء السجن،‮ ‬وبعد الاعتقال،‮ ‬ووجد أن قوة الشخص كامنة فيما‮ ‬يحسنه فعلاً‮ ‬لا في‮ ‬ما‮ ‬يزعمه قولاً‮ ‬؟ فهل‮ ‬يعتبر قاسم حياديته وصمته عن ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬الساحة الثقافية من حالة تجاهل وتهميش لكثير من المثقفين والفنانين من قبل الجهات الرسمية المعنية بالشأن الثقافي،‮ ‬من باب ما‮ ‬يجب أن‮ ‬يحسنه فعلاً‮ ‬أم من باب ما‮ ‬يجب أن‮ ‬يزعمه قولاً؟ ألم‮ ‬يتحدث قاسم عن حرجه أمام أسرته الصغيرة وهم‮ ‬يعيشون معاناة،‮ ‬إبان الغزو العراقي‮ ‬للكويت بأنه حار تصرفاً‮ ‬فلم‮ ‬يجد إلا أن‮ ‬يغلق على نفسه باب دورة المياه وينخرط في‮ ‬البكاء الهستيري؟ هل ما‮ ‬يراه اليوم من حال‮ ‬غبن وحسرة وألم في‮ ‬عيون ومشاعر الفنانين والمثقفين للتهميش المتعمد لهم وخصوصاً‮ ‬في‮ ‬المناسبات الكبيرة والمهمة والتي‮ ‬يفترض أن أبناء البحرين هم من‮ ‬يروج للبحرين بجانب التواجد الجميل والفعّال للمدعوين من مختلف دول العالم،‮ ‬لا‮ ‬يدفعه أن‮ ‬يقف بجانبهم أو على الأقل أن‮ ‬يبكي‮ ‬بشكل هيستيري‮ ‬لما وصلنا نحن عليه الآن،‮ ‬أم أن واقع الحال لا‮ ‬يستحق ذلك؟

انسياق الفكر والثقافة للدكتاتور

‮ ‬ألم‮ ‬يقل قاسم أنه حتى الآن‮ ‬يجد كل ما‮ ‬يحدث‮ ‬يومياً‮ ‬من الثمانينيات هي‮ ‬مواقف تكرر انسياق الفكر والثقافة والأدب إلى الدكتاتور والموقف الفاشستي،‮ ‬وان حتى الساعة ستجد هناك من‮ ‬يقترح علينا محو ذاكرتنا،‮ ‬والتخلي‮ ‬عن ضمائرنا وطبيعتنا الإنسانية‮.
‬وإننا لسنا مجبرين أن نكون مع جهة سوى الحرية والعدل والحقيقة وإن هذا الأمر كان‮ ‬يدفع الكثيرين لبكاء متنوع بأشكال مختلفة؟ فهل‮ ‬يا ترى‮ ‬يرى قاسم في‮ ‬عدم إعلان موقفه ووجهة نظره بشكل صريح وواضح في‮ ‬حال الفن والثقافة في‮ ‬البحرين أمام الجهات الرسمية وشخوصها في‮ ‬إنه ليس مجبرا ليكون مع جهة لأنه هذا الأمر ربما‮ ‬يتناقض مع فكرة الحرية والعدل والحقيقة التي‮ ‬يؤمن بها؟ وهل‮ ‬يمكن في‮ ‬حالة عدم رد قاسم بشكل واضح ومحدد حول هذا الأمر أن نعتبر موقفه هذا دليل على تكرار انسياق الفكر والثقافة والأدب لصالح الدكتاتور والموقف الفاشستي؟‮ ‬
وهل للمثقفين والفنانين في‮ ‬البحرين الحق في‮ ‬أن‮ ‬يسألونه عن طبيعة علاقته الآن بالسلطة والمؤسسة الثقافية الرسمية التي‮ ‬دعمته في‮ ‬عدة مشاريع ثقافية؟ ومعرفة مدى بعده أو قربه منهم؟ وهل لهم الحق في‮ ‬معرفة إذا تغيرت نظرة قاسم للسلطة أم إنها لا تزال كما هي؟ ألم‮ ‬يقل قاسم في‮ ‬قضية‮ ‬غزو الكويت إنه مع حرية أن‮ ‬يتخذ الإنسان الموقف الذي‮ ‬يراه دائماً،‮ ‬إلا أن المشكل‮ ‬يومها لم‮ ‬يكن سياسياً‮ ‬بل كان أخلاقياً؟ فلو أخذنا مضمون كلامه هذا وأسقطناه على المجال الثقافي‮ ‬المختطف والمستملك من قبل الجهة الرسمية منذ فترات ليست بقصيرة بل منذ عهود طويلة والذي‮ ‬جعل قطاع كبير من الفنانين والمثقفين‮ ‬يشعرون دائماً‮ ‬بحالة من التهميش والإحباط حيث‮ ‬يرون إن النعمة اقتصرت على البعض وليس على الكل وخصوصاً‮ ‬على من‮ ‬يسبح بحمدهم ويكبر ولذا‮ ‬يتنافس المتنافسون لإرضاء الجهة الرسمية عل وعسى أن‮ ‬يأتي‮ ‬اليوم الذي‮ ‬يتم الاستفادة من هذه النعمة،‮ ‬فيا ترى من أي‮ ‬منظور‮ ‬يستطيع قاسم أن‮ ‬يحكم على هذه المسألة هل من المنظور السياسي‮ ‬أم الأخلاقي؟ ألم‮ ‬يقل قاسم إذا تخلى الإنسان عن شرط الأخلاق فليس من حق هذا الإنسان الزعم بشيء آخر جميل في‮ ‬الحياة وإن الأخلاق‮ ‬يبنى عليها الأدب والثقافة والفكر وإننا كعرب مازلنا نتجرع مغبة هذا الاختلاف الخارج على الشرط الأخلاقي‮. ‬وإن كلما واجه المثقف العربي‮ ‬سؤالاً‮ ‬من هذا النوع انتصر الفاشي‮ ‬والظالم في‮ ‬داخله وانهزمت الحرية والأخلاق؟ فلو طلبنا من قاسم أن‮ ‬يتحدث ليس من الباب الدفاع عن الثقافة والمثقفين ولكن من باب الدفاع عن الجانب الأخلاقي‮ ‬تجاه المثقف وتجاه المؤسسة الثقافية الرسمية فماذا‮ ‬يكمن أن‮ ‬يقول لنا بخصوص هذا الأمر؟ وأي‮ ‬جانب سوف‮ ‬ينتصر في‮ ‬داخله؟

الا‮ ‬يمكن للجهات‮ ‬الرسمية أن تنصت لقاسم بكل محبة

ألم‮ ‬يقل قاسم بالنسبة للصحافة بأن مر عليه تجارب عديدة مع الصحافة العربية والمحلية وان في‮ ‬كل الحالات كان‮ ‬يرفض الحفاوة على أساس التعامل الفردي‮ ‬والشخصي‮ ‬فقط وإنه‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون المعيار عاماً‮ ‬وجماعياً،‮ ‬ويجب أن‮ ‬يحصل الجميع على التقدير؟ فلو طبقنا هذا الكلام على مشاركته في‮ ‬مهرجان ربيع الثقافة مثلا فهل كان قبوله للمشاركة في‮ ‬هذا المهرجان ليس بسبب الحفاوة الفردية والشخصية له وإنما كان بسبب حصول الجميع المثقفين والفنانين البحرينيين على التقدير أم إن قاسم لا‮ ‬يعني‮ ‬البحرينيين في‮ ‬كلامه؟ وهل سيقبل قاسم بتكريم السلطة له إذا ما تم الإعلان عن منحة وسام المملكة من الدرجة الأولى أو الثانية أو أي‮ ‬درجة أخرى؟ وهل في‮ ‬حال قبوله بالتكريم سيكون بسبب وجود معياراً‮ ‬عاماً‮ ‬وجماعياً‮ ‬تم وضعه من أجل أن‮ ‬يحصل الجميع على هذا التقدير؟ وهل للفنانين والمثقفين الحق في‮ ‬سؤال قاسم لماذا لم‮ ‬يأخذ بزمام المبادرة‮ (‬وخصوصاً‮ ‬في‮ ‬الفترة الحالية‮) ‬من باب الحب الذي‮ ‬يحمله للكثيرين للدفاع عن هموم محبيه وحتى خصومه؟ ألم‮ ‬يقل قاسم بأن ليس من طبيعته التفريط في‮ ‬الأصدقاء ويزعم أنه كسب أصدقاء كثيرين لأنه راهن على أخلاق ونبالة الخصومة؟ ألا‮ ‬يستطيع قاسم فعل شيء ما للثقافة أو على الأقل لمحبيه وليس لخصومه ما دام المعنيين في‮ ‬الجهات الرسمية‮ ‬يكنّون له كل التقدير والترحيب والاهتمام ويفتخرون به ويعتبرونه إن جاز لنا التعبير‮ (‬سوبر ستار الثقافة‮) ‬في‮ ‬البحرين؟ وبالتالي‮ ‬ألا‮ ‬يعتقد قاسم في‮ ‬حال أخذه بزمام المبادرة بأن هؤلاء الرسمييون سوف‮ ‬ينصتون إليه بكل حب واهتمام وتقدير ليس لدفاعه عن الوسط الثقافي‮ ‬كله ولكن لدفاعه عن هموم محبيه المهمشين والذي‮ ‬يشعر انه واحد منهم؟ أم إن قاسم‮ ‬يرى إن كل ما‮ ‬يشعر به محبيه من فنانين ومثقفين ما هو إلا مجرد أوهام وأضغاث أحلام‮ ‬غير حقيقية أو واقعية وإن هذا الأمر لا‮ ‬يعينه ولا‮ ‬يستحق العناء من أجله؟
أرجو أن‮ ‬يتكلم قاسم ويرد على تساؤلاتي‮ ‬ولو بقسوة المحب أو حتى من‮ ‬غير محبة إذا شعر بعدوانية تساؤلاتي‮ ‬وغدرها،‮ ‬فهل‮ ‬يستطيع بردوده من تحويل التناقضات والكراهية والمجاملات والنفاق الذي‮ ‬أصبح‮ ‬ينخرنا ويستهلكنا وينهك قوى عقولنا ووعينا ومجتمعنا ووسطنا الثقافي‮ ‬إلى حالة أخرى جميلة تجعلنا نتشارك معاً‮ ‬في‮ ‬الدفاع عن كل شيء جميل في‮ ‬هذا الوطن قبل أن‮ ‬ينتهي‮ ‬ويتلاشى ما تبقى من الحب والدفء والمودة من عند الكثيرين وعند الذين دافعوا عن قاسم؟ ألا‮ ‬يعلم قاسم أن هناك كثيرين شعروا أن حب قاسم هو حب أناني‮ ‬وذاتي؟ وألا‮ ‬يعلم قاسم أن كثيرين أيضا لم‮ ‬يشعروا بتاتا بدفاعه عن الحب واعتبروا دفاعه هذا مزيفاً‮ ‬ودعائياً‮ ‬واستعراضياً؟
في‮ ‬حالة رغبة قاسم للرد على التساؤلات أتمنى أن‮ ‬يرد على كل التساؤلات أو أن‮ ‬يمتنع كلياً‮ ‬عن الرد وهذا طبعاً‮ ‬من حقه ولا أحد‮ ‬يستطيع إجباره على أمر لا‮ ‬يرغب فيه‮. ‬وربما لن‮ ‬يحصل قاسم أصلاً‮ ‬على فرصة للرد لأن هناك الكثيرون من محبيه ومريديه ومعجبيه الذين سيسارعون في‮ ‬الدفاع عنه ويتولون الرد على كل تلك التساؤلات ربما بموضوعية وحب أو ربما بأقصى حد من القسوة فعند تلك اللحظة ربما‮ ‬يفضل قاسم الركون لصمته وربما سيرى في‮ ‬حينها إن في‮ ‬صمته شيئاً‮ ‬من الحكمة ولكن كل ما أخشاه ولا أتمناه أبداً‮ ‬بأن تتساوى الأمور في‮ ‬لحظة ما،‮ ‬بين أخلاقيات قاسم وأخلاقيات السلطة‮.

الايام- 23 مارس 2007

أقرأ أيضاً: