استلمت الأسبوع الماضي ردات فعل متفاوتة على عمود ‘’مجنون ليلى .. الوجه والقفا’’ الذي نشر في هذه المساحة. وفيه انتقدت الإزدواجية المرضية التي نعاني منها. ومن مظاهر ذلك تفشي الرياء الثقافي بشكل غير معقول. وتجسد ذلك في كون ما تسمعه وترصده من ردات فعل ومن آراء ناقدة، تختفي ساعة النشر والكتابة، وتظهر عوضاً عنها عبارات الإطراء والمديح بشكل مضحك. وليس عجباً حينما تناقش وتبحث في سبب هذه ‘’الشيزوفرينا’’ أن تجد الأسباب البينة والخفية لا تتجاوز حفظ ماء الود أو خشية الخسارة الشخصية لغنيمة محتملة من هذا أو ذاك.
والبعض لا مانع عنده على الإطلاق - ويا للعجب - التصريح بهذا الكلام من دون رفة جفن.
ردات الفعل، كما قلت كانت متفاوتة، بعضها قيل لي مباشرة. والبعض الآخر، وخصوصاً من كبار السن، فضلوا إبداء الرأي عن طريق وسيط يرتاحون إليه. وبطبيعة الحال لم تكن جميع الآراء مؤيدة أو معارضة، بل هي خليط من هذا وذاك.
ولكن هناك آراء تدعو بالفعل للدهشة لا علاقة لها بما كتبت. فقد كتبت ببساطة: لماذا نكتب عكس ما نؤمن؟ ولمـــاذا تسمع من فلان أن عرض المجنون هو ضحــــك على الذقــون أو هــو عرض تافـــه أو هــــدر للأموال؟
وفي صبيحة اليوم التالي لا نقرأ سوى المدائح المجانية المسبوكة في عبارات مرصوفة بعناية تامة؟ وهذا سؤال مشروع كما أظن؟
وحــتى لا أستطرد أكثر فيما جرى الأسبوع الماضي. أقول في سياق أجواء ربيع الثقافة، إنه لمن المحزن حقاً، ألا نصنع محرمات إضافية، ونسيج حـــول أدبــــاء وفنانين سياج الحصانـــة ونعلق لافتــــات المنع مــــن الاقتراب فحسب.
بل المثير للشفقة إننا حين نقرر نفش الريش، واستجماع القوة، لتسجيل مداخلة أو ملاحظة على هذه الفعالية أو تلك، أن نتنطع بأخذ الإذن المسبق من أصحاب الشأن المباشرين، ضماناً لعدم زعلهم، ولتفادي أي غضبات محتملة. هل يعقل هذا الأمر؟ وهل وصلت بنا الأمور إلى هذا الحد؟
فإذا كان أصحاب ‘’الكار’’ يتصرفون مثل هذه التصرفات الخرقاء، فليس من المستغرب إذاً أن يأتينا غول - على ما عبر زميلنا حسين مرهون - أو رخ أو عنقاء أو أم حمار فتفيض علينا بسخاء بما لم تشاهد وتعرف وتفهم.. هذه الكائنات الخرافية مفهومة تماماً دوافعها، وكذلك أصحاب الكار..
والسؤال من الضحية هنا؟ لا شك أنها الأجواء الصحية للثقافة.
الوقت
*****
بدلاً من مناقشة غلاء الأسعار الذي بات يكسر ظهر المواطن.
بدلاً من طرح الدراسات التي تزيح البطالة عن وجه المملكة.
بدلاً من التفكير جدياً بزيادة الرواتب بما يتماشى وحركة التطور.
بدلاً من فتح المجال واسعاً أمام الشركات العملاقة لفتح مشاريعها في جزيرتنا.
بدلاً من الانفتاح على كل التيارات الفكرية والفنية والثقافية التي تساهم في طرد الموات من جسدنا القابع في زنزانات الماضي.
بدلاً من البحث عن طرق وحلول تبعدنا عن شبح الحرب الذي يدور مسعوراً في محيطنا المحاصر بجميع آلات الدمار النووي وغير النووي.
بدلا من كل ذلك.. يخرج علينا السادة النواب بمقترح له صفة الاستعجال لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية مع وزارة الاعلام بشأن إحدى العروض والرقصات التي عرضت في ربيع الثقافة.
كم تمنيت لو كان هناك من يتقدم بصفة الاستعجال لمناقشة ظاهرة الغلاء (ربما أن النواب لا يعرفون حجم الزيادة التي طرأت على الكثير من المواد الضرورية اليومية، كالحليب والسكر والأرز وغيرها من الأمور المعيشية).
وكم كنت أتمنى ألا يتدخل النواب في إثارة قضايا بعيدة عن اهتماماتهم الحياتية، كالقضايا الفنية.
فالفن ليس هو الطوفة الهبيطة التي يقوم بتجاوزها كل من فك الخط، الفن له آلياته وله خصائصه وتقنياته وربما نحن نختلف مع طرح من روئ وأفكار وأساليب في عمل من الأعمال التي عرضت في البحرين، ولكن هذا لا يعني أن نقوم بالتحقيق مع وزارة تحاول بكل جهد أن تحوّل الأرض البحرينية بتاريخها وحضارتها إلى ملتقى للفكر والإبداع. وزارة تعمل بكل طاقتها للتأكيد على مفهومها الخاص والمختلف والمغاير للسياحة العامة بالسياحة العائلية والسياحة النظيفة والسياحة الثقافية.
كان من المفترض على السادة النواب أن يشدوا على يد وزير الإعلام والشيخة مي بنت محمد آل خليفة على ما بذلوه من جهد ومتابعة ليكون في أرقى ما يمكن أن يكون. وإن حدث لعمل ما ألا يكون في مستوى الطموح الفني فهذا لا يعني نهاية الكون، بل هي تجربة قابلة للتعديل في قادم الأيام، ولا تحتاج إلى لجنة تحقيق بشأنها.
الفن ليس هو الطوفة الهبيطة التي يقوم بتجاوزها كل من فك الخط، لذلك على السادة النواب أن يتركوا الفن لأهله وليقوموا بتشريع قوانين تساهم في إثراء حياة المواطن على جميع الأصعدة والمستويات.
الوطن - 15 مارس 2007
****
أصوات نرجو سماعها
بلا شك فإن قوى التخلف والظلام تسعى الى فرض هيمنتها على المجتمع بأسره وفرض اللون الواحد عليه، حتى تستطيع التحكم بمفاصله حسبما تريد وبما يتناسب ومصالحها وتوجهاتها. ولا تتورع قوى التخلف والظلام هذه من استغلال كل الأدوات، خاصة المنابر الدينية تحقيقاً لهدفها هذا وعبر تغييب الناس دنيوياً وترهيبهم دينياً. ويلاحظ بوضوح أن هذه القوى لم تعد تكتفي بسيطرتها على اتباعها ومريديها، إنما مدُّ سيطرتها على كل الناس ومؤسسات الدولة ايضاً، وتحجيم دور المؤسسات الخاصة أو خلق بدائل لها بحجة الحلال والحرام. وللأسف الشديد فإن هناك دوائر نفوذ ومؤسسات تخشى قوى الظلام والتخلف وتعمل على مهادنتها، بل الأكثر التحالف معها إما علانية او من تحت الطاولة وذلك حفاظاً على كرسي هنا او هناك او مصلحة ما، ولتذهب مصلحة المجتمع الى الجحيم! وللأسف الشديد ايضاً فإننا نرى تراجعاً شديداً في دور الدولة المستنير والحضاري امام هذه القوى، وتقديمها تنازلات عدة وفي مواقع مختلفة بما يخلُّ بدورها كدولة مدنية تتحمل مسؤولية المجتمع بأسره وليس فئة أو كتلة أو جمعية. إننا نفهم أن هناك من هم من ذوي النفوس والحجج الضعيفة الذين تحالفوا أو خضعوا لابتزاز هذه القوى، ولكننا لم نعد ايضاً نرى دوراً قوياً للدولة في الدفاع عما حققته البحرين عبر مراحل تاريخية مختلفة من تقدم في اتجاه الدولة المدنية والحريات وتنوع المجتمع، بل إنها في احيان كثيرة لا تدافع عن نفسها ازاء ما تمارسه قوى التخلف من ضغوطات وهجوم. إن دور الدولة المتردد هذا ولّد احباطاً شديداً لدى القوى المدنية والديمقراطية المستنيرة التي وجدت نفسها وحيدة في الساحة، تقارع قوى الظلام والتخلف بأدوات بسيطة، وذلك حماية للمكتسبات التي حققها المجتمع البحريني. وعلى سبيل المثال فان اهم واخطر أداة إعلامية تملكها الدولة، ويفترض ان تمثل وجه البحرين الحضاري وهي تلفزيون البحرين فقد تم اقصاء القوى الديمقراطية من على شاشته وتنحية الشخصيات الدينية البحرينية المستنيرة لصالح بعض الدعاة والوعاظ المستوردين، وبعض الدراوشة الذين ينشرون التخلف في المجتمع. واننا إذ نحيي الأصوات الشجاعة التي ترتفع بين فترة وأخرى دفاعاً عن الحريات والتنوع والتعدد والمجتمع المدني، فاننا ندعو في الوقت نفسه الى ان تكون هذه الأصوات مسموعة لدى أصحاب القرار ومؤسسات المجتمع المدني، لانها تعبر عن شريحة واسعة من المجتمع تؤمن وتتمسك بجوهر الديمقراطية لا بقشورها كما تفعل قوى التخلف من أجل تحقيق أهدافها ثم تضرب بالديمقراطية عرض الحائط. إن كثيراً من الشخصيات الكبيرة والفاعلة السياسية والتجارية والثقافية عبّرت عن رأيها بجرأة فيما تجري من محاولات لجر مجتمعنا الى الخلف، ونحن اذ نقدر لهذه الشخصيات إخلاصها للوطن والديمقراطية والحريات وتمسكها بمبادئ الانفتاح والتسامح، فانه لا بد ان تكون هناك صيغة أكثر فاعلية من أجل ان تكون هذه الأصوات مسموعة بوضوح، بحيث توقن قوى التخلف والظلام بأنها ليست وحدها في الساحة، وان البحرين ليست لها هي وحدها فقط. وإننا في »الأيام« سنظل أوفياء مخلصين للمشروع الديمقراطي الذي يقوده جلالة الملك المفدى، وسنظل أوفياء لمبادئنا وسنكون صوتاً قوياً للقوى الديمقراطية والمعتدلة والمستنيرة.
الايام- 18 مارس
****
بالحب بدأ ''الربيع'' وكنا نتمنى أن ينتهي على الحب، لكن يبدو أن البعض أراد له أنه يتنهي على لجنة تحقيق.
منذ اللحظات الأولى التي نزف فيها ''المجنون'' حبه لليلى صفقنا بحرارة، كبيرنا وصغيرنا، هللنا لإرهاصات الحب التي حملها مارسيل وقاسم وبشرت بـ''ربيع'' عامر، حب مزج بين إبداع الفنون كلمة وموسيقى ورقصاً فأثمر لوحة مبهرة لامست الشغاف. أزهار من كل لون، من مشرق الأرض ومغربها اجتمعت في ''ربيع'' استبشرنا به خيراً ورأينا فيه فاتحة سياحة نظيفة تستمد قوتها من قوة الثقافة والحب والجمال، لكن نوابنا الأفاضل رأوا فيه تدميراً للأخلاق ومحاربة للدين، وكان عليهم من منطلق وصايتهم عليهم أن يقفوا موقفاً حازماً ضد ''الربيع''، وضد الثقافة إن لزم. وتبدو هذه الصورة منطقية جداً من حيث أن للنواب حقهم في أن ينظروا إلى الأمر كيف شاؤوا، ومن جهة أنهم يمثلون الشعب، لولا أن عيباً جوهرياً يشوب الصورة، بل يمزقها، ويتمثل في سؤال تغافل عنه كثيرون منهم وهو: من الذي نصب نوابنا الأفاضل أوصياء على الدين والأخلاق دون غيرهم من مكونات المجتمع البحريني الثري بتنوعه، والغني بمكوناته؟! أين حملتكم بوصلتكم حتى تتركوا جبلاً من القضايا والمشكلات التي انتخبكم الشعب لحلها، و''تتشعلقوا'' بعرض غنائي فيه فقرات لم تعجبكم؟!
عندما أراد البعض في لبنان محاكمة مارسيل خليفة بسبب أغنية، تداعى المثقفون اللبنانيون والعرب لوقف المحاكمة، ليس نصرة لمارسيل وأغنيته، وإنما لخصوصية لبنان الثقافية وحرية التعبير والإبداع فيه، بغض النظر عن موقفهم أو موقفنا من الأغنية. لسنا كلبنان ولا نريد أن نكون مثله، فلنا خصوصيتنا الثقافية التي لم تتكون بقرار ولم يصدرها مجلس النواب بقانون، إنها خصوصية تكونت عبر تاريخ طويل وأصبحت جزءاً من هويتنا، وميزتنا حتى عن محيطنا القريب، وثبتت مبدأ الانفتاح على الآخر وقبول ثقافته والتعايش بين الأفكار المختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولن يستطيع مجلس النواب أن يصادر هذه الثقافة بقرار ولا حتى بلجنة تحقيق.
الثقافة في معناها الأعم بوتقة تنصهر فيها العادات والآداب والأخلاق والتجارب التي عايشها شعب على مدى تاريخه، ومصادرة الثقافة بهذا المعنى مصادرة للمجتمع وتحويله إلى لون واحد من نمط واحد، وهذا ضد الحياة وعكس طبيعة الأشياء.
ربما لم يكن صدفة أن يطلق اسم ''ربيع الثقافة'' على المهرجان، إنه ربيع الحب والبسمة والفكر في زمن يكاد يكون خريفاً دائماً في ظل ما نشهده اليوم من صراعات ومخاوف ، فلماذا يريد البعض أن يستمر الخريف، لماذا يقف ضد الطبيعة في تحولها وصيرورتها؟ لماذا يمانع ثقافة الحياة؟ له أن ينظر للحياة كيف شاء وأن يجهر برأيه كيف شاء، وأن ينظر للدين والأخلاق بمنظاره المتشدد أو المعتدل، لكن ليس من حقه أن يستغل ثقة الأصوات التي اختارته ليصادر المجتمع وثقافته، هذه هي القضية.
الثقافة كالهواء، والشعب دون ثقافته أرقام مكررة ليس لها أي خصوصية، فهل يستطيع أحد أن يسد الهواء، هل يستطيع أن يقص أجنحة الكلمة واللحن والفكرة؟ لا أظن.
فلتسدوا منابع الشمس كيف شئتم، ولتشكلوا اللجان التي تحلوا لكم، لن يكون ''الربيع'' إلا ربيعاً وما بدا به الربيع كان دعوة للحب ورسالة رفعت ممثلة في قصة الحب '' ليلى والمجنون'' لتكون الرسالة كطائر الحمام وريشه الأبيض في صفاء النية.
****
ردود الفعل السلبية، والإدانة القوية، التي أبداها أعضاء نافذين في أروقة البرلمان البحريني، إزاء فعاليات ‘’مهرجان ربيع الثقافة’’ في دولة البحرين الشقيقة، مدعومين في ذلك من قبل أوساط دينية (سنية وشيعية) واجتماعية متزمتة، وإطلاق أقذع النعوت بحقها، والمشاركين فيها، والقائمين على تنظيمها، الأمر الذي اثأر استغراب واستهجان الجسم الثقافي، وممثلي مؤسسات المجتمع المدني، وأطياف سياسية بحرينية مختلفة، وهنا لا يجري الحديث أو التشكيك في شرعية كون هؤلاء أعضاء منتخبين، ويعبرون عن خيارات ومواقف قطاع واسع من شرائح المجتمع البحريني، لكن ذلك ليس مدعاة وحقا لهم، أن ينصبوا أنفسهم رقباء، وحراس للفكر والثقافة، وتكميم وحجر الإبداع، وتسطيح العقول أو تنميطها، وفقا لقناعاتهم وتوجهاتهم الفكرية، والاجتماعية، والسياسة والضرر بل الخطر هنا، عندما يجري التركيز على محاربة الإبداع، والثقافة الجادة، ومصادرة الرأي الآخر، وهي قضايا محورية، تعد من مكونات الحرية والديمقراطية والتعددية، التي كفلها الدستور والميثاق الوطني، والذي على أساسه انتخبوا، وعلينا أن نتذكر، ونستعيد ظروف صعود الفاشية أو الحركات الشعبوية (إبان الأزمات الوطنية الكبرى) بمختلف تجلياتها القومية، والدينية، والمذهبية التي حظيت بدعم من أوساط شعبية واسعة، وأحيانا فرضت نفسها عبر الديمقراطية (التي انقلبت عليها لاحقا) وصناديق الاقتراع الشعبي الحر، من خلال تأييد ومساندة الفئات الاجتماعية المهمشة، والمحبطة، وسهلة القياد، في ضوء معاناتها، وتزييف وعيها، وتأجيج وشحن عواطفها، ردا على استئثار رؤية وخطاب رسمي/ شمولي، وغياب ومصادرة وحصار المكونات الثقافية الأخرى، الأمر الذي أنعش وقوى البديل المتمثل في المكونات الاجتماعية والدينية والطائفية المحافظة (على امتداد عقود من الزمن) عبر القنوات التقليدية المتاحة المعروفة. ما جرى في البحرين من محاولة حجر ومصادرة الفكر والإبداع الإنساني الراقي، والثقافة الجادة، سبق أن مارسته وفرضته أنظمة استبدادية بما فيها أنظمة دينية، وكتل وجماعات إسلامية ومحافظة في كثير من المجتمعات والبيئات العربية والإسلامية، ومن بينها مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي، ونستعيد هنا مواقف الكتل الإسلامية المتشددة في مجلس الأمة الكويتي، ضد معرض الكتاب والحفلات الموسيقية ومنعها عناوين كتب وأسماء فنانين وتحديد نوعية العروض والنجاح في فرض الرقابة والضوابط ‘’الشرعية’’ عليها.
الأمر ذاته حصل في السعودية، أثناء وفي أعقاب معرض الرياض الدولي للكتاب. منذ البداية حاولت المجموعات المتشددة التشويش على سير المعرض، من خلال استهدافها منع العديد من العناوين والموضوعات في شتى صنوف المعرفة والإبداع المحلي والعربي والعالمي، التي لا تتفق وتوجهاتها الفكرية المتزمتة، وسعيها لمنع تواجد النساء والرجال في وقت واحد، واستعراض قوتها من خلال الصلاة الجماعية بين الممرات الضيقة للمعرض رغم وجود أماكن مخصصة للصلاة، وحين فشلت محاولاتها في ضوء الموقف الحازم للجنة المنظمة، والإقبال الجماهيري (من الجنسين) الواسع، الذي قدر بنحو سبعمئة ألف زائر من مختلف مناطق المملكة، لفترة المعرض التي استمرت عشرة أيام، وبحجم مبيعات غير مسبوق وصل إلى أكثر من عشرة ملايين ريال وفقا للفواتير المقدمة فقط، ومع أن اللجنة المنظمة استبعدت الموضوعات الإشكالية والحساسة، التي قد تعطي المبرر لتلك المجموعة لإثارة الاضطراب والمشاكل على غرار ما حدث في معرض الكتاب العام الفائت، غيران الهجوم على معرض الكتاب، ومنظميه، ومسؤولي وزارة الثقافة والإعلام، وعلى رأسهم الوزير الأستاذ إياد مدني، استمر في المنتديات، وخطب المساجد، كما صدر بيان الـ 18 من المشايخ المتشددين الذي أشرت إلى محتوياته في المقال السابق، وأخيرا وصلت تداعيات المعرض إلى أروقة مجلس الشورى يوم الاثنين 12 مارس/ آذار الجاري، بمناسبة مناقشة التقريرين السنويين لوزارة الثقافة والإعلام للعامين الماليين 1424/ 1425هـ - 1425/ 1426هـ، حيث تعرضت أعمال الوزارة إلى هجوم ونقد حاد من قبل بعض الأعضاء من الإسلاميين والمحافظين المتشددين، وشمل الهجوم الجوانب الشكلية والإجرائية، ومن حيث المضمون والمحتوى، وخصوصا ما اعتبر ‘’ رفع القيود والضوابط الشرعية عن الحرية الفكرية الذي أدى إلى انتشار الأفكار المنحرفة ونشر المنكرات في المجتمع .. حتى دخلت في بلادنا ثقافات منحرفة خارجة على أحكام الشريعة الإسلامية’’ كما هاجموا قناة الإخبارية والقناة الجديدة في جدة وخصوصا ‘’تبرج النساء في وسائل الإعلام من تلفزيون وصحف ومجلات وما يكون من تفتح وميوعة من المرأة في عدد من البرامج الإذاعية .. وسفورها وإبراز مفاتنها أمام الرجال الأجانب مما هو معلوم من أدلة في الكتاب والسنة’’ وللتدليل على ‘’انحراف’’ الوزارة سميت عناوين روايات لنجيب محفوظ ودواوين شعر لنزار قباني، وفي خطوة تكتيكية لممارسة مزيد من الضغوط على مسؤولي الوزارة، واستعداء الدولة عليهم (خصوصا أن الجميع في انتظار التغير الوزاري المقبل) ركزوا على عدم تنفيذ قرار مجلس الوزراء، بتحويل الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية إلى مؤسستين عامتين. ونذكر هنا الهجوم والتحريض والتهيج من قبل المتشددين ضد قرار الدولة بإدماج الرئاسة العامة لتعليم البنات في وزارة التربية والتعليم. ومن الواضح ان هذا الهجوم المنسق، يعبر عن تزمت وتصلب عقائدي، ويضيق بالآخر، ويسعى إلى فرض مرئياته وأجندته، هو وراء ما تتعرض له وزارة الثقافة والإعلام وعلى رأسها الوزير، ويمتد ليشمل رفض مظاهر الانفتاح كافة، وإرساء قيم التعددية والحرية في المجتمع، وهو ما يتعارض مع منطق العصر، والحياة، والتطور، وقبل كل شيء مصالح المجتمع والدولة في آنٍ معا، في الحاضر والمستقبل، فالتنمية الثقافية هي احد المكونات الاساسية في التنمية الشاملة، والإصلاح، الذي يحظى بدعم ورعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبالتالي هي تشكل حاجة موضوعية ومصيرية للوطن والمجتمع.
الوقت- 22 مارس 2007
****
لسنا من دعاة إشعال الحرائق في بيت أي طيف بحريني، وليس دورنا إطلاق الرصاص على عباءات الأحزاب أو استهداف مضاربهم الحزبية. لسنا من دعاة سكب الزيت الحارق على برامجهم، أو على أطروحاتهم، فهم يطرحون كل شيء، ما يمكن سماعه وما لا يمكن تصوره، ورغم ذلك لن نصادر أحداً ولم نعلن حالة استنفار كبرى، لم نعلن حظر التجوال في أي مدينة أو قرية، ولم نوزع أوسمة تقوم على الاتهام والضرب تحت الحزام، ولم نقبل بمصادرة حرية أي أحد، لإيماننا أن الإبداع يكون بالتنوع وأن الرأي الواحد والفكر الواحد هو الذي يفجر المجتمع.
إن النسخ المتكررة للمجتمع تعني الموت الحقيقي واللون الواحد يقتل البلاد، ولذلك آمنا بالفكر رغم أن بعض الحرائق الفكرية وصلت إلى دار الجميع، وبدأت تأكل ثياب الجميع، بسبب انتشار الميليشيات العقائدية وشرطة العقيدة، التي تصطف على أدمغة المجتمع عند كل الأطياف لتطعن الحرف وتصادر الكلمة.
لم نطالب بمحاسبة الشرطة العقائدية في أي محكمة عسكرية ثقافية، لإيماننا أن الثقافة ضد المحاكم العسكرية وأن العدو اللدود للثقافة هو المسدس.
على طول التاريخ ومنذ محاربة جاليليو والحلاج إلى طعن نجيب محفوظ وغيرهم، ونحن نشهد مشانق الإبداع تنصب في الساحات العامة لاغتيال الحروف الأبجدية وعدم قبول سماع الصوت الآخر.
منذ زمن بعيد ونحن نشهد سيافي الزهور تتفنن في اقتطاع الأشجار والدوس على الورود وتخريب الحديقة الإنسانية الجميلة، لكن في نهاية المطاف الصوت المعتدل هو الذي ينتصر لذلك بقيت الثقافة وحرية الثقافة متربعة على سفوح المجد، تحارب لون الزهرة سيف التشدد وسكين الإقصاء. إن سنة الله في الأرض أن يكون هناك اختلاف، ونحن نبحث عن الاختلاف التكاملي، الاختلاف الذي تتبرعم على كتفه زهور أمل الإنسانية في الخلاص من التزمت والعصبية والعدمية والإلغاء، الاختلاف التكاملي الذي يضع ضياءه في نفق الانغلاق الذي أكل الدين وشوه الدين عند العالم بأسره باسم الجهاد. الدين الجميل، الذي يتلمس الرحمة في القلوب، والذي يزحف على صحراء الهمجية ليزرع قنديلاً بدلاً من الرمح وزهرة مكان الخنجر. إنه دين الرسول (ص) الذي نبذ العصبية والطائفية وقال لمن رددها غاضباً (الجاهلية وأنا بين أظهركم، اتركوها، إنها منتنة).
نحن عبر ربيع الثقافة لا ندعي الكمال، ولم نكن نمتلك نية سوء بحبنا لهذا الموسم الجميل، بل كل الهدف هو تحريض الشمس على البقاء مدة أكثر على كتف المنامة لتبقى البحرين ملونة بأشعتها الذهبية شاهدة على قوس قزح الحضارة.
أراد القائمون أن يغسلوا بمطر ربيع الثقافة الأدران السياسية التي تراكمت لسنين طوال لتبقى النخلة شامخة وتحبل الحياة بولود كريم اسمه الثقافة. إن البحرين ولسنين طوال هي قلعة الثقافة، ولازال صوت نزار قباني يبعث الأمل وهو يرتل أجمل قصائده لهذه الحسناء الجميلة التي وزعنا ثوب عرسها في المزادات السياسية، مازال صوته وهو يردد (إن بحراً من العشق يغرقني فكيف لي أن أواجه عشق البحرين فاأنذا قد جئت لأنام على ذراع المنامة). مازال صوت أمين الريحاني وهو يغسل وجه البحرين بألوان أدبه الجميل ومقولاته في حقها باقية في الذاكرة.
إن بحرين الثقافة لا يمكن أن تموت أمام طلقات الرصاص العشوائية التي احترفت قتل الغزلان باسم الخوف على الدين. إن البحرين قلعة التنوع الحضاري، يزينها صوت الأذان الجميل، وتلون سماءها أصوات الكنيسة الإنجيلية والبيت المقدس، يلون سماءها المأتم حيث يشمخ أسد كربلاء ويلون سماءها مسجد الفاتح.
قدر البحرين هذه التشكيلة الجميلة المتكدسة على ربوع التسامح في المنامة. فلا نقبل لوناً غير هذا اللون. قدر البحرين أن يمارس الجميع نشاطه بالقانون. لهذا نقول سيبقى ربيع الثقافة موسماً نغتسل من خلاله مما علق بالثوب من تناقضات سياسية.
خنقنا التسييس فما عدنا نحتمل مزيداً من استعراض العضلات. لن نقبل بالمصادرة ولن نسكت فلا وصاية بعد اليوم. كما للآخرين صوت لنا أصوات، بل لنا ألف صوت وصوت وألف قلم وقلم وألف خطاب وخطاب، نكتب في الداخل والخارج وعبر كل القنوات لأن الرصاص لا يمكن أن يلغي الصوت الجميل وقديماً قيل: بإمكانك أن تعتقل إنساناً، ولكنك لن تستطيع مصادرة الحلم.
حلمنا أن نعيش سوية كإخوان متحابين بلغة حوارية عصرية بعيداً عن ترهيب السيف أو ابتسامة السكين.
الوطن- الخليج- 20 مارس 2007