أما وقد صممتم على تشكيل محكمة للتفتيش عن الآداب العامة في الثقافة فلا يمكن إلا أن نصر على أن تكون هناك معايير خاصة لأعضاء هذه المحكمة، فلا ينصب أحد نفسه قاضياً دون معايير تتناسب ومهامها، فمن يحقق في الفساد المالي على سبيل المثال لابد أن تكون ذمته المالية بريئة، ويثبت ذلك علناً وبشفافية، مثلما تقدمتم بقانون إبراء الذمة المالية، وفرضتم كشف إبراء الذمة المالية لأعضاء السلطة الرقابية التي سيناط بها محاسبة المسؤولين على صرفهم المالي، لابد إذاً لمن سيحقق في الذمم الأخلاقية للناس أن يقدم كشفاً بمدى التزامه هو بالآداب العامة وبذمته الأخلاقية، ليس هو فحسب .. بل هو ومن هم في ذمته من أقارب من الدرجة الأولى، فإن كانت مي الخليفة ستحاسب على التزامها بالآداب العامة، فليحاسب كل من إبراهيم بوصندل والحادي والمزعل ومراد والفضالة والعسومي وأدبهم العام وذمتهم الأخلاقية!
فمن سيفتش عن التزام الآخرين بالآداب العامة عليه أن يثبت مدى التزامه هو بتلك الآداب في السر والعلن، وأنه بلا خطيئة حتى نعطيه حق رمي الآخرين بالحجارة حين إدانتهم، ليس هذا فحسب بل لابد أن يكون اعضاء اللجنة التي ستحاكم المثقفين اصحاب مؤهلات أكاديمية تتناسب وهذه المهمة كي يكونوا أهلا لهكذا تحقيق، وليدخل القراء على الموقع الإلكتروني لمجلس النواب ويطلعوا على تلك المؤهلات، أما نحن فلا نريد نشرها لأن الله حليم ستار!
مشكلتنا مع الجماعات الإسلامية ليست خصومة حتى نفجر بخصومتنا تجاههم، وليست شخصية مع أفرادهم الذين نكن لهم كل المودة، مشكلتنا معهم هي الاختلاف حول تحديد الخطوط الفاصلة بينهم وبين الآخرين.
هم يحاولون أن يفرضوا خطوطهم الخاصة ''بالآداب العامة'' بالنص النظري الديني، في حين أن الآداب العامة رهان متغير بتغير الزمان وبتغير المكان وبتغير أهواء وأمزجة الناس، والالتزام بالنظرية لا يمكن أن يكون واحداً عند البشر، واصطدامكم مع الناس هو حين تحاولون أن تفرضوا النظرية على واقعهم، فتخترقون حدود الآخرين.
فبعض شعوب أفريقيا العراة لم يتعروا لجهلهم بقوانين الحشمة، والسيدة الهندية الفاضلة لا تظهر بطنها لأنها قليلة أدب، وأمهات الكثيرين منا لم يكونوا غير ملتزمين بالآداب العامة حين كانوا يلبسون أزياء الخمسينات والستينات، والتاريخ الحضاري الإسلامي حافل بتراث مكتوب لو أعيد احياؤه فيما كان يجري في قصور أمراء المؤمنين لشاب ما تبقى من شعر في رأسكم ورأس ولدانكم، فلكل مكان وزمان وشعب سماته من حدود الآداب العامة بغض النظر عن اقترابه أوابتعاده عن المفروض وما يجب من النظرية.
وللعلم رغم شديد احترامي لقاسم حداد كشخص،وأعرف مدى رقيه كإنسان وأدبه الجم، إلا أنني لا أستسيغ الشعرالنثري، ولست من هواة مارسيل خليفة، ولم أحضر العرض وأرى في اللقطات -التي كان لدعاة اللجنة شرف انتشارها!!- مبالغة في التعبير الحركي عن جنون قيس وليلى، وللعلم فإن قصيدة مجنون ليلى تدرسها مدارس وزارة التربية والتعليم، ولكن أن أخضع الأستاذ قاسم ومارسيل وعشاقهما لذوقي الخاص ولرؤيتي الخاصة بالآداب العامة فذلك خارج نطاق المنطق، ولا يمكن أن أتهم مبدعين كقاسم حداد ومارسيل وكل القائمين على عرض مجنون ليلى بأنهم لا يحترمون (الآداب العامة)، وبالتالي هذه الفزعة من الشعب البحريني لهم صحافة ومؤسسات مدنية أتت من جميع الأذواق لأننا لا يمكن أن نسمح بمحاكمة هؤلاء القمم ورؤاهم الإبداعية من خلال لجان تفتش على أخلاقهم ، هذا مرفوض كمبدأ حتى لو كان هذا هو العرض الوحيد الذي اعترضتم عليه، المبدأ الذي نرفضه أن تقرر لجنة ما أو أفراد حتى وإن كانوا نوابنا - مع الأسف- إن كان قاسم حداد أو مارسيل أو الشيخة مي يقيمون وزناً أو لا يقيمون وزناً (للآداب العامة) فذلك عيب، عيب على البحرين إن قبلته، عيب على الحكومة إن سكتت، عيب على الوزير أن تبرأ منه الآن، و ذلك فتح لأبواب لن تغلق ستسلط الضوء على ذممكم الأخلاقية والتزامكم بالآداب العامة، فالاخلاق والآداب وفقاً لمسطرتكم وقانونكم كل لا يتجزأ وبذات القانون ستحاسبون، فهل أنتم على استعداد؟!
الوطن- الخميس 15 مارس 2007
*****
بعد أن تنصّل وزير الإعلام من ربيع الثقافة وهو الذي لم يحضر عرض مجنون ليلي فحسب، بل حضر بعده بأسبوع عرض فرقة كركلا، وعلى فكرة هناك لقطات كثيرة في هذا العرض لو جرّدت من سياقها والتقطت من وزايا معينة مثلما فعلتم لما قل تأثيرها عن مجنون ليلى، فقد حمل الراقصون الراقصات على أكتافهم، وجلست الراقصات ونمن على المسرح وتقلبن عليه، وكان الوزير حاضرًا يصفق وخرج وهو مبتسم ومستمتع بالعرض (يالله خل نشوف شبتسوون؟) بمعنى أنه لم يستنكر ما عرض في مجنون ليلى، وأنه تابع حضور فعاليات المهرجان، بل وظهر في التلفزيون وهو لابس بشته يشكر القائمين على المهرجان، ويشكر المؤسسات الخاصة التي رعت المهرجان ومولته، بل طالب بأن يلقي بكلمة في الافتتاح! الآن يجيب على أسئلة النواب (بلا أدري)؟! ماذا نقول؟ هل يستحق الكرسي أن يتنصّل الإنسان من قناعاته؟ ويستحق بأن يقبل أن يقال عنه بأنه وزير عاجز وبأنه بلا حول ولا قوة، وأن مي هي الشيطان الأكبر؟ أمن أجل كرسي فليقال عني ما يقال المهم أن احتفظ به!!
ثم ماذا عن الدولة، الحكومة، النظام؟ نريد أن نعرف توجهها، رأيها، موقفها، هل هناك سياسية ثقافية للدولة؟ ما هي؟ هل كل وزارة وكل مسؤول له ليلاه التي يغني لها؟
النصُّ المحاكَم ''مجنون ليلى'' تدرّسه وزارة التربية في مدارسها منذ ست سنوات، وقاسم يزور المدارس ويحاضر عن النص، ربيع الثقافة تحت رعاية مجلس التنمية وهو جزء من النظام، فما الذي تغير؟
لم تتفرج الحكومة دون حراك ودون موقف واضح؟ الآن مجلس التنمية لا يمثلها؟ هل نحن أمام صراع للفيلة من جديد، هل هناك أكثر من حكومة وأكثر من نظام؟ أين الموقف الرسمي؟ هل هو بهذا التخاذل الذي ظهر على وزير الإعلام وعلى وزير الدولة لشؤون مجلسي الشورى والنواب؟ وزير يتنصّل ويختبئ في مكتبه ويقبل أن يقال عنه إنه عاجز ووزير يقول (في خطأ لكن ...)؟! هل هذان الموقفان يمثلان موقف الحكومة؟
وهذا يقودنا أو يذكرنا بموقف الحكومة من اللائحة الداخلية للنواب، التي تصر فيها الحكومة على الاستجواب في اللجان، ليس لأن هناك نواباً يستعرضون في الجلسات ويزايدون فحسب -وهذا صحيح-، بل لأنها تعرف أن العديد من وزرائها ضعاف لا يقوون على المواجهة.
وهذا يقودنا من جديد للتذكير بوزراء يرفعون الرأس، ولا يخشون في الله لومة لائم، لا يهمهم بقاؤهم في الكرسي، ومستعدون للدفاع عن قناعاتهم وسياساتهم، ولا يهزهم تهديد بألف استجواب، ولديكم في الدكتورة ندى حفاظ دليل، وفي مي أيضاً دليل التي تركت كرسيها سابقاً حين مست قناعاتها، وعلى استعداد لتركه من جديد، وليحكم مصيرنا من سمّى الثقافة (سخافة وتفاهة وزبالة)!
لا تعتقدوا أن كبش الفداء سيكون مي في هذه الحالة، كبش الفداء هم شعب البحرين الذي سيقدَّم قرباناً لهذا التحالف الثنائي القاتل.
الوطن- لجمعة 16 مارس 2007
******
قبل أن ندخل في سجال «ربيع الثقافة«، وقبل أن تتبادل التهم بين الأطراف، وقبل أن نشهد معركة وعواصف لهذا الربيع الثقافي، يجب أن نرى المشهد من عدة جوانب، ويجب أن نقرأ المعطيات من عدة جهات، إلا فإننا سنجد أنفسنا منحشرين مع طرف ضد طرف آخر، وسنشاهد اصطفافا مثيرا، وزوبعة غريبة، ستسخن معها الساحة فترة من الزمن. ليست القضية قضية صراع بين الحق والباطل أو بين الخير والشر، وليست المسألة مسألة نزاع بين الإسلامية والعلمانية أو الليبرالية،
أو بين التشدد والغلو ضد الانفتاح والانفلات، أو بين الحرية والمصادرة، ولكن المسألة كل المسألة تكمن في «لعبة سياسية« بصريح العبارة، وحتى وإن شارك البعض في تلك القضية وهو يرفع المبدأ الأخلاقي أو استمات الآخرون في الدفاع عن الثقافة من منطلق مبدأ حرية التعبير والحق. بداية.. تكشف قضية ربيع الثقافة عن صراع سياسي وإداري رفيع داخل وزارة الإعلام، طفح وبرز مع الإعلان عن تشكيل لجنة التحقيق النيابية، وهي نتيجة لذلك الصراع والخلاف، وإن كان هذا الخلاف صامت وكامن في فترة سابقة لرغبة الأطراف داخل الوزارة بعدم بيانه وإظهاره للرأي العام، إلا أن الكيل يبدو هذه المرة قد طفح، وأن الفرصة قد سنحت للتصفية، وأن الوقت قد حان لتحديد الصلاحيات وعدم تجاوز المسئول الرفيع من أشخاص في مناصب عليا داخل الوزارة، وإن كانوا مسنودين فترة سابقة من جهات سيادية أو هكذا يشاع ويظن الناس. وبناء عليه فإن النتيجة الحاصلة اليوم جاءت بموافقة ضمنية من جهات رفيعة والجميع ينتظر ما ستسفر عنه نتيجة ذلك التحقيق، إما بنزول أشخاص من كراسيهم الوزارية أو تحجيم صلاحياتهم، وإما ببقائهم فترة أخرى في المنصب استعداداً لمعركة جديدة قادمة لا محال. الأمر الثاني.. هو أن الساحة المحلية والرأي العام لا بد أن ينشغل بمسألة برلمانية ونيابية، ولتحريك الساكن من القضايا بين الحين والآخر، ولإشغال وانشغال الناس بموضوع ساخن، ظاهره أخلاقي وباطنه سياسي. وبناء عليه كانت وزارة الإعلام هي الملف الجاهز دوما لإشغال الرأي العام، وانظروا ماذا يحصل في دول الجوار في مثل هذه المسائل، ولذلك جاء ربيع الثقافة، مع يقيننا بأنه لو لم يكن هناك ربيع الثقافة لكان هناك ملف آخر ومن وزارة الأعلام كذلك، لأنها تزخر بالملفات الجاهزة. الأمر الثالث.. هو أن الغيورين من ذوي التوجهات الإسلامية، والمدافعين عن الثقافة وحرية الانفتاح من ذوي التوجهات الليبرالية يبحثون دوما عن ساحة للنزاع والعراك والصراع، ربما تصل لحد الاستفزاز والتدافع للفعل وانتظار ردة الفعل، ولذلك جاءت قضية ربيع الثقافة على طبق من ذهب، وفي توقيت مناسب كذلك للطرفين. الأمر الآخر.. هو أن لجنة التحقيق في ربيع الثقافة هي بداية لتشكيل لجان تحقيق برلمانية أخرى قادمة في مجالات مختلفة وجهات أخرى، ربما لقطع الطريق عن جهات ومجموعات داخل وخارج السلطة التشريعية، وربما لإشغال الجميع بمثل هذه القضايا والملفات عن ملفات أخرى.. أقول ربما..!! ختاماً.. هناك جوانب أخرى غير صالحة للنشر في هذا المشهد الجديد، فالموضوع ليس متعلقا بربيع الثقافة فقط، ولكنه على صله بربيع عاصفة أخرى، متصلة باللعبة السياسية وكيف تلعب في هذا الوطن.. وافهموها عاد.. لأنها (تنلعب صح)..!!
الايام- 17 مارس
*****
أنا متأكد من أن الشيخ محمد خالد لم يحضر حفل ‘’مجنون ليلى’’، وأنّه لم يشاهد العرض بشكل مباشر، ومتأكد أيضاً أنّ الحفل، أو جزء من الحفل نقل إليه بالصور الفوتوغرافية، وبالكلام على هذه الصور مثل ما نقل شيوخ الدين الآخرين.
ولأنّ الصورة لم تعد تكفي فكان لابد من الكلام عليها أيضاً. نقل إليهم ما حدث بما يشبه العنعنة التي توضح سند المدونات الإسلامية: عن فلان بن فلان، عن فلاني الفلاني، عن ابن فلانة، عن فلان الفلتاني قال: هذه الصور، وهذا الكلام عن هذه الصور يا شيخ. محمد خالد وشيوخ البرلمان واللجنة المزمع تشكيلها هذا الأسبوع قد لا يحتاجون الآن إلى المشاهدة المباشرة للحدث، تكفيهم هذه العنعنة مادام سندها أحد الرجال الثقات، ومادام نقل وحمل الصور والكلام عليها صار بالتواتر، وصار البريد الالكتروني أحد هذه العنعنات. هل ستكون الصور الفوتوغرافية التي وزعت واضحة لديهم جداً، و تصبح دليلا ‘’قاطعا’’ ليس فيه مس من شبهة على أنّ الذي فيها هو ما حدث بالضبط وليس غيره من مبدأ ‘’ما تراه العين هو ما تراه العين’’ ليس إلا، وفي العبارة الإنجليزية التي صارت قالباً بغيضا “What you see is what you see “ لا تحتاج حينها إلى سياقات الحدث في هذه الصور الفوتوغرافية غير رواية ناقل الصور.
قلت من قبل حول موضوع الحصانة الدينية والحصانة القانونية التي يتفرد بها بعض ممثلي الشعب في مجلس النواب، والآن صاروا هم الأكثر طبعا، أن الحصانة الدينية التي يهبها التأويل الديني، والمريدون والجماهير أكثر حضوراً لديهم من الحصانة القانونية، وأنّ التأكيد على أهمية وفعالية الثانية، ومنع استغلال الأولى لم يعد يكفي، وليس فاعلاً أصلاً. فغالبا ما تبدأ الحصانة الدينية بإثارة الموضوع، ثم تنقله إلى الحصانة القانونية لتعطيه صبغة برلمانية ثم تجيش الرأي له عبر الحصانة الدينية بآليات إعلامها.
لكن هل ستستعين لجنة التحقيق المتورطة بالصورة بخبراء الصور؟ أم أنّها سوف تبدأ التحقيق اعتماداً على مبدأ الرؤية الواضحة ‘’ What you see is what you see’’؟ هل ستتخذ من هذه الصور دليلاً قانونياً واضحاً للإدانة؟ أم أنها سوف تشكل بداية حجة أو تشكل قرينة يمكن الاستعانة بها في تعميق البحث؟ وقد لا تحتاج إلى هذا التساؤل!! هل أتوقع حوارات مهمة حول الصورة في الأيام المقبلة، أم أن الصور المنقولة بسند متواتر لا تحتاج إلا إذا الإدانة السريعة؟ شخصيا سوف أتابع ما ينتج عن هذه اللجنة، ولن أهتم ببيانات المثقفين وتوقيعاتهم حول القضية!
هذه الأزمة أزمة ثقافية، وفي إحدى جزئياتها لكنها الجزئية الحاضرة بكثرة: الصورة. كيف غدت الصورة المحرمة شرعاً تستمدّ شرعيتها الدينية من داخلها الآن؟ وصار محرمو التصوير يثيرون قضايا عنيفة عبر الصورة المحرمة ذاتها؟ كيف صار حضورها عندهم كثيفاً ينافس حضور النصوص والمدونات؟ كيف صارت الصورة نصاً له عنعنته الخاصة؟ ربّما هذا ما عنوه بالتصوير عند الضرورة!!
؟ راجع عمود (الصورة الكريهة)، الوقت 293
الوقت
****
يعتبر الضعف النسبي لتمثيل التيارات التقدمية في مجلس النواب وهيمنة التيارات الدينية واحداً من أهم المعضلات التي تعاني منها السلطة التشريعية في البحرين. ويصبح الحديث عن تلك المعضلة مواتيا بعد أن وافق مجلس النواب بغالبية أعضائه على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بشأن بعض الرقصات والأشعار التي قدمت في مهرجان ‘’ربيع الثقافة’’، الذي تنظمه وزارة الإعلام. وغالبية أعضاء المجلس الذي وافق على تشكيل لجنة التحقيق تعني غالبية ممثلي الشعب الذين اختارهم الشعب بملء إرادته ما يجعل الأمر يحمل مدلولا ديمقراطيا ومعبر عن جو الانفتاح الذي نعيشه أكثر من تعبيره عن نكوص ديمقراطي كما يوحي به الحدث، أليس هؤلاء الذين يهاجمون ربيع السخافة هم أنفسهم الذين اشرنا على صورهم في الاقتراع؟ فلم هذا الهجوم على النواب نتاج الديمقراطية إن اسموا ربيعنا بربيع السخافة بدل ربيع الثقافة؟.
القبول بالديمقراطية تعني الإذعان لكل ما ينتج عنها وعن حكم الأغلبية الذي هو موضع خلاف دائم بين مؤيدي الديمقراطية ومعارضيها. فمن أكثر الانتقادات شيوعاً والتي توجه إلى الديمقراطية هو خطر ‘’طغيان الأغلبية’’. . فكما قال بنيامين تكر أكثر المعارضين للديمقراطية ‘’الحكم شيء شرير ولا أسوأ من وجود حكم الأغلبية الذي يلغي رغبة الأقلية’’. وفئة المثقفين استنادا للقوة التمثيلية في مجلسنا الحالي تعتبر أقلية وبالتالي علينا أن نتوقع ماذا يمكن أن يكون من حكم الأغلبية عندما يتجاهل الأقليات. وإذا كنا نتغنى بالديمقراطية وننسى مساوئ حكم الأغلبية يجب إلا نكون انتقائيين في القبول بايجابيات الديمقراطية أو رفض عيوبها.
وان كنت هنا لا أسجل موقف مؤيد لرجال الدين الذين أستغرب تشكيلهم لجنة تحقيق مع وزير الأعلام الذي ساعدهم على تنفيذ أجندتهم خصوصا فيما يخص صالات الفنادق إلا أن سؤالي، ترى لو كان نواب المجلس جميعهم من توجهات تقدمية وشكلت لجان لا تزيد أهمية عن تلك اللجنة للتحقيق في أمر تعتبره تلك القوى التقدمية خطوط حمراء تم تجاوزها، ترى هل كانت ستنتحب الأقلام على الثقافة الشهيدة في أروقة مجلس النواب؟. الديمقراطية في ألمانيا تخطر أي نشاط ثقافي له علاقة بالفكر النازي، والديمقراطية في العراق تخطر أي نشاط لحزب البعث، وبالتالي أي نشاط ثقافي له علاقة بالفكر البعثي فلماذا لم تعتبر تلك التوجهات توجهات قاتلة للثقافة في تلك الدول؟ لأنها أنشطة ثقافية تتجاوز الخطوط الحمراء التي خطتها ديمقراطية تلك الدول إنها الديمقراطية (حكم الأغلبية بغض النظر عن من هم الغالبية) والقبول بنتاجها السلبية والايجابية وعلى أي طرف من الأطراف.
تطرف كلا الجانبين الذين أرجحا ربيعنا بين الثقافة والسخافة إلا أن الجميع أنتقد أعضاء مجلس النواب لتطرفهم الذي أفسد ربيع الثقافة، ولم يتطرق أحد للكتاب الذين انهالوا على النواب متهمين إياهم بالانغلاق والتطرف وقصر النظر الذي يبدو انه لا يطول ويثقب إلا بتلك الرقصات موضع الاحتجاج متناسين أن المجلس الذي غلب عليه التيار الديني هو مجلس يمثل الديمقراطية التمثيلية التي قبل الشعب بها وبكل تبعاتها وهذا التيار الديني المتهم بالتطرف والانغلاق هو نتاج اختيار الشعب وبالتالي ما هو موضع استهجان من ممثل الشعب هو موضع استهجان ممن يمثلهم أليست هذه ثقافة الديمقراطية التي ينتج عنها ديمقراطية الثقافة ومن ثم تجيز لثقافة الغالبية أن تتسيد باقي الثقافات بقوتها التمثيلية؟. أليست القوة التمثيلية للتيار الديني الرافض لربيع الثقافة أقوى من القوة التمثيلية في مجلس النواب للتيارات التقدمية المنتحبة على الثقافة، وبالتالي من حق من يمتلك القوة التمثيلية الأكبر أن يستخدم حقه الذي أهدته إياه قاعدته الشعبية ووافقت على أن يكون هو ممثلهم وبالتالي هو المخول بوضع الخطوط الحمراء التي يشترط ألا تتجاوز وان تحترمها جميع الأطراف؟ انها الديمقراطية ‘’حكم الغالبية’’.
وعلى رغم قناعاتي بأن تلك القضية ما هي إلا استعراض لتحريك المياه الراكدة في مجلس النواب أو مناورة سياسية موجهه ضد وزير الأعلام إلا أنه وبعيدا عن محاكمة النوايا وبغض النظر عن أهمية تلك القضية والتي يرى الكثير أنها تشغل النواب عن المهم كتحسين الأوضاع المعيشية والقضاء على الفساد، قضية ربيع الثقافة بالفعل ليست بالقضية الجوهرية إلا أن أهميتها تكمن في كشف القناع عن قضية الديمقراطية وتداعياتها على الشارع والمثقف الذي لا يقل تطرفا عن شيوخ الدين المتهمين دائما بالتطرف، المثقف الذي أحيانا يصبح انتقائيا. مجلس النواب وصلاحياته وكيفية استخدامه للأدوات كتشكيل لجان التحقيق هو نتاج الديمقراطية التي تخدم رؤى الأغلبية وليس بالضرورة رؤى المثقفين الذين استنادا للقوة التمثيلية هم لا يمثلون غالبية في المجتمع البحريني وإلا لتغيرت تشكيلة مجلس النواب. إن كنا نبحث عن حقوق الأقلية التي تلغيها الديمقراطيات الحديثة تحت وطأة حكم الأغلبية علينا أن نبحث عن حقوق الأقلية التي قد تضيع في دهاليز الديمقراطية في جميع القضايا الوطنية التي ما كانت قضية ربيع الثقافة إلا ‘’بروفة’’ لكل ما قد يحدث ضد أي أقلية من الأقليات وفي قضايا حساسة. وإذا كان يجب أن نتعاطف مع المثقفين والتيارات التقدمية فيجب أن نتعاطف معهم كونهم أقلية ليست لها قوة تمثيلية وبالتالي يجب ألا تستثنى جميع الأقليات من تعاطف مماثل وإلا سنكون انتقائيين في حكمنا على مجلس النواب نتاج الديمقراطية التمثيلية.