هشام الزياني

هل هناك طريقاً غير الدفاع عن مهرجان ربيع الثقافة، أوطريق شجب ما جرى من عروض من جانب إخواننا الذين نكن لهم المحبة والإحترام؟
سوف نجتهد لنقول ما نراه طريقاً آخر بين هذين الطريقين.
قبل أي شيء فإننا نسلم بأن ما جرى في أحد عروض ربيع الثقافة كان خارجاً عن الثقافة، وإذا كانت هذه ثقافة، فإننا نقول أن ثقاقة تلاصق الأجساد ثقافة جديدة لم نسمع عنها سابقاً، اخترعها من أتى بها إلينا.
من دون شك إننا نرى أن مثل ذلك العرض قد خرج عن كل ما يمس الثقافة بمفهومها التنويري والإبداعي والفني.
بالمقابل فإننا كذلك نرى أن إعطاء ما حدث أكبر من حجمه خاصة من قبل نواب الشعب هو أيضاً ليس في صالح النواب أولاً، ولا في صالح المواطن الذي تشغله أمور حياتية وخدماتية يجد فيها القصور الكبير.
من أجل ذلك نقول: إذا كان الإخوة النواب يرون أن لهم دوراً في إيقاف مثل تلك العروض التي تسيء إلى أهل البلاد فماذا يضيرهم لو أنهم شكلوا وفداً لمناقشة الأمر مع وزير الإعلام، أو الشيخة مي الخليفة أومجلس التنمية الاقتصادية أوالثلاثة مجتمعين، حتى نصل إلى توافق بين الطرفين من دون تهويل الأمور وإعطائها حجماً أكبر مما ينبغي.
نقول، وقد قلنا سابقاً، إن على السادة النواب أن تشغلهم القضايا المصيرية التي تشكل أكبر هموم المواطن، العرض الذي تحتجون عليه انتهى، وكان يحضره بضع مئات، لكن مصالح أبناء الوطن أكبر، وحجم هذا الشعب أكبر.
ليس كل شخص أتى إليكم بهذه الصور هو يبحث عن مصلحة البلاد، ربما من أتاكم بهذه الصور كان يقصد أمراً آخر، أن يظهركم على إنكم سطحيون وتبحثون عن القضايا التافهة، والله أن هناك من كان يقصد ذلك، وذهب إلى نواب بعينهم دون أن يذهب إلى نواب آخرين.
يا نوابنا.. إننا نحبكم في الله، من أجل ذلك نقول ابحثوا عن قضايا الفساد المالي والإداري.
ابحثوا عن كل ما من شأنه أن يحسن مستوى معيشتنا، ابحثوا عن أسباب غلاء المعيشة، ابحثوا عمن ينهب الأراضي، ابحثوا عن القضايا المصيرية التي تشكل عصب اهتمام المواطن.
ابحثوا كيف يمكن أن نسهل عملية الإستثمار في البلاد، ابحثوا كيف يمكن أن ندعم اقتصاد البلاد.
ابحثوا كيف أن الربع العلوي من جزيرتنا مأهول، والمساحة الأخرى خالية، ابحثوا كيف نستثمر جزر البلاد إستثمار حقيقي.
ابحثوا كيف نقلص مساحات الفقر بالبلاد، والله ان العرض الذي تتحدثون عنه صار ماضيا ولكننا نريد مستقبلنا.
إن ما يجري في بعض الأماكن من بلادنا ويقوم به أهل البلد يفوق بكثير عرض لفرقة.
مثل هذه القضايا بمثابة (الهاء) للمجلس التشريعي والشارع ينتظر منكم الكثير، بينما المجلس حتى الساعة هو دون الطموح.
؟؟ رذاذ
لماذا لا نتعلم من مطب نانسي عجرم، بالبلاد ألوف من (نانسي عجرم).
المواطن يبحث عن معيشته وقوت يومه ومسكنه وتعليمه وصحته، وأن تكون حقوقه مصانة، وأن يرى أيادي الفساد ومن يسرقون أموال البلد يقدمون إلى المحاكمة (دون عفو أو تنصيب في مكان آخر)، ببساطة شديدة، هذا ما نريد.

الايام- 18 مارس

*****

يا ثقافة ... بغه بغه

الشيخ سلمان بن صقر آل خليفة

موضوع الأمس حرك شجون الأعداد الكبيرة من المثقفين البحرينيين الذين لا يقبلون بوجود الأوصياء الدينيين عليهم .. إخواني وأخواتي الذين يقرؤون مقالاتي تفاعلوا مع مقال الأمس بشكل كبير وأجابوا على السؤال ( هل نسكت لهم ؟ ) بكل وضوح وهو لا .. لا يمكن السكوت لهم وتركهم يحاسبونا مع أن المحاسب لنا في دنيانا وديننا وآخرتنا هو الله العلي القدير الرحيم ..
هؤلاء النواب الذين يعتقدون بأنهم سوف يتمكنون ( بواسطة استجواب وزير الإعلام ) من تكميم أفواه المثقفين في مملكة البحرين، هم بالأساس لايعلمون بأن وجودهم كنواب في المجلس أصبح يشكل عبئاً ثقيلاً على قلوبنا وهماً وغماً وكربةً من كرب الدنيا ونطلب من الله العزيز الحكيم أن يزيحها عنا اليوم قبل الغد .. وإذا كان اليوم يمر علينا مثل السنة كيف نصبر أربع سنوات .. كيف ياربي كيف ؟ ومن وين نجيب الصبر ؟ ..
مجلس نواب كنا متعشمين فيه الخير لأهل البلد، زيادة قيمة قروض الإسكان وتخفيض نسبة الأرباح عليها، الزيادة في الرواتب العامة لمعادلة المدخول مع المصروف، الزيادة في فرص العمل للمواطنين والزيادة في بناء المجمعات السكنية لأهالي البحرين وتقليل حجم الخسائر في الشركات التي تساهم فيها الحكومة، والسيطرة على المال العام وحجم الإنفاق .. وهكذا ..
أما تقولون لي مجلس أو مجلس .. ويطلع هذا في الأخير حد العضو فيه على اقتراح ( بدون رغوة ) واقتراح ( برغوة ) وكأن الاقتراحات في المجلس صايره صابونة لوكس ( برغبة ) وصابونة حمرة بدون رغبة .. وإحنه ضايعين في الطوشة وللحين موعارفين منهو إللي عنده رغبة ومنهو إللي ماعنده رغبة .. وعن أي نوع من الرغبات إحنه نتكلم وخل نسكت أحسن حتى لا نقع في المحظور وندخل في الرغبات المرغوبة ..
بسبب هذا المجلس الحالي للنواب .. صارت في البحرين حفلات زواج غريبة وعجيبة ( يسمونهه) حفلات عرس إسلامي .. العروس والعريس وأهلهم والمعازيم وفرقة موشحات دينية .. والحمد لله الذي هدانا، آمين .. لأكل العيش والربيانا، آمين .. والله حالة وياهم .. والعروس المسكينة ( لتغة ) من القهر تصرخ وتصيح عليهم بغه بغه ..

الوقت- الخليج- 20 مارس 2007

****

لجنة «ضرب الودع»

رضي الموسوي

أما وقد تشكلت لجنة تحقيق تفتش في ‘’ربيع الثقافة’’ بعد أن سمعنا كلاما أنها لا تشكل أولوية، فإن الوضع تغير الآن، فلم يكن النواب الذين شمروا سواعدهم يمزحون، ولكي يعطوا اللجنة قوة دفع أكبر تعبر عن ‘’الوحدة الوطنية’’ فقد وزع أعضاؤها على الكتل، في عملية استحضار تاريخية لحوادث حصلت قبل 1400 سنة.

راقبوهم جيداً على منابر رسول الله (ص) في المساجد والجوامع، وفي الجلسات الخاصة والعامة، سيفلت عقالهم، وسيرتفع صوتهم، فلا صوت يعلو على المعركة مع الثقافة والصحافة، وسيستميتون في تكميم الأفواه مستخدمين كل الوسائل لإخراس كل معارض لهذا التوجه الخطير. ألم يفعلها بعضهم إبان الحملات الانتخابية وسط فرجة رسمية فاقعة؟.
ألم يكفروا منافسيهم في الانتخابات؟ ألم يطل (راش) التشهير أحد المنافسين المعروفين للعامة بتقواه وورعه؟.

نعرف أنهم لن يهدأوا، فقد وجدوها بعد مئة وعشرين يوماً من دخولهم القبة، ولن يتركوها أبداً حتى وإن احترقت البلد، فقد جاءت الفرصة وسيمسكون بها بالنواجذ.

سيستخدمون حصاناتهم البرلمانية وغير البرلمانية ليفرضوا منطقهم، ولن يجادلوا بالتي هي أحسن، بل سيرغمون الجميع على تقبل منطقهم تحت يافطة الحق المطلق الخارج من تحت القبة!.

ويبقى الآخرون الذين رفضوا الهستيريا النيابية ومحاولة الانقلاب على ثقافة التسامح والتعددية. هؤلاء عليهم واجبات أخلاقية وأدبية وحضارية. فالأغلبية الصامتة، ومؤسسات المجتمع المدني التي طالبها بعض النواب بالاعتذار، عليها مأسسة العمل بطريقة مجدية للحفاظ على الحريات العامة والحريات الشخصية وتعزيز التسامح، والعمل للجم الفكر التكفيري الذي بدأ يخرج من قمقمه بطريقة قد تدمر كل ما هو جميل، وكل ما هو طيب.
يعرف الجميع أن اللجنة المشكلة غير مؤهلة لمناقشة كتاب فني، فكيف لها أن تحاكم الثقافة وربيعها؟

ويعرف كثيرون أن بعض أعضاء لجنة التحقيق يحتاجون للتدقيق في سيرهم ورد اتهامات تتعلق بالأمانة والأخلاق سبق أن وجهت لهم.
حتى لا يسرقوا الفرح والحب والتعددية الجميلة من حياتنا، لابد من إطلاق العنان للحناجر الجميلة وهي تلقي شعراً وتغني فناً راقياً.

الوقت 16 مارس 2007

*****

لا.. لثقافة الاكتئاب!

علي سيار

يريدونها لوناً واحداً.. إمّا أبيض وإمّا أسود.. وفي العادة هم يختارون الأسود، ويرفضون كل ما عداه من الألوان! ولذلك هم شنّوا هجومهم على «ربيع الثقافة«.. فقط لأنهم يكرهون شيئاً اسمه الفرح، ويستطيبون بدلاً من الفرح، حالة الاكتئاب.... وربما تمنّوها لو تقيم بينهم إلى الأبد!
قد نغفر للبعض جهلهم بأبجدية الثقافة.. ولكننا لا يمكن أن نغفر لأناس يحتلّون مواقع في مجلس نيابي، يفكّرون بذات العقلية التي يفكّر بها عامّة العامّة من الناس، الذين تُؤدلج لهم الأمور وفقاً لمستويات حالة الكآبة عندهم... ولو قلت لأيّ من هؤلاء بأنّ السماء غائمة - وهي غائمة بالفعل - وأنها يمكن أن تمطر، فإنه - ومن باب الاختلاف المسيّس لا غير - سيقول لك بأن ذلك محض وهم، فلا غيم هناك والسماء لن تمطر.. بل وحتّى لو هي أمطرت ورآها رأي العين، وهي ترشّ وجهه وثيابه، فإنه سيظلّ على موقفه، وسيقول لك بأن ما تحسبه أنت مطراً، إن هو إلاّ من فعل الجن أو شيء من وهم! هؤلاء حبسوا الإسلام المنفتح والمتسامح في قفص ضيّق، وحبسوا أنفسهم فيه، فتراهم لا يلبسون إلاّ الثياب ذات اللون الواحد، ولا يتحدثون إلاّ بخطاب واحد، وربما هم لا يقرؤون إلاّ كتباً منسوخة من كتاب واحد! وإلاّ فما العيب في «ربيع الثقافة«، وقد كان واحداً من أجمل وأنجح المهرجانات الثقافية التي عرفتها مملكة البحرين، فقد كان أشبه بسلّة فواكه طازجة من كل لون ومذاق.. من الشعر، إلى الموسيقى، إلى الرقص الراقي، إلى الفن التشكيلي، إلى المسرح وبقية الفنون الأخرى! هذه السلّة العامرة بكل الألوان والمذاقات الثقافية، هي وحدها التي يعشقها المثقف البحريني الناضج.. وليس المكتئب.

اخبار الخليج

*****

أخيرا هناك ما تستشهدون في سبيله

كريم رضي

كان المثقف المبدع العصري قد قنع منذ زمن من الغنمية بالإياب وارتضى ألا يكون مبشرا أونذيرا سوى لنفسه، وطلق أحلام تغيير العالم مكتفيا بتغيير نفسه أوالمحافظة عليها على الأقل إن أمكن، ومقنعا نفسه ورفاقه بأنه تاب عن أحلام اليقظة وانشغل بيقظة الأحلام وتاب عن عشق الأبطال وانشغل بأبطال العشق.
لم يعد له شغل كثير بمحاربة البرجوازية والرجعية وكل شيء فيه (ية) كما يقول أحد أصحابنا الساخرين، وصار يمشي جنب حائط الحب بدلا من حائط الإيديولوجيا منتقلا من التبشير بالثورة إلى التبشير باللذة ومن حكايات النضال الكبرى إلى حكايات الذكريات الصغرى.اليوم جاء من يقرع رأسه ويقول له أيها المبدع، حسنا، لست آمنا حتى في عالمك. أنك بحاجة لتنشيط ذاكرة البطولة فيك، واختبار قدرتك التي ضمرت على الاستشهاد في سبيل شيء ما، فقد اختلف القوم على كل الفصول واتحدوا على الربيع.
الخبر: (وافق مجلس النواب على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية مع وزارة الإعلام بشأن العروض التي قدمت خلال مهرجان ‘’ ربيع الثقافة’’ الذي تنظمه الوزارة حاليا على أن يتم ترشيح أعضاء اللجنة في الجلسة القادمة)
من أفضل ما قرأته في سياق الرد على هذا الهلع الأخلاقي والديني والسياسي من عروض ربيع الثقافة وخصوصا عرض أخبار المجنون (قاسم حداد - مارسيل خليفة) ما كتبه الشاعر الصديق حسين السماهيجي في إحدى الصحف الزميلة بتاريخ 16/03/2007 منتقدا الرقابة الرسمية على الكتابات الابداعية عموما ومعتبرا إياها لا تقل خطورة عن فتاوى الإسلاميين ضد الإبداع، ثم مطالبا بكل موضوعية وحذر بأن يحترم كل اختصاصه، وألا يخاطر أصحاب المكانة الدينية والشعبية بهذه المكانة بالخوض في أمور ليست من اختصاصهم فيفقدوا هذه المكانة.
والحق إن من يتعرض للرد على دعاة التحقيق فيما سموه ‘’تجاوزا أخلاقيا’’ ودعاة محاكمة نص قاسم وعرض مارسيل سيجد نفسه بين نار الدفاع عن حق المبدع في الحرية الذي بدونه لا يمكن للمبدع أن يكون موجودا، ونار الخوف من أن تستثمر مرافعة المبدع في الهجوم على التيارات الإسلامية السياسية وهوهجوم لا شك يسعد الكثيرين من أنصار (المودرن إسلاموفوبيا) وامتداداتها عربيا وعالميا وهي عقيدة ليبرالية المحتوى لكنها إقصائية اللغة.
لذلك ولئلا يختلط حابل الثقافة بنابل السياسة، نقول لحراس الأخلاق، دعوالابداع وشأنه، ولا تضطروا الشاعر للخروج من عزلته ليرد على رجمكم فليس لدى الشاعر ما يكفي من الأحجار، ولا من الخبرة وهوالذي منذ زمن استراح وأراح، وحلق بعيدا في خيالاته تاركا لكم الأرض والسماء والماء والهواء. دعوه فهو لا يملك سوى الفانتازيا، وأنتم الواقعيون الذين تقيسون العالم بمسطرة الأرباح والخسائر والنفعية غير مؤهلين للأسف الشديد - أوربما لحسن الحظ - لأن تفهموا قصيدة حب مجردة، ناهيكم عن أن تكون راقصة ومغناة. كنتُ قد ذكرتُ في أكثر من مناسبة أننا منذ زمن لم نعد نجد في الأوساط العلمائية عناية بالشعر أيا كان هذا الشعر، لا تأليفا ولا تذوقا، حتى الشعر الديني والصوفي فضلا عن شعر الحيــاة والحــب، وقـلتُ مستغـربا: كيف تكون في هذا البلد الذي أنجب يوما الخطي وعشرات العلماء الشعراء فلا تجد عالما واحدا يتذوق الشعر حتى لو أنك عبرت البلاد من أقصاها إلى أقصاها في ظهيرة جمعة، طامحا في أن تعثر على خطبة صلاة يستشهد إمامها ببيت من حكمة الشعر لما وجدت إلا خيبة الأمل. وكيف تكون في بلد امتزجت الموسيقى والغناء بحياة شعبه في الكدح في نهمة الغوص أوفي شجن الفلاح وهويدور مع الساقية ثم لا تجد من الناس غير ازدراء الموسيقى واعتبارها من سقط المتاع ورجسا من عمل الشيطان ، اللهم إلا إذا كانت - وحديثا فقط - مصاحبة لنشيد ديني، بل وحتى أن استفتاء أولياء الأمور في قبول تدريس الموسيقى لأبناءهم في مدرسة ابتدائية جاء بـ (لا) ساحقة؟!
الآن سأضيف: لأمر ما شعر هؤلاء بخطورة نص شعري موسيقي على أخلاق المجتمع كما يقولون، شعور مصدره الجهل بالشعر قبل أي شيء آخر، فالناس أعداء ما جهلوا. لقد بعُدت الشقة - كما يقول العرب - بين هؤلاء والشعر حتى أنهم يخافون الشعر، وحتى أنهم لا يذكرون مثلا أن الحسين (ع ) هو من أخذ على عاتقه أن يتجشم عناء جمع (قيس ولبنى) - غير قيس وليلى- متوسطا لدى أبا لبنى ليرضخ لسلطان العشق ويتنازل عن إكراهات القبيلة.
ثمة مشكلة - أكاد أقول كارثة- حضارية هنا، وسيضاعفها موقف نواب الشعب، الذين من حيث المبدأ لا ننكر عليهم التحقيق إداريا وماليا في فعاليات الربيع، خصوصا ونحن نقرأ رسالة مديرة هذا الربيع نفسه وكيل الثقافة الشيخة مي آل خليفة، وهي تنقد علنا مهزلة عرض فرقة ‘’كركلا’’ التي حاولت الضحك على ذقون البحرينيين ربما اتكاء على نظرية ‘’كل خليجي مغفل’’ بإقحام إسم البحرين قسرا في قصيدة جزائرية.
لكن التصدي لهذه الإخفاقات الإدارية شيء والمرافعة الأخلاقية ضد قاسم ومارسيل على منابر الجمعة ومنابر المجلس النيابي شيء آخر تماما.
وسيجد المبدع نفسه مضطرا وهو يمسح غبار نافذته التي أغلقها طويلا منشغلا بنسج عزلته، لأن يطل عليكم وهو يفرك بقايا النوم من عينيه قائلا :كفى يا حراس الفضيلة والقبيلة، بالأمس حرمتم قيسا من ليلى أوشئتم أن يبدو الأمر كذلك، حتى وصفتم العاشق بالمجنون. أزعجكم أن يقول شاعر اليوم غير ما ألفتم. أن يقول لكم بالموسيقى والشعر، لم تحرموا قيسا من لذة المحبوب، ولا منعتم هبوب ريح الهوى على خباء ليلى. نفد من سميتموه مجنونا من خلف الخباء حين كان حرسكم ينام وطاب للحبيبين المقام، قبل أن يدركهما الصباح ولما يشبعا من الحب المباح. كفى، ودعو قيسا ولا تقتلوه مرة أخرى، فقيس اليوم ليس وحده، معه قبيلة من العشاق الذين اختلفت أعراقهم واتحدت أذواقهم واشتعلت أوراقهم بالحب والشعر، حتى أنهم مع كل ما تفعلون بهم لا يملكون سوى أن يقولو لكم دعو الحب يضيئكم، فهو الفضيلة الكبرى في هذا الوجود.

الوقت – 17 مارس

*****

الثقافــة

غسان الشهابي

ما الثقافة؟ سؤال يتحوّل بنا كلما مر علينا زمن جديد، وكلٌ يدّعي وصلاً بها، ولا أحد يدري أيّنا تقره ‘’الثقافة’’ بالوصل المطلق والانفصال المطلق عمّن سواه، وربما هذه هي قصتها الأساسية، وهي أنها للجميع، وبالتالي لا يمتلكها أحد، ولا يقدر على اختزانها والادعاء بسدانتها أحد.

‘’المشهد الثقافي’’ الذي تمخض عن أولى ليالي ‘’ربيع الثقافة’’ أثار الأطراف التي تتقاطع عند هذه الكلمة، بين من يقول أن ما عُرض من رقص إيحائي تعبيري قد تجاوز الإيحاء إلى ما يدنو من ‘’الشهوانية’’، وبين من يذبّ عن ‘’الثقافة’’ بوصف ما رآه سموّاً بالفن، وإن من يقول غير هذا لا يعي ‘’الثقافة’’ ولا يفهمها.

النائب محمد خالد يصف المشهد كله بـ ‘’ربيع السخافة’’، مشيراً إلى ما نقل إليه أنه ‘’إيحاءات جنسية’’، ومناهضوه يقولون إن هذا النوع من التفكير لا يمكنه مغادرة الانشغال بالعلاقات الجسدية الضيقة، وعدم قدرته على تذوق الرقي فيما قدمته الفرقة الفنية.

هذه ‘’الثقافة’’ ذاتها هي التي باتت تقطع من المسرحيات والأفلام كلمات تتبدى للرقيب أنها خارج الذوق العام وخادشة للحياء، وهي ‘’الثقافة’’ ذاتها التي تصر على رفع الملابس من أسفل وسحبها من الأعلى عن الأجساد حتى يكتمل الإبداع.. ‘’الثقافة’’ نفسها التي تمسك بالأقلام الثخينة لتعمل في مجلات التصوير الفوتوغرافي حتى تنصرف النفس عن شراء هذه المجلات بعدما ‘’اعتدي عليها’’، ولأن هذه ‘’الثقافة’’ تزعم أنها تحمي المجتمع من الانحراف، و’’الثقافة’’ في عرف آخرين هو كنس كل ما يتوقف عنده المجتمع - أو يتظاهر علنا - لفتح الأفق أمام الإبداع والتفكير، وأن من حق ‘’المثقف’’ أن يتناول كل شيء بما فيها الذات الإلهية، وإن لم يتحرر من هذه القيود، فكيف يكون مثقفاً؟ والمثقف هو أيضاً من يحمي الحدود ويمنع من الانصهار الثقافي وغياب الهوية والتماهي مع كل الأشكال التي تود تغريب المجتمع ونزعه من عروقه.

إن هذا التناحر - الذي يمهّد اليوم لأن يمتد إلى ما هو أكثر من خطبة وأعمق من تصريح وأبعد من مقال - سيعيدنا إلى تعريف الثقافة، أين تبدأ وأين تقف وهذا محال، وهل يمكن لرقيب الأفلام والمسرحيات أن يسعد لوحده بمشاهدة ما لا يشاهده الآخرون وينتقي بحسب ‘’ثقافته’’ ما يجب أن يصل للآخرين.. رقيب اليوم ورقيب الأمس، وما الذي تغير بينهما، إذ تنثلم اليوم من حياء الجموع قطعة إن مرت المسرحية ذاتها التي رآها قبلاً بمقصّات أكثر رهافة، ولكنها إن مرت اليوم تمر من تحت أنف ‘’مثقف’’ أيضاً يراها كما لا يراها ‘’مثقف’’ آخر، ومن بعد إذن ساطور حاد.
الجمهور الذي شاهد اللوحات الإيحائية التي قدمت في ‘’أخبار المجنون’’ صفق طويلاً للعرض الإبداعي المتكامل حين انتهائه، بل واحمرّت الأيدي من التصفيق، وخرج يتناقش في المسألة نفسها، لم يتقاتل الناس، بل عبّروا بـ ‘’ثقافة’’ راقية عمّا رأوه وعن رأيهم فيه، واختلفوا اختلافاً ‘’ثقافياً’’ بين من رآه فناً راقياً، أو جرأة عالية، أو اقترابا مما لا يُقبل.

ليس الأمر بحاجة إلى معارك ‘’ثقافية’’ فكلّ يحمل من هذا الفيض جزءاً، وكلٌ يقف منه بزاوية، ولكن المشكلة الحقيقية أن كثيراً منا لا يرى إلا ما يراه، أو ما يريد أن يريه للناس.

الوقت

أقرأ أيضاً: